لعل النظافة أحد أهم أشكال الهوية العربية والإسلامية، فلا تجد دينًا يحافظ على نظافة الداخل والخارج كما يحافظ عليها الإسلام، فنحن ملزمون بالوضوء يوميًا، وملزمون بغسل أسبوعيًا على الأقل، عدا تنظيفنا لطرقنا ومنازلنا، "وَيمُِيْطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ".
ويقال إنَّه في حملة ماجلان لرأس الرجاء الصالح، أصاب الجرب معظم أسطوله، فكان يعزل المصابين في إحدى السفن، ولم يكن ينزل إليهم إلا القبطان العماني الشهير أحمد بن ماجد، ولم يكن يصاب بالجرب، فكانوا يقولون لماجلان إنَّه ساحر، فاستدعاه ماجلان وسأله عن سرِّه، فقال: "ليس في ذلك سر.. إنَّه الماء، وبين له أنَّ الإسلام أمرنا بالوضوء، وغسل اليد بعد الأكل.. والاغتسال، وبحارتك لا يقومون بشيء من ذلك، فأمر ماجلان البحارة بالاغتسال يوميًا.
ومثلها حينما أصاب الطاعون العام أوروبا، وكانت هولندا والدنمارك أكثر المتضررين به، فأرسل ملك هولندا رسله إلى جميع أنحاء العالم لمعرفة علاج لهذا الطاعون، ففاجأه من ذهب إلى الأندلس.. وهي جزء من أوروبا أنَّ الأندلسيين لم يصابوا به، فلما سُئِلوا عن السر.. أجاب رسوله: "إنَّه الإسلام"، وشرح له عملية الوضوء.. والاغتسال مرة أسبوعيًا على الأقل.. وغسل اليد بعد الأكل وقبله، فاستصعب مستشاروه أنْ تسلم هولندا لتنجو من الطاعون، فأصدر قرارًا ينص على غسل الرأس.. واليدين والرجلين (كما في الوضوء) خمس مرات يوميًا، والاغتسال مرة أسبوعيًا ووجوب غسل اليد قبل وبعد الطعام، واضطر لتطبيقه لإنشاء شرطة أسماها شرطة النظافة.
والمطَّلع على رحلات الوزير ابن فضلان يرى اشمئزازه من قذارة الأوروبيين، وكيف أنَّهم حين صباحهم يغتسلون في إناء واحد.. فيتمضمضون فيه ثم يتمخطون فيمررونه لبعضهم.. إلى آخر الصور المقززة في رحلته لشمال أوروبا، التي وصل فيها إلى الدنمارك.
وفي رسالة للدكتوراه.. حديثة، قدَِّمت مع أوائل هذه العشرية من القرن، وكانت جزءًا من ثورة علمية يقوم بها بعض الأساتذة الجامعيين، والمثقفين الأسبان لتغيير وجهة النظر حول الجزء التاريخي الأسباني المرتبط بحكم المسلمين لأرضهم، كانت الرسالة عن آخر أيام غرناطة، وقدمت في جامعة غرناطة، جاء فيها ما معناه: "في الوقت الذي كان فيه كل واحد من سكان غرناطة يفكِّر في مواصفات بناء دار حمام (أي غرفة استحمام) خاصة به في بيته، كانت الملكة إيزابيلا، المحاصرة لأسوار غرناطة تحمل في يدها صولجانًا لتحك به القذارة عن ظهرها، وتفتخر أنَّها لم تستحم منذ عُمِّدَت إلا يوم زواجها، ورغمًا عنها".
إنَّني أورد هذه الأمثلة لأقول إنَّ النظافة، التي ينقلها لنا الإخوة الزائرون للبلدان الأوروبية في التعامل مع الأماكن العامة، وهم يقولون: "... وإن رأيت مكانًا قذرًا فاعلم أنَّ العرب مروا من هنا"، هذه النظافة كانت جزءًا من شوارعنا نحن، وأنها نُقلت إليهم عن طريقنا.... فليتنا حافظنا على هويتنا.
Bookmarks