يخشى كثير من الناس من الأزمة الخطيرة التي تصاحب سن المراهقة، بل أن الكثير اصبح يعتقد أن المراهقة كلمة مرادفة للأزمات، بينما الحقيقة عكس ذلك.
حيث تمثل المراهقة حقبة محدودة في حياة الإنسان يمر بها كل من يصل الى سن الثانية عشرة من العمر تقريبا وحتى سن الثامنة عشرة، أو قد تمتد أحيانا حتى تصل الى العشرين أو بعد ذلك بقليل، إذا طالما أن المراهقة هي مرحلة واجبة الحدوث ويمر بها كافة البشر، إذا فلماذا كل هذا الخوف الشديد لدى كل أسرة.
الحقيقة أن هذا الخوف له ما يبرره من كثرة ما يرى الأهل من مشاكل ومصاعب تحدث لدى بعض الأسر، والتي قد تصل في حدها الى درجة الكوارث حيث قد يترك الأبناء الأسر ويهجرونهم أو قد يتوقف الابن عن التعليم نهائيا أو يترك عمله أو يذهب للزواج من إنسانة غير مناسبة.
كل هذه الأحداث وغيرها كثيرا قد تصيب بعض الأسر، وينجو منها البعض الآخر، والسؤال الذي يأتي على ذهن الجميع هو هل هذه المشاكل أو غيرها أصبحت مشاكل حتمية الحدوث في سن المراهقة، والجواب بالطبع "النفي"، لان هذه الأحداث مرتبطة بقابلية الأسرة لاحتواء المراهق أو المراهقة.
وحيث انه من المعلوم أن التغيرات الجسدية والنفسية التي تحدث في هذه المرحلة هي تغيرات عظيمة وقوية وسريعة التغيير وتجعل الشباب في هذه السن في حالة من الغليان والفوران الشديد، فهم ممتلئون بالحماسة والرغبة الشديدة التي تصل الى حد الفضول لاكتشاف ما يدور حولهم من متغيرات، والخطير في هذا الموضوع انهم لا يكتفون برؤية العالم من حولهم من خلال أعين وحواس الأهل والمحيطين، ولا يكتفون في هذه الحالة من النشاط بقبول الحقائق عن طريق النقل والتوثيق من الأهل فقط كما كانوا يقبلون في مرحلة الطفولة. ولكن نجد أن لديهم رغبة عنيفة لاكتشاف الدنيا من حولهم بأنفسهم والدخول في تجارب وخبرات كثيرة بعضها يكون على درجة من الخطورة لاكتشاف طبيعة طعم الحياة بأنفسهم. وهذا بالطبع يخلق نوعا من الخوف أحيانا، والاستفزاز أحياناً أخرى لدى الأهل، ولكنه في معظم الأحيان يولد حالة من الترقب قد تدفع الأهل الى زيادة مراقبة الأبناء في هذه السن الحرجة حتى لا تنفلت الأمور ويقع المحظور، ويقع الأبناء في أمور خطيرة لا يمكن مساعدتهم بعدها. وهذا الفعل من الأبناء، ورد الفعل المعاكس من الآباء يخلق جوا من التوتر بينهم يزيد من حدة الأزمة التي تبدأ خيوطها في النسج من هذا التاريخ.
إن مفتاح الأزمة يوجد حقيقة عند الأهل والأسر قبل أن نطالب به الأبناء، لان التغيرات السريعة والمتلاحقة التي تحدث في أبنائنا تجعلهم في حالة من عدم الثبات سواء في التفكير أو المزاج أو سرعة رد الفعل أو الاختيار، وهذا بالطبع لا يمكنهم من الصبر على مواجهة الأزمات ويجعلهم يصطدمون بسهولة بمن حولهم.
ولذلك فإنني أقول ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأسر لانهم هم الكيان الأكثر ثباتا وهم لديهم في النهاية الخيوط التي تحرك كثيرا من المتغيرات في الحياة، ولديهم الخبرات الكثيرة التي تمكنهم من تحمل الاختلاف والنقض اكثر من الأبناء.
ولذلك فإن الرسالة التي أتوجه بها الى الآباء والأمهات والمجتمع، استوعبوا أبناءكم فإنهم خلق جديد ليس بسيئ السلوك ولكنه مختلف، والاختلاف فيه رحمة للجميع وتطور للحضارات.
وأوصيكم في النهاية بمعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربوا أبناءكم بطريقة غير التي تربيتم عليها، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.
Bookmarks