كلمتي هي :لست ادري بالضبط متى بدأت العلاقة بيني وبين الأرض .. لعل ذلك كان منذ مئات السنين لكن منذ ولادتي كان ثمة شي ما ينمو داخلي كبر ... كبر .. تجدر حب الأرض في أعماقي .. ملا كل كياني... ونبت من صدري غصناَ تشكل طائر يهتز جناحه مع نبض قلبي .
( أقصوصتي هي عن طفل تتحطم به الطفولة في الصغر و أب افقد حريته في أرضه ... وحطت به رحال الغربة في جزر بعيدة يملى صدره صديد القهر يشرب من كأس الغربة حتى أدماه .. لازمته غربته وغربته أهله كالمشنقة متجولة .. مشنقة تصنع ما هو أكثر من الموت .. تزرع في الأعماق أشواك دامية .. لا ترحم .. تملا النفس بصحراء قاحلة ..جرداء .. كثبانها تنساب في الجوف مرة المذاق .. تندلق كزجاج مهشم دقيق .. تصمت ينفخها خداع مسموم .. وتصمت وتمر بجزر بلا وجه .. وجزر بلا فجر . لهذا ألا يكون هناك يوما بلا غربة ؟ بلا مشنقة ؟ )
هذا هو اليوم الذي استضيف فيه بعد غياب طويل الكل متواجد ثمة أقارب وأصدقاء بعضهم لم أرهم منذ رحيلي من دياري وبين الوجوه و خطوط السنين تتقاذف بملامحنا
ودون أي موعد سابق ها أنا داء التقي للمرة الأولى بأحد تلك الأشباح من الماضي العتيق الذي في احد الأيام كنت افر منه لا لأي سبب أو لجرم ارتكبته وإنما لتمسك بفكر ومنطق
وبين الثواني أخذت الابتسامة تتبدد من شفتاي لتحملني فوق الحضور إلي الوراء
وها هو داء من كان شبحا وأنا طريدته هو ألان في مجلسي و صديق للحضور
ترتسم تعابير وجهي في خطوط الغضب والألم .... سألت كثير عن سبب حضوره حتى جاني احد أقربائي ويقول لي أنسى ما مضى
وها قد مر اليوم ويعم السكون و يحل الليل بوشاح اسود قاتم
افترش الأرض أراقب النجوم وأفكر ملين بشبح الماضي
أراقب خطوط ذكرياتي
فا أراقب طفل ابن الخمسة أعوام ... وضابط ذي عيون متلصصة
وها هو ذلك الحارس المتأهب للقتل
ها هو يقطع بين الطفولة والفرح المتباعد
و الألوان قوس قزح تتبدد وبداء لون الظلم يغزو لوحة العالم
أراقب في سكون وذعر وارى تلك الأحذية الغليظة تدوس على حرمة البيت تبحث بين الأشياء على لا شي
تبحث عن والدي الذي غادرنا دون عودة ولا نعلم أين ذهب سوى انه مدافع عن كلمة الحق
ينظر الطفل إلي أمه ويسألها ...
أماه ماذا يحدث ... فلا تجيب سوى بتنهيدة تحطم الصخر ودمعة تنساب على الخد كنهر يشق طريقه في الصحاري القاحلة
وفي تلك الليلة المظلمة ... في ليلة الفراق عن الأحباب .. هذا هو اليوم الأخير
في تلك الليلة تعانقت الدموع وأصبح التعبير الوحيد عن الخبايا دموع ساخنة
وعلى كف العذاب والحرمان ومن اليأس تستقي طفولة بريئة معذبة
وتبدءا رحلة العناء
كانت الأرض قاحلة تدور من حوله وتدور ... وتتراء له الجبال البعيدة كالسراب
وهذه الشمس المحرقة تزهو الأرض اليابسة الجرداء ... كل شي يدور ويراقب شخص يرافقهم في الطريق المفجعة
وقع العجلات على الطريق رهيب مفجع وسط هذا الخلاء ... يلهب الذاكرة ويدميها ...
لف الظلام كل شي ... الفت عيناه الظلام
فحملق في الأشباح القائم أمامه فا لمته عيناه ... بدأت له الهياكل الهرمة التي أنهكها الرحيل كأعجاز نخل ..
و يتسأل ...
إلي أين تتجه كل هذه الأخشاب البشرية ... هل هي مسافرة أم مهاجرة أم راحلة ؟ وهو. ماذا يفعل هنا مع أمه وأخته ؟ إنهم يسافرون هربا من ظلم يحرق كل ما هو جميل
هجرة واغتراب وغربة ... هجرة إلي داخل وطن ... واغتراب عن الواقع وغربة عن الذات !!؟
وها هو الطفل احد الأرقام المغتربة تمر الأعوام .. وكل يوم يقف أمام النافذة وأمله بالعودة يكبر كل يوم
ينظر من خلال الزجاج فيلاحظ صورته المنعكسة ورقم من الأرقام المهاجرة ...
