 أن فئة الموظفين / المثقفين كانت أكثر الفئات تجاوباً وتفاعلاً مع أسئلة الاستبيان، فمن إجمالي 500 استمارة تم توزيعها ، إعيدت412 استمارة أي ما نسبته 82%.

 بالمقابل كانت شريحة رجال الأعمال هي الأقل تجاوباً مع الاستبيان ، إذ لم تعد من الاستمارات الـ110 الموزعة عليهم سوى 44 استمارة ، وبما نسبته 40% فقط ، أي اقل من نصف الاستمارات الموزعة ، ( فقط بمايزيد قليلاً عن ثلثها ).

 ثم تأتي فيما بين الشريحتين السابقتين فئة موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، لتسجل حضوراً وتفاعلاً نسبياً أفضل من حضور رجال الأعمال وأقل من الموظفين / المثقفين ، حيث بلغت نسبة الاستمارات المعادة بعد الإجابة عليها نحو 58%.
 من ناحية أخرى تجدر الإشارة بأن مجرد إعادة استمارة الاستبيان لا يعني بالضرورة تجاوباً أو تفاعلاً كاملاً مع الاستبيان وموضوعه ، إذ أتضح بأن هناك الكثير من تساؤلات الاستبيان تم إهمالها ، أو أن صاحب الاستمارة قد أحجم عن الرد عليها وتجاهلها ، وبالطبع أن الأمر لم يكن سهواً أو مصادفةً ، بل مقصوداً، بالنظر إلى طبيعة وحساسية بعض محاور الاستبيان ، وإن كان الأمر يختلف من شريحة إلى أخرى.

فمن بيانات الجدول ( ) يتضح بأن رجال الأعمال وحدهم قد امتنعوا عن الإجابة على 151 سؤال في 44 استمارة ، في حين اقتصرت تحفظات شريحة الموظفين / المثقفين على 84 سؤال فقط من مجموع الأسئلة الواردة في 412 استمارة.

جدول رقم ( )
توزيع استمارات الاستبيان على الشرائح الثلاث المستهدفة ، ومدى تجاوبها معها
الشريحة الاجتماعية الموزع عليها الاستبيان عدد الاستمارات الموزعة عدد الاستمارات المعادة بعد الإجابة عليها نسبة الاستمارات المعادة من إجمالي الاستمارات الموزعة عدد الأسئلة التي لم يجاب عليها في مجمل الاستمارات المعادة
موظفين ومثقفين 500 412 82% 84 سؤال
رجال أعمال 110 44 40% 151 سؤال
موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة 40 23 58% 8 أسئلة
إجمالي 650 479 74%

* إن أهم المحاور والأسئلة التي امتنعت فئة رجال الأعمال عن الإجابة عليها تتركز في الجوانب التالية:
• عمليات الرشوة والعمولات والأطراف التي تدفع لها.
• الموقف من تبعية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لرأس السلطة التنفيذية.
• الموقف من فساد السلطة العليا وتكريسها الفعلي لعمليات الفساد والإفساد.
• الموقف من اعتبار الفساد مدعوم من أعلى مستويات السلطة التنفيذية وأنه يشكل مع رموز القوى العسكرية والأمنية والقبلية النافذة " لوبي " منظم ومعيق لأي تحرك باتجاه مكافحة الفساد.
• حول التعديلات الدستورية الأخيرة والصلاحيات الرقابية لمجلس النواب.
• دور الأغلبية الكاسحة لممثلي الحزب الحاكم في البرلمان وما إذا كانت محبطة لعمليات الرقابة والإصلاح من عدمه .
• الموقف من السياسات الرسمية لتوريث الحكم ، وتعيين أنجال وأقارب كبار المسؤولين على رأس مفاصل الدولة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية.
• الرأي عن فساد جهازي الجمارك والضرائب ، وتقديرات نسبة الضرائب التي يذهب بها الفساد ولا تدخل خزينة الدولة.
• الرأي حول إجراءات التحايل والفساد في اللجنة العليا للمناقصات .. وأشكال المخالفات المرتكبة.
• مدى الرغبة في نقل استثماراتهم إلى خارج البلاد حيث النظام والقانون والضمانات.

يتضح مما تقدم أن الاستمارات التي لم تعاد ، أو الأسئلة التي أمتنع عن الإجابة عليها رجال الأعمال ، وهي في مجملها تلك المحاور المتعلقة بتعاملاتهم المباشرة ، إضافة إلى ما يمس الجوانب السياسية ومراكز النفوذ والفساد الفوقي في السلطة … هي عموماً تعكس حالة التخوف والحذر الشديد المسيطر على ذهنيات رجال الأعمال عند تعاملهم مع محتوى الاستبيان ، وتحوطهم من اقتحام المحذور تجنباً لعمليات الأذى والابتزاز التي تمارسها الأطراف المتنفذة – وما أكثرها - ، بالرغم من أن الاستمارات لا تحمل أسماء أصحابها ، ولا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى من تعامل معها .

* تحليل نتائج الاستبيان - الجزء العام(*) :
 أجمعت الشرائح الثلاث المستهدفة ، وبنسب عالية ، على استفحال ظاهرة ومستوى الفساد في اليمن ، إذ بلغت نسبته لدى شريحة الموظفين / المثقفين 96% ، ثم 91% لدى فئة رجال الأعمال . وحتى موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذين أعتبر 83% منهم أن الفساد قد أصبح ظاهرة مستفحلة.

 كما اعتبرته الثلاث الشرائح (في السؤال 2) ظاهرة خطيرة ومضرة بالاقتصاد الوطني وبنسب تتراوح بين (75% - 86%) ، وبأنه إفساد وتعطيل لأخلاقيات العمل والمجتمع بنسب متفاوتة ما بين (50% - 63%).

