التميز خلال 24 ساعة

 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميز لهذا اليوم 
قريبا Im glad I finally signed up
بقلم :    
قريبا


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 12 من 14

الموضوع: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

  1. #1
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    Post أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد. اخوتي واحبائي ملتقى الشباب اليمني

    كيد كلنا نحب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك يجب علينا ان نشارك في نشر دعوته

    من حيث سيرت الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته ومواقفه

    كما يقول الرسول علية الصلاة والسلام ( بلغوا عني ولو آيه) .

    نحنوا نوريد ا الاجر والثوب عند الله سبحانه وتعالي لابد ان ننشر دعوته في جميع المجالات .


    أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا بقوة لإحياء السيرة النبوية العطرة


    تعتبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أكمل وأجمل وأنبل وأعظم السير في التاريخ ....

    وقد شهدت بذلك البشريه جمعاء من مسلمين وغيرهم ... الا من اعمى الله بصيرته ...

    وقد جائتني فكرة هذا الموضوع ووأنا اقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

    والفكره باختصار هي :

    أن يقوم كل عضو بكتابة أكثر مواقف النبي صلى الله عليه وسلم تأثيراً في نفسه ..


    لأن سيرة حبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأشمل من أن يحيط بها موضوع يترك ليختفي )

    وسأبدأ بذكر أكثر المواقف التي حينما أقرئها تنهمر الدموع من عيني دون أن اعرف السبب !

    وذلك حينما جاء عم النبي صلى الله عليه وسلم ( أبو طالب ) ليخبر النبي بـــعرض كفار قريش

    بأن يجعلوه اميرهم وقائدهم ويعطوه من المال والنساء مايريد .....

    ولكن مقابل ماذا ؟

    مقابل أن يتخلى عن الدعوه الى هذا الدين !

    فجاء رد النبي صلى الله عليه وسلم بشكل أصنفه من أبلغ الردود في التاريخ وأكثرها حزماً وقوة

    حينما قال عليه الصلاه والسلام :
    (( والله لو وضعوا القمر في يميني والشمس في يساري على أن اترك هذا الدين ماتركته الا ان اهلك دونه )
    اللهم صلي على محمد وعلى أل محمد انك حميد مجيد
    دمتم برعاية لله وحفظه
    )
    التعديل الأخير تم بواسطة سفير ; 24-02-2009 الساعة 12:24 PM

  2. #2
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    1-من هنا بدأ الإسلام


    بدأ الإسلام في مكة، وبدأت أحداثه ووقائعه تتدرج في سلسلة من الإيذاءات والتعذيب والصدّ، ولكن قبل الخوض في ذلك كله، لا بد أن نسأل: لماذا بدأ الإسلام في مكة؟ لماذا بدأ الإسلام في الجزيرة العربية دون غيرها من بلاد فارس أو الروم أو فلسطين؟ أسئلة لا بد أن يجاب عليها؛ لنعلم مدى دقة أحداث ووقائع هذه الرسالة المطهرة، ونتأكد أنها لم تكن رسالة عشوائية، أو بفكر وفعل بشر، لكنها وحي يوحى. الناظر لثقافة الجزيرة العربية قبل الإسلام يجد أن هذه القبائل الرعوية المتناحرة والمتنقلة لا يملكون مفهوم "الثقافة" مقارنة بمن عاصروهم من الفرس والروم؛ فالروم - على ظلمهم - كانوا يملكون قوانين تحكم حياتهم، ويملكون فلاسفة لهم شأنهم وتأثيرهم في كثير من أبناء عصرهم، والفرس أصحاب فكرة الشيوعية المزدكية والزرادشتية، والهند ومصر لهما قوانينهما وتشريعاتهما وحكماؤهما. أما ما يقال عن الشعر، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلّم رسوله الشعر؛ حتى لا يتحجج العرب بفصاحته وجزالة ألفاظه؛ فينسبون القرآن له، بل إن الله تعالى جعله أميًّا لا يعرف القراءة والكتابة؛ قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]. وقد كان لذلك مغزى - بلا ريب - وهو نقاء الرسالة؛ حتى لا تختلط الرسالة بأفكار أخرى، وفلسفات هدامة تفسد على الناس أمر دينهم، وقد يعتقد البعض أنها من الإسلام، وأن الإسلام نفسه ما هو إلا مجرد تطور لأفكار الفلاسفة.

