صفحة من مذكراتي
في صباح يوم من أيام الشتاء ذو النسمات الباردة..وبينما أنا استعد للذهاب إلى المدرسة..إذ بطرقات خفيفة على باب غرفتي..فتحت الباب فإذا بوالدي واقف بابتسامته المعهودة يستعجلني بالنزول لتناول الفطور ومن ثم اصطحابي للمدرسة..كنت حينها في المرحلة الثانوية..ابتسمت في وجهه وقبلته على جبينه..وأخذت حقيبتي ونزلت معه ونحن نتحدث ونضحك..اذكر حينها قال لي.. لنضحك ونحن ننزل السلم.. قلت له لماذا يا أبي..قال لنثير غيرة والدتك.. ضحكنا..وضحكنا..وعند نهاية السلم شاهدتها واقفه..في عنفوان شبابها كيف لا و هي تزوجت قبل أن تكمل الخامسة عشر من عمرها .. والدتي حينها لم تكمل الثلاثين من عمرها.. ووالدي كان يكبرها بـ خمسة عشر عاماً.. ولكن الذي يراهم لا يلاحظ الفرق الكبير في العمر بينهم..
كانوا متفاهمين إلى ابعد الحدود…وهذا انعكس إيجابيا علينا أنا وأختي وآخى ..
كانت والدتي واقفه اسفل السلم واضعه يدها في خصرها وهي تنظر لنا أنا ووالدي..وشبح ابتسامه يرتسم على وجهها تحاول أن تخفيه بتكشيره مفتعله .. قالت..ما لذي يضحككم رد والدي..هذا شيء لا يعنيك..أنا وابنتي أحرار.. والتفت علي والدي .. أخذني في حضنه داخلني إحساس بأن والدي لم يرد أن يتركني..آآآآآآه يا والدي كم أنا بحاجة لذلك الحضن الحنون.. نزلنا جميعاً متوجهين إلى مائدة الفطور..وقد كان آخي وأختي قد سبقونا في الفطور.. جلست على المائدة .. لم تكن لي قابليه للأكل .. كنت أفكر في والدي..طريقته هذه المرة تختلف عن كل ما سبقها..إحساسي بأبي ابداً لا يخطئ…انه فعلاً لم يكن ليتركني من حضنه لولا أن والدتي قالت سوف تتأخرون هيا لتناول الفطور…قمت من على المائدة.. التفت لي والدتي.. لم تتناولي فطورك.. ابتسمت.. وقلت لها سأكل في المدرسة .. لحقت بي أختي .. وبادرتني.. ما الذي حصل ..ما سبب انقلاب حالك .. قلت لها لا شي.. وتوجهت إلى الخارج .. أخذت أتمشى في حديقة منزلنا الصغيرة .. رأيت والدي واخوتي يخرجون فتوجهت إلى السيارة.. أوصلنا أخي الصغير أولا ثم أختي ..واخيراً أنا.. قبل أن انزل من السيارة قال لي والدي..وهو يمسك بيدي..سنتغدى اليوم خارج البيت .. سأتصل بوالدتك واخبرها .. ابتسمت ونزلت من السيارة .. و إحساس من الضيق يطبق على صدري .. وأنفاسي احسها تخرج متقطعة غير منتظمة . . وصلت إلى الفصل .. وضعت حقيبتي .. وخرجت من الفصل..لم أشاء أن أتحدث مع أحد . .والدي اليوم على غير عادته والدي به شي لا اعرفه … جاءتني صديقتي المقربة .. ووقفت بجانبي دون أن تتكلم رفعت عيني صوبها فلم استطع تمييز ملامحها من كثرة الدموع التي تملأ عيني ..أخذتني صديقتي في حضنها .. وبكيت بكيت كما لم ابكي من قبل .. أردت أن ارتاح .. ولكن هيهات .. قالت لي صديقتي ما الذي حصل . .لم تراجعي للاختبار ؟؟
هل أسمعك أحدهم كلمه ضايقتك ؟؟!! شيء يؤلمك ؟؟ تحدثي ما بك.. لماذا البكاء.. ؟؟!!
حاولت أن استجمع نفسي .. وحكيت لها عن إحساسي بوالدي .. ابتسمت صديقتي وحاولت أن تطمئنني .. دخلنا الفصل .. أحسست بالدقائق كأنها دهور .. كنت أريد أن ينتهي اليوم المدرسي .. ويأتي والدي ليأخذني .. لأراه .. ليطمئن قلبي .. كنت أتمنى أن يكون إحساسي بوالدي هذه المرة خاطئ ..
