وحدة الاستماع /17-12-2003
صور صدام الأسير تطغى إعلاميا على حقائق دامغة ليست في صالح بوش - أ.ف.ب
المشهد الإعلامي الطاغي لعملية القبض على صدام حسين جاء ليخفي الادعاءات والمبررات الواهية التي ساقتها الإدارة الأمريكية لتبرير غزو العراق، كما يستثمر للتغطية على مشهد مأساوي مستمر، يتمثل في النعوش القادمة إلى أرض الوطن من العراق وبداخلها جثث الجنود الأمريكان.. هذا هو جوهر المقال الذي نشرته صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" الأمريكية على موقعها الإلكتروني الثلاثاء 16-12-2003 بعنوان "النصر المشكوك فيه" للكاتبة "مارجوري كوهن".
وفيما يلي نص المقال:
لقد تم الترحيب بأسْر صدام حسين وتقديمه إعلاميا على أنه "نصر باهر" للرئيس جورج بوش، فمن سيكون بالتالي بحاجة، بعد أسر "سفاح بغداد" لأن يشغل باله بشأن عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل، أو غياب أي صلة بين صدام حسين ومنفذي هجمات 11 سبتمبر؟!
ومن المتوقع أن يحصل بوش على بعض المكاسب السياسية من القبض على صدام، ولكن حرب بوش على الإرهاب التي انطلقت في العراق من المتوقع لها أن تستمر أو تزداد، كما أنه لن يصبح بعد الآن ممكنا توجيه اللوم لصدام حسين على استمرار العمليات "الإرهابية" بعد أن أصبح في الأسر.
لقد غطّت وسائل الإعلام عملية القبض على صدام حسين بصورة مكثفة، ملء السمع والبصر.
ومن بين اللقطات التي عرضت لقطة لطبيب يفحص فم صدام، وهذا انتهاك لاتفاقية جنيف التي تحظر إخضاع الأسرى للإهانة، أو تعريضهم للسخرية العامة. ولم يذكرنا أحد في هذا المقام بأن صدام حسين كان واحدا من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الثمانينيات، واستخدم حينها الأسلحة الكيماوية التي زودته بها الولايات المتحدة.
ولكن، هل حقا سيواجه صدام "العدالة التي حَرم منها الملايين" مثلما وعد الرئيس بوش؟ لقد تم تأسيس المحكمة الجنائية العراقية الجديدة من قبل مجلس الحكم الانتقالي الذي عينته الولايات المتحدة، وبأموال أمريكية قدرها 75 مليون دولار أقرتها البنتاجون ووزارة الخارجية. إنها أول محكمة جنائية ليس فيها مشاركة دولية أو تواجد للأمم المتحدة، وقراراتها ستكون غير سليمة؛ لأنها أنشئت في ظل الاحتلال.
بيد أن بوش صعّر خده مرة أخرى للمحكمة الجنائية الدولية، التي تنظر في القضايا المتعلقة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بعد أن تم العمل على إخراجها إلى النور على مدى 50 عاما من خلال جهود خبراء قانونيين دوليين ومتخصصين.
ولا تسمح أي من المحاكم الثلاثة التي أنشئت حتى الآن (المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة، ومحكمة جرائم الحرب في رواندا) بتوقيع عقوبة الإعدام. ومع ذلك قد تسمح المحكمة العراقية الجديدة بتوقيع عقوبة الإعدام، فهل سيتم إعدام صدام قبيل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2004؟.
فضلا عن ذلك، يجب على العراق أن يكفل لهيئة الدفاع حقوق المحاكمة العادلة المكفولة في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي صدق عليه العراق، وهي الحقوق التي تتطلب أن يمثل المتهم أمام قاض، ويتم إبلاغه بالتهم الموجهة إليه، وأن تكفل له محاكمة سريعة وعلنية وعادلة، مع افتراض مسبق ببراءته، وأن يكون له حق اختيار محام للدفاع عنه، وحمايته من التمييز.
إن الولايات المتحدة التي صدّقت أيضا على هذه الاتفاقية سبق أن أنكرت كل هذه الحقوق على أسرى معتقل جوانتانامو بكوبا.
وبالمصادفة، جاء اعتقال صدام بعد أن وجدت إدارة بوش نفسها في موقف دفاعي، بعد الكشف عن أن شركة "هاليبورتون" التي كان يرأسها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي قد كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين 61 مليون دولار إضافية، مقابل تزويد القوات الأمريكية في العراق بالوقود.
كما أنه من المتوقع أن اعتقال صدام سيغطي على الانتقادات الموجهة لبوش؛ لمنحه بصورة انتقائية عقود إعادة إعمار العراق للدول التي ساندته في الحرب، بالمخالفة لقوانين منظمة التجارة العالمية.
وربما كان أكثر الجوانب المأساوية للمشهد الإعلامي هو أنه يحلق بنا، بعيدا عن الجحيم الذي تواجهه قواتنا في العراق من دون أي مبرر معقول، فلم تقتصر إدارة بوش على إنكار حقنا في مواساة أسر الجنود القتلى في العراق؛ حيث يتم إخفاء نعوشهم بعيدا عن كاميرات وسائل الإعلام، بل إنها أخفت أيضا أسماء مئات الجرحى عن الشعب الأمريكي.
وبالرغم من القبض على صدام حسين، فإننا يجب أن نطالب حكومتنا بأن تعهد بعملية إدارة العراق إلى الأمم المتحدة، وأن تعيد قواتنا فورا إلى الوطن.
Bookmarks