    ومما يشد الانتباه للجزيرة العربية قبل الإسلام أنها لم تكن ذات تاريخ عسكري يُذكر؛ فقد كان العرب مجموعة من القبائل المتشرذمة، لا تعرف الجيوش النظامية؛ فأعدادهم قليلة، وسلاحهم قديم، وخططهم بدائية، وعلاقاتهم العسكرية بالنسبة للفرس والروم لا تذكر، فقد كانوا يهابون الفرس ويفتخرون بدخولهم على كسرى، ومن ثَمَّ لم تنزل الرسالة في بلد عسكري له تاريخ طويل وعظيم ومنظم؛ حتى لا يعتقد الناس أن الفتوح كانت بسبب قوة الجيوش وأعدادها وتسليحها وخططها. ورغم السذاجة الاجتماعية والعسكرية لسكان الجزيرة العربية فإنهم وضعوا لأنفسهم مجموعة من القوانين، استفاد منها الرسول صلى الله عليه وسلم - دون التنازل عن شيء من دينه وعقيدته - في نشر دعوته. ومن هذه القوانين قانون الإجارة والأحلاف والقبلية؛ فمثلاً الأحلاف: قَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرةَ الأحلاف مع المشركين إذا كان الحلف يهدف إلى أمر نبيل، ولا يتعارض مع الدين الإسلامي. واستفاد أيضًا من قانون الإجارة: فقد دخل في جوار المطعم بن عدي المشرك ليحميه. وكان العرب - على شركهم وقصور إدراكهم - أقرب للتوحيد من الذي يؤمن بإله آخر؛ فقد كان للعرب صفات ومكارم كالصدق والشجاعة والعزة، وكأنها صفات جعلها الله فيهم بالضرورة والوراثة؛ لأن الداعية لن يستطيع حمل رسالة الإسلام بدون هذه الصفات
    التعديل الأخير تم بواسطة سفير ; 14-02-2009 الساعة 06:54 PM

  3. #3
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    2-بدء الوحي

    إن دراسة السيرة من منظور إعادة الأمة يجعلنا مستمسكين بالأحداث التي تعيننا على بناء هذه الأمة، ومن ثَمَّ فإننا ندرس السيرة لا على سبيل الحصر ودراسة التفاصيل، وإنما على سبيل الفَهْمِ والوعي؛ لتكون لنا دليلاًً على طريق النهضة والإصلاح، فهذا هو المنظور الصحيح لدراسة السيرة النبوية. والوحي - بلا شك - تكريم للبشرية، وإخراج لها من الظلمات إلى النور، يدعوهم للأمن بعد الفزع، وللخير بعد الشر، وللهداية بعد الضلال، وهو إخراج الناس من الهاوية السحيقة، والانحطاط في القيم والأخلاق والشرائع، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة: 15، 16]. فدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعلقة كلها بقضية الوحي؛ حتى لا يتسنَّى لأحد أن يفهم السيرة فهمًا خاطئًا؛ فمعية الله مصاحبة لرسوله على طول الطريق؛ لأن السيرة النبوية ما هي إلا ترجمة واقعية للوحي الرباني المنزّل عليه صلى الله عليه وسلم، يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النَّجم: 3، 4].

    قبل البعثة النبوية حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من المقدمات، نذكر منها الرؤيا الصادقة، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وحادث شقّ صدره صلى الله عليه وسلم؛ فقد استخرج الملَكَان من قلبه حظَّ الشيطان منه، ثم غسلوا قلبه في طَسْتٍ من ذهب بماء زمزم، وكان أنس يرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.

    وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته لأكثر الناس حبًّا له، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجته السيدة خديجة فهي أول من آمن به على ظهر الأرض؛ فقد تابعت السيدة خديجة النبيَ صلى الله عليه وسلم، وأخذته لابن عمها ورقة بن نوفل وعرفوا منه أن الذي ينزل عليه هو جبريل عليه السلام، فكانت (رضي الله عنها) مثالاً للمرأة المحبة لزوجها، والعاقلة في اتباع ما جاء به.

    ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بعد السيدة خديجة إلى أحب الرجال إلى قلبه أبي بكر رضي الله عنه، فكان أبو بكر رضي الله عنه أسرع أصحابه في دخوله الإسلام، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الإِسْلامِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ، مَا عَتَّمَ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ مَا تَرَدَّدَ فِيهِ".لم يفعل أحد من البشر مثل ما فعل هو والسيدة خديجة رضي الله عنهما. ثم دعا زيد بن حارثة الذي كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا كبيرًا، وأحبه النبي حتى عُرف بين الصحابة بزيد بن محمد، وفي موقف رِقِّه وتخييره بين العبودية للرسول صلى الله عليه وسلم والرجوع لوالديه أكبر دليل على حبِّه للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لما رآهمن حسن معاملة وعشرة طيبة هادئة، لم يؤذه فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتعدَّ عليه بالقول أو الفعل.

    تروي السيدة عائشة قصة نزول الوحي ولكن قبل الوحي كانت هناك مقدمات لنزول الوحي، فكانت الرؤيا الصادقة من المقدمات التي سبقت الوحي بستة أشهر، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وإن كان هذا الأمر غير مُصرِح بأمر الرسالة إلا أنه أمر لافت للنظر.


    ولم يكن هذا هو التمهيد الأول، بل كانت هناك مقدمات عديدة عجيبة سبقت الوحي، وقد يرى ذلك وحده، وأحيانا يراها غيره معه، ومن ذلك سلام الحجر عليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبِعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ".


    وهناك حادث أعجب من ذلك، وهو حادث شق الصدر وهذا الحادث ثبت في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان، وهذا أمر ثابت جدًّا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شُق صدره وهو غلام وأخرج قلبه واستُخرجت علقة من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل قلبه في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأم صدر النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.

    وبعض من لا يؤمن بالغيبيات ومن لا يؤمن بقدرة الله عز وجل ينكر هذه القصة أصلاً معتقدًا أن الله غير قادر على ذلك، ويدعي أنه كان بإمكان الله عز وجل أن يستخرج من قلبه حظ الشيطان دون عملية جراحية.


    وكل ذلك نوع من الإعداد والتهيئة والتربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم للاستعداد لنزول الوحي.


    وكان ذلك أيضًا إعداد وتهيئة لأهل مكة ولجزيرة العرب؛ ليستقبلوا هذا الرسول، فشاع في مكة وفي جزيرة العرب حادث شق صدره صلى الله عليه وسلم؛ ليعلموا أن هذا الإنسان وضعه مختلف عمن سبقوه، وأن هذا الرجل له وضع خاص.


    ولكن الأهم من ذلك أن هذا الأمر هو في حد ذاته اختبار للمسلمين بعد ذلك بقدرة الله عز وجل.


    فمن آمن بأن الملائكة تستطيع أن تنزل إلى الأرض وتعود في لمح البصر، ومن آمن بأن الملائكة تستطيع أن تحمل جبلاً أو تقلب قرية أو غير ذلك، فمن اليسير أن يؤمن بهذه العملية الجراحية الصغيرة التي حدثت في هذا العمق من التاريخ.


    والملائكة لا تقوم بهذه الأشياء لقدرة ذاتية فيها، لكن لأن الله عز وجل يريد، والله عز وجل قادر على ما يريد.


    فالمسألة مسألة إيمان واختبار، فمن كان في قلبه شك فمن الصعب أن يؤمن بهذه القصة وبغيرها كالإسراء والمعراج وشق القمر، أو غير ذلك من الأحداث التي وقعت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.


    بعد إسلام السيدة خديجة وإسلام أبي بكر تحدث النبي صلى الله عليه وسلم إلى مولاه سيدنا زيد بن حارثة.


    لقد أحب سيدنا زيد بن حارثة النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا كبيرًا، وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا كبيرًا لدرجة أنه عرف بين الصحابة بأنه زيد بن محمد.


    وقصة هذا الأمر هي أنه أصابه سباء في الجاهلية؛ لأن أمه خرجت به تزور قومها بني معن، فأغارت عليهم خيل بني القين بن جسر، فأخذوا زيدًا، فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد. وقيل: اشتراه من سوق حباشة، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة وهو ابن ثماني سنين. وقيل: بل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء بمكة ينادى عليه ليباع، فأتى خديجة فذكره لها، فاشتراه من مالها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه.


