وإن كانت هاتان الأخيرتان بسبب ارتباطها المباشر بالسلطة العليا قلّ من يعرف عنهما أية تفاصيل ، بما في ذلك الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يصعب ، بل يتعذر عليه غالباً الاقتراب من وحدات وزارتي الدفاع والداخلية ، ربما باستثناء إدارات المرور والأحوال الشخصية والجوازات … الخ.
وبالمقابل أشارت نتائج الاستبيان – حسب ترتيب الشرائح – إلى أن كل من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (43% ، 41% ،25%) ووزارة الزراعة (42%، 39%، 33%) كانتا من أقل الجهات فساداً ، وإن بصورة نسبية.
الجدير بالذكر أن العديد من استمارات الاستبيان قد أوردت إجابات إضافية بجهات ومؤسسات أخرى لم يرد ذكرها في الاستمارة ويتفشى فيها الفساد ، مثل وزارة الأشغال ومصلحة الطرقات والإدارة المحلية ومؤسسات الإعلام والمياه والكهرباء والمؤسسة الاقتصادية اليمنية … ، والبعض أورد كل من مكتب رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء ، إضافة إلى القروض التي يجري التعامل معها بأشكال فساد متعددة.

 أن تفشي الفساد في اليمن تتركز أهم أسبابه حسب ما أوردته الشرائح الثلاث المستهدفة في (س 11) وبالترتيب (موظفين / مثقفين ، رجال أعمال ، موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة) فيما يلي :-
• الانفلات والتسيب المالي والإداري : (67% ، 91% ، 83% بالترتيب).
• توجهات وثقافة وأسلوب إدارة الحكم ، باعتبار الفساد أحد مرتكزاته : (73% ، 69% ، 61% بالترتيب).
• فساد القضاء وعدم اضطلاعه بدوره : (60% ، 59% ، 75% بالترتيب).
• غياب الإرادة السياسية العليا في مكافحة الفساد : (75% ، 73% ، 83% بالترتيب).

 وتؤكد النقطة الأخيرة إجابات السؤال 12 بأن السلطة العليا تتحمل مسئولية تفشي وتكريس الفساد أكثر من الحكومة ، إذ لم تتجاوز إجابات الشرائح المستهدفة التي تحمل الحكومة أكثر مسئولية الفساد سوى 4% ، 7% ، 5% (بالترتيب السابق) ، بينما وبالمقابل ، حمَّلت السلطة الأعلى مسئولية أكبر بنسبة 38% ، 17% ،31%، وكلا الطرفين بنسبة 58% ، 76% ، 64% ، بنفس الترتيب ، وهو الأمر الذي يؤكد إدراك الفئات المستهدفة بأن السلطة العليا ، وليس الحكومة ، تمتلك معظم صلاحيات السلطة التنفيذية وتتركز في يدها صلاحيات اتخاذ القرار النافذ ، وتتحكم هي ووزارة المالية بتوجيه دفة السياسات الاقتصادية والمالية والإدارية.

 يتضح ذلك أيضاً ، وكنتيجة طبيعية لما تقدم ، في الإجابة على السؤال (13) من ان كل من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابات الأموال العامة والجهاز القضائي – أي الأجهزة المعنية بمراقبة ومكافحة الفساد – وهي مرتبطة أصلاً بصورة مباشرة وغير مباشرة بالسلطة العليا في رئاسة الدولة وبتوجيهاتها وتدخلاتها ، فلا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة يتبع السلطة التشريعية والرقابية كما هو سائد في معظم دول العالم ، ولا الجهاز القضائي مستقلاً ، إذ جاءت الإجابات وبأغلبية تقترب من الإجماع لتؤكد بأن تلك الأجهزة لا تقوم بدورها الوظيفي المطلوب ، وبنسبة (97% ، 93% ، 92% - بنفس ترتيب الشرائح).
يلاحظ هنا أن النسبة الأخيرة (92%) هي لفئة موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة الذين تعترف أغلبيتهم بتهميش جهازهم وتعذر قيامه بالمهام المناطة به.

 وحول أسباب تعذر اضطلاع الأجهزة الرقابية والعقابية بدورها المفترض ، تقاربت إجابات الثلاث الشرائح المستهدفة في الخيارات الأربعة للسؤال (14) ، وتراوحت نسبها العامة ما بين 50% و75% تقريباً ، معتبرةً كل من عدم استقلالية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتبعيته المباشرة لرأس السلطة التنفيذية (مكتب رئاسة الدولة) ، وفساد السلطة السياسية العليا وتكريسها الفعلي لعمليات الفساد والإفساد ، وعدم الفصل بين السلطات الثلاث ، إضافة إلى أن الفساد مدعوم من أعلى مستويات السلطة التنفيذية ويشكل مع القوى العسكرية والأمنية والقبلية النافذة لوبي منظم ومعيق لأي تحرك باتجاه مكافحة الفساد … جميع تلك العوامل وغيرها ، تمثل أهم الأسباب الموضوعية لشلل الأجهزة آنفة الذكر وعدم اضطلاعها بدورها المفترض.

 يضاف إلى ذلك التعديلات الدستورية التي تبنتها السلطة وحزبها الحاكم في 2001م ، التي سلبت مجلس النواب معظم السلطات الرقابية وكافة صلاحيات اتخاذ القرار الملزم … وفي هذا الصدد جاءت آراء المستهدفين في ( س 15) متقاربة فيما بينهم وموزعة على اتجاهين :-
• من حيث أن السلطة التشريعية لم يعد لها أي دور رقابي فعلي تمارسه (32% ، 14% ، 25% - بحسب ترتيب الشرائح).
• أن الدور الرقابي للبرلمان قد بات محدوداً ولا يذكر ، وهو الأغلب ، (59% ، 58% ، 75% - بالترتيب ).

 إلا أن الملفت للنظر هو ما ورد في إجابات (س 16) التي حملت مجلس النواب وبنسبة عالية مسئولية تفشي الفساد (96% ، 86% ، 100% - بالترتيب) ، ويبدو أن ما قصده المستهدفون هو تحميل مجلس النواب جانب من المسئولية وليس المسئولية كلها ، وفقاً لصيغة السؤال ، إضافة إلى أنهم ربما اعتبروا المجلس التشريعي ، ومن الناحية النظرية لا العملية ، هو المسؤول الأول عن الجانب الرقابي.

 وبالرغم من ذلك ، إلا ان الشرائح المستهدفة قد أشارت وبإجابات محددة على (س 17) إلى أهم الأسباب التي يحملون فيها مجلس النواب غياب دوره الرقابي ، وبالتالي مسئوليته عن تفشي الفساد – وإن كانت مسئولية جزئية وفقاً لما تبقى له من صلاحيات بعد التعديلات الدستورية – والمتمثلة في :-
• الأغلبية " الكاسحة " لممثلي الحزب الحاكم التي تحبط عمليات الرقابة والإصلاح، وربما دعمهم وتصويتهم لتمرير الكثير من العمليات والصفقات غير القانونية بتوجيهات عليا ، بما فيها تمرير طلبات الاعتماد الإضافي المتكررة سنوياً (84% ، 45% ، 92% - بالترتيب).
• التدني الشديد والهابط في المستوى التعليمي ، والقصور الفني والعلمي الواضحين في كفاءة معظم أعضاء المجلس (66% ، 50% ، 90% - بالترتيب).