قدسية الكلمة
تظل الكلمة هي الأداة الأكثر نجاعة في سائر وسائل الاتصال التي وصل إليها العقل البشري , ولهذا التفوق للكلمة كان لزاماً أن يكون لها قدسية تحوطها , فكل نفيس لا بد له من نصب , وكلٌ على قدره . حروف الكلمة إما أن تكون مناراتٍ تشع ضياءً وتهدي إلى سواء السبيل , وإمّا أن تكون خناجراً في خاصرة الكلمة تدميها , وتثعب معانيها دماً . الكلمة إمّا خافضة وإمّا رافعة , فهي القادرة على أن ترفع أقواماً شأواً ما بلغه دونهم أقوام, وهي أيضاً ذات القدرة على أن تهوي بهم إلى قيعان المذلة والصغار .
للكلمة الصادقة وقع في النفس , ووهج في الروح لا تملك معه إلا انفتاحاً وانشراحاً , والكلمة السيئة لها قترٌ يقوض معالماً في الصدور , وتذوي بها بساتين البهجة , وترحل بوقعها العنيف خفة الروح ورونقه . لقد عني الأول بالكلم فاعتبروه دليل مروءة , وخليقة تبلى حين أن يصاحبها بذاءة أو فحش . ولما للكمة من أهمية نجد القرآن يوصّف لها أعظم توصيف وأرحبه فيقول جل من قائل : "ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون , ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" 24 , 25 إبراهيم . ويقف النبي المصطفى مع هذا المعنى فيقول : "رب كلمة يقولها العبد لا يلقي لها بالاً تهوي به في قعر جهنم سبعين خريفاً" أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
الكلمة لها قدسية لا يدركها إلا من فقهها , وفتح قلبه لمعانيها , واستشعر أمانتها , أما أولئك الذين أشاحوا بوجوههم عن ذلك النبل في المعاني , والقدسية في الظلال , فتراهم إلى الغلو ينزعون , وإلى الغريب من القول يهرعون , ولكل بذيء وفاحش يحجون بنافر الحروف , وقديماً قالوا : "رب حروف تجر حتوف" ..
والسلام عليكم ..
علي الشاحذي
Bookmarks