التلويح بالحرب الاهلية : خيارات ما قبل السقوط
( بقلم : خالد سلمان )

شفيلد – لندن " عدن برس " خاص : 15 – 7 – 2009
ذات صباح ، وروائح بارود الحرب ، وغصص الانقلاب على الشريك مازالت تسكن أرواحنا، أقتحم شاب رث المظهر، مبنى صحيفة الثوري، قدم نفسه بلغة مضطربة خجلى : لو تعرفوا من انا، ستطردونا ركلاً بأحذيتكم، وبدأ سرد حكايته.

حينها جميعنا تذكر ذاك المسخ البشري، الذي أطال من على شاشة تلفاز صنعاء في ذروة أزمة 93م، وكيف تحدث بشجاعة وقحة ، عن اغتصابه في سجن الفتح في عدن، وانتهاك رجولته، وعن حكايات(( القواير )) والكثير من التفاصيل المقززة .
تذكرنا كل ذلك بقرف، فيما كان يواصل الشاب حديثه البكائي، كيف تم تلقينه في الغرفة المجاورة من قبل عبد السلام العنسي وغيره، وكيف وعدوه بالترقية ، وكيف تخلوا عنه، ليبقى بين أهله وأبناء قريته منبوذا منهم، وعاراً عليهم، بعد ان رفضت السلطة تصحيح صورته، ومنحه صك استعادة رجولة خسرها أمام الملايين، بالصوت والصورة وعلى الهواء.
لم نعرف من أين أٌتينا كل هذه القسوة، ونحن نرفض توسلاته، بمنحه فرصة رد الاعتبار، وتصحيح الوقائع للناس، عبر منبر الصحيفة، وربما سبب الرفض، هو الكم الهائل من الأذى النفسي الذي تركه خلفه الحديث المتلفز، ولهذا المسخ والضحية في آن معاً.
الشيء بالشيء يذكر، والدناءة هي ذاتها التي ستحضرها ثانية اليوم ويعيد طبخها، المطبخ السياسي الإعلامي الأمني لحاكم صنعاء، بالأمس وقبل خمسة عشر عاماً كان المستهدف بالحملة الدعائية النفسية الكاذبة هو الجنوب، واليوم المراد كسره وطهي إنسانيته، وإدانته بجريمة مقتل أبناء القبيطة الثلاثة في يافع، هو ذات الجنوب، وغداً ستتناسل العديد من تلك الأكاذيب لتعم كل مناطق الجنوب .
افتراءات٩٣م أفضت إلى الحرب العدوانية، وعلى شركاء سلموا الأرض والثروة والسلطة من أجل عيون الوحدة ، وافتراءات اليوم ، وتسيير التظاهرات، يراد منها إيقاد حرب أخرى ، تغطي مساحة حرائقها الحراك الجنوبي، ليستعيد نظام الاحتلال، أثمان الدم على هيئة فواتير صلاحية واستمرار وتأبيد لحكمة إلى ما شاء الله !!.
رواية الناجي الوحيد من العائلة القتيلة (حسب زعم اجهزة أمن السلطة) ، هي فبركة إعلامية
أمنية ، رخيصة وبليدة ، وكاذبة بامتياز، مجموع الوقائع التي وردت في حديثه التلفزيوني، يوم الأحد الماضي ، لا تصمد أمام التدقيق ، وسلسة الوقائع المروية ، تفتقد للإتساق وللمنطق السليم ، وكذا المفردات مفردات المتحدث، لا يعرفها وبالتالي لا يرددها ، الاَّ من كان عاملاً في الأجهزة الأمنية والعسكرية مثل انهض ، نفذ به ، وغيرها من مفردات الأوامر العسكرية ، ثم من أين للمتحدث المزعوم ، ان يروي أدق تفاصيل ما جرى من حوار ودموع بين القتلى والقاتل، فيما هو أخذ حسب زعمه ، بعيداً جداً عنهم في (( شعب آخر)) ، وما هي هذه الصدفة التي تجعل من جريح أرنباً برياً يقطع كل جبال يافع ، ليلتقي بأصدقائه من أبناء القبيطة، على رؤوس تلك الجبال الوعره الحافة المعزولة .. رواية رديئة لفلم أمني أكثر عبطاً وسخافة.