 فيما يتعلق بدفع الرشاوي ، (س 3) ، أتضح بان الموظفين / المثقفين الذين لا يدفعونها إطلاقاً لا تزيد نسبتهم عن 17% ، أي أن 83% منهم يدفعونها إما دائماً أو أحياناً ، ونفس النسبة تقريباً لموظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، كذلك رجال الأعمال الذين بلغت نسبة من يدفعها منهم إلى 87%.


 معظم تلك الرشاوي والعمولات تدفع أساساً لمسئولي الحسابات والشئون المالية في الأجهزة والمرافق الحكومية إضافة إلى الوسطاء والأطراف النافذة ذات العلاقة، وخاصة في وزارة المالية ، بلغت نسبة المؤيدين لهذا الخيار في
السؤال 4 ، ( 64% ، 77% ، 75% - بحسب ترتيب الشرائح ) .

 وهو الأمر الذي يعزز من صحة الآراء التي تعتبر المركزية الشديدة التي تتبعها وزارة المالية ، بإجراءاتها البيروقراطية وبمركزة معظم عمليات الصرف عن طريقها ، وانتداب مدراء الشؤون المالية والحسابات والمشتريات من قبلها إلى كافة المرافق الحكومية … سياسة تسهم في زيادة حدة الفساد . حيث أكدت ذلك الشرائح الثلاث المستهدفة وبنسب عالية جداً كشريحة الموظفين / المثقفين بنسبة 98% ، ثم شريحتي رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة ، وهما الأهم في هذه الحالة ، بنسبتي 86% ، 92% على التوالي. (س 5).

 وفي هذا الصدد أيضاً نجد في إجابات (س 6) أن نسبة 73% من الفئة الأولى ، الموظفين / المثقفين ، تعتبر قيادات ورؤساء المرافق والأجهزة الحكومية شركاء في الفساد ومساهمون فيه ، إضافة إلى أن 20% من نفس الفئة اعتبرتهم شركاء في الفساد بحكم مسئولياتهم القانونية والإدارية وإن كانوا لا يسهمون فيه.
في حين أن فئتي رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة حمَّلتا رؤساء المرافق المسئولية المباشرة في الفساد كشركاء ومساهمون فيه بنسبتي 68% و51% ، على التوالي ، والمسئولية غير المباشرة بحكم مسئولياتهم القانونية والإدارية بنسبة 18% و 49% ، بالترتيب .

 من جهة أخرى ، يرى معظم المستهدفين ، (س 7) ، بأن الإدارة في أجهزة الدولة والمرافق الحكومية لا تنتهج أسلوب العمل المؤسسي ، حيث أيد هذا الخيار 93% من الموظفين / المثقفين ، و82% من رجال الأعمال ، إضافة إلى 83% من موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة. واعتبروا في (س 8) أن استمرار الأوضاع الحالية في توجهات وأساليب إدارة الدولة سيكون مشجعاً لاستمرار عمليات الفساد ، (94%، 95%، 83%، بالترتيب).

 لقد تفشى الفساد في اليمن خلال السنوات العشر الأخيرة بصورة كبيرة وبوتيرة متسارعة ، خاصة بعد الحرب الأهلية عام 1994م التي أخلَّت بالتوازن السياسي القائم آنذاك وأدت إلى إنفراد طرف واحد بالحكم ، بهزيمة المشروع التحديثي وتراجع إمكانيات بناء دولة المؤسسات ، وبالتالي الاستحواذ على السلطة والثروة ... وهذا ماأكدته نتائج الاستبيان (س 9) ، وبإجماع شبه كامل بأن الفساد الآن أكبر مما كان عليه قبل عشر سنوات (موظفين / مثقفين 98% ، رجال أعمال 96% ، موظفي جهاز الرقابة والمحاسبة 100%).

 أما بالنسبة للسؤال (10) المتعلق بوحدات الجهاز الحكومي الأكثر فساداً فقد أظهرت نتائج الاستبيان تأييد مختلف الشرائح المستهدفة للخيار (ك) ، المتضمن نصه انتشار الفساد في كل الوحدات الحكومية وفي كل مستويات وسلطات الدولة، (وإن كان بصورة تتفاوت من مرفق لآخر ومن مستوى لآخر) ، حيث بلغت النسبة لدى فئة الموظفين / المثقفين 71% ، ولدى رجال الأعمال وموظفي جهاز الرقابة والمحاسبة بنسبة 72% و58% بالترتيب.
بينما نجد أن وزارة المالية بأجهزتها الايرادية المختلفة تعتلي هرم الفساد وتحتل أعلى مستوى له ، مقارنة بالجهات ووحدات الجهاز الحكومي الأخرى وبنسبة 87% ، 73% ، 98% (بحسب الترتيب السابق للشرائح المستهدفة).
الملفت للنظر هو النسبة العالية الأخيرة (98%) التي أكدتها فئة موظفي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، باعتباره الجهة الرسمية الأولى المسؤولة عن مراقبة وكشف عمليات الفساد ، ورأت أن ديوان وزارة المالية ووحداتها التابعة لها كالجمارك والضرائب والواجبات هي أكثر الجهات فساداً على الإطلاق.
تأتي في المرتبة التالية – بحسب الشرائح المستهدفة - ، وزارة العدل والجهاز القضائي (73% ، 71% ، 83% بالترتيب) ، ثم وزارة النفط والمعادن بما فيها مؤسساتها وشركاتها المختلفة (71% ، 65% ، 92% بالتسلسل) … تليها وبنسبة عامة أقل كل من المؤسسات التعليمية ووزارتي الداخلية والدفاع ،