المصدر: جريدة الأقتصادية الإلكترونية

الخميس, 22 ربيع أول 1427 هـ الموافق 20/04/2006 م - العدد 4574

طاهر حزام وريام مخشف من صنعاء -


أثار قرار للحكومة اليمنية بإنشاء سوق الأوراق المالية، تباينات وآراء مختلفة بين رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمختصين اليمنيين، وخاصة حينما تأكد لهم أن الحكومة عازمة فعلا على إنشاء السوق. وباشرت اللجنة المكلفة من الحكومة أخيراً إجراءاتها العملية لتقديم مشروع متكامل لإنشاء سوق للأوراق المالية في البلاد، من خلال إجراء الدراسة الخاصة لإنشاء هذه السوق التي تعد الأولى من نوعها في اليمن.
وأوضح لـ "الاقتصادية" الدكتور سيف العسلي وزير المالية رئيس لجنة إعداد مشروع إنشاء سوق الأوراق المالية، أنه يتوقع تقديم مشروع قرار متكامل بإنشاء سوق الأوراق المالية نهاية نيسان (أبريل) الحالي، بعد أن تم تكليفه من قبل رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتقديم مشروع متكامل بهذا الخصوص، على أن يتضمن مشروع القرار المراحل المختلفة لقيام هذه السوق ومتطلباتها وصولاً إلى سوق مالية فاعلة تخدم الاقتصاد الوطني وتوجهات الدولة في تطوير إدارة العملية الاقتصادية والتنموية والمالية في البلاد.
وعلمت "الاقتصادية" أن وزير المالية قد تواصل مع عدد من رجال الأعمال اليمنيين لتشكيل اللجنة بهدف إشراك القطاع الخاص في إنشاء السوق خلافا عن تشكيل اللجنة السابقة التي اقتصرت على الخبراء والأكاديميين فقط.
وكانت الحكومة قد شكلت لجنة عام 2000م لإعداد قوانين وتشريعات لإنشاء سوق للأوراق المالية، غير أن المساعي تعثرت بحجة أن اليمن ليس مؤهلاً بعد لإنشاء السوق أسوة بدول عربية مختلفة منها دول الخليج العربية.
وأوضح الدكتور محمد الصبري وكيل وزارة التخطيط ورئيس اللجنة الحكومية للإعداد لإنشاء سوق للأوراق المالية السابق، أن مسودة مشروع قانون سوق الأوراق المالية كانت جاهزة، لكن هناك مشاكل كبيرة لم تحسم بعد، مشيرا إلى ضرورة إنشاء مجلس أعلى للمعايير المحاسبية، وقد قام البنك الدولي بدعم اليمن في هذا الجانب، إلا أن الخلاف بين جهات حكومية مختلفة على رئاسته أدى إلى تعثر إنشاء المجلس وسحب البنك الدولي الدعم لهذا الموضوع.
من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور محمد الحاوري وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي، إن هناك إجراءات تمت في هذا الإطار، حيث كانت هناك لجنة مشكلة وقامت بدراسة بعض التجارب في المنطقة ودول الجوار، إضافة إلى دراسة بعض الدول المتقدمة في هذا الجانب، إضافة إلى أن الكثير من التشريعات الموجودة حالياً أصبحت ملائمة لوجود مثل هذه السوق لأن الشركات المساهمة موجودة في البلاد.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة تأخرت كثيرا، إلا أنها تكتسب أهمية خاصة في الدفع بعملية الاقتصاد، مشيرين إلى أن إيجاد سوق للأوراق المالية أصبح ضرورة ملحة لجذب واستقطاب الرساميل والمدخرات وتوظيفها وإدارتها في إقامة المشاريع الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد وتأهيل الاقتصاد الوطني للاندماج مع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، فيما وصف العديد من خبراء الاقتصاد التحرك الجديد من قبل الحكومة لإنشاء السوق كمن يحرك المياه الراكدة التي جمدت لفترة.
وأكد أحمد ثابت العبسي مدير عام بنك اليمن الدولي، ضرورة الإسراع في إنشاء هذه السوق وقال إنها ستساعد بشكل كبير في تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتحفيز الرساميل المحلية والعربية، قائلا: لا أدري لماذا التأخير في إنشاء مثل هذه السوق رغم أن دولا عربية قد تكون اقتصاداتها أقل من اليمن ولكنها بدأت تصل وتدخل فيها سوق للأوراق المالية، مستطردا "يمكن أن نبدأ ولو بشكل بسيط مثل البنوك وشركات الأسمنت الموجودة، وإذا واجهتنا أية اختلالات نقوم بعد ذلك بتلافيها".
