موجز الممالك الجنوبية في الجزيرة العربية
مملكة سبأ
تعتبر سبأ الأكثر امتدادا زمنيا من بين المراكز الحضارية الأخرى في الجزيرة العربية حيث استمر ازدهار هذه الحضارة منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد تقريبا وحتى القرن السابع الميلادي* نستدل من طول هذا الاستمرار الزمني على قوة القاعدة التي ارتكزت عليها هذه الحضارة* وهذه القاعدة متشكلة من عدة عوامل دينية وبدنية وسياسة واقتصادية مرتبطة مع بعضها البعض.
اختلف الباحثين كثيرا في أصل السبئيين وطرحت الكثير من التساؤلات والآراء حول
هل هم من أصل عربي شمالي ؟ أم من أصل عربي جنوبي ؟
وقد كان هناك نظريتين حول الإجابة على هذه التساؤلات وهي:
النظرية الأولى/
زكاها عدد من الباحثين مثل ( شرادوا* كيبرت* هارتمان* داتش* فريتز هومل)* وراءوا فيها أن السبأيين عاشوا أصلا في شمال شبه الجزيرة العربية قرب منطقة الجوف الشمالي واستمروا فيها على البداوة زمنا طويلا* ثم دفعتهم دوافع معينة للاتجاه نحو جنوب شبه الجزيرة العربية قبيل بداية القرن الثامن ق.م بقليل حيث استقروا فيه(صالح* 1988م:44).
النظرية الثانية/
ألمح لهذه النظرية باحثون آخرون ومنهم (مولر* جلاسر* فنكلر* ماير* ألوا موزيل)* ويرون فيها أن السبئيين عاشوا منذ بداية أمرهم في الجنوب العربي* ولكن جالية منهم اتجهت خلال القرن الثامن ق.م أو قبله بقليل إلي شمال شبة الجزيرة العربية وأقامت قرب تيما ومنطقة الجوف الشمالي حامية لترعى مصالحها التجارية على طريق القوافل المتجهة منها إلي منطقة الهلال الخصيب (صالح* 1988م:44).
وقد يكون هذا الرأي أو النظرية أرجح وأقرب للحقيقة من الرأي السابق وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن غالبا ما يكون مركز الحضارة التي انطلقت منه وانتشرت هو الأقوى والأكثر ازدهارا سوا كان ذلك الازدهار تجاريا أو عمرانيا أو دفاعيا أو دينيا.
وهذا الازدهار نلاحظه بشكل واضح في المواقع السبأية الجنوبية أكثر منه شمالا.
ومشكلة أصل السبئيين لم تكن النقطة الوحيدة التي اختلف عليها الباحثين* فهناك مشكلة أخرى تفاوتت فيها آراء العلماء والباحثين وهي تحديد تاريخ بداية هذه الدولة.
فيضع باحثون عهد حاكمة سبأ المعاصرة لسليمان عليه السلام* موضع الاعتبار وبدء قيام دولتهم بالقرن الحادي عشر ق.م* ويكتفي بعض الباحثين الآخرين بالاقتصار على عهد الحكام الذين سجلت النصوص أسمائهم ولا يذهبون بتاريخ دولة سبأ إلي ابعد من عهد (يثع امر) الحاكم السبئي الذي ذكره نص سرجون الثاني ملك آشود في عام 715 أو عام714 ق.م ( صالح*1988م:55).
ومما لا شك فيه أن لسبأ نفوذا كبيرا كان يمتد إلي نجد وشمال الحجاز* ما أنها كانت تسيطر على الطريق التجاري الرئيسي الذي يربط جنوب غرب الجزيرة العربية ببلاد الشام ومصر (السعيد* 2000م:71).
أمكن بفضل النقوش السبئية تقسيم عصر دولة سبأ إلي عدة مراحل وذلك على أساس تغير لقب حكام سبأ ( سليم* 1996م:120).
وهذه المراحل هي :
1- مرحلة المكار به
وهي المرحلة التي كان يلقب فيها حكام سبأ بلقب مكرّب* أي المقرب من الآلهة وقد اتخذ المكاربة من صرواح عاصمة لهم ثم نقلوها إلي مأرب* ويمتد عصر المكاربة من عام 800-650ق.م (سليم*1996م:120).
ويرى باحثين آخرين منهم ألبرايت أن نهاية عهد المكاربة هو في عام410ق.م(صالح*1988م:69).ومن أهم ما ينسب إلي المكاربة آثار معابدهم الباقية وأشهرها معبد العاصمة صرواح الكبير للإله (ألمقه)* وبداية مشروع سد مأرب* وقيامهم بتوسعات خارجية في المناطق المجاورة لهم (الشاهين*1997م:203).
