المستشفيات اليمنية ... مساحة للحزن !!

--------------------------------------------------------------------------------

المستشفيات اليمنية ... مساحة للحزن !!





نبيل لطف الحميري ـ الجزيرة توك ـ صنعاء


قررت وزارة الصحة اليمنية نقل قسم العيادات الخارجية في مستشفى الثورة العام إلى إحدى الحارات
البعيدة بينما يقع المستشفى في حارة أخرى بعيدة عنها ، وكلا الحارتين في العاصمة صنعاء، و يأتي
هذا القرار من ضمن القرارات التي يصفها كثيرون بالعشوائية التي تكلف المريض ماله وحياته
وعلى هذا ينطبق المثل الشعبي ( الطبل في صنعاء والرقص في محافظة ذمار ) . ويبدو أن قراراً
كهذا أبلغ دليل على سوء الإدارة وعلى موت الشعور الإنساني لمن يفترض أن يكونوا ملائكة
للرحمة على الأرض ، أما كان الأحرى أن تستغل مساحة المستشفى الواسعة لبناء العيادات الخارجية
عوضاً عن المبنى الذي أنشئ كي يكون مدرسة في حارة ( الروض )؟؟أعتقد أن قراراً كهذا يحمل
رسالة غير مباشرة للمرضى الفقراء مفادها ( ارحلوا عنا يا من صدقتم أن الخدمات الصحية للغني
والفقير على حد سواء ) .


أما مستشفى السبعين وهو ثاني أكبر مستشفيات العاصمة اليمنية فالكتاب يعرف بعنوانه حيث
أن صورة أكوام النفايات المتناثرة في باحته وبجوار أسواره تغنيك عما بداخله ، وبحسب رأي
بعض الزوار والمرضى وبعض الأطباء ، فإن المستشفى يفتقد لأبسط المقومات الطبية والصحية
التي شوهت مهنة الطب ، فالعلاج غير متوفر في قسم الطوارئ أو بالأصح ينعدم في أكثر الأوقات
الحرجة كغياب الأكسجين والكادر المتخصص بالإضافة إلى أن غرفة العناية المركزة ( الإنعاش )
في قسم الجراحة غير مجهزة بالشكل المطلوب كما يفتقر إلى الأجهزة الحديثة غير جهاز واحد للكشف
بالأشعة والذي بسببه ينتظر المرضى لفترات طويلة يتكبدون خلالها نفقات مادية باهظة تضاف إلى
حالة المريض النفسية والمعيشية ، كما يفيدون بأن هناك أدوية مجانية تابعة للمستشفى يتم بيعها
بينما تكون الحالات الحرجة - التي تصل إلى قسم الطوارئ – في أمس الحاجة إليها الأمر الذي قد
يفقد المريض حياته بسبب المسافة التي يقطعها مرافقه بحثاً عن العلاج خارج المستشفى ومن
حسابه الخاص الذي هو بأمس الحاجة إليه .


كما أفادوا بأن المستشفيات الحكومية مدعومة من عدة شركات عربية إلا أنهم لم يلمسوا أثرا لذلك
الدعم رغم أن التكاليف يدفعها المريض !! أحد المرضى يعلق ببساطة قائلاً : مستشفياتنا الداخل
إليها مفقود والخارج منها مولود . مقولته لفتت انتباهي فاستوقفته بأسلوب لا يثير شكوكه بكوني
صحفي بعد أن قلت له : لقد لخصت الحالة – يا حكيم قومك – فابتسم بعد أن تنهد بألم وقال :
وصلت حالة تستدعي الإسعاف السريع لكني شاهدت البطء القاتل وسرقة متعلقات المريض الشخصية
ربما لأن أهله وصلوا متأخرين. إنها حالة من ضمن حالات مرعبة مشابهة رغم استدراك ذلك
المريض بأن كل الناس ليسوا بهذا السوء .





