""الوَحدة الإسلامية واجب شرعي ""

ناقش منبر الجزيرة في حلقته الأخيرة موضوع الوحدة اليمنية بعد عشرين سنة وطرح أسئلة بحاجة إلى أجوبة واضحة
هل هي معرضة للخطر؟
وهل كانت الوحدة أصلا ملبية لمصالح الطرفين؟
أم إن الانهيار هو قدر مشاريع الوحدة العربية المعاصرة؟
إن أمر الوحدة داخل بلدان العالم الإسلامي من جهة وفيما بينها من جهة أخرى بحاجة إلى علاج جذري وبيانه بشكل مفصل وعلى أساس شرعي يضمن استمراره فاليمن بحاجة إلى وحدة وفلسطين والسودان وسوريا وكل بلد من بلدان العالم الإسلامي المترامي الأطراف ،

وهذا يتطلب بيان الواقع الذي تعيشه كل بلدان العالم الإسلامي ؛ إذ أن كافة البلاد الإسلامية ومنها اليمن، لا يُطبَّق فيها الإسلام ، وهي مفتوحة للسفارات الأجنبية وكأنها الحاكم الحقيقي ، فحولت البلاد الإسلامية إلى مناطق صراع وأزمات اقتصادية وسياسية وإجتماعية وفتن واقتتال داخلي يحصد الأرواح بأعداد هائلة ويهدر مقدرات الأمة وثرواتها وما حرب العراق مع إيران ،والعراق والكويت ببعيدة عن أذهاننا .
وفي اليمن وعلى سبيل المثال وبالرغم من تصريحات السفير البريطاني ” تيم تورلو ” لصحيفة الصحوة بتاريخ 16/2/2008م حيث قال ” ... إن الحكومة البريطانية تدعم 100% وحدة هذا البلد، ونرى أن الوحدة تصب في المصلحة السياسية والاقتصادية لليمن وتعزيز دورها في المنطقة..... “، إلا أن النظام يجب أن لا يركن لبريطانيا في الحفاظ على وحدة اليمن، لأن بريطانيا عدوة الإسلام والمسلمين، كثيرا ما سارت جنبا إلى جنب مع أمريكا للحفاظ على مصالحها، وكثيرا ما تخلت عن رجالها وقت الأزمات، والله سبحانه وتعالى يقول {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود113، ولأن أمريكا ستستمر في التحريض على الانفصال وتقسيم البلد لإضعافه، وليسهل عليها السيطرة على مقدرات البلاد وخاصة جنوبه المليء بالخيرات مثل النفط والغاز.
إن الحفاظ على وحدة اليمن وعلى باقي بلدان العالم الإسلامي واجب شرعي، بل إن توحيد اليمن مع غيره من البلاد الإسلامية هو واجب شرعي فلا يصح الإنجرار وراء من يدعو إلى تقسيم البلاد بحجة فساد النظام، فبدلا من المطالبة بتقسيم البلاد إلى أجزاء متناثرة يجب أن تتحرك الشعوب لمطالبة حكامها برفع الظلم عن الناس وتحصيل الحقوق، وإنكار منكرات النظام، وإجباره على رعاية شؤون الناس رعاية صحيحة وفق أحكام الإسلام، كل ذلك واجب على المسلمين، ولكن لا يصح بحال من الأحوال تمزيق اليمن ولا أي بلد من بلاد المسلمين إلى مزق وكيانات كرتونية يُنصَّب عليها من يكون تابعا للأجنبي ، يطبق سياساته ، ألا يكفي أن الكفار قد مزقوا العالم الإسلامي إلى أكثر من سبعة وخمسين مزقه، ونصبوا حكاما متسلطين على رقاب الأمة، يسومونها جميع أصناف الذل والهوان والعذاب، وإذا اجتمعوا تآمروا وإذا تفرقوا تناحروا،فأضاعوا البلاد والعباد، فكانوا عاراً وسبةً على هذه الأمة الإسلامية الكريمة.
إن الشرع الإسلامي يفرض أن يكون المسلمون جميعاً في دولة واحدة، وأن يكون لهم خليفة واحد لا غير، ويحرم شرعاً أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة، وأكثر من خليفة واحد.

كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخـلافة نظام وحدة، ويحرم أن يكون نظاماً اتحادياً؛ وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ومَنْ بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر». ولما روى مسلم عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أتاكم وأمرُكُم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم، أو يُفرّق جماعتكم، فاقتلوه». ولما روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». ولما روى مسلم أن أبا حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

فالحديث الأول يبيّن أنه في حالة إعطاء الإمامة، أي الخـلافة، لواحد، وجبت طاعته، فإن جاء شخص آخر ينازعه الخـلافة، وجب قتاله وقتله إن لم يرجع عن هذه المنازعة.

والحديث الثاني يبين أنه عندما يكون المسلمون جماعة واحدة، تحت إمرة خليفة واحد، وجاء شخص يشق وحدة المسلمين، ويفرق جماعتهم وجب قتله. والحديثان يدلان بمفهومهما على منع تجزئة الدولة، والحث على عدم السماح بتقسيمها، ومنع الانفصال عنها، ولو بقوة السيف.

والحديث الثالث يَدلّ على أنه في حالة خلوّ الدولة من الخليفة - بموته أو عزله أو اعتزاله- ومبايعة شخصين للخلافة، يجب قتل الآخر منهما، أي يكون الخليفة هـو الذي بويع بيعةً صحيحةً أولاً، ويُقتل الذي بويع بعد ذلك إن لَم يعلن تركه للخـلافة، ومن باب أولى إذا أعطيت لأكثر من اثنين. وهذا كناية عن منع تقسـيم الدولة، ويعني تحريم جعل الدولة دولاً، بل يجب أن تبقى دولة واحدة.

والحديث الرابع يدل على أن الخلفاء سيكثرون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة، رضوان الله عليهم، سألوه بماذا يأمرهم عندما يكثر الخلفاء، فأجابهم بأنه يجب عليهم أن يفوا للخليفة الذي بايعوه أولاً؛ لأنه هو الخليفة الشرعي، وهو وحده الذي له الطاعة، وأما الآخرون فلا طاعة لهم؛ لأن بيعتهم باطلة، وغير شرعية؛ لأنه لا يجوز أن يُبايَع لخليفةٍ آخر مع وجود خليفة للمسلمين. وهذا الحديث كذلك يدل على وجوب أن تكون الطاعة لخليفة واحد، وبالتالي يدل على أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة، وأكثر من دولة واحدة.

إن العلاج الشرعي والوحيد للحفاظ على وحدة كل بلد بل وحدة البلاد الإسلامية جميعها هو تغيير جميع الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، ليضع مكانها نظاما إسلاميا في دولة إسلامية واحدة، هي دولة الخلافة الراشدة الثانية، وعلى رأسها خليفة المسلمين، فيطبق الإسلام كاملا كما طبقه الرسول الكريم والخلفاء الراشدون من بعده، ويرفع الظلم عن الناس، ويقيم العدل، ويحرر البلاد والعباد، وينشر الخير، ويأخذ زمام المبادرة من الدول الكافرة، لتصبح دولة الخلافة هي الدولة الأولى في العالم ، تنشر الإسلام في العالم لتخرجهم من الظلمات إلى النور،وتخلصهم من جور وشقاء النظام الرأسمالي الديمقراطي الظالم، كيف لا وقد بشرنا رسول الله صلى عليه وآله وسلم بها وهو الصادق المصدوق، “...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاء َ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة”، ولهذا الخير فليعمل العاملون.

{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21