من السبب فى الفساد؟ استفهام على لسان المطرب الشعبى اليمنى الشهير محمد الادرعي فى شريط كاسيت صدر بالتزامن مع الانتخابات الاخيرة فى اليمن. وبرغم ان الشريط صودر من قبل السلطات الى انه وجد سبيله الى اذن من اراد بسعر زهيد.
كلمات الاغنية التى تبدأ بتعبيرات ساخرة من الادرعى حول من المتسبب فى الفساد فى بلاده، جاءت معبرة عن الشارع اليمنى الذى وقف حائرا امام تفشى هذه الظاهرة فى كافة القطاعات تقريبا ليصبح اليمن ضمن افقر دول العالم فى تصنيفات الامم المتحدة برغم غناه بالثروة النفطية والمعدنية والسمكية والحيوانية، ناهيك عن الموقع البحرى المتميز لليمن وموانئه التى صارت نقاط ترانزيت اساسية لمعظم السفن والناقلات المتجهة الى المحيط الهندى والقادمة الى البحر الاحمر.
اتهامات متبادلة
وربما كانت دهشة اليمنيين تجاه قضية الفساد هى ان جميع القوى السياسية حكومة ومعارضة ومستقلة تحمل بعضها بعضا المسؤلية عنه.
فقد كانت محاربة الفساد والمتنفذين على رأس البرنامج الانتخابى للرئيس اليمنى الفائز فى الانتخابات على عبدالله صالح زعيم حزب المؤتمر الشعبى العام الحاكم. اتهم صالح رموز المعارضة بالوقوف وراء استشراء الفساد بدعوى وقوف بعضهم فى وجه تنفيذ القوانين وحماية بعض رموز الفساد.
اليمن غني بالبترول
الاتهام نفسه وجهته المعارضة ممثلة فى احزاب اللقاء المشترك ( الاصلاح والناصرى والاشتراكي). ففى كل تحركاتهم ومؤتمراتهم اشار مرشحهم فيصل بن شملان المنافس لعلى عبدالله صالح والذى جاء ثانيا فى الانتخابات الرئاسية، وكذلك المستقل فتحي العزب وايضا المستقلان احمد المجيدى وياسين نعمان، الى الحزب الحاكم باعتباره مسؤلا عن تفشى ظاهرة الفساد من خلال حصول رموز فيه على عمولات ضخمة من صفقات مختلفة طالت مشروعات البنى التحتية.
حرب الكاسيت
ولعل محمد الادرعى لم يكن وحيدا فى مجال تسخير الاغنية الشعبية فى الهجوم على الفاسدين، فقد شاركه عدد اخر من المطربين، بينهم فهد القرنى توجيه سهام النقد للسلطة واعضاء الحزب الحاكم تحديدا متهما اياهم بتكدير حياة المواطن البسيط.
وكيلا بالمثل، صدرت شرائط كاسيت تهاجم المعارضة وتنتقد رموزها وتقلل من شأنها ومن نفوذها وتتهمها بالفساد والتربح واثارة الفتنة وغير ذلك. وقيل ان الحزب الحاكم كان وراء مثل هذا الاصدارت ومنها شريط " اسأل مجرب".
شمال وجنوب
كان سكان مناطق الجنوب خاصة عدن وحضرموت اكثر اليمنيين شكوى من تفشى ظاهرة الفساد.
سكان مناطق الجنوب خاصة عدن وحضرموت اكثر اليمنيين شكوى من تفشى الفساد
ففى لقاء مع عدد من اليمنيين عند خور المكلا فى حضرموت كانت الشكوى من ان ثمار الوحدة بين شطرى اليمن، والتى تمت على اثر استفتاء نتج عن صراع مسلح عام 1994، لم تكن بالقدر الذى يرضى الجنوبيين.
قال بعضهم ان تسريح ابناء الجنوب من الجيش لحساب ابناء الشمال كان له اثر سلبى على حياة قطاع عريض من السكان بسبب عدم وجود وظائف بديلة. الامر الذى جعل البعض ينقم على السلطات بل ويحاول استفزازها لتلبية مطالبه بارتكاب بعض الاعمال الخارجة على القانون مثل الخطف، كما فى شبوة.
مظهر اخر هو تفشى البطالة بين الشباب نتيجة عدم وجود مشروعات تنموية وصناعية وزراعية بالقدر الذى لايمتص الخريجين وغير ذوى المؤهلات. وقالوا انه اذا توفرت وظائف فانها تذهب لابناء المحسوبين على السلطة والنافذين ومن يستطيعون دفع مبالغ مالية باهظة. وذهب بعضهم الى الزعم بان ابناء الشمال افضل حالا لان معظم المشروعات والاستثمارات توجه لصالحهم على حساب ابناء عدن والجنوب عموما.
