عندما تفقدنا أوطاننا ظروف العيش وتجردنا من أدنى شروط البقاء ..الوطن الذي أحالنا إلى طابور المعدمين والتعساء والموتى الذين لم يتم استكمال إجراءات رحيلهم بعد !!الوطن هذه المرة من أعلن بخطوات متسارعة عن رغبته في إطفاء النور بناءا على رغبة أحد رجاله المتربصين على هرم المنصب والجاه!!
هكذا الأوطان هي مبررا لفعل الطاغي الذي يجلد من يود جلده وينتهك روح من يريد انتهاك روحه!!الأوطان أصبحت صورة مزيفة لوجه القائمون على ترتيب قوانينه والتسويق لما يريدونه!!
لم يتبقى من مبررا للبقاء سوى الكتابة ..إنها الصرخة الأخيرة التي ينبغي أن نملئ بها وعاء القلب حتى أخر قطرة دم و وريد ينزف !!الصرخة الأعمق التي ينبغي أن نملئ الكون بدويها فهي الإمضاء الأخير إلى زمن النبل المتواري..إلى عالمٍ ٍ حتمي ليس هذا العالم المسكون بزيف الجلاد ودم الضحية؛
الكتابة هي حدث مواجهة وفعل مجابهة..وقود الروح الذي لا ينضب ولا يتبدد أبدا ..أنها الوطن الحقيقي الذي نلجأ إليه في كل ما فقدنا من وطن ٍ نرزح على مساحته ونعيش في حضرته على موائد التخوين صباحا ومساءا!!وطنٌ ما زال يتلقى تعليمات أحدهم في السلطة ويمارس الجلد المكثف لجلودنا التي أصابها على كل ثقب من ثقوب الجسد*وإضرام النيران على كل جرح من جروح الجسد التي تعلن عن معنى ٍ أخر لانتصاراته والتي يجرّب بصفاقة الطغاة سيمفونية التمثيل بالجسد!!
الكتابة هي أنفاسنا الأخيرة التي نحملها على مهل ٍ وتحملنا على أحزانها وأوجاعها الكبرى التي لا تتوقف عن النبض وعن الحياة أبدا........
الكتابة هي مساحتنا الشرعية للبقاء والمقاومة وهتافنا بالنشيد حريةٍ وشموخا!!!
الكتابة هي العملية الانتحارية التي نرتكبها في أوطان ٍ مثل هذه ..وهي الحزام الناسف الذي نربطه على أجسادنا ..وآخر محاولة للتعبير عن رغبتنا الأبدية في اقتفاء ومعانقة القيم الفاضلة والإنسانية!!
أنها الشكل النهائي الذي لا شكل بعدها للحياة.. هي الرصاصة الأخيرة أو الوردة الأخيرة في جعبتنا نطلقها على هذا الكابوس المُحلّق فوق غيوم الذاكرة والوطن المجرد من قيامة الضمير الحي.....
الكتابة هي شهقتنا المعلنة في كل اللغات لكي تبدد وحشة وطن ٍ استفاق على السير خلف أوجاعنا ودمنا !!!
الكتابة هي حصتنا ورصيدنا الذي ننام على ثروته ليلا ونهارا..و التي نزهو بمحصولها الوافر على من يملك في أرصدته ثروات منهوبة و قصور خالدة الارتفاع..
أنها الكتابة بأول لغة وأخر شهقة!!!
-نشوان عبده علي غانم.
-مهندس/إتصالات...اليمن.
-(20-08-2008م).
Bookmarks