بسم الله الرحمن الرحيم


بعض الناس إذا سمع الحديث حول الدعوة إلى الله .. ظن أن الدعوة مقصورة على من أعفى لحيته وقصر ثوبه .. ثم قال لك : أنا أحلق لحيتي .. وأسبل ثوبي .. وأدخن .. وجعل هذه الأمور حائلاً بينه وبين الدعوة إلى الله تعالى ونصح المقصرين .. وهذا خطأ من وساوس الشيطان ..

نعم لا أنكر أن الأصل في الداعية أن يكون مستقيماً مطبقاً لما يدعو إليه .. ولكن لا يعني هذا أن يترك الرجل الطاعات بسبب وقوعه في بعض المعاصي .. ولعل تلك المعاصي أن تغوص في بحر الحسنات ..

بل قد يستطيع المقصر أن يصل إلى أشخاص لا يستطيع أن يصلهم الداعية المستقيم .. فأنت وإن كنت مقصراً إلا أنك تستطيع أن تدعو تارك الصلاة إلى أن يصلي .. فترك الصلاة كفر ..

أنت تستطيع أن تنصح من يقع في الفواحش أن يتوب منها .. تنصح من يتعرض لأعراض المسلمين بأن يكف عن ذلك ..

بل قد يجالس الدعية المستقيم بعض الناس ولا يعلم أنهم يأكلون الربا .. أو يقعون في الفواحش .. أو يتركون الصلاة .. لأنهم يتظاهرون بالخير أمام الصالحين .. أما من رأوه مثلهم فلا يتصنعون أمامه بشيء .. بل يكشفون أمامه أوراقهم ..ويظهرون كل شيء ..

أما كيف تنصحهم وتدعوهم .. فهذا يكون بأساليب شتى .. كإهداء الأشرطة النافعة إليهم .. ودعوة بعض الدعاة إلى مجالسكم أحياناً .. والنصيحة الفردية لهم .. وغير ذلك .. ولا تقل أنا غير ملتزم فكيف أدعو وأنصح ؟! .. فإن وظيفة الدعوة إلى الله وظيفة ربانية واسعة .. كثيرة الأساليب لا تزال تحتاج إلى عاملين .. وكلنا ذوو خطأ .. وكل بني آدم خطاء ..

ولو لم يعظ في الناس منهو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟!

قال الشيخ :

خرجت من المسجد يوماً فجاءني شاب عليه آثار المعصية .. وقد اسودت شفتاه من كثرة التدخين..فعجبت لما رأيته .. ماذا يريد .. فلما سلم عليّ قال : يا شيخ أنتم تجمعون أموالاً لبناء مسجد أليس كذلك ؟

قلت : بلى ..

فناولني ظرفاً مغلقاً وقال : هذا مال جمعته من أمي وأخواتي وبعض المعارف .. ثم ذهب .. ففتحت الظرف فإذا فيه خمسة آلاف ريال ..وأنفق هذا المال في بناء المسجد .. واليوم لا يذكر الله في ذلك المسجد ذاكر .. ولا يتلو القرآن قارئ .. ولا يصل مصل .. إلا وكان في ميزان ذاك الشاب مثل أجره .. فهنيئاً له ..

ولو أن هذا الشاب استسلم لتخذيل الشيطان وقال : أنا عاص .. فإذا تبت بدأت أخدم الدين وابني المساجد .. لفاته أجر عظيم .. وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) (رواه مسلم)

- وأعرف اثنين من الشباب - المقصرين - هما منذ سنوات .. إذا أقبل شهر رمضان أو موسم الحج ركبا في سيارة وأخذا معهما أدوات خاصة بإصلاح أعطال السباكة والكهرباء .. ثم توجها إلى مكة .. ومرا على جميع دورات المياه التي في طريق الحجاج والمعتمرين وأصلحاً أعطالها .. خدمة لإخوانهم المسلمين .. ولا أحد يعرف عنهما ذلك ..

وحدثني أحد الدعاة أنه طرق عليه الباب في آخر الليل ..

قال الشيخ : فخرجت فزعاً فإذا شاب عليه آثار التقصير والمعصية .. فسألته : ماذا تريد ؟!
فقال : معي في السيارة اثنان من العمال الهنود أسلما على يدي وقد أحضرتهما إليك لتلقنهما الشهادة وتجيب عن أسئلتهما ..!!

قال الشيخ : فعجبت وقلت .. كيف دعوتهما ؟

فقال : لا زلت أتابعهما بالكتب والأشرطة حتى أسلما ..

- وحدثني أحد العاملين في مكتب للدعوة والإرشاد أن شاباً مدخناً .. وعنده معاص أخر. ومع ذلك فإن هذا الشاب إذا أقبل رمضان جمع تبرعات من التجار ثم اشترى آلاف الأشرطة وحملها إلى مكاتب الدعوة لتوزيعها خلال نشاطاتهم في رمضان ..
طالما اشتكى العاملون في مكاتب الدعوة والإرشاد من قلة المتعاونين معهم

.. ويقسم لي أحدهم : أن بعض العمال الكفار ليس بينه وبين الإسلام إلا أن يتفرغ له شخص أسبوعاً أو أسبوعين يأتي به إلى مكتب الدعوة لحضور المحاضرات .. ولا يجد المكتب متعاوناً يهتم بمثل هذا ..

بل .. كم من خادمة كافرة ما نشط أصحابها في دعوتها ولا أهدوا لها كتاباً ولا شريطاً عن الإسلام .. فبقيت على كفرها ..

وكم من شاب فاجأه الموت وهو تارك للصلاة .. أو مقيم على كبيرة من الكبائر .. لأن الدعاة ما استطاعوا الوصول إليه .. وأصحابه ما نشطوا في نصيحته ..

وكم من فتاة ترى زميلاتها في المدرسة .. يتبادلن الصور الأشرطة المحرمة .. بل وأرقام الهواتف المشبوهة .. ومع ذلك إذا طالبناها بنصيحتهن قالت : أنا احتاج إلى من ينصحني .. أنا مقصرة .. إذا أصبحت ملتزمة نصحتهن ..

عجباً .. ما أسعد الشيطان بسماع هذه الكلمات ..

كيف دخل الإسلام إلى أفريقيا والهند والصين ..!! حتى صار في الهند مائة مليون مسلم .. وفي الصين قريباً من ذلك .. من دعا هؤلاء ؟ ..

إنهم أقوام من عامة الناس .. ليسوا طلبة علم .. ولا أئمة مساجد .. ولا تخرجوا من كليات شرعية..أقوام ذهبوا للتجارة .. فدعوا الناس فأسلموا على أيديهم .. فخرج من هؤلاء المسلمين الهنود والصينيين والأفارقة علماء ودعاة .. وأجر هدايتهم لأولئك التجار ..

لقد سألت مراراً عداداً من العمال الكفار الذين في محطات البنزين .. أقول لأحدهم : منذ متى وأنت في هذه البلاد فيقول : منذ خمس سنوات .. وسبع سنوات .. فأقول : هل أعطاك أحد شريطاً أو كتاباً عن الإسلام منذ جئت إلى هنا ؟! فيعتصر قلبي بقوله :

لا.. كل الناس يملئون سياراتهم بالوقود ويذهبون ..

يا أخي قد تكون مقصراً .. بل قد تستمع إلى الأغاني .. وقد تدخن .. وقد تقع في المعاصي ولكن أنت مسلم أولاً و آخراً..

وقد قال لك النبي صلى الله عليه وسلم نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي بلغوا عني ولو آية ) .. أفلا تحفظ آية تبلغها ..