    ثم إن ناسًا من كلب حجوا فرأوا زيدًا، فعرفهم وعرفوه، فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه ووصفوا له موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة وأخوه كعب ابنا شراحيل لفدائه، فقدما مكة، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم: فقالا: يابن عبد المطلب، يابن هاشم، يابن سيد قومه، جئناك في ابننا عندك فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه. فقال: مَنْ هُوَ؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَهَلَّا غَيْرَ ذَلِكَ". قالوا: ما هو؟ قال: "ادْعُوهُ وَخَيِّرُوهُ، فَإِنِ اخْتَارَكُمْ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِنِ اخْتَارَنِي فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِالَّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنِ اخْتَارَنِي أَحَدًا".


    قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هَلْ تَعِرْفُ هَؤُلاَءِ؟" قال: نعم، هذا أبي وهذا عمي. قال: "أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ، وَرَأَيْتَ صُحْبَتِي لَكَ، فَاخْتَرْنِي أَوِ اخْتَرْهُمَا". قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، أنت مني مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: "يَا مَنْ حَضَرَ، اشْهَدُوا أَنَّ زَيْدًا ابْنِي، يَرِثُنِي وَأَرِثُهُ". فلما رأى ذلك أبوه وعمه، طابت نفوسهما وانصرفا.


    ولما نزل الوحي كان سيدنا زيد بن حارثة يبلغ من العمر ثلاثين عامًا، وحدثه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، وكيف سيكون رد فعل من أحب النبي صلى الله عليه وسلم كل هذا الحب.


    وما كان إيمان سيدنا زيد بن حارثة عن حب فقط فمن المؤكد أنه أعمل عقله، فترك الدين إلى دين آخر ليس أمرًا سهلاً.


    ولو فكرنا مع سيدنا زيد بن حارثة لوجدنا أنه من خلال معاشرة سيدنا زيد للرسول صلى الله عليه وسلم ما جرب عليه كذبًا، أيعقل أن يترك الكذب على الناس ليكذب على الله.


    هو يرى محمدًا صلى الله عليه وسلم في عون الناس جميعًا، وبدون مقابل، هل سيطلب لنفسه مصلحة ذاتية وبعد أربعين سنة مضت من عمره.


    لقد رأيت هذا الرجل العظيم العفيف كان بعيدًا عن كل الموبقات والفواحش والمعاصي في فترة شبابه كلها، فهل هذا الرجل يلعب بدين الناس وبعقيدتهم؟


    ولو كان هذا الرجل يريد السيادة والملك في مكة أكان يأتي بدين جديد أم يسلك أقرب الطرق وصولاً إلى ذلك، والمحببة إلى نفوس القوم وهو طريق اللات والعزى.


    من المؤكد أن كل هذه الأفكار وغير هذه الأفكار جالت بذهن سيدنا زيد بن حارثة.


    ولا بد أن كل الإجابات كانت تفضي إلى نتيجة واحدة هي أن هذا الرجل صادق فيما يقول.


    آمن سيدنا زيد بن حارثة وإن كان قد آمن بقلبه أولاً لكنه آمن بعقله أيضًا.

  4. #4
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    3-الدّعوة سرّا

    لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان بادئًا بمكة بلده، ولم يكن من السهل أن يقف النبي صلى الله عليه وسلم مجاهرًا بدعوته وسط الكعبة، فقد كان اختياره لأتباعه محاطًا بكل وسائل الحيطة والحذر، ولم يعلن لعموم الناس أمره، فلماذا لم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟ لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعلمه أن دعوة الإسلام - وإن كانت مقنعة للناس - ستلقى حربًا ليس من قريش فقط، بل من العالم أجمع.