بعض الشباب فى مدينة عدن قالوا انه حتى فى مجال الرياضة توجد محسوبية بحيث لاترى فى المنتخبات اليمنية المختلفة سوى العدد القليل من ابناء الجنوب.
وشكت بعض الجنوبيات من ان الرواتب التى يحصلن عليها ضئيلة مقارنة بزميلاتهن فى نفس المهن فى الشمال.
ويقول بعض الطلبة ان البعثات التعليمية فى الخارج تذهب لابناء الاغنياء وذوى السلطة والنفوذ، بل قال احد الشباب ان هناك تعمد من جانب الشماليين لابقاء الجنوبيين جهلاء بحرمانهم من فرص متكافئة للسفر للخارج.
وكانت الشكوى مريرة من توزيع الاراضي الخصبة وبمساحات شاسعة لاصحاب النفوذ وحرمان الطبقات الفقيرة من اقتسام الثروة مع الكبار سواء فى الشمال او الجنوب. ولاسبيل هنا للتطرق لمسألة انتشارالسلاح بين اليمنيين العاديين، واتهامات البعض بأن هناك من يستفيد من هذا الوضع اما بجنى المال من تجارة السلاح او بممارسة الضغوط على السلطات لتحقيق مصالح شخصية او قبلية.
الحكومة لاتعرف السبب
فى لقاء خاص مع بى بى سى قبل اعلان النتائج الرسمية واجهت بى بى سى عبده الجنادى المسؤول البارز بالحزب الحاكم بهذه الشكاوى.
قال الرجل، الذى شغل منصب رئيس المركز الاعلامى للجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، ان من يشكون فى الجنوب من سوء الحال والتمييز وغير ذلك ليسوا الا " قلة اعتادت الشكوى حتى وان تيسر لها الحال".
واضاف الجنادي ان ثمار الوحدة جناها جميع اليمنيين فى الشمال والجنوب ممثلة فى الاستقرار والامن واقتسام الموارد وبسط سيادة الدولة واقامة دولة المؤسسات التى يتساوى فيها الشمال والجنوب.
ولكنه عندما سئل عن الفساد اجاب بمثل استفهام محمد الادرعي " من السبب عن الفساد؟!!".
قال الجنادى ان الفساد موجود ومنتشر فى قطاعات مختلفة ولا احد يستطيع القضاء عليه بين ليلة وضحاها. واضاف انهم فى الحزب الحاكم والحكومة يعانون ايضا من الفساد، وان احدا لا يعرف السبب!
الا القات
فى صنعاء او غيرها من مدن اليمن يمكنك شراء زجاجة مياه معدنية بمئتى ريال يمنى او ما يساوى دولار واحد، وهذا سعر فندقي.
اما فى المطاعم العامة، فانك تستطيع ان تستمتع بوجبة من لحم الغنم --الحنيذ او الزربيان اوالمندى اوالمضبى بالارز والخضار المشكل-- مع الفحسة (سلطة ساخنة بفتات اللحم) والزحاوق (عصير طماطم بالثوم والفلفل) ومشروب غازى مثلج اوعصير فريش، باقل من عشرين دولارا.
ربما يسرت لك الظروف ان كنت خليجيا او اجنبيا او حتى يمنيا تعمل مع مؤسسة اجنبية ان تتناول هذا الوجبة يوميا، لكن المواطن اليمنى العادى ربما لايحصل فى شهره كاملا على قيمة اربع او خمس وجبات كهذه.
والذى يدعو للدهشة ان جزء كبيرا من هذا الدخل البسيط يتم انفاقه على مجالس القات. والاكثر دهشة هو ماقاله نبيل النقيب عضو تكتل اللقاء المشترك المعارض، على هامش مقابلة مع بى بى سى، من ان لفائف القات ربما وزعت كرشوة انتخابية لشراء اصوات الناخبين فى بعض المناطق الفقيرة.
وهنا تدخل عضو محلي بحزب المؤتمر الشعبى الحاكم فى عدن كان حاضرا للقاء نافيا بغضب، ومنتقدا بشدة عضو اللقاء المشترك لمقولته هذه، رغم تأكيده انه شخصيا من رواد مجالس القات.
Reply With Quote
Originally Posted by فضل السميري
Bookmarks