إن غالب المسلمين يتعاملون مع أركان الإسلام من خلال الثقافة الموروثة، كالعادات والتقاليد والمجارءة والقلة تتعامل مع أركان الإسلام بوعي وفقه ذاتي ومساهمة في رفع مستوى وعي وفقه المسلمين بدينهم ، أكتب هذا المقال عن ركن عظيم ألا وهو الصوم الذي سيحل ضيفاً علينا فكيف نجعل من شهر رمضان شهراً مختلفاً ومتميزاً ؟
ابتداءً أقول : لابد أن يعلم كل مسلم ومسلمة بأن أركان الإسلام لها هدفان مترابطان ومتكاملان، هدف ينبغي أن يتحقق في الدنيا، وهو صلاح الفرد لتصلح حياته وبصلاح الحياة تصلح الأمة، وتكون خير أمة أخرجت للناس وهدف أخروي هو إرضاء الله والتأهل لدخول الجنة مصداقاً لقول الله: ( أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون )، ونحن لن نحقق الهدف الدنيوي إلا إذا تميزنا بالوعي والفهم، وحتى نتميز في أداء ركن الصوم فلابد من وضع برامج لإعداد الفرد التقي والأسرة التقية والمجتمع التقي، ولن نحقق التميز إلا بفهمنا لأهداف الصوم .
الهدف العام بينه الله بقوله: ( يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة (183) .
الهدف: ( إحياء وتجديد مبدأ التقوى )، وهذا ما عناه الله بقوله : ( لعلكم تتقون) فالتقوى سلوك دافعه الخوف يقي صاحبه من ارتكاب المعاصي في الدنيا ويقيه من دخول النار في الآخرة و: ( لعل ) في اللغة تدل على الرجاء والطمع والترجي والتوقع فهي هنا للإعداد والتهيئة.
الأهداف التفصيلية :
الهدف الأول: ( إيجاد الروح الجماعية في الأمة )
إن الصوم حدده الله شهر كامل بهدف إحداث التغيير، ومعالجة مرض الكراهية بعلاج المحبة، والقوة بعلاج الرحمة، والفرقة بعلاج التعاون والتكامل، والأنانية الفردية بعلاج الإحساس المشترك، والهموم المشتركة، والآمال المشتركة، وهذا بعض ما يريده الله من الصوم .
الإفطار والإمساك في وقت واحد والصوم ليس الإمساك عن الشراب والطعام والجماع بل هو الامتناع عما يضعف الروح الجماعية ويسبب الفرقة مثل الغيبة والنميمة والتحسس والتجسس وسؤ الظن والتعصب فالمسلم مطلوب منه في رمضان الانضباط والتعود على الحركة الجماعية بروح التقوى وإضعاف سلطان العادة والتخلص منها .
الهدف الثاني : ( إعداد الفرد على ممارسة التغير الذاتي )
إن الصيام لم يفرض على المؤمنين لمجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات المادية، وإنما فرض ليعمل على تهذيب النفس وسمو الروح بالمراقبة الصحيحة لله، والتزام آداب الإسلام ذاتياً وتدريب النفس على التغير الذاتي والتحمل والتطلع إلى ما عند الله من أجر عظيم وثواب جزيل.
قال تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )، فالصوم يرفع من حس المراقبة الذاتية والمحاسبة ولهذا كل أعمال المسلم تسجل له ويثاب على ضوء التسجيل إلا الصوم فإنة مراقبة ذاتية فهو خالص لله ولاحظّ للنفس فيه من رياء وسمعة، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل بن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال تعالى : ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلو ف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك والصيام جنة وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم ) فالصوم إذاً إعداد وتدريب وتعود وانضباط ومراقبة ذاتية لا دخل للآخرين بالتحكم بالصائم وإرغامه على الصوم مثل بقية العبادات والتكاليف.
الهدف الثالث : ( إحياء روح الجدية وحب التضحية )
وحتى يندفع المسلمون برغبة ومحبة وقناعة إلى الجدية والتضحية أكرمنا الله سبحانه وتعالى يحث ميز شهر رمضان بخصائص لا نجدها في غيره من ألأشهر، ميزه بأكثر من ستة عشر خاصية هي :
1/ تصفد فيه الشياطين.