رقم من الجنون يحمل بين ضلوعه الأسى و الألم .. انتقل إلي أقصى الشمال عمل عصفورا من العطش والجوع .. رقم تاه يضرب في الأرض .. يبحث عن طريق وسط الظلام .. وينتظر عودة أب مهاجر ويضل هو الابن في ديار الهجرة مهاجر أيضا ... ينظر إلي حياته نكتة حزينة
كان يعيش على هامش الأشياء يرسخ فكره في العودة و لقاء الأب الغائب
يكره الكثيرين من تسببوا في هذه الماسي بات يخشى الحقد .. يخشى أن ينفجر في يوم من الأيام وظل مؤمن ببزوغ الفجر
و للمرة التي يشعر ببزوغ شمس فجر جديد بعد رحلة الظلام
وها قد حانة ساعة اللقاء ....
اخذ ينتظر وينتظر إلي أن أتى كل من كان هناك في ارض المهجر مع والده إلا أباه
اخذ يجر أذيال اليأس في طريق العودة إلي البيت وقد بدأت أماله تنهار
و في طريق عودته يلتقي آخاه الذي كان مسرور يبحث عنه ليخبره أن أباه في البيت ينتظره
حينها عرف أن فجره قد بزغ من جديد .. وستتغير أشياء كثير ... وانه سيقتل الأكذوبة ... وان سفره في هذه المرة ستكون رحلة لا هجرة .. رحلة البداية .. البداية مع الفجر
اخذ يلتهم الطريق في عودته وهو مسرعا في ركضه لا لم يكن يركض كان يطير فرحا للقاء
تخطى كل الموجودين دون أن يتحقق إلي الحاضرين بين الموجود استقل حدسه وشعوره الذي قداه إلي أباه الذي لم يره من سنين ليرتمي بين أحضانه حينما تمتزج الفرحة بالألم
تمادت به السنون تعذبه وكانت اللحظة الحلوة مجرد لحظة بدء لدهر ممل من اليأس والحرمان ... كل ما في هذه الحياة كاذبة.. في فكرة تبلورت كل هذه الأفكار وهو ملقى بجسده المهتري بفعل رياح الأيام العابسة .. على صدر أب حنون حرم أن يراه طويلا وليس من سبب لهذا الجفاء سوى كلمة حق وفكر صادق
ليس هناك من سبب يجعل من الزمن باعثا لشجرة ذبلت أوراقها قبل أن تنضج وتناولتها كف الحياة بين أوهام و يأس.
وبين دواليب الحياة العابثة بحياة البشر كل هذه بداية
تساقطت دموع ساخنة على صدر أبيه محتضنا جسده وفي لحظة أحس انه يحتضن العالم كله...
في دفء تلك الأحضان كانت به رغبة في الإفضاء إلي أبيه بكل شي بتلك الحياة التي عاشها بعيدا عنه وكيف انه هذا الوجد قد أصبح ملاذا للحزن ...
نعم يا أبتاه ... إن ابنك هذا الذي أمامك لم يعد يأمل من الحياة سوى بسمة تعطيه إياها ودعوة من دعواتك الصالحة تطلب فيها من خالقي ألا يحرمنا منك
تذكر واستعرض أمامه جزاء من شريط حياته البائسة ... و والده الذي تركه
وعاش مع دنيا الرجال وهو طفل لا يزال بعد في عمر الزهور
وها هو ينظر إليه وهو في طريقه إلي النهاية ...
تعلقت بهم أنظار الحاضرين ... وها قد غاب الأب والابن في ابتسامة بريئة ودموع اللقاء
استشعر دفء تلك اللحظة
استدارت الحياة كلها حول عنقه ... وها هو ألان يقرر فلطالما قررت له الحياة وهو ملتزم الصمت
أما الآن فقد حان الوقت الذي يقرر فيه هو ولتصمت الحياة .. استشعر دفء اللحظة من جديد طوقه والده بذراعيه من جديد .. تعانقت روحهما ...
استشعر أنفاس أبيه أتسعة الابتسامة ..
ها هو ذا يستعيد ذكرياته ويعود إلي حاضره بدأت السماء تخلو من السحب الغليظة وأخذت معالم الأرض تتضح وتعود ابتسامة خفيفة على شفتيه هو يسامر القمر في ذكرياته الأليمة حالم للمستقبل بغد أفضل
لكم مني احترامي وارجو ان ينال خربشات قلمي على اعجابكم واعذرو سواء عباراتي او عدم التعبير
Bookmarks