    وهناك قاعدتان رئيسيتان لاختيار المدعوين للإسلام، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليهما: اختيار أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة الذين يعظمون الصدق والكرم، والشجاعة والعدل. وكذلك الاهتمام بالشباب؛ لأنهم أصحاب حماسة وحميَّة، لم تتلوّن عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثَمَّ يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية.
    وفي اليوم الثاني من الدعوة بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة، لم تكن الدعوة عند الصّدّيق مجرد تكاليف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه الحب للإسلام الذي ملأ قلبه رضي الله عنه، وهو ما كان سببًا في استجلاب أكبر عدد من الصحابة الذين أذعنوا للدعوة، ولبّوا نداءها، وكانوا عاملاً مهمًّا في نجاحها وخروجها للعالم. ولا شك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من الرجال الحقيقيين في هذه الدعوة المباركة، وكان عاملاً من عوامل جذب كثير من الصحابة لهذه الدعوة؛ فقد كان سهلاً لينًا محببًا مُوَطَّأ الأكناف، وسيرته رضي الله عنه تجعلنا نفكر أكثر من مرة في كيفية الاقتداء به، والسير على نهجه في استجلاب الجنود لدين الله، وفي البذل بالمال والنفس.
    ومن فقه المرحلة السرية للدعوة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ منهج الحيطة والحذر؛ لأن الدعوة في بدايتها تحتاج للرجال وهم قليلون؛ فإن فُقِد الرجالُ ضاعت الدعوة، وهذا ما يوضحه موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن عَبَسَة الأسلمي رغم إسلامه. وكذا من دواعي الحيطة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن اجتماعاتهم السرية كانت في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ذلك الغلام صاحب الست عشرة سنة، البعيد عن قريش والعدو لبني هاشم؛ لأنه من قبيلة مخزوم المتنازعة دائمًا مع بني هاشم.
    وقد اتخذت تربية النبي لأصحابه في هذه الدار الجانبين النظري والعملي، من تثبيت العقيدة والأخلاق والتربية بالتاريخ، والاهتمام بالصلاة وقيام الليل والصوم؛ مما كان دافعًا قويًّا في السير قُدُمًا في مجال الدعوة إلى الله، وتربية رجال صدقوا عهدهم.


    مما لا شك فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان في مكة. بل لكل إنسان على ظهر الأرض، ويتخيل البعض أنه كان من السهل على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقف وسط الكعبة من أول يوم أُمِر فيه بالإبلاغ ويعلن للناس جميعًا أمر الإسلام، لكنه لم يفعل، بل كان يختار من يدعوهم آخذًا بكل أسباب الحيطة والحذر، فيذهب إلى الرجل فيسر له في أذنه بأمر الإسلام، ويدعوه سرًّا، ولم يعلن لعموم الناس أمره.

    والدعوة السرية لم تستمر يومًا أو اثنين بل استمرت فترة طويلة بالنسبة لعمر الدعوة الإسلامية فكانت حوالي ثلاث سنوات.

    وبعض الناس يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقف على الصفا وقال للناس: أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟

    يعتقدون أن هذه المقولة كانت في بدء الدعوة وبعد نزول أمر الرسالة مباشرة، والواقع غير ذلك، لقد كانت هذه الكلمة بعد ثلاث سنوات كاملة من نزول الوحي.

    إن كنا قد وقفنا مع إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها، وإسلام سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، وإسلام سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه.

    فلا بد من وقفات مع إسلام سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هذا الطفل الذي آمن، وما تجاوز العشر سنوات، إن إسلام سيدنا علي في هذا السن هو شيء في منتهى الغرابة.


    ويكمن وجه العجب والغرابة في عمره الذي ما تجاوز العشر سنوات، يستأمنه النبي صلى الله عليه وسلم ويسر إليه بهذا الدين الجديد في مثل هذه المرحلة السرية من الدعوة، وغريب أيضًا أن يفهم طفل في مثل هذا السن هذه القضية الكبيرة التي خفيت على كثير ممن يسمونهم حكماء في مكة.

    وهذا الأمر يحتاج منا إلى وقفة:

    أولاً:

    كان سيدنا علي بن أبي طالب بمثابة ابن النبي صلى الله عليه وسلم كزيد بن حارثة، فكان يعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، والسبب في ذلك هو أن قريشًا أصابتهم أزمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم إن أبا طالب كثير العيال، فانطلق بنا نخفف عن عيال أبي طالب، فانطلقا إليه وأعلماه ما أرادا، فقال أبو طالب: اتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم عليًّا، وأخذ العباس جعفرًا، فلم يزل علي عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أرسله الله، فاتبعه.


    وقال ابن إسحاق: وكان من نعمة الله عليه.

    كان علي بن أبي طالب يعتقد الصواب في كل كلمة يقولها الأب الحنون النبي صلى الله عليه وسلم، كما يعتقد كل طفل الصواب في كلام أبيه.

    ولقد ترسخ في نفس علي بن أبي طالب حب كبير للنبي صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره، فكما قلنا: إن منهج النبي في الدعوة يقوم على الحب أولاً ثم الحجة.

