جورج وسوف احترف الغناء دون العاشرة من العمر! تربى على سماع أم كلثوم و كبار المطربين.. و غنى أغانيهم على العود منذ كان صغيرا أيضا.. ذاع صيته و انتشر و لقب بسلطان الطرب قبل أن يتجاوز الخماسة عشر!! و عندما تقدم ليلتحق بنقابة الموسيقيين بلبنان في هذا السن قال له الفنان صباح فخري يا حبيبي يا شاطر روح العب عند أمك! فذهب جورج و لعب 6 أشهر على العود ليرجع و ينضم للنقابه رغما عن أنوف المعارضين جميعا!!!
سر بقاء جورج وسوف الى اليوم هو سر إدمان عشاق فنه له.. و هو أنه أجدر مطرب قادر على أن يوصل الحالة التي يعيشها في الأغنية إليك! أعني الإحساس العالي.. و هذا الإحساس لم أجد مطربا يتمتع به أبدا حتى أم كلثوم ذاتها (رأيي)
و من كان يعطي نفسه الفرصة ليستمع لأغاني جورج وسوف يحس أنه في حالة الفرح في الأغنية.. تشعر بالفرح، حزن حزن، حيرة حيرة، ألم ألم، فراق فراق، و الأصعب من ذلك أنه (علما بأنه مميزا جدا في الانتقال من أغنية لأخرى بوصلات طربية لا أعرف من أين يأتي بها) يستطيع أن يأخذك الي أكثر من حالة واحدة في أغنية! بل أنني افقت مع ناس أننا شعرنا بأكثر من حالة شعور في جملة واحدة!! و هذه الميزة التي ولدت مع الوسوف، إنما نمت معه مع مر الأيام.. و أكفى الأمثلة التى تجسد كبر إحساس الوسوف المرهف في أغانيه الحديثة هي (خدني الحنين، سهرت الليل، بنفكر في الناس، روحولوا و اسألوه و إنت غيرهم و غيرهم الكثير..)
أن بداية جورج وسوف كانت مع هذه الأغاني لأنه لم يملك أغانيه الخاصة لنفسه.. و عندما قدمها للناس أحبها الناس منه و هذه الأغنيات هي التي حملته على بساط الشهرة، و لكنه لم يستغلها لأنه يحبها. و بإجماع النقاد و أهل الخبرة في الفن قالوا أن الوسوف هو أحسن من غنى لأم كلثوم أن ألبومات جورج وسوف يغني لأم كلثوم تباع باستمرار تكاد لا تنقطع عن إصدارها في الشركة.
جورج وسوف هو الوحيد في الزمن الحديث هذا، أقصد من بعد غياب العندليب الأسمر الذي وصل معجبوه لحد الهوس! بعضهم لا يتحدث في حياته العادية في أي حديث الا و يأتي بموضوع يتحدث عن فنانه الأول.. و هذا الهوس دفع الكثيرين لنيل شهرتهم على حساب هذا الهوس.. فانطلق المقلدون لجورج وسوف بالمئات! مغنيين و مقلدين كل غرضهم في هذا نيل الشهرة! يحصدونها و لكنها زائفة لأن عشاق الوسوف لا يجدون صعوبة في التفرقة بين صوت جورج وسوف و صوت مقلديه.
و جورج وسوف لأنه فنان، فهو يحب الفن.. و لا يهتم بأي شيئ آخر سوا الفن. فلا تجده يلاحق الكاميرات و الفنانين بقدر ما تلاحقه هي و تتهافت للوصول إليه و معرفة أخباره لأنه ورقة رابحة دائما في يد الصحافيين.. و لأنه فنان فهو يشعر بالحزن عندما ينال أحدا من الفن عامة و بعفويته و صدقه يقع دائما في شرك الصحافيين عندما يسأل عن مطرب أو مطربة هشك بشك. و لا يحزنه سماع مقلديه و لا حتى يشغلون باله و أقص عليكم قصة طريفة تظهر فيها روح الدعابة لديه عندما سألته مفيدة شيحة: "مطربين كتير حاولوا يقلدوك بس فشلوا في مجال الفن" قال لها "عشان العصمة في إيدي!"
أما عن صوت جورج وسوف، و الذي أصبح الحجة التي يتحجج بها كل من يغار من فنه. فلو نظرنا إليه بداية، لوجدنا تفسير كبر حجم جورج وسوف اليوم، صوت عريض متعدد الطبقات و كفى بالموواويل الفلكلورية التي يغنيها إثباتا بدءا بـ"حاصبيا" الى "الدني أدوار" الذي سمعته يغنيه في حلقة اتأخرت كتير بالبييل. اسمعوا عا هدير البوسطة بصوته أو اسمعوا موال حكيم القلب و أرشيف الوسوف الذاخر بالروائع التي كشفت عن صوته الذهبي (لمن يفهم في الأصوات).
أما عن أغنيات الوسوف، فكل مرحلة مر بها الوسوف نستخرج منها أغنية على الأقل تركتب تأثيرا في مختلف فئات المستمعين.. فمن منى ينسى ألبوم الهوى سلطان كاملا؟! لو نويت، بتعاتبني على كلمة، شيئ غريب، صياد الطيور، الحب شاطر، كلام الناس، حارمنا من أنسك ليه، آه حبايب، لسه الدنيا بخير، و مشينا يا حبيبي، طبيب جراح، كل يوم، لو كل عاشق، أنا آسف، كده كفاية، ماتقولوا ليه، دول مش حبايب، عشاق آخر زمن، يوم الوداع، العاشق مننا، ليه تهربي، زمن العجايب، ألبوم إنت غيرهم! سلف و دين، بنفكر في الناس، ما أعرفش غير حبك يا جميل وصولا للرائعة سهرت الليل و التي تثبت أصالته و اتجاهه نحو المحافظة على الأغنية العربية الطربية الطويلة! و هي أغنية سبق و غناها قبل 25 سنة!
قبل أن تتسرعوا بالحكم على أي شيئ، أعطوا له كل الفرص الممكنة. بالرغم من أن جبل مثل جورج وسوف لن يؤثر معه زيادة و لا نقصان في معجبيه، لأنه يغني لأجل الفن..
ودمت بود يا اعز اناس يا ابو وديع
جمال مبارك