نسأل الله تعالى ان يمتعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ما حيينا ونسأله سبحانه وتعالى ان يشفي مرضانا وجميع مرضى المسلمين
اختنا الكريمة موضوعك قيم وقد كتبتيه بعين العقل الذي يتبصر الأمور من حوله بعين ثاقبة متوقعة لتغير الأحوال للحياة التي هي في مجموعها ابتلى وكم شاهدنا من اناس رفثوا في النعمة حقب طويلة ثم انتهت وحلت محلها النقم والأمراض والاسقام * والله سبحانه وتعالى يبلتي الناس بالفقر والغنى والمرض على حد سواء وليس ذلك دليلا لعذابه لهم او لمكافأتهم بل هي ابتلى فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فليصبر وليحتسب عند الله الأجر فالحياة قصيرة ولدار الاخرة هي الحيوان .
وهنا اورد لك ولجميع اخواني في هذا الملتقى قصة نبي الله أيوب عليه السلام الذي ورد ذكرها في القران الكريم
قال الحسن رحمه الله: مكث أيوب عليه السلام بعد ما ألقى على الكناسة سبع سنين وأشهراً، ولم يبق له مال ولا ولد ولا صديق غير امرأته رحمة صبرت معه وكانت تأتيه بالطعام وتحمد الله تعالى مع أيوب وكان أيوب مواظباً على حمد الله تعالى والثناء عليه والصبر على ما ابتلاه، فصرخ إبليس صرخة جزعاً من صبر أيوب، فاجتمع جنوده من أقطار الأرض وقالوا له ما خبرك؟ قال: أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلطني عليه وعلى ماله وولده فلم أدع له مالاً ولا ولداً ولم يزدد بذلك إلا صبراً وحمداً لله تعالى، ثم سلطت على جسده فتركته ملقى في كناسة وما يقربه إلا امرأته، وهو مع ذلك لا يفتر عن الذكر والحمد لله، فاستعنت بكم لتعينوني عليه فقالوا له: أين مكرك أين عملك الذي أهلكت به من مضى؟ قال: بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا علي، قالوا: أدليت آدم حين أخرجته من الجنة من أين أتيته؟ قال من قبل امرأته، قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها لأنه لا يقر به أحد غيرها. قال: أصبتم فانطلق حتى أتى امرأته فتمثل لها في صورة رجل، فقال: أين بعلك يا أمة الله؟ قالت: هو هذا يحك قروحه وتتردد الدواب في جسده، فلما سمعها طمع أن يكون ذلك كله جزعاً، فوسوس إليها وذكرها ما كان لها من النعم والمال، وذكرها جمال أيوب وشبابه. قال الحسن رحمه الله: فصرخت، فلما صرخت علم أنها قد جزعت فأتاها بسخلة، وقال ليذبح هذه لي أيوب ويبرأ، قال: فجاءت تصرخ إلى أيوب يا أيوب حتى متى يعذبك ربك، ألا يرحمك أين المال، أين الماشية، أين الولد، أين الصديق، أين اللون الحسن، أين جسمك الذي قد بلى وصار مثل الرماد، وتردد فيه الدواب أذبح هذه السخلة واسترح؟ فقال أيوب عليه السلام: أتاك عدو الله ونفخ فيك فأجبتيه ويلك أترين ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال
والولد والصحة، من أعطانا ذلك؟ قالت الله. قال: فكم متعنا به؟ قالت: ثمانين سنة. قال: فمنذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء؟ قالت: منذ سبع سنين وأشهر، قال ويلك، والله ما أنصفت ربك، ألا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة. والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة. أمرتيني أن أذبح لغير الله، وحرام علي أن أذوق بعد هذا شيئاً من طعامك وشرابك الذي تأتيني به، فطردها فذهبت، فلما نظر / أيوب في شأنه وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق، وقد ذهبت امرأته خر ساجداً، وقال:
{وايوب اذ نادى رَبَّهُۥۤ أَنِّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} فقال: ارفع رأسك فقد استجبت لك {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَۖ} فركض برجلـه فنبعت عين ماء فاغتسل منها، فلم يبق في ظاهر بدنه دابة إلا سقطت منه، ثم ضرب برجلـه مرة أخرى فنبعت عين أخرى فشرب منها/ فلم يبق في جوفه داء إلا خرج وقام صحيحاً، وعاد إليه شبابه وجمالـه حتى صار أحسن ما كان، ثم كسى حلة فلما قام جعل يلتفت فلا يرى شيئاً مما كان لـه من الأهل والولد والمال، إلا وقد ضعفه اللـه تعالى حتى صار أحسن مما كان، حتى ذكر أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جراداً من ذهب، قال: فجعل يضمه بيده فأوحى اللـه إليه يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها، قال: فخرج حتى جلس على مكان مشرف، ثم إن امرأته قالت: هب أنه طردني أفأتركه حتى يموت جوعاً وتأكلـه السباع لأرجعن إليه، فلما رجعت ما رأت تلك الكناسة ولا تلك الحال وإذا بالأمور قد تغيرت، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي وذلك بعين أيوب عليه السلام، وهابت صاحب الحلة أن تأتيه وتسألـه عنه فأرسل إليها أيوب عليه السلام ودعاها وقال: ما تريدين يا أمة اللـه؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتلي الذي كان ملقى على الكناسة، فقال لـها أيوب عليه السلام: ما كان منك، فبكت وقالت بعلي، فقال: أتعرفينه إذا رأيتيه، قالت وهل يخفى على أحد يراه فتبسم وقال: أنا هو، فعرفته بضحكه فاعتنقته ثم قال إنك أمرتيني أن أذبح سخلة لإبليس، وإني أطعت اللـه وعصيت الشيطان ودعوت اللـه تعالى فرد علي ما ترين.
اسم الكتاب: تفسير الرازي
رقم الجزء: 16
رقم الصفحة: 432
تقبلي خالص شكري وتقديري
تحياتي
Bookmarks