بسم الله الرحمن الرحيم
إن موضوعي هذا لن يكون فيه سرد تاريخي لسيرة المصطفي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ، لا ، بل سيكون مبحثا عقدياً يتعلق بالعقيدة؛ من حيث واجبنا نحن معشر المسلمين نحو رسو الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ و سيتلخص ذلك ـ بإذن الله ـ في عدة مطالب :
الأول : واجبنا تجاه رسول الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ من حيث حبه ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ و تصديقه ..، إلى غير ذك من الحقوق الواجبه على المسلم.
الثاني : حكم الغلو فيه ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله أياها.
الثالث : حكم سبه ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ .
::::::::::::::::
المطلب الأول :
إن الله عز وجل قد خصّ نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بخصائص كثيرة فهوسيد ولد آدم، وخاتم النبيين، فقد أرسله الله للناس كافة، كما قال تعالى : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } الأعراف آية 158 .
كما أنه أول من يعبر الصراط يوم القيامة، وأول من يقرع باب الجنة ويدخلها، وله المقام المحمود، ولواء الحمد، وهو أول شافع مشفع.
ولا شك إن علينا تجاه هذا النبي الكريم حقوقاً كثيرة يجب القايم بها و تحقيقها، فلا بد من تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لايعبد الله إلا بما شرع .
وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن نحقق محبته اعتقاداً و قولاً وعملاً، و نقدمها على محبة النفس والولد والوالد، والناس.
قال تعالى : { قل إن كان آباؤكم و ابناؤكم وإخوانكم وأزواجكم و عشيرتكم وأموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، و الله لا يهدي القوم الفاسقين}التوبة، آية 24 .
يقول القاضي عياض عن هذه الآية :
" فكفى بهذا حضا و تنبيهاً و دلادلة وحجة على إلزام محبته، و وجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ إذ قرع سبحانه من كان ماله و أهله و ولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى :
{ فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } ثم فسقهم بمتام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضلّ ولم يهده الله "
الشفا2/563 .
و عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله و سلم ـ قال " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده و والده والناس أجمعين "
أخرجه البخاري .
و عن أنس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ قال : " ثلاث من كن فيه وجَدَ حلاوة الإيمان ـ و ذكر منها ـ إن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما "
أخرجه البخاري .
و لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في صدق و تمام المحبة لرسول الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ، فهذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول للعباس : أن تُسْلم أحبّ إليّ من أن يسلم الخطاب، لأن ذلك أحبّ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وسئل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ ؟ قال : كان والله أحبّ إلينا من أموالنا و أولادنا و آبائنا و أمهاتنا، و من الماء البارد على الظمأ .
الشفا للقاضي عياض 2/567-570 .
و كان عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ يقول :
" ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ و لا أجلّ في عيني منه، و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، و لو سئلت إن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه " .
أخرجه مسلم .
" ومن حقه أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن حقه أن يحب أن يؤثره العشطانُ بالماء، و الجائعُ بالطعام، و أنه يحب أن يُوَقىَّ بالأنفس و الأموال، كما قال سبحانه و تعالى : { ما كان لأهل المدينة و من حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } التوبة آية، 120 .
فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من المشقة معه حرام ... "
الصارم المسلول ص 421 .
كما يتعين علينا نصحه صلى الله عليه و على آله وسلم ، قال تعالى { و لا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله و رسوله ماعلى المحسنين من سبيل و الله غفور رحيم } التوبة، آية 91 .
وعن تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه و على آله وسلم ـ قا ل : " الدين النصيحة ثلاثاً " قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله و لكتابه و لرسوله و لأئمة السملمين و عامتهم "
أخرجة مسلم .
يقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ : " و أما النصيحة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، فبذل المجهود في طاعته و نصرته و معاونته، وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته، و أما بعد وفاته فالعناية بطلب سنته، و البحث عن أخلاقه و آدابه و تعظيم أمره و لزوم القيام به، وشدة الغضب، و الإعراض عمنّ تدينّ بخلاف سنته و الغضب على من ضيّعها لأثرة دنيا، إن كان متديناً بها، و حبّ من كان منه بسبيل من قرابة، أو صهر ، او هجرة ، أو نُصرة، أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام "
جامع العلوم والحكم 1/221، 222 .
و من حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن لا يتقدم بين يديه بأمر و لانهي، و لا إذن و لاتصرف، حتي يأمر هو، و ينهى و يأذن، كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } الحجرات، آية 1 .
يقول ابن القيم في هذا الصدد :
" فرأس الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : كمال التسليم له، و الانقياد لأمره، و تلقي خبره بالقبول و التصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل، يسميه معقولاً، أو يُحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال، و زبالات أذهانهم، فيوحده، بالتحكيم والتسليم، والانقياد و الإذعان، كما وحّد المرسل سبحانه و تعالى بالعبادة و الخضوع والذل، و الإنابة و التوكل " .
مدارج السالكين 2/387 .
و يقول أيضا : " و من الأدب معه : أن لايستشكل قوله، بل تستشكل الآاراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة و تلقى لنصوصه، و لا يوقف قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على موافقة أحد " .
مدراج السالكين 2/390 .
و من حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أن الله أمر بتعزيره و توقيره، كما قال تعالى : { و تعزروه و توقروه } الفتح، آية 9 .
يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
" التعزير اسم جامع لنصره و تأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل مافيه سكينة و طمأنينة من الإجلال و الإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم و التعظيم بمايصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار " .
الصارم المسلول ص 422 .
يقول القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :
" اعلم أن حرمة النبي ـ صلى الله عليه و على و سلم ـ بعد موته، و توقيره وتعظيمه لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره ـ صلى الله عليه و سلم ـ، وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله و عترته، وتعظيم أهل بيته و صحابته " .
و قال أبو إبراهيم التُّجيبي ـ رحمه الله ـ :
" واجب على كل مؤمن متى ذَكره، أو ذُكر عنده، أن يخضع و يخشع، و يتوقر، و يأخذ في هيبته و إجلاله بما كان يأخذ به نَفسه لو كان بين يديه، و يتأدب بما أدبنا الله به " .
قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ :
" وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح و أئمتنا الماضين ـ رضي الله عنهم ـ " .
الشفا 2/595 .
Reply With Quote
Bookmarks