ظهر الحوثي في حياتنا ليكشفها ، ليخبرنا أننا كنا نعيش طويلاً في ظلمات مدلهمة ، ليكشف لنا كم بإمكان الإعلام أن
يصنع منك وحشاً مكتمل الأنياب حتى ولو كنت حملاً وديعاً – حاشا الحوثي أن يكون حملاً طبعاً- .
ليكشف لنا كم أننا قوم عاطفيون/مغفلون مع أننا – وهذا واقع - لم نكن بحاجة إلى كاشف.
الحوثي يا سادة هلام زرعه الإعلام في نفوسنا قبل كل شيء مستغلاً مناخاً يفتقر إلى المصداقية ، في حين أنه لولا تهويل
الإعلام لكان الرجل والطغمة التي حوله مجرد ظاهرة صحية تحتل العناوين أياماً ، ثم تنحدر إلى أسفل سافلين
كأي ظاهرة مع شلال الأحداث وطوفان المستجدات .
القضية كما يعلمها أهل العلم بدأت بعد أن شب نزاع شخصي بحت ، بين حسين بدر الدين الحوثي (رمسيس الأول)
وبين قائد المنطقة الشمالية ، والذي حرضه هذا الأخير غروره في استهتار ماجن ولا مبالاة مخزية على الانتقام من
الرجل بأي ثمن كان ، حتى ولو كان ذلك الثمن يعادل فقط أرواح أعداد كبيرة من أبناء صعدة وما حولها ،
بحجة واهيه هي أن الرجل بات يروج لعودة النظام الملكي السابق ، وأنه يجذب أنصاره بالشعار الشائع
الذي يدعو فيه بالهلاك والتدمير لأمريكا وإسرائيل .
وإنها لمأساة حقيقية أن يستمر الناس في تصديق ذلك ، فطالما كان الحوثي ومن حوله في كثير من السنوات
السابقة يرددون شعارهم هذا - البطاقة الأكيدة للعبور إلى جنات عدن - دون أن تنتبه الحكومة الرشيدة إلى
حاجتها إلى السيف والرمح والقرطاس وتبدأ بالتقطيع الذي لا ينقطع بذريعة الغيرة
على ثورة الوطن وإمريكا وإسرائيل.
كل ذلك كان في الماضي أما حين دخلت التوترات الشخصية تغير الوضع وتطور ، وأصبح الحوثي اليوم شيعياً زنديقاً
عدواً لله وللوطن والوحدة والتاريخ ، وكان يجب أن نهضمه على وجبة الغداء قبل أن ينقض علينا في العشاء ، وتلك مع
شديد الأسف عقيدة خبيثة تمكن الإعلام من زراعتها فينا دون الحاجة إلى كثير من التعقيد والكذب ،
ولم يكن ذلك ليتم طبعاً دون تدبير هائل لكل أنواع الكذب الذي يلبي رغبات سلطات عليا كانت متورطة تماماً في القضية
فضلاً عن أن الدرس المستخلص من المآزق السابقة ، والتي أثبت – بشكل لا يدعو إلى الشك - أن السلاح الإعلامي
غرض ناجع لإسكات خواطر مواطن عاطفي يكذّب بشدة كل ما تراه عيناه ويعتقد يقيناً بكل ما يقوله الإعلام بل ويقدسه .
مواطن لا يتذمر أبداً ولا يفكر ولا يحاول أن يعرب عن رأيه السحيق أو حتى أن يمضغ المادة المذاعة للتحري من
صحتها وسلامتها و ساعد في ذلك غياب النفوذ المؤثر للإعلام المعارض والذي هو الآخر
مستغرق وبلاهته في بيع خرافاته وترهاته التي لا تصل إلى أحد ولا يصدقها أحد.
ومن المؤسف أنه هنا وفي كل مكان ، الكل متفق على أن الحوثي طفيلي مقلق تضخم بقليل من الدعم الخارجي ، إلى أن
صار وحشاً يهدد الاستقرار والحمائم ، وأن الحوثي متطرف شيعي خارج عن الملة ، يسعى إلى السلطة بشتى الطرق
ويحاول أن يضع استقرار البلاد وأمنها في جوقته وبقية تلك الأشياء السخيفة.
وتلك -لو تعلمون- توجهات سخيفة فعلاً انحرفت عن الصواب وجانبته ، فضلاً أنه يعوزها الكثير من اللجوء إلى
العقلانية المنصفة والبدء أخيراً في كيل الأمور بتجرد وحكمة .
ما رأيكم؟
على سبيل المثال أنا شخص طمّاع وأتلهف لاحتلال بيت جاري الجميل أبا صالح ، ربما لأن الرجل لا يروقني ، أو أني
أشعر أن البيت نفسه على مقاس أحلامي بالتمام ، أو لأي سبب كان ،
سآخذ بطبيعة الحال هراوتي وأنطلق بلا إبطاء إلى بيت جاري الجميل أبو صالح ، ثم بحركة سريعة فيها كثير من
المباغتة والإتقان سأختبر صلابة رأس جاري وسرعة بديهته بهراوتي طبعاً ، وأخيراً سأنام بهدوء في غرفة نومه
وأنا أحلم بغد جميل وشمس مشرقة .
لكن ماذا إن كنت أنا للأسف شخص غير طماع وحدث أنه جاء أبو صالح بنفسه وهراوته إلى منزلي ثم جرب هو مدى
صلابة رأسي وسرعة بديهتي ثم طردني منه كالكلاب وأخيراً صاح من النافذة بأن يأتي الإعلام والناس سريعاً وقبل
فوات الأوان لإغاثته مني أنا الملطوح على الأرضية الملطخ بدمائي ، مدعياً أني شخص حقير وبشع وتافه أيضاً وأني
جئت بلا خجل كي أحطم منزله وتاريخه وعراقته.
بربكم كيف سيبدو الوضع؟
ما أرغب بقوله يا "جنتل من" يا "ليديز" هو أن الحوثي لو كان يرغب حقاً بالحكم ما كان تمطى كل هذا الوقت حتى أقبل
إليه ضيفه أبو صالح غاضباً ، وكان عليه أن يذهب هو شخصياً لزيارة أبي صالح في مكمنه قبل أن يغضب
وأيضاً قبل أن ينتبه إلى أن الرجل يتربص الفرصة المناسبة لزيارته .
كما كان عليه أيضاً وقبل ذلك أن يجهّز الهراوة جيداً ، كما كان علي أنا الآخر أن أجهز ملفي وكنوز حكمتي سريعاً
مرفقة بالاعتقادات اللازمة والشعارات المناسبة لغرض الالتحاق بركب الدولة الجديدة
(وعاشت المملكة الحوثية النموذجية) .
Bookmarks