انتهى اليوم المدرسي .. خرجت من الفصل .. توجهت إلى الباب الخارجي للمدرسة .. لم أجد والدي في انتظاري .. لم تحدث من قبل .. لم اخرج يوماً ألا وهو واقف أمام باب المدرسة ينتظرني .. ما الذي أخره اليوم ؟؟!! آه لقد تأخر لأنه حتماً سيمر على والدتي حتى نذهب لتناول الغداء في المطعم مثلما قال لي صباح اليوم .. ولكنه تأخر .. اغلب الطالبات غادرن المدرسة .. قالت لي صديقتي تعالي معي سأوصلك للبيت .. كيف اذهب معها ماذا سيحل بأبي لو جاء ولم يجدني .. لا لا لن اذهب معها .. اعتذرت .. وطلبت منها أن تذهب فأبي حتماً سيأتي لأخذي .. ذهبت صديقتي .. وبعد قليل .. وأنا اقف انتظر أمام باب المدرسة إذ بسياره تقترب من المدرسة .. انه خالي ..!!! ما الذي أتى به .. انه لم يأتي لأخذي من المدرسة طوال سنوات دراستي … توجهت له ما الذي حصل يا خالي فتح لي الباب وقال اصعدي .. أين والدي ؟؟ لماذا لم يأتي لأخذي ؟؟
لم يتكلم خالي .. وأنا كذلك آثرت السكوت .. لا اعلم لما .. ولكني صمت ..
وصلنا إلى البيت .. بيت جدي .. لم أستطيع النزول من السيارة .. لم ارغب أن ادخل بيت جدي .. ولما بيت جدي .. وبيتنا .. ؟؟!!
أين أبي ؟؟ أين أمي ؟؟ لماذا بيت جدي .. أين بيتنا ؟؟
رأيت آخي يقف أمام بيت جدي .. نزلت من السيارة مرغمه .. لم أشاء أن اسأل لم أشاء أن أتكلم .. لم اكن لأستطيع الكلام .. ماذا أقول .. كيف أتصرف .. ما الذي سيخبروني به وقفت أمام أخي .. رأيت الدموع تملأ عينيه الصغيرتين .. مابك ؟؟
لم يرد.. والتفت إلى خالي ..هل اخبرها ..؟؟ امسكني خالي .. ما الذي يريدون أن يخبروني به ؟؟!! ولماذا هو يبكي ؟؟!! هل حدث مكروه ؟؟ أعوذ بالله لا لا انهم حتماً جميعاً بخير.. تركتهم أمام البيت ودخلت وأذ بزوجة جدي تستقبلني بالبكاء والعويل والدموع .. لم استطع الحراك من مكاني .. ما الذي جرى لما كل هذا الصراخ والبكاء ؟؟!! والدك والدك يا حبيبتي بعد أن أوصلك للمدرسة وهو يتحدث مع والدتك في الهاتف .. صرخ فجاة وسكت.. وسمعت والدتك صوت ارتطام فظيع لقد حدث له حادث كبير..دهست سيارة والدك شاحنه كبيره .. والدك هو الغلطان .. لم يكن منتبه للطريق ..
ما هذا ؟؟!! ما الذي تهذي به هذه العجوز ؟؟!! أنها حتماً خرفه .. والدي وعدني أن نذهب لنتغدى في المطعم اليوم .. وانه حتماً سيفي بوعده .. هو دائم الوفاء بوعده .. حاولت اخذي في حضنها .. دفعتها بكل ما املك من قوه امسك بي خالي .. فقدت الوعي ولم اصحى ألا على وجه أختي .. تبكي بجانبي .. أين والدي .. حاولت القيام من السرير أنى مربوطة بالسرير .. لماذا .. ما الذي حدث .. لماذا تربطوني ؟؟
بكت أختي بكاء شديد .. أخذت اصرخ أحاول فك السيور .. لماذا تكبلوني .. أين أبي أريد أبي .. امسكني خالي بقوه .. وقال لي والدك توفي تعرض لحادث قبل أربعة أيام ،، أربعة أيام وأنا فاقده الوعي ،، هل يعقل هذا والدي رحل لن أراه بعد اليوم؟؟!! لاااااااااااااا مستحيل سأرحل أنا ايضاً .. سألحق به لا أريد الحياة من غيره…..استغفر الله…لم اكن بوعيي حينها .. وبعد مرور أسبوعين على وفاة والدي .. عدت للبيت رأيت والدتي تجلس في غرفتها وهي ممسكة بالمصحف ..عندما رأتني بكت .. ولم استطع المقاومة انهرت أمام بكائها .. أريده احتاج له..لم اكن لأشبع منه .. رحل والدي وأنا في أمس الحاجة له ولكني الآن وبعد مرور كل هذه السنوات .. أنا فخوره بنفسي وبأني استطعت أن أحقق أمنية والدي رحمه الله .. في أن أكون طبيبه . . نعم كان يتمنى أن اصبح طبيبه .. ها أنا ذا اليوم يوم تخرجي من كلية الطب .. انه حتماً سيفخر بي لو كان موجود بيننا رحمك الله يا والدي العزيز ..
بقلم : شمس الاصيل
Reply With Quote
Bookmarks