    ثانيًا:

    أن النبي صلى الله عليه وسلم لاحظ نبوغًا مبكرًا، وعبقرية ظاهرة في علي بن أبي طالب، فاطمأنّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يخبره بأمر الرسالة مع أن هذا الأمر خطير، ولا يزال سرًّا، ولا يعلم إلى متى سيظل هذا الأمر سرًّا.

    وقد يظن البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاف أن يخبره بهذا الأمر للظروف التي تحيط بالدعوة، لكن الواقع أن سيدنا عليًّا كان عبقريًّا فذًّا، وبمرور الأيام صدقت فراسة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا علي من أكثر الصحابة قدرة على استنباط الأحكام والقضاء في الأمور، بجانب فراسته وعلمه وفقهه رضي الله عنه.

    ثالثًا:

    في الحقيقة هذه وقفة مع النبي صلى الله عليه وسلم في اختياره لمن يدعوهم، فبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي، وبإسلامه كان هناك تنوع عجيب لمن دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم واختارهم في بادئ الأمر، وكان يوضح لنا أمرًا في غاية الأهمية، وهو أن مجال الدعوة أوسع مما قد نتخيل، فهؤلاء الأربعة الأوائل: فيهم الرجال، وفيهم النساء، فيهم السادة، وفيهم العبيد، فيهم الكبار، وفيهم الصغار، وأن هذه الدعوة لا حدود لها.

    أصبح علي بن أبي طالب أول الصبيان إسلامًا، كما أصبح أبو بكر أول الرجال، وزيد أول الموالي، والسيدة خديجة كانت أول النساء، وكان ذلك في أول يوم في الإسلام.

    ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بناته للإسلام فدعا السيدة زينب وكانت في العاشرة من عمرها، والسيدة رقية وكانت في السابعة من عمرها، والسيدة أم كلثوم وكانت في السادسة أو الخامسة من عمرها، وكلهم اعتنقوا الإسلام في هذا السن المبكر، أما السيدة فاطمة فكان عمرها سنة على أرجح الأقوال.

    كان هذا هو الوضع في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.

    لقد ظلت الدعوة سرية تمامًا ثلاث سنوات كاملة، ظلت الدعوة تقوم على أمر الاصطفاء والانتقاء ثلاث سنوات كاملة...

    لماذا؟

    لماذا لم يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره ليسلم أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن؟

    لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم أن دعوة الإسلام وإن كانت مقنعة للناس إلا أنها ستلقى حربًا ليس من قريش فقط بل من كل العالم.

    أكان صلى الله عليه وسلم يخشى على نفسه من قريش؟

    هذا مستحيل، فهو لا شك يعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، بل كانت هذه هي الحكمة في الدعوة.

    ومن الممكن أن تقول: إن السرية في الدعوة في هذه المرحلة لم تكن اختيارًا نبويًا، بل كانت أمرًا إلهيًا، فالله عز وجل يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم ويعلم أمته منهج التغيير في مثل هذه الظروف، وكيف تغير الأجيال القادمة من حالها في غياب رسول، وكيف التغيير إذا توافقت الظروف مع ظروف النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المرحلة.

    إن الله عز وجل قادر على حماية رسوله، فلا يصل له أذًى من أحد من قريش، ومع ذلك فهو يريد منه أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمين لإقامة هذا الدين مهما اختلفت الظروف ومهما كثرت المعوقات.

    ولذلك تجد أن الله عز وجل قد وضع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل الظروف التي من الممكن أن تمر بأمته بعد ذلك، وعلم رسوله صلى الله عليه وسلم كيف يتعامل مع كل ظرف، وكيف يصل بدعوته إلى الناس في وجود المعوقات المختلفة.

    وبذلك حُدِّد للمسلمين منهجٌ واضح لا غموض فيه.


    قد تكون سرية تمامًا كما في السنوات الثلاث الأولى من الإسلام. قد يحتاج المسلمون إلى هذا الأسلوب السري في الدعوة إذا توافقت ظروفهم مع ظروف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة.
    السرية وفقه المرحلة
    على سبيل المثال المسلمون في الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه كان يعيشون فترة مثل هذه الفترة، الإلحاد في كل مكان، حمل المصحف أو الاحتفاظ بالمصحف في البيت جريمة يعاقب عليها القانون، من اكْتُشف أنه يصلي أو يصوم يعاقب ويعذب وقد يقتل، فكان لا بد من السرية التامة في الإسلام، ولو لم يفعلوا ذلك لاختفى الإسلام من هذه البلاد، ولكنهم كانوا يتعلمون في ديار كدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه، وكانوا يحفظون القرآن في سراديب وفي خنادق وفي كهوف بالجبال، والحمد لله بقي الدين، وبقي المسلمون، ورفعت الغمة، والذي حفظهم هو فقه المرحلة.

