" أن اليمن بلد متخلف تخلفا يقل أن يوجد له شبيه في هذا العصر ، وقد نظن أن سبب تخلفه هو نظام الحكم فيه ، أو أنه لو حكمه أخرون أو لو كان حكمه جمهوريا لتغير الموقف ، أن هذا تفسير سهل لواقع صعب.
أن اليمن متخلف لأن مزايا العصر الحديث المتحضر لم تقتحم عليه حدوده ،لقد أستطاع اليمن أن يبقى في عزلته الكئيبة التاريخية ، بين مقابر ابائه ، مسترخيا على هوانه و الامه ، يلعق أقدام اربابه الغبية الجائعة ، ويثني على عقائده التي تعلمه كيف يتألم ويتأخر ، دون أن تعلمه الأحتجاج على نفسه"
صدمني عبد الله القصيمي عندما وصف اليمن بهذه الكلمات...و مع أنه تاريخها يعود للعام 1963 ، إلا أنه يبدو بعد خمسين عاما أن لا شيء تغير .
عموما لم تنل مني الصدمة سوى ثواني ، عرفت بعضها بأن كل ما قاله صحيحا ...رحت أقلب ما أحفظه في تاريخنا و علمت كم كان أبو بكر كاذبا جدا حين كان يغني ... " أنت الحضارة ...أنت المنارة ...أنت الأصل والفصل ..."
الحقيقة أنه لا توجد لنا حضارة حقيقية ، ولا أعني هنا حصن الغويزي وباب اليمن و شبام و حصن شهارة التي نشاهدها بالتلفزيون في كل عيد وطني ، إنما أعني حضارة حقيقية أبدعت بالفنون أو الأداب أو الأنسانيات أو أو أو.
حتى سد مأرب حين ما أنهار غادرت كل القبائل وطنها دون أن يفكروا بأن يعيدوا بناءه ...وحتى عبارة أصل العرب تبدو مجاز ساخرا جدا مقارنة بحال العرب الأمس واليوم ، ربما مصيبة العرب الكبرى أنهم جاءوا من اليمن.
على الصعيد الإنساني ، شعرائنا ليسوا مشهورين أبدا ، و لا أعرف في الدنيا عالما جاء من اليمن أو أديب نبغ فيه، ولا نعرف لنا قائدا فذا سوى سيف بن ذو يزن الذي استعان بالفرس و ذو نواس الذي دخل البحرربحماقة وغرق فيه.
ليس هذا وحسب ...واقعنا أيضا مظلم جدا ، حد ظلمة غلاف الناشونال جيوجرافيك العربية الأخيرة ، صورة لرجل يمني يبدو في الثلاثينات من عمره مع طفلة صغيرة ، والمقال موضوع العدد كانت بالطبع عن زواج الصغيرات ، أي ثورة و أي نظام و أي تنوير يحتاجه مجتمع ما كي يعلم أن لا يبيع صغيراته.
تخيلوا أن بضع و عشرون مليونا لم يستطيعوا أن يعيشوا مع بعضهم البعض دون ظلم وقهر وقطع للطرق و الكهرباء و قتل وثأر و دماء ، ما يبدو واضحا أن شعبنا أدمن العزلة والقتال والفيد ، بات السبي و الحرابة مدفون في جيناتنا و مغروس في تلافيف حمضنا النووي ينتقل بكل قوة من جيل لإخر.
أن قمة الوجع أن تعشق وطنا ...دون أن تستطيع الأفتخار به ...لا حاضرا ولا ماضيا...
وكم أوجع _ بكل تلذذ_ ابنائه هذا الوطن ...
فما الذي نحتاجه فعلا ؟
الدين ...الثورة ...التنوير ...النظام ...الحرية ...الديمقراطية ...كلها بالتأكيد أشياء لم تجدي ... ولن تجدي ...
فما يبدو أكيدا أن الغلط الكبير في المنظومة و الغارق في دهاليز التاريخ هو سحر اسود و لعنة أبدية جاءت من كتاب العزيف للساحر الأكبر في تاريخ البشرية ...عبدول الحضرد ، وهو بالمناسبة و بالطبع يمني أب عن جد.
يمكن الحل أنكم ترقوا البلاد ...جربوا تبخروها وتقرأوا عليها سورة ياسين ما بتخسروش حاجة.
تحياتي .
Bookmarks