في حين يرى الدكتور محمد الميتمي أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، أنها "خطوة ضرورية تأخرت إلى حد كبير"، موضحا أن سوق الأوراق المالية مهمتها نقل الأموال والمدخرات ممن يملكونها ولا يجيدون استثمارها في مشاريع إنتاجية إلى أولئك الذين يرغبون في استثمارها، مشيراً إلى أنه "لا يوجد اقتصاد يعمل بشكل نشط وفعال دون أسواق مالية".
وشدد الميتمي على ضرورة وجود مقومات اقتصادية لإنشاء سوق مالية نشطة وفعالة، واعتبر مصفوفة الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية أخيرا ويجري العمل على تطبيقها أنها "يمكن أن تقدم فرصاً ثمينة لإنشاء سوق الأوراق المالية"، مشيرا إلى أن غياب البيئة القانونية الجيدة كان أحد العوائق التي عملت على طرد المستثمرين.
واقترح الدكتور علي قائد أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، البدء بسوق مالية تشارك فيها المؤسسات التابعة للحكومة والمختلطة والشركات الراغبة من القطاع الخاص كمرحلة أولية، قائلا "إذا استمررنا في إثارة المخاوف فلن تنشأ سوق للأوراق المالية على الإطلاق". وأضاف أن قيام سوق مالية يتطلب حزمة من الإجراءات مؤسسية وتنظيمية، و"أول المتطلبات وجود تشريع واضح ومحدد لهيكلة سوق المال أو الأوراق المالية من حيث النشاط، ولا بد من وجود هيئة مستقلة للإشراف".
ودعا قائد إلى إنشاء شركات مساهمة لأن "معظم الشركات اليمنية مغلقة وعائلية"، وكذلك طرح المؤسسات الحكومية للاكتتاب، قائلا تتطلب سوق المال في اليمن مناخاً اقتصادياً واستثمارياً مهيأ، وهذا ما حققه برنامج الإصلاح في مؤشرات معينة". وطالب بدمج البنوك اليمنية والمؤسسات الصغيرة، مضيفا "نحن بحاجة إلى شركات كبيرة، وبقاؤها منفصلة لن يخدم السوق المالية ولا الاقتصاد الوطني".
وأوضح رجل الأعمال طارق عبد الواسع هائل سعيد المدير العام التنفيذي للشركة المتحدة للتأمين، أن سوق الأوراق المالية أصبحت ضرورة اقتصادية يفرضها الواقع الاقتصادي الحديث وتساعد في عملية تحريك الاستثمار في البلد، وقال "هناك شركات ومؤسسات يمنية كثيرة ستدخل هذه السوق إذا ما توافرت التشريعات المنظمة لها وحفظ حقوق المستثمرين" مضيفا "لا بد من الاستفادة من تجارب حصلت لدول الجوار أخيرا في دول الخليج وخاصة السعودية التي استطاعته أن تلاتشى بعض الأخطاء التي وقعت فيها لتعيد ثقة المساهمين في السوق".
ورغم تفاؤل بعض المختصين و رجال الأعمال اليمنيين بإنشاء السوق، غير أن هناك بعضا آخر يرى عدم إمكانية النجاح في إنشاء سوق الأوراق في هذه الفترة، حيث يؤكدون أن الأجواء في اليمن حالياً غير مهيأة لإنشاء سوق للأوراق المالية، معللين ذلك بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إضافة إلى ضعف القضاء التجاري وصور ملكية المشاريع والمؤسسات الإنتاجية الأخرى، علاوة على تدني مستوى حجم المدخرات المالية للمواطنين وغيرها من الإشكالات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد اليمني بشكل عام.
وتعتمد اليمن حالياً قبل الدعوة لإنشاء سوق للأوراق المالية، اعتمادا كليا على تمويل العجز عن طريق أذونات الخزانة، والذي أدى إلى تراكم الديون لدى البنك المركزي اليمني حتى بلغت 250 مليار ريال يمني وبنسبة فائدة تتراوح بين 13 و20 في المائة منذ أن شرعت البلاد بتطبيق تلك السياسة.
ويرى اقتصاديون يمنيون أن سياسة أذونات الخزانة تمهد لإنشاء سوق للأوراق المالية، فيما يعتقد مصرفيون أن السياسة النقدية للبنك تقيد العمل المصرفي وتحد من قدرة المصارف على التمويل الاستثماري.