    إن الله هو الحافظ وهو المعين، لكن هناك أخذ بالأسباب، والأسباب الصحيحة هي التي أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس المرحلة التي عاشها المسلمون.

    لو أعلن كل واحد من المسلمين إسلامه في الاتحاد السوفيتي، وفتح صدره لنيران الشيوعية، لاختفى ذكر الإسلام من بقاع كثيرة، ولكن فقه المرحلة كان هامًا جدًا، ووجود المثال النبوي الحكيم في إخفاء إسلامه في أول أمر الرسالة كان معلمًا لهم ومؤيدًا لمنهجهم.

    وستختلف الظروف بعد ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتبعية سيختلف منهجه صلى الله عليه وسلم في إيصال دعوته للناس وفي تربيته للمؤمنين.

    سيأتي زمان يعلن فيه البعض إسلامهم ويكتم المعظم، كما سيحدث بعد الثلاث سنوات الأولى من الدعوة.

    وسيأتي زمان يعلن فيه المعظم ويكتم البعض، وإن كانت التربية ستكون سرًا، كما سيحدث بعد إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما.

    وسيأتي زمان يعلن فيه الجميع وتكون التربية علنًا بعد الهجرة إلى المدينة.


    وسيأتي زمان سيدعو فيه الرسول صلى الله عليه وسلم زعماء العالم جميعًا إلى الإسلام وذلك بعد صلح الحديبية.

    هذا الكلام في غاية الأهمية فلا يستشهد بفعل من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والظروف مختلفة، وإلا فلماذا كان هذا التنوع في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا التنوع ما هو إلا ليتعلم المسلمون الحكمة.

    وأعني بالحكمة القدرة على تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله عند تشابه الظروف.

    الرسول هو الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتغير، الإسلام هو الإسلام، لم يتغير أيضًا، ولكن اختلاف الظروف يستلزم تغييرًا في طريقة إيصال الدعوة للناس، يستلزم فقهًا للمرحلة.

    إذن نخرج بقاعدة هامة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بدء الدعوة، وهي أن الدعاة مطالبون بالحفاظ على أنفسهم وعلى حياتهم، لا لخوفهم من الموت، فالموت في سبيل الله في حد ذاته غاية ومطلب وهدف، ولكن حفاظًا على الدين وعلى الإسلام وعلى استمرار المسيرة.

    ونفهم من هذا الكلام الحكم الفقهي المشهور وهو أن يجوز للجيش المسلم أن يفر من مثليه ويوجد في كتب الفقه باب جواز الفرار من المثلين كما يقول الحق تبارك وتعالى:

    [الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {الأنفال:66} .

    فلو كان عدد الأعداء أكثر من الضعف يجوز القتال ويجوز الفرار حسبما يرى القائد كما قال بذلك الفقهاء.

    لأن احتمال الهلكة كبير، إلا إذا غلب على ظن القائد أنهم سينتصرون فيجوز له القتال، بل إن الإمام مالك رحمه الله قال: إنه يجوز الفرار من المثل، وليس من المثلين إذا كان العدو أعتق جوادًا وأجود سلاحًا وأشد قوة وغلب على الظن الهلكة.

    ويوضح العز بن عبد السلام هذا الأمر بصورة أكبر فيقول:

    إذا لم تحصل النكاية في العدو وجب الانهزام، لما في الثبوت من فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين. سيموت المؤمن ولن يحدث أثرًا في الكافرين، بل سيزيد الكفر.

    بل إنه يقول: وقد صار الثبوت هنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة.

    يعني يأثم المسلم بإظهار نفسه إذا كان الاختفاء هو الألزم للمرحلة، ويأثم المسلم إذا ثبت إذا كان الانسحاب هو الألزم للمرحلة.