2- مرحلة ملوك سبأ
وتبدأ هذه1988م:ة في عهد آخر الحكام المكريين وهو الحاكم السبئي " كرب إيل وترالثاني"* الذي ادعى في نصوصه أن ربه ألمقه هو الذي تخيره ملكا وأيده في مشروعاته* وكما كان " كرب إيل وتر " خاتمة لعهود المكربين أصبح بداية لعهود جديدة في تاريخ دولته وهي عهود الملكية السبئية الذي يرى بعض المؤرخين أنها تبدأ حوالي 410ق.م ويرى آخرون أنها بدأت حوالي 630ق.م (صالح* 1988م: 69).
وتنتهي هذه المرحلة في عام 115ق.م تقريبا *وفي هذه المرحلة كانت مأرب عاصمة لسبأ بدلا من صرواح ( السعيد* 2000م :73).
3- مرحلة ملوك سبأ وذي ريدان
وفي هذه المرحلة تلقب حكام سبأ بلقب " ملك سبأ وذي ريدان " وتمتد هذه المرحلة من عام 115ق.م إلي عام 300 ميلادي تقريبا ويدل هذا اللقب على ضم " ريدان " إلي دولة سبأ* بينما تذكر بعض المراجع ذلك العصر باسم " عصر الدولة الحميريه الأولى " (السعيد* 2000م:73).
في هذه المرحلة أصبحت ظفار عاصمة السبئيين* وقد اختلف المؤرخون حول اسم أول ملوك هذا العصر* ومن ابرز الحكام في هذه المرحلة هما " علهان نهفان " وابنه " شعر أوتر "* ويستدل من النصوص السبئيه أن " شعر أوتر " حارب قبائل كثيرة وأنه قد استطاع السيطرة على معظم مناطق العرب الجنوبية (السعيد* 2000م:78-79).وبعد " شعر أوتر " مر على الدولة السبئيه فترة عصيبة ولم يكن الملوك أقويا* بدليل أن الرومان طمعوا في بلاد العرب بعد استيلائهم على مصر في عهد يوليوس قيصر* وذلك لغنى هذه البلاد واحتكارها طريق التجارة* ولكنهم فشلوا بسبب عدم معرفتهم بطبيعة بلاد العرب ومناخها (السعيد* 2000م:79). ويذكر في آخر هذه الفترة سيطرت حمير على الحكم في دولة سبأ* ومن أشهر حكامهم " يسر يهنعم " والد " شمر يهرعش" (السعيد* 2000م:80).
4- مرحلة ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت
يبدأ هذا العهد من حوالي عام 300م ويستمر حتى عام 525م ويشير اتخاذ الملوك لهذا الاسم على أن دولة سبأ وذي ريدان أصبحت تضم إليها حضرموت وكذلك يمنت* ويرى غالبية العلماء أن يمنت هي الجنوب الغربي من بلاد العرب* من باب المندب وحتى حضرموت (سليم* 1996م:141). وأول ملوك هذه المرحلة هو " شمر يهرعش " وقد نسب إليه القيام بالكثير من الفتوحات في العديد من البلدان* وبعد وفاته تمكن الأحباش من احتلال اليمن في سنه 340م ( سليم* 1996م:141). وفي هذه المرحلة كان لاعتناق آخر ملوك سبأ "ذونواس " الدين اليهودي واضظهاده للمسيحين وما حدث في قصة الأخدود أثره في تشجيع الاثيوبين على غزو اليمن واحتلالها عام 525م وذلك بتشجيع من الدولة البيزنطينيه* ثم احتلال الفرس والذي ظل اليمن خاضعا لهم حتى ظهور الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي التي انتهت دولتهم ( سليم* 1996م:142).
المراجع
1/صالح* عبدالعزيز. تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة. مكتبة الأنجلو* القاهرة* 1988م.
2/ السعيد* عصام. تاريخ العرب في العصور القديمة. دار المعرفة الجامعية* الإسكندرية* دارالمعرفة الجامعية* 2000م.
3/ سليم* احمد. جوانب من تاريخ وحضارة العرب في العصور القديمة. دار المعرفة الجامعية* الإسكندرية* 1996م.
4/ شاهين* علاء الدين. تاريخ الخليج والجزيرة العربية القديم. منشورات ذات السلاسل* الكويت* 1997م
يتبع
المفضلات