القدس العربي - صنعاء : بدأت السلطة منذ الأيام الأخيرة لشهر رجب وقدوم شهر رمضان المبارك بالإعلان عن الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، بمن فيهم متهمون بأعمال إرهابية، وذلك ضمن المَكرُمة الرئاسية التي تمنح للسجناء في مثل هذا الشهر الفضيل من كل عام. وتشمل عملية إطلاق السجناء العاجزين عن دفع الالتزامات المالية نتيجة الأحكام عليهم وأيضا من تبقي عليهم فترة قصيرة لانقضاء عقوبة السجن. المشكلة التي تطرأ في هذه الحالة أن هذه المَكرُمة تخصص للذكور فقط دون نظرائهم السجينات من النساء، ليس لأن المكرُمة لم تشملهن ولكن لأن وضعهن لا يسمح لهن بالخروج من السجن، حتي وإن أكملن فترة العقوبة المفروضة عليهن. فالسجينات يعتبرن مصيرهن السجن وحسب ولا مجال أمامهن لاستئناف حياتهن من جديد خارجه، حيث أن السجن أصبح في نظرهن البيت الأول والأخير لهن، لأن أسرهن تبرأن منهن إلي الأبد لمجرد دخولهن السجن، فيما أصبحت نظرات المجتمع لهن قاتلة وأكثر وقعا من ضرب السهام والسيوف. بالأمس انتهت فترة العقوبة لسجينة في السجن المركزي بمدينة تعز وحاولت إثر ذلك الخروج منه، غير أن أهلها رفضوا قبول عودتها إليهم، لأنهم تبرأوا منها لمجرد دخولها السجن فحسب، فما كان من مسئولي السجن إلا التحفظ عليها في السجن ربما إلي ..الأبد. السجينة في سجن النساء بصنعاء (س.م.ح) أوضحت لـ القدس العربي أن أسرتها تخلت عنها للأبد ولم تقم بزيارتها في السجن منذ أن دخلته قبل عدة سنوات، ورفضت قبولها للعيش في منزل والدها بعد انقضاء فترة العقوبة، التي انتهت قبل أكثر من عامين، ما اضطرها إلي استمرار البقاء في السجن. وقالت في ظل وضعي أصبحت أري أن السجن رغم ما نواجه فيه من معاناة هو المكان الطبيعي للحياة، بينما العيش خارجه أصبح هو السجن الحقيقي والأكثر سوءا . واعترفت بالخطيئة التي ارتكبتها لكنها أكدت أن الجميع ـ الأسرة والمجتمع ـ لعب دورا في الخطيئة التي اقترفتها، وسرعان ما تخلوا عني لمجرد اكتشاف أمري . وقالت السجينة (ز.ع.ص) شعرت أني أدخل القبر لمجرد أن تخطت قدماي عتبة السجن، لأني أيقنت حينها أن حياتي انتهت ولا مجال لعودتي للحياة الطبيعية . وذكرت أنها منذ سنوات طويلة قضتها في السجن لا تعرف أي شيء عن أسرتها، حيث انقطعت صلتها بهم بالكامل منذ عرفوا أنها دخلت السجن بقضية أخلاقية. وأضافت حاولت مرارا إرسال رسائل إلي أهلي لإقناعهم بالعفو عني وقبولي بينهم في حال انتهت فترة عقوبتي في السجن، إلا أنهم رفضوا حتي مجرد الرد علي رسائلي، وهو ما دفعني إلي البقاء في السجن . وكشفت (أ.ق.س) إنها دخلت السجن لمجرد الشبهة في قضية أخلاقية، حيث قبضت عليها الشرطة وهي في حالة خلوة مع سائق تاكسي، ورغم ذلك تخلت عنها أسرتها وظلمها المجتمع. وقالت تعرفت علي سائق تاكسي وكنت أتواصل معه بين الحين والآخر لمجرد الحديث العابر وكان هدفي من ذلك الزواج منه علي سنة الله ورسوله، ولكن القدر حال دون ذلك وانتهي مصيري بهذه النهاية المأساوية التي أطاحت ليس بكل أحلامي ولكن بكل حياتي . عائلات السجينات ينكرن أي علاقة لهن بقريباتهن اللواتي دخلن السجن وتكون إجابة هذه الأسر عند سؤالهن عن السجينة بأنها ماتت ، بل وتلجأ بعض الأسر إلي عمل جنازة وهمية لتلك الفتاة السجينة، وتشييعها أمام الجيران والمجتمع لإيهامهم بوفاتها من أجل إخفاء عارهم مما اقترفته ابنتهم، من قبيل المثل الشائع النار ولا العار . المجتمع لا يرحم، ولا يقبل التبرير ولا يمكن أن يلتمس عذرا لأي فتاة ارتكبت خطأ أخلاقيا، أو حتي دخلت السجن ولو بدون خطأ صريح، حيث دخولها السجن يرجع دائما لأسباب أخلاقية حتي ولو كان بسبب قضية أخري. وأمام هذه النظرة الأسرية والمجتمعية القاصرة للسجينة تنأي الجمعيات الخيرية بنفسها عن احتضان هؤلاء السجينات بعد انقضاء فترة عقوبتهن، عبر بناء دار تأويهن، أسوة بنظرائهن المحتاجين من الأيتام والفقراء الذين شُيّدت لهم الكثير من دور الرعاية بمن فيهم اللقطاء، وذلك تفاديا للنظرة المجتمعية التي قد تلحق بالجمعيات التي تحاول تقديم أي عون للسجينات. واستثناء لذلك تحاول بعض المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان ـ علي استحياء ـ مساعدة السجينات في مجالات ضيقة، وهي المساعدة القانونية والعون القضائي، كما أكد لـ القدس العربي مدير مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان عز الدين الأصبحي. وقال قام مركزنا منذ العام 2001 بتنفيذ برنامج للمساعدة القانونية والعون القضائي لمساعدة النساء اللواتي يقضين فترة العقوبة في السجون . مشيرا إلي أن هذا البرنامج لا زال مستمرا بتقديم الاستشارات اللازمة لهن، وحصلت 53 من السجينات بموجب هذا البرنامج علي البراءة، غير أننا واجهنا مشكلة أكبر من مشكلة السجن وهي مشكلة أسر السجينات اللواتي رفضن قطعيا قبول عودة هذه السجينات إلي العيش معهن، إلا فيما ندر . وأوضح أنه ليس جميع السجينات يقضين العقوبة في قضايا أخلاقية، فهناك العديد منهن دخلن السجن لأسباب أخري. وذكر أن الأسباب في دخول النساء السجون تتفاوت من منطقة إلي أخري، حيث أن البحوث الميدانية تؤكد أن 44% من السجينات في سجن مدينة تعز ـ مقر نشاط المركز ـ يقضين فترة العقوبة لارتكابهن جريمة القتل، بسبب الخلاف مع أقاربهن علي التركة، وبقية العدد ربما لأسباب أخلاقية وغيرها، بينما تحتل العاصمة صنعاء أكبر نسبة في عدد السجينات المتهمات بالقضايا الأخلاقية تليها محافظة إب، بينما أغلب السجينات في محافظة عدن بسبب المشروبات الكحولية، وغيرها من القضايا ذات العلاقة بالآداب. ----- * صحيفة القدس العربي 1- 11- 2003<<< منقول
Reply With Quote
Bookmarks