    فقه ووعي وإدراك لسلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه في التعامل مع كل ظرف، ولكن هنا لا بد من ملاحظتين هامتين:

    الملاحظة الأولى:

    هي أن الفارق بين الحكمة في الحفاظ على النفس، وبين الجبن شعرة، وقد يدعي الإنسان أنه يحافظ على نفسه؛ لأن المرحلة تتطلب ذلك، فلا يتكلم الحق، ولا يجاهد، ولا يدعو إلى الله، ولا يقوم بعمل في سبيل الله، بينما الدافع الحقيقي من هذا الركون هو الخوف من مواجهة الباطل، فالفرق بين الحكيم الذي يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم والجبان الذي لا يريد حمل الدعوة هو سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    فنرجع في ذلك إلى دليل شرعي من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا الموقف يشبه موقف الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمبدأ السرية.

    ونرجع في ذلك أيضًا إلى ورع وإيمان وتقوى الفرد العامل، والله مطلع على القلوب، وفي النهاية أنت تتعامل مع الله عز وجل.

    وأهم من ذلك أيضًا الرأي المشار إليه من قبل القائد والجماعة والشورى.

    فالقائد في هذه المرحلة هو النبي صلى الله عليه وسلم أو من ينوب مكانه، والشورى كذلك في غاية الأهمية، ومن الممكن بعد ذلك أن يخرج عامل الهوى، ونستطيع أن نفرق بين الحكيم والجبان.

    الملاحظة الثانية:

    الذي يراعى في ذلك هو مصلحة المسلمين والإسلام عمومًا، وليس مصلحة الفرد، بمعنى أن هلاك الفرد قد يكون محققًا، ولكن هذا في مصلحة المجموع، فهنا لا يلتفت إلى الحفاظ عليه في نظير الحفاظ على الدين عمومًا، أو على الأمة بصفة عامة، أو المصلحة بصفة عامة،

    كما سيأتي بعد ذلك عند إعلان الرسول الدعوة بعد ثلاث سنوات، ووجود خطورة حقيقية على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المصلحة العامة للدعوة أن يعلن الدعوة، وكما سيرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة؛ لتعليم أهلها الإسلام رغم المخاطر التي تحيط به في المدينة، واحتمال قتله لأن المسلمين قلة، ويوجد بالمدينة يهود ومشركون، ولكن المصلحة المتحققة أعلى، وهذا من الممكن أن يقال في العمليات الاستشهادية التي نراها في فلسطين وفي غيرها، لأن هلاك الفرد فيها محقق، ولكن المصلحة أعلى، والمرجعية في كل ذلك كما ذكرنا لرأي القائد والشورى وليس لرأي الفرد لئلا يدخل الهوى، مع العلم أن الهوى أحيانًا يكون في الهلكة، بأن ييأس الإنسان من ظلم الظالمين أو غلبة الكافرين، فيسارع بقتالهم أو إظهار نفسه في مكان ووقت لا يسمحان بذلك، قد يكون ذلك هوى في قلب الإنسان بينما تأمر الشورى بالحفاظ على النفس، فالرجوع إلى الشورى أو إلى قائد المسلمين أمر في غاية الأهمية.


    إذن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في الثلاث السنوات الأولى كانوا لا يتحدثون بالإسلام إلى الناس إلا سرًا، يختارون رجلًا من الناس يتحدثون إليه بأمر هذا الدين
    كيف كان يتم هذا الاختيار؟

    ما القواعد التي كان المسلمون يختارون على أساسها رجلاً دون الآخر؟

    ولماذا يذهب المسلمون مثلاً لدعوة عثمان بن عفان، ولا يذهبون بالدعوة إلى الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو أمية بن خلف؟

    بالنظر في حال السابقين الذين تم اختيارهم نجد قاعدتين مهمتين للاختيار كان يعتمد عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، والمخالفة لهاتين القاعدتين كانت قليلة جدًّا.

    القاعدة الأولى: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا

    كان الاختيار يقع على أصحاب الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة، الذين يعظمون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدل، ومكارم الأخلاق بصفة عامة، بهؤلاء بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم،
    ماذا الذي حدث في اليوم الثاني من نزول الأمر بالإبلاغ؟
    لقد تكلمنا عن إسلام السيدة خديجة وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق في أول يوم رضي الله عنهم أجمعين.

    في اليوم الثاني بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الأوائل يتحركون من جديد بالدعوة لانتقاء عناصر جديدة.

    الحق أن الصديق رضي الله عنه كان إيجابيًّا بدرجة لا يمