بعد أن حركت جين نوفاك الساكن كثيراً بتصريحاتها التي أطلقتها حول الديمقراطية اليمنية والوضع السياسي في اليمن وعبرت عن امتعاضها من استمرار الفساد , وعلى الرغم من محاولات السلطة ممثلة بالحزب الحاكم أن ينهال على جين نوفاك بأبشع الأصاف مرة باتمهامها بالتصهين وأخرى بالعداء لليمن , ومع ما وصل من محاورات مع القاضي حمود الهتار والتي وصف فيها نوفاك أخيراً بأنها تتهرب من بعض المساءل وهو ما نفاه الماوري كونه مطلع على المسألة ويعلم بظروف جين نوفاك التي منعتها من التواصل مع القاضي الهتار ...
واليوم ظهر صوت جديد قد يكون أشد وقعاً على الحزب الحاكم من جين نوفاك إنه روبرت بوروز وهو باحث أكاديمي متخصص في مركز الشرق الأوسط، في جامعة واشنطن، في سياتل، حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، من جامعة برينستون.
وشغل منصب أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيتي في نيويورك، وجامعة نيويورك، والجامعة الأمريكية في بيروت. وتشمل خبرته المهنية أيضاً العمل في منظمات تعنى بالتدريب والعمل الإنمائي في اليمن.
هذا وقد كتب عدة من المؤلفات في الشأن اليمني منها : الجمهورية اليمنية: سياسة التنمية 1962-1986م، ويصدر له قريباً كتابا: "الجمهورية اليمنية: البترول"، و"الجمهورية اليمنية: قاموس تاريخي، إضافة إلى ذلك كتب الدكتور بوروز ونشر مقالات في مجلات متخصصة بارزة حول مشكلات الشرق الأوسط.
كما شارك في تأليف "كتاب حرب اليمن 1994م - الأسباب والنتائج
فما الذي قاله بوروز عن الديمقراطية اليمني وأداء الحزب الحاكم ؟؟
لقد قال جملة من الأمور منها :
- إن إصلاح - أو بالأحرى - إعادة تشكيل وهيكلة هذا النظام أصبح أمراً هاماً لتعزيز وتقوية عزيمته في تحقيق الإصلاحات المنشورة
- ظن الكثير أن اليمن أكثر دول الجزيرة العربية ديمقراطية أن لم تكن في المنطقة بكاملها.
وفي الواقع فإن اليمن لايمكن تصنيفها كدولة ديمقراطية خالصة حتى الآن حيث أن الديمقراطية في هذا البلد ظاهرية فقط وليست حقيقية، إنها فقط مجرد واجهة رسمية ذات قواعد هشة
وسننتظر ردة فعل الحزب الحاكم تجاه هذا التقرير الشديد اللهجة والقوي جداً مع ملاحظة الآتي :
- أن الانتخابات التي جرت في الأعوام 1993م، 1997م، 2003م، لم تؤكد على أية سلطة، حيث أن اليمنيين لايعولون كثيراً على البرلمان، مما أدى إلى تهميش وتقليص دوره، وقد أدت الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2001م والتي أفسدت بالتزوير والمخالفات إلى زيادة فترة البرلمان من أربع سنوات إلى ست سنوات، كما أدت أيضاً إلى تمديد الفترة الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات.
- وفيما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني أكد التقرير أن منظمات المجتمع المدني أو مايسمى بالمنظمات غير الحكومية تنمو وتتطور في البلد من حيث عددها وأنشطتها وتطور خبراتها لكنها لاتقوم بدور فاعل في تشكيل الرأي العام على نحو يمكن أن يمارس قيوداً أو حتى يؤثر على توجه الحكومة، مضيفاً: علاوة على ذلك فاليمنيون ظلوا سلبيين فيما يتعلق بمواقفهم تجاه عجز وقصور حكومتهم وفشلها في تحقيق تطلعات شعبها.
- إن أفضل وصف يطلق على اليمن أنها دولة تحكمها الأقلية، بمعنى أن هناك أشخاص وعوائل قليلة هي التي تحصل بل وتستأثر بكل شيء سواء في السلطة أو الأمور السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، وحتى في الجوانب المالية والتجارية، وأصبحت الدولة هي المصدر الأساسي للثروة والكسب الخاص للأقلية المسيطرة على مقاليد الأمور.
حيث تمكن شاغلو المناصب الحكومية الهامة التي كانت تتدفق إليها الإيرادات والدعم الخارجي من الحصول على الثروات على حساب الأهداف السياسية وقد استغلت تلك الأقلية مناصبهم في تحقيق منافع شخصية، وفي نفس الوقت أتاحوا الفرصة لأصدقائهم وأقاربهم في الحصول على ثروات طائلة، إضافة إلى ذلك فقد استشرى الفساد والرشوة في ذلك النظام وعلى جميع المستويات.
- ويشير التقرير إلى وجود مئات الآلاف من موظفي الدولة والجيش وهم القاعدة العريضة الذين يتقاضون رواتب قليلة جداً الأمر الذي يحتم عليهم أخذ رشاوي تافهة لكي يتمكنوا من خلالها من الحصول على متطلبات الحياة الأساسية، أما على قمة الهرم فيتربع أولئك المسؤولون الذين يمتلكون السيارات الفارهة والمباني والفلل الفاخرة في ضواحي صنعاء بل إن البعض منهم يمتلك قلاعاً حقيقية في تلك الأماكن.
- أن التركيبة الاجتماعية والثقافية السياسية لهذه الحكومة تعتبر جديدة لليمن أي أنها لم تكن موجودة في القرون الماضية
- الجيل الجديد ممن أسماهم بالارستقراطيين يتسللون بصمت إلى المناصب الرسمية في الدولة حيث يشعر القليل جداً من أولئك الأقلية بأن هذه الحالة لن تدوم طويلاً، وبالتالي فإنهم يرون أنه يجب عليهم اقتناص الفرصة لكي يحصلوا على المزيد من الثروات من أموال الدولة مادام الوقت لايزال مناسباً لهم لعمل ذلك.
- أولئك هم الذين يسيطرون على اليمن حالياً ويعتبرون أن إيرادات النفط والمعونات التي تقدمها الدول المانحة مسخرة لهم لكي يحصلوا هم والمقربون منهم على الثروات وقد لايفكرون نهائياً بالمصلحة العامة لعموم الشعب
- وأكد التقرير بأن اليمن تعاني مما يسمى بتأخر نمو الدولة، ونتيجة لذلك التأخر فإن الجمهورية اليمنية اليوم تشابه دولة الإمامة القديمة أكثر منها دولة حديثة
وأضاف كاتب التقرير: إن النظام الحالي يعمل أيضاً على إعاقة ومعارضة أي جهود تبذل في سبيل بناء دولة حديثة وخصوصاً تلك الجهود التي تهدف إلى كبح ومحاربة الفساد المتأصل في أجهزة الدولة، إضافة إلى توزيع المناصب والوظائف دون مراعاة الكفاءة والأهلية.
- أن النظام اليمني يفتقد الإرادة والقدرة على تخطيط وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتطوير البلد وتلبية احتياجات الغالبية العظمى من السكان، مضيفاً (والدليل على ذلك واضح للعيان بشكل كبير جداً حيث أن الاقتصار على إيرادات النفط والمعونات الخارجية لم يخلق إلا فرص عمل قليلة جداً أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بشكل مخيف إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر وسوء التغذية علاوة على ذلك فقد تحولت الطبقة الوسطى إلى طبقة فقيرة واتسعت بشكل كبير وواضح أن هناك فجوة بين الأقلية الذين يعيشون في رفاهية وبذخ وبين الغالبية العظمى من الفقراء.
- ونبّه التقرير إلى حتمية مواجهة اليمن لمشكلة سياسية خطيرة مالم يتم تبنى إصلاحات سياسية سريعة واصفاً الدولة اليمنية بالهشة والماضية في طريق الفشل والماضية في الطريق لكي تصبح دولة (فاشلة جداً).
وأشار التقرير إلى ماأسماه بالحقيقة وهي أن شرعية الدولة والتأييد لها في تضاؤل مستمر نتيجة عدم قدرتها على تلبية احتياجات الأغلبية العظمى من مواطنيها.
- أن الولايات المتحدة لايمكنها عمل الكثير في التأثير على النظام لتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية لأن الأمر يبقى هاجساً سياسياً محلياً، لكن الولايات المتحدة تستطيع أن تحث النظام على مواصلة تلك الإصلاحات وتستطيع أن توفر الدعم الاقتصادي والأمني.
- أشار التقرير إلى أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها اليمن منذ التسعينات جعلت النظام متفقاً مع كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 1995م على البدء في تنفيذ إصلاحات هيكلية تساهم في خلق بيئة اقتصادية مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية والتي من شأنها خلق فرص عمل، وترتب على ذلك الاتفاق تقديم البنك الدولي مساعدات مادية لليمن، كما تم توقيع اتفاقية مع البنك الدولي في عام 2000م على أساس القيام بإصلاحات اقتصادية جدية وجذرية
- الإصلاحات التي طبقت لم تساهم في خلق مناخ استثماري وفرص عمل ويبدو أن النظام افتقد الإرادة والقدرة على تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الأمر الذي ترتب عليه فشل النظام في محاربة الفساد وتعزيز الشفافية وإصلاح الجهاز القضائي، ويشير كاتب التقرير إلى أن البنك الدولي وصندوق النقد قد عبرا عن انزعاجهما لتقرير برنامج الإصلاح محذراً بأن أي مساعدات لليمن قد تتوقف.
- وحذر التقرير من عجز النظام اليمني على تنفيذ إصلاحات اقتصادية جادة في غضون السنوات القادمة وهو ما سيؤدي إلى انهيار النظام ويجعل اليمن دولة فاشلة بكل المقاييس، كما أن ذلك سيؤدي إلى رفع مستوى السخط واليأس في صفوف الشعب ووصف التقرير الوضع الحالي في اليمن قائلاً: (ويمكن تشبيه اليمن ببالونٍ مطاط تم نفخه إلى درجة كبيرة ثم ترك فجأة لتنفجر).
الجدير ذكره أن كاتب التقرير البروفسور "روبرت بوروز" يرتبط بصداقات واسعة مع عدد من كبار المسئولين اليمنيين، وكان متفائلاً بشأن اليمن، ويصفها بالدولة الديمقراطية، لكنه غيَّر من رؤيته تلك وأصبح محذراً من مستقبل اليمن الأسود بسبب الفساد.
والسلام عليكم ...
Bookmarks