الثور الأبيض
بقلم / نبيل حيدر
----------------
لم تكن حنان السماوي الضحية الوحيدة لحادثة الطرود المفخخة، ولم تتعرض حنان وحدها لصدمة نفسية جراء استخدام هويتها بطريقة قذرة تنم عن ضآلة مرتكبها وحقارة أفكاره التي تبيح له استخدام الآخرين الأبرياء في تنفيذ خططه وأفعاله الإجرامية.
> وسواءً كان تنظيم القاعدة واقفاً خلف العملية أو كان غيره، وسواءً استغربنا من إعلان أوباما، الرئيس الأمريكي، عن الحادثة عقب دقائق من وقوعها - أي من اكتشاف الطرود - أو لم نستغرب، وسواءً أعلنت بريطانيا أو «غربانيا» عن تعليق استقبال الطرود القادمة من اليمن، سواءً بسواء، أيَّاً كان الحال، فذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً بصماته واضحة تماماً وتدلل على أن اليمن يتعرض لمؤامرة قذرة جداً جداً.
> فالذي خطط وأرسل الطرود كان يمكنه بكل بساطة أن ينفذ عمليته من داخل أمريكا، أكان يريد اختبار فاعلية إجراءات الأمن في المطارات الأمريكية على رسائل البريد «الطرودية» القادمة من الخارج، أو لم يكن يبتغي ذلك، فتنفيذ عمليته من الداخل أسهل بكثير من الخارج، إلا أن الأمر الجلي أنه يستهدف اليمن عبر زجّها في بالون اختباره في حال ذهبنا مع الرأي القائل بالاختبار.
> ذلك عمَّن يستخدم بلدنا ويستخدم أراضيها ويستغل ما يقع فيها من أحداث، ولكن أين نحن من كل ذلك؟ أين نحن مما يجري؟ هل تقع على عاتقنا مسؤولية ما؟ أم أن الأمر منوط - فقط - بأجهزة الأمن؟ هل هي مسؤولية جماعية؟ وهل ندرك أم لا ندرك أن الخطر جماعي؟ هل استشعرنا الموقف الذي تعرضت له حنان السماوي؟ هل تخيلناه في بناتنا وأخواتنا ونسائنا؟ هل فكرنا أن نعيش لحظات المرارة التي عاشتها حنان وأسرتها وربما لا تزال تعيشها، وأجد نفسي مقصّراً عندما أكتفي بوصفها بالمرارة فقط.
> ثم أسأل : هل بالضرورة أن تنال أفعال الإرهابيين والمجرمين من شخوصنا مباشرة؟ ألا نشعر بآثارهم السلبية على حياتنا وعلى واقعنا وعلى مستقبلنا؟ ألا نرصد كيف يستغلون جوقة الإعلام الفضائي في الإساءة إلى اليمن وتصويرها وكأنها أشد خطراً من التعرض لسلاح بيولوجي أو نووي؟
> تلك تساؤلات حائرة تزرعها أطراف عديدة تمثل النخب وتمثل الموجهات المؤثرة على وعي الناس، والحقيقة أن المشكلة تكشف عن أنيابها مع النخب أكثر من العوام، فعامة الناس مستاؤون ويعبّرون عن سخطهم من أفعال الإجرام التي تطال البلد وتطال مواطنيه عبر الشكوى لبعضهم البعض، في المقاهي «البوفيات» تسمع ذلك، في وسائل النقل الجماعي تسمعه - أيضاً - في المقايل، في المساجد وفي الأسواق، الناس يتحدثون ويعبّرون عن استهجانهم وعن غضبهم مما يتعرض له البلد من مؤامرات واستهداف يقوم على أسلوب «مَنْ لم يمُت بالسيف مات بغيره».
> كل المأساة في النخب السياسية والثقافية والمتثاقفة التي تقرأ لماركيز وأرسطو وامرئ القيس وأدونيس ولا تقرأ سطراً واحداً في واجبها بالوقوف والاصطفاف أمام الاحتشاد الإجرامي الموجّه ضد اليمن، وَمَنْ يتفرَّج ويقول «يستاهل» فهو لا يعني فرداً أو حكومةً أو حزباً، مَنْ يكتفي بالفرجة وينتظر فرصة للانقضاض السياسي أو الكلامي أو الإعلامي أو غيره لا ينوي سوى الانقضاض على الوطن.
> أستغرب دائماً لماذا تتحول العداءات الحزبية والسياسية إلى بندقية صيد تستهدف الجميع وتستغل أي ظرف وأي حادثة للخروج والقول بأن ذلك وقع وحصل لأن الحكومة عاجزة أو ضعيفة أو فاشلة!! لماذا - وذلك أضعف الإيمان - لا يترافق مثل هذا القول مع قول آخر بوجوب الوقوف مع الحكومة، أيَّاً كان حالها، في مواجهة الأخطار الكبيرة؟!
> لتكن حكومتنا أفشل حكومة على وجه الأرض، هل ذلك سببٌ يبرر البرود والجفاء في التعامل مع الأحداث الخطيرة المحدقة بنا جميعاً دون استثناء؟ لِمَنْ يجد في ذلك سبباً مقنعاً عليه أن يقرأ حكاية «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض» .
-------------
صحيفة الثورة