الخروج على الحاكم
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يأتي :
أجمع العلماء على أن الإمام إذا كان عدلا تجب طاعته ، ويحرم الخروج عليه ، لقوله تعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وأما الخروج على الإمام الجائر فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوال كما يلي :
دوام الإمامة :
- يشترط لدوام الإمامة دوام شروطها ، وتزول بزوالها إلاّ العدالة ، فقد اختلف في أثر زوالها على منصب الإمامة على النّحو التّالي :
عند الحنفيّة ليست العدالة شرطاً لصحّة الولاية ، فيصحّ تقليد الفاسق الإمامة عندهم مع الكراهة ، وإذا قلّد إنسان الإمامة حال كونه عدلاً ، ثمّ جار في الحكم ، وفسق بذلك أو غيره لا ينعزل ، ولكن يستحقّ العزل إن لم يستلزم عزله فتنةً ، ويجب أن يدعى له بالصّلاح ونحوه ، ولا يجب الخروج عليه ، كذا نقل الحنفيّة عن أبي حنيفة ، وكلمتهم قاطبةً متّفقة في توجيهه على أنّ وجهه : هو أنّ بعض الصّحابة رضي الله عنهم صلّوا خلف أئمّة الجور وقبلوا الولاية عنهم . وهذا عندهم للضّرورة وخشية الفتنة .
وقال الدّسوقيّ : يحرم الخروج على الإمام الجائر لأنّه لا يعزل السّلطان بالظّلم والفسق وتعطيل الحقوق بعد انعقاد إمامته ، وإنّما يجب وعظه وعدم الخروج عليه ، إنّما هو لتقديم أخفّ المفسدتين ، إلاّ أن يقوم عليه إمام عدل ، فيجوز الخروج عليه وإعانة ذلك القائم . وقال الخرشيّ : روى ابن القاسم عن مالكٍ : إن كان الإمام مثل عمر بن عبد العزيز وجب على النّاس الذّبّ عنه والقتال معه ، وأمّا غيره فلا ، دعه وما يراد منه ، ينتقم اللّه من الظّالم بظالمٍ ، ثمّ ينتقم من كليهما .
وقال الماورديّ : إنّ الجرح في عدالة الإمام ، وهو الفسق على ضربين :
أحدهما ما تبع فيه الشّهوة ، والثّاني ما تعلّق فيه بشبهةٍ . فأمّا الأوّل منهما فمتعلّق بأفعال الجوارح ، وهو ارتكابه للمحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيماً للشّهوة وانقياداً للهوى ، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها ، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلاّ بعقدٍ جديدٍ . وقال بعض المتكلّمين : يعود إلى الإمامة بعودة العدالة من غير أن يستأنف له عقد ولا بيعة ، لعموم ولايته ولحوق المشقّة في استئناف بيعته .
وأمّا الثّاني منهما فمتعلّق بالاعتقاد المتأوّل بشبهةٍ تعترض ، فيتأوّل لها خلاف الحقّ ، فقد اختلف العلماء فيها : فذهب فريق منهم إلى أنّها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ، ويخرج منها بحدوثه لأنّه لمّا استوى حكم الكفر بتأويلٍ وغير تأويلٍ وجب أن يستوي حال
الفسق بتأويلٍ وغير تأويلٍ . وقال كثير من علماء البصرة : إنّه لا يمنع من انعقاد الإمامة ، ولا يخرج به منها ، كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشّهادة .
وقال أبو يعلى : إذا وجدت هذه الصّفات حالة العقد ، ثمّ عدمت بعد العقد نظرت ، فإن كان جرحاً في عدالته ، وهو الفسق ، فإنّه لا يمنع من استدامة الإمامة . سواء كان متعلّقاً بأفعال الجوارح . وهو ارتكاب المحظورات ، وإقدامه على المنكرات اتّباعاً لشهوته ، أو كان متعلّقاً بالاعتقاد ، وهو المتأوّل لشبهةٍ تعرض يذهب فيها إلى خلاف الحقّ . وهذا ظاهر كلامه ( أحمد ) في رواية المروزيّ في الأمير يشرب المسكر ويغلّ ، يغزى معه ، وقد كان يدعو المعتصم بأمير المؤمنين ، وقد دعاه إلى القول بخلق القرآن .
وقال حنبل : في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد اللّه قالوا : هذا أمر قد تفاقم وفشا - يعنون إظهار القول بخلق القرآن - نشاورك في أنّا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه . فقال : عليكم بالنّكير بقلوبكم ، ولا تخلعوا يداً من طاعةٍ ، ولا تشقّوا عصا المسلمين . وقال أحمد في رواية المروزيّ ، وذكر الحسن بن صالح بن حيٍّ الزّيديّ فقال : كان يرى السّيف ، ولا نرضى بمذهبه .
البغي حرام ، والبغاة آثمون ، ولكن ليس البغي خروجا عن الإيمان ، لأن الله سمى البغاة مؤمنين في قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ... } إلى أن قال : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } ، ويحل قتالهم ، ويجب على الناس معونة الإمام في قتالهم . ومن قتل من أهل العدل أثناء قتالهم فهو شهيد . ويسقط قتالهم إذا فاءوا إلى أمر الله ، ويقول الصنعاني : إذا فارق أحد الجماعة ولم يخرج عليهم ولا قاتلهم يخلى وشأنه ، إذ مجرد الخلاف على الإمام لا يوجب قتال المخالف . وفي حديث رواه الحاكم وغيره قال النبي عليه الصلاة والسلام لابن مسعود : { يا ابن مسعود : أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة ؟ قال ابن مسعود : الله ورسوله أعلم . قال : حكم الله فيهم ألا يتبع مدبرهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا يذفف على جريحهم } .
واجب الإمام نحو البغاة :
ينبغي للإمام أن يدعو البغاة الخارجين عليه إلى العودة إلى الجماعة ، والدخول في طاعته رجاء الإجابة ، وقبول الدعوة ، لعل الشر يندفع بالتذكرة ، لأنه ترجى توبتهم ، ويسألهم عن سبب خروجهم ، فإن كان لظلم منه أزاله ، وإن ذكروا علة يمكن إزالتها أزالها ، وإن ذكروا شبهة كشفها ، لأن الله سبحانه بدأ الأمر بالإصلاح قبل القتال فقال : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } ولأن المقصود كفهم ودفع شرهم ، لا قتلهم . فإذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال ، لما فيه من الضرر بالفريقين . ولا يجوز قتالهم قبل ذلك إلا أن يخاف شرهم . وإن طلبوا الإنظار - وكان الظاهر من قصدهم الرجوع إلى الطاعة - أمهلهم . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم . وقال أبو إسحاق الشيرازي : ينظرهم إلى مدة قريبة كيومين أو ثلاثة . وإن أصروا على بغيهم ، بعد أن بعث إليهم أمينا ناصحا لدعوتهم ، نصحهم ندبا بوعظ ترغيبا وترهيبا ، وحسن لهم اتحاد كلمة الدين وعدم شماتة الكافرين ، فإن أصروا آذنهم بالقتال .
Bookmarks