السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وصل الي موقعه هذا من خلال انتخابات رئاسية شارك فيها جميع الفلسطينيين، او الاغلبية الساحقة من المسجلين في القوائم الانتخابية، والمنطق يقول انه يجب ان يكون رئيسا لكل الفلسطينيين، وليس لمجموعة او حزب، ولكن المنطق شيء وما هو واقع علي الارض شيء آخر مختلف تماما، ولهذا فان المؤشرات جميعها لا توحي بالخير الكثير للشعب الفلسطيني سواء داخل الاراضي المحتلة او خارجها.
وحتي لا يكون كلامنا مغمغما، ونتهم بالحديث في العموميات، نضرب مثلا بالتعيينات الجديدة التي اجراها السيد عباس في مكتبه، والتي شملت عددا من وزرائه والمقربين منه، خاصة اولئك الذين وقفوا معه اثناء تحديه للرئيس الراحل ياسر عرفات بدعم امريكي، لتجريده من جميع صلاحياته الامنية والمالية والسياسية، وتحويله الي مجرد واجهة، او خيال مآته Scare Crow مثلما يقول اخواننا في مصر.
فقد عين الرئيس عباس السيد روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي السابق مبعوثا خاصا له، وكذلك كلا من نبيل عمرو (وزير الاعلام السابق) وحكمت زيد (وزير زراعة سابق ايضا) ونمر حماد السفير السابق لدي ايطاليا كمستشارين للرئيس برتبة وزير.
جميع هؤلاء من تنظيم فتح الذي يرأسه السيد عباس، ويرأس لجنته المركزية، وجميعهم ايضا من الحرس القديم ولا يوجد بينهم واحد من اعضاء التنظيم الشبان، او الذين اصيبوا او اسروا لسنوات في سجون الاحتلال الاسرائيلي.
هذه التعيينات وغيرها هي التي أكدت الشكوك حول عزم السيد عباس اقامة حكومة موازية بديلة للحكومة المنتخبة التي شكلتها حركة حماس وفازت بثقة المجلس التشريعي وتواجه حاليا حصارا خانقا من قبل اسرائيل والولايات المتحدة واوروبا.
الاكثر من ذلك ان السيد عباس يسعي حاليا للحصول علي خمسين مليون دولار من الاتحاد الاوروبي من اجل انشاء حرس رئاسي ضخم يكون تابعا له، ومجهزا بأحدث الاسلحة والمعدات العسكرية علي غرار الحرس الجمهوري الذي اسسه الرئيس العراقي صدام حسين، وقوات امن الرئاسة في جمهورية مصر العربية.
بمعني آخر يريد السيد عباس تأسيس قوات عسكرية بديلة لقوات الامن العام، والامن الوقائي، والمخابرات، تكون تابعة له مباشرة، ويتولي قيادتها احد الاشخاص الموثوق بهم من قبله شخصيا، علي ان تتولي عملية تدريبها وتسليحها خبرات غربية، امريكية، واوروبية.
عندما حاول وزير الداخلية الفلسطيني السيد صيام تشكيل قوة عسكرية برئاسة العقيد جمال ابو سمهدانة احدي الشخصيات الوطنية التي تحظي باحترام كبير في قطاع غزة تعيد الهيبة لقوات الامن العام، وتفرض سلطة القانون وتضع حدا لحالة الفلتان الامني، كان السيد عباس والمقربون منه الاكثر انتقادا لهذه الخطوة باعتبارها غــير دستورية، وتشـــكل جهـــازا بديلا لقـــوات الشـــرطة، والامن، واصدر السيد عباس مرسوما رئاسيا بحلها قبل تشكيلها.
الحرس الرئاسي خطوة ضرورية، وجهاز امني مطلوب، ولا يعتبر اختراعا فلسطينيا، ولكن هناك شروطا موضوعية اساسية يجب ان تتوفر قبل الاقدام علي هــــذه الخطــــوة، اولـــها ان يكون هناك رئيس، وان تكون هناك دولة مستقلة يرأسها. والسيد عباس ليس رئيسا الا بالاسم فقط، والدولة الفلسطينية لم تقم بعد، وان قامت وفق المواصفات الامريكية والاسرائيلية فلن تكون مستقلة علي الاطلاق.
السيد عباس، وحتي لو افترضنا انه رئيس فعلا، مطالب بان يكون رئيسا لكل الفلسطينيين بمختلف اشكالهم والوانهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، لا ان يكون رئيسا لفصيل واحد لم يحظ بالاغلبية في الانتخابات القادمة، وعليه ان يختار بين رئاسة الشعب الفلسطيني (في الداخل) او رئاسة تنظيم حركة فتح .
فطالما ان هناك رئاسة وحكومة، فان الرئاسة يجب ان تمثل الشعب، والحكومة تمثل الفصائل، او الفصيل صاحب الاغلبية في البرلمان، اما هذا التضارب والتناقض الحاصل حاليا، فلن يؤدي الا الي المزيد من الانقسامات والصراعات وربما الحرب الاهلية التي يخشاها الجميع وباتت علي وشك الانفجار وتنتظر مرسوما جديدا خاطئا يصدره السيد عباس.
السيد عباس كان الاكـــثر انتقادا للرئيس الراحل ياسر عرفات لأنه كان يجمع أكبر قدر من الصلاحيات في شخصه، ولكنه الآن يمارس الشيء نفسه، مع فارق كبير وهو ان الرئيس عرفات لم يتصرف كأنه زعيم لتنظيم وانما للشعب الفلسطيني بأكمله، وكان يحرص علي اشراك اعضاء الفصائل الاخري، والمستقلين في عملية صنع القرار الفلســطيني، وان لم يكن ذلك يتم بالشكل الاكمل الذي كنا نتمناه.
فالمراسيم الاخيرة التي اصدرها السيد عباس جردت الحكومة المنتخبة من اي صلاحيات، وجعلت الامن والمال والاعلام والمعابر والسفراء والوظائف العليا بيد الرئيس، ولم تترك لهذه الحكومة غير الحصرم وسلطة اطلاق اللحي وتشذيب الشوارب.
والاخطر من هذا وذاك ان السيد عباس يشارك في مخطط امريكي لافشال حكومة من المفترض انها تتبع له دستوريا ويهدد باستخدام صلاحياته الدستورية لحلها ولكنه لا يريد ذلك.
اي صلاحيات دستورية هذه التي يتحدث عنها، وهو لا يستطيع مغادرة مقره في رام الله دون الحصول علي اذن جندي اسرائيلي برتبة رقيب.
ولا نذيع سرا اذا قلنا ان السيد عباس مارس التحريض ضد حركة حماس وحكومتها في معظم العواصم العربية التي زارها وطالب المسؤولين فيها بعدم ارسال اموال اليها.
مرة اخري نطالب السيد عباس ان يكون رئيسا لجميع ابناء الارض المحتلة الذين انتخبوه، او علي الاقل رئيسا لكل ابناء تنظيم فتح وليس لنسبة ضئيلة منه وقفت معه في حربه ضد القيادة التاريخية المؤسسة للحركة.