بعــــد 15 عامًا من الطلاق المخملي بين التشيك والسلوفاك
السياسة نجحت في تقسيم الفيدرالية لكنها أخفقت في تقسيم المشاعر
الياس توما من براغ: يتذكر التشيك ومعهم السلوفاك في هذه الأيام من كل عام الأجواء التي سادت في البلدين في الربع الأخير من عام 1992 لأنها كانت حاسمة بالنسبة إلى المصير المشترك لهم كونها أودت بالدولة الفيدرالية التشيكوسلوفاكية إلى ذمة التاريخ وبدلاً عنها ظهرت دولتان جديدتان في وسط أوروبا هما جمهورية التشيك وجمهورية سلوفاكيا. وعلى الرغم من التوتر الذي رافق المفاوضات الأولى التي تمت بين قيادات الطرفين في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في تشيكيا وسلوفاكيا في حزيران / يونيو من عام 1992 بسبب الخلافات حول موضوع الترتيب السياسي الدستوري الجديد بين الجمهوريتين، إلا أن العقلانية سادت في النهاية ولذلك ادخل التشيك والسلوفاك في المفكرة السياسية الحديثة مصطلحًا جديدًا، اسمه الطلاق السياسي المخملي .
وعلى خلاف انهيار الاتحاد اليوغسلافي الذي كان دمويًا ومدمرًا، فإن الاتحاد الفيدرالي التشيكي لم يمزق في الشوارع وجبهات القتال بل في أروقة القصور القديمة والمكاتب الفخمة، ولذلك لم يجرِ التوقيع في النهاية على هدنة أو وقف لإطلاق النار أو اتفاق لإنهاء حالة الحرب أو العداء بل جرى التوقيع على العديد من الاتفاقات التي تنظم العلاقات المستقبلية بين الدولتين الحديديتين، إضافة إلى معاهدة صداقة وتعاون .
ولم تكن عملية تقسيم الدول الفيدرالية سهلة غير أنها جرت دون تحكيم دولي وتم فيها اعتماد مبدأ 2/1 بالنظر لكون عدد التشيك ضعف عدد سكان سلوفاكيا. وقد بدأت عملية التقسيم في عام 1993 ولم تنته فعليًا إلا في عام 2000 حين سلمت تشيكيا 4*5 طن من الذهب لسلوفاكيا هي حصتها من الاحتياطي الفيدرالي كانت محتجزة لدى التشيك حتى يتم تسوية إشكاليات الأسهم والديون التي للتشيك على السلوفاك.
ولم يقتصر التقسيم على الممتلكات وعلى 2800 معاهدة كانت تربط بين تشيكوسلوفاكيا وبين العالم الخارجي وإنما شمل أيضا حدود الجمهوريتين حيث تم إجراء 18 تعديلاً على الحدود المشتركة الأمر الذي أدى إلى تقصيرها من 285 كم إلى 251 كم كما تم تبادل أراضي من قبل الجانبين مساحتها 452 هكتارًا.
وعلى الرغم من مرور 15 عامًا على انقسام تشيكوسلوفاكيا، إلا أن النظرة لا تزال مختلفة في براغ وبراتيسلافا لدى الأوساط السياسية التي ساهمت بالانفصال بشأن الجهة التي سببت الطلاق بين الجمهوريتين، ففيما يقول التشيك إن السلوفاك هم الذين اختاروا ذلك، وإن التشيك والسلوفاك أصلاً شعبان مختلفان والاتحاد الذي كان قائمًا بينهما لأربعة وسبعين عامًا لم يكن سوى مجرد صيغة سياسية ربطت بينهما، يصر السلوفاك على أن التشيك لم يتركوا لهم أي وسيلة سوى طلب الطلاق لأنهم كانوا يتعاملون معهم بفوقية مستغلين كون براغ هي المركز وكون عدد السكان التشيك ضعف عدد سكان سلوفاكيا
وبغض النظر عن الطرف الذي تسبب في انهيار الاتحاد الفيدرالي التشيكوسلوفاكي فإن شعورًا بالحزن قد ساد لدى شرائح واسعة من السكان في الجمهوريتين من جراء ذلك باعتبار أن الانقسام جاء بعد 74 عامًا من التعايش التشيكي السلوفاكي المشترك في دولة واحدة كما انه لم يتم باختيار وموافقة السكان في الجمهوريتين عبر استفتاء عام وإنما تم باتفاق قيادات الحزبين الحاكمين آنذاك وهما الحزب المدني الديمقراطي اليميني في تشيكيا وحزب الحركة من اجل سلوفاكيا الديمقراطية القومية الاتجاه في سلوفاكيا والذي جرى في 6 تشرين الأول /اكتوبر من عام 1992 في مدينة ييهلافا التشيكية .
لقد نجح السياسيون التشيك والسلوفاك بتحقيق الانفصال بين الجمهوريتين غير أنهم فشلوا في تقسيم مشاعر السكان وإبعادهم عن بعضهم فمختلف استطلاعات الرأي في البلدين تؤكد و بشكل مستمر على أن التشيك لا يزالون يعتبرون السلوفاك الأقرب إلى قلوبهم فيما يقول السلوفاك أيضا نفس الشيء عن التشيك .
وقد سبقت تشيكيا بعد الانفصال سلوفاكيا إلى حلف الناتو غير أن البلدين دخلا الاتحاد الأوربي في أيار مايو من عام 2004 بشكل مشترك ولذلك عادا ووجدا بعضهما البعض، لكن هذه المرة ليس تحت قبة الفيدرالية وإنما تحت سقف البيت الأوروبي الأكثر ثراء وهو الاتحاد الأوروبي .
Bookmarks