إذن نحن أمام احتمالات ثلاثة لمخرج أمني واحد :
الأول: إن الجريمة لم تحدث ابتداءً وانتهاء.
الثاني: أنها حدثت ونُفذت بأيدي أمن السلطة.
الثالث:إنها ليست جريمة سياسية، وإنها حدثت على خلفية نزاع مدني.
اما المشترك بين كل هذه الإحتمالات ، ان يكون متحدث تلفزيون صنعاء، بوجهه الطافح بالفرح، المشع بالابتسامات، وهو حقاً إبن للقتيل والناجي الأوحد من شجرة عائلة الضحايا !!.
تحويل الناس إلى دروع بشرية، ومن الأفعال الجُرميه التي يجرمها القانون الجنائي الدولي، فكيف يكون الحال حين تحوِّل السلطة مواطنيها إلى حيل والأعيب دموية، لتوصيل رسالة سياسية !!؟
اعتقد جازماً ان العالم أجمع بمدنييه ومتوحشيه ، لم يخبر او يعهد، هكذا ذهنية شيطانيه دموية، لا توجد الاَّ في اليمن ، حيث الناس في عُرف صاحب القصر الجمهوري ، لينسوا أكثر من بيادق لعب ، ومشاريع قتلى ،وبالونات اختبار وتسالىٍ سياسية.
النظام يتحرك بجنون منتحر ، فقد كل أسباب الحياة ، وكل مبررات البقاء، لم يبقَ أمام الحكم الفاسد الغاصب المريض ، الكثير من الخيارات، سوى تجريب التلويح برحيل مكلف باهظ الأثمان.
ولعل للحظة اليأس التعيس ، فعلها في سلوك وخطوات حاكم صنعاء، هكذا يفكر ربما التلويح بنُذر الحرب الأهلية ، يعيد مارد الغضب السلمي المدني الجنوبي ، الى بيت طاعة سلطة الاستبداد ، وربما تحشيد الناس ، المشدودة لثقافة الطاعة ، وروحية الإسترقاق ، وسلوك الانقياد الصامت ، خلق قائد القطيع ، وربما تضخيم هذه المشاهد إعلامياً ، وجمهرتها قسرياً بالقوة الأمنية القهرية ، وتلقينها هتافات عدائية ضد حراك الجنوب ، ربما سيؤدي للتراجع عن خط سير الجموع الصاعد واثقاً باتجاه الخلاص .. هكذا بائساً عاجزاً يأمل !!
ان من يقتل الآلاف في حرب ضد سكان مدنيين عُزل في ٩٤م ، ومن يعيد ويهندس سيناريوهات مذابح مماثلة اليوم في الجنوب ، وان من يشن حملاته الحربية ضد أبناء صعده ، وان من يزرع القناصة على قمم جبال الضالع وردفان وفوق أسطح منازل أبين وشبوه وحضرموت ، لسفك دم اكبر عدد من الناس ، وان من يفتح أبواب البلاد ، وخزائن الأمن والجيش لفرق الاغتيال والإرهاب الديني ، للإستقواء بهم ضد خصومه السياسيين ولابتزاز اكبر قدر من دعم الجوار ، وعواصم القرار .. إن من يفعل كل هذا ، بلا تفكر او تدَّبر ، او قراءة لردود الأفعال ، يستطيع قطعاً وبدم بارد لقاتل سادي محترف ، ان يفجر حمامات دم الحرب الأهلية .. ولكنه لن يستطع حتى وان أراد ، ان يقيِّد حركة سير كرة النار ، ان يوجه الحرب باتجاه حراك الجنوب ، فيما يقف هو وحشده ، وأسرته الحاكمة المالكة ، يتأملون بفرح صبياني السنة اللهب ، ويصدرون أوامرهم للرياح الجنوبية ، ان لا تهب حاملة نذر الحرائق باتجاه إقطاعيات وممالك الشمال.
نعم ايها القاتل الماجن المحترف ، لك وتستطيع ان تضغط على زناد الاحتراب الأهلي ، ولكنك لن تستطيع إعادة الرصاصة المنطلقة ، ثانيه إلى سبطانة البندقية.
وقتها سيكون الوقت متأخراً ، وسيكون رأس الحكم بيتاً للطلقة ، وقميصه طعاماً لألسنة الحريق .