تمنى هذا المريض كما تمنيت أنا أن تصل رسالته هذه إلى الجهات المعنية عسى أن تجد في أنفسهم
رحمة لإصلاح حال المستشفيات وإعادة تدريب القائمين عليها لتقديم خدمات صحية تليق بالبشر .


ولقد أرجع أحد الأطباء سبب الإهمال إلى أن الطبيب لا يحصل على الحياة الكريمة في ظل موجة
الغلاء الفاحش مستشهداً بقول الشاعر :


إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما


لكن هذا العذر لا يصلح في جميع الأحوال؛ لأن السعادة لا تتحقق للإنسان ما لم يقف إلى جانب
إخوانه وقت الشدة .


حالات مأساوية أخرى مردها إلى التخبط والقلق الناتج عن فقدان المريض ثقته بالطبيب ، فيضطر
كثير من المرضى إلى التنقل بين مدينة وأخرى بحثاً عن العلاج ولا يهمهم إن ذهبوا إلى عراف
أو مشعوذ رغم ما في السفر من خطر على صحة المريض وعلى أمواله حيث فقد كثيرون حياتهم
بسبب عدم إجراء الصيانة الضرورية للطرقات وتهالك السيارات والطريف في الأمر أن مرضى
العاصمة في مدينة تعز ومرضى تعز في العاصمة وهكذا الحال مع بقية المدن اليمنية .


ولأن شر البلية ما يضحك !! فلن أنسى اليوم المؤلم الذي خرجت فيه في ساعة متأخرة من
الليل حاملاً ابنتي التي لا يتجاوز عمرها الثلاث السنوات ، حيث كان من حسن حظي مصادفة
سيارة حملتني إلى مستشفىً بعيد يوصف بالمناوب لكنني فوجئت بقطٍ يبحلق في عيني من فوق
سرير ولسان حاله يقول : أنا المناوب الوحيد هنا أرجو أن لا ترفع صوتك لأن الذي سيسمعك
هو ( نكير ) المحاسب فقط ، وأما الحارس فهو أعجز عن خدمة نفسه .


وبعد ساعتين وصل طبيب مكفهر الوجه وقد نسي مفتاح عيادته فامتلأت عيناي بالدموع وأنا
أقرأ ( وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ) وعندما نظرت إلى ابنتي وجدتها تقول بلسان عذب
وبلهجة الطفولة ( بابا – بابُش مرض ) وأفاد الطبيب بأن لا حمى ولا تشنجات فأدركت أن الله
قد تدخل بعد الأخذ بالأسباب وحصول العجز .





ولعلك عزيزي القارئ تتأثر إلى حد الألم حينما تصطحب أخيك إلى عيادة خاصة مفضلاً إياها على
المستشفى لعلمك أن الأطباء يوفرون جهودهم لعياداتهم الخاصة أكثر من المستشفيات التي يعملون
بها ثم تفاجأ أن عين أخيك المصابة بالتحسس قد أصيبت بالعمى لأسبوعين بفعل طبيب من سكان
الرصيف في أحد شوارع روسيا حمله إلى بلادك بساط الجشع والتزوير .


ولعل الأحرى بوزارة التعليم العالي أن تسهل أمر التحاق الفقراء بكلية الطب حتى تكتفي كل أسرة
بطبيبها فتخفف المعاناة وأن لا تجعل أمر الالتحاق حكراً على الأغنياء فقط .





هذا الواقع المر جدير بتحرك الجهات المعنية بإرادة المحب لبلده بوضع الحلول المدروسة دراسة
علمية ، وأنا عندما أنقل هذا الواقع كمراسل لموقع إلكتروني متميز يحظى بمقروئية كبيرة لا أهدف
إلى التقليل من شأن بلدي في نظر الشعوب الأخرى فليس عيباً عرض مشاكلنا فلكل شعب مشاكله
ولكن العيب والخطر في أن تترك تلك المشاكل في انتظار عصاً سحرية كي تقضي عليها دون أي
جهد بشري.