يعدّ الجزائريون أيامهم على وقع التغيير، وينتظر الكل تجديدا ما يمكن أن يؤجج لهيب الأمل فيهم. الحياة مهما يكن ـ كما قال أحد المثقفين ـ تموت فينا إذا لم يؤججها الأمل! لكن الأمل مثل المعادن الأصيلة، قليل في هذا البلد.

منذ بداية السنة والجزائريون يعيشون على هذا الإيقاع البليد: غدا ستتغير الحكومة!؟ وكلما يمضي هذا الغد إلى الحاضر أو الماضي، ينتظرون غدا آخر بعد أسبوع أو شهر أو سنة.. "كل تغيير ولا بد فيه خير".. هكذا يرددون، وهم يرون حياتهم تهرب بين أيديهم دون جدوى ولا أمل، والبلد كله على حافة الانفجار.. لكن الأيام تمضي في صمت تام، ويمضي هذا النظام البليد في تفرعنه دون اهتمام يذكر برأي الجزائريين ولا رغبتهم في تجديد حياتهم.

أحد الخبراء في صناعة النكت قال لي أمس إن الرئيس حائر فعلا في تجديد حكومته! وأجاب على تساؤله بطيب خاطر: لأنه لم يعد في قبيلته من بلغ سن الرشد ولم يتول منصبا حكوميا! ومع أنها مجرد نكتة، لكن دلالاتها تتجاوز الضحك إلى الجد. فالشارع ذكي وقوي الملاحظة، حتى وهو مهمش ولا يُصغَى إلى نكته.

لكن القضية الأهم هي أن البلد في خطر، وهو مهزوم على كل الجبهات، في الدبلوماسية كما في المجتمع والاقتصاد والثقافة وحتى الرياضة، فليس تأهل الفريق الوطني إلى كأس العالم يعني أن الرياضة في الجزائر بخير.. وبغض النظر عن المزايدات التي يصطنعها خصوم الرئيس أو المزايدات المضادة التي يخترعها تلفزيون الرئيس، فإن الجزائر في حاجة إلى وثبة حقيقية، إلى ثورة تحرير جديدة من استعمار الكذب والتلفيق والبغي على حقوق المواطنين.. الجزائر في حاجة إلى التصافي مع نفسها، وإلى رؤية واقعها بعين بصيرة وذكاء إيجابي. هذا البلد المليء بالإمكانيات البشرية والمادية والمعنوية غير المستثمرة فيه بشكل جيد، يحتاج فعلا إلى رجال آخرين لا يشبهون أبدا أويحيى ولا بلخادم وسلطاني وولد عباس وبركات وسعيداني و.. و.. وكل من أذل الرجال الأعزاء في هذا البلد.

دعونا نتكلم بصراحة: هل الجزائر التي تخصي فحولها، كما يقول مفدي زكريا، لم تجد فيها ما يكفي من فحول كي تشكل حكومة قادرة على قيادة البلاد إلى مستقبل زاهر؟ أهؤلاء الذليلين الذين ذكرنا بعضهم هم ما تبقى فقط من رجال (فحول) في هذا البلد؟ أحيانا، أشعر بالأسف لكل هذه السنوات التي أضاعتها الجزائر مع رجال ونساء غير أكفاء ولا أسوياء، يخنقون بعقولهم الصغيرة كل بادرة إيجابية، وينظرون إلى الجزائر من نوافذهم الضيقة التي لا ينفذ منها الضوء، إنها سنوات لا تقدر بثمن دفعناها من عمرنا مع الإرهاب واللاكفاءة والانتظار والابتزاز السياسي والتضليل الإعلامي والأحكام العرفية وقانون الطوارئ والفشل الأمني والاقتصادي والحزبي والجمعوي و.. و.... ها هو ما يدعوني إلى المطالبة بحكومة جدوى، حكومة فاعلة ومؤهلة للاستماع إلى مطالب المواطنين. حكومة قادرة على طرد مدير مؤسسة فاسد، أو تنحية عميد جامعة غبي، أو حل جمعية مدنية على شكل شركة ذات الشخص الواحد.. مجمل القول، نحن في حاجة إلى حكومة تعرف ـ قلت ـ تعرف ما تفعل، لها ما يكفي من المؤهلات والنضج والوعي بواقعها. أعرف أن ذلك ربما يحتاج إلى اجتهاد شخصي من طرف الرئيس. قلت الرئيس ولم أقل محيط الرئيس، لأن محيطه هو الكارثة الحقيقية على هذا البلد. لكن الرئيس ـ للأسف ـ لا يعرف الجزائر ولا مؤهلات الجزائريين سوى من خلال التقارير التي يصطنعها بخبث وإتقان محيطه!