2/ تفتح أبواب السماء.
3/ تفتح أبواب الجنة.
4/ تغلق أبواب النار.
5/ تفتح أبواب الرحمة والعتق من النار.
6/ المغفرة الكاملة لمن صامه وأقامه.
7/ شهر الصبر.
8/ شهر الجود والمواساة.
9/ شهر القرآن ومدارسته.
10/ شهر مكارم الأخلاق.
11/ شهر الرسالة الإسلامية.
12/ شهر تربية الإرادة.
13/ مضاعفة الأجر.
14/ شهر ليلة القدر.
15/ شهر الدعاء المستجاب.
فمن خلال هذه الخصائص يتعامل المسلمون مع رمضان بجدية ونشاط لأنها فرصة أتاحها الله وهيأها فالذي لا يجتهد ولا يهتم في رمضان فهو في غيره أضيع وأدعو القراء إلى قراءة أدلة هذه الخصائص في كتب الصوم وسأذكرها آخر المقال .
الهدف الرابع : ( إحياء وتجديد الإرادة والعزيمة عند الفرد والأمة )
وبداية القوة المسيطرة على النفس الأمارة بالسوء ونوازعها وتطويعها على الحق وتحويلها إلى لوامة والارتقاء بها إلى راضية ومطمئنة وبهذا القوي داخلياً هو قوي خارجياً.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب .....) وقال : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ....) وقال : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ....).
الهدف الخامس : ( رفع مستوى وعي الأمة بكتاب الله وسنة رسوله)
لأن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة مباركة وهي ليلة القدر والقرآن فيه مفاتيح العقول والقلوب كما قال الله : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) وسمي القرآن لأنه مشتق من القراءة وهي بوابة العلم والتفقه والوعي وأول آية قول الله : ( إقراء باسم ربك الذي خلق.... ) وسمى الله سبحانه القرآن بـ ( الذكر الحكيم والكتاب المبين والبرهان والفرقان والنور والموعظة وشفاء ورحمة للمؤمنين وبصائر من ربكم ....الخ ) وهنا شهر رمضان فرصة للتدبر والتفقه ليحقق المسلمون القدرة على التفرقة بين الحق والباطل من خلال القراءة لآيات الدعوة إلى الله وآيات الجنة والنار والإيمان والتقوى والوعد والوعيد والرحمة والمودة والتدبر والتأمل ومصائر الظالمين والاعتبار من كل ذلك أن رمضان متميز بمدارسة وتدبر القرآن وهنا أذكر بأنه لابد من وضع برامج اتصال بالقرآن الكريم تلاوة وتدبر وفهماً ...
ولنسأل كيف تتميز باستقبال شهر رمضان ؟ وبما نهيئ أنفسنا ؟
المطلوب للاستفادة من رمضان ما يلي :
1/ فتح صفحة جديدة من خلال التوبة النصوحة والاستعداد النفسي والعلمي والانضباطي والاجتماعي وذلك بالعزم على تحقيق أهداف الصوم .
2/ أن نضع برامج عملية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع أي أن نبرمج أوقات الشهر بالسانتي فهو غالي وثمين والحذر ثم الحذر أن يهدر الوقت ويذهب سدى .
3/ ندخل في البرامج القرآن وعلومه والسنة والتزكية والسيرة والثقافة العامة والخاصة ومدارسة أوضاع البلاد وكيفية الخروج منها .
4/ كل فرد يعمل جرد للسلبيات للعام المنصرم والوقوف عندها وإدراكها ثم وضع برامج عملية لتحويلها إلى إيجابيات في رمضان .
5/ التعود على مقاومة الظلم والاستبداد بصبر وتحمل وثبات ومواجهة كل التحديات بثبات المؤمن القوي .
6/ التوعية في ترشيد الإنفاق وتدريب وتوعية ربات البيوت على الاقتصاد المنزلي وذلك أن المسلمين أو غالبهم تعودوا على أن يعوضوا تنوع الأكل في رمضان ويتحول الشهر من شهر التقشف إلى شهر التبذير والإسراف رغم وجود الفقر .
والله الموفق،،،
محمد سيف العديني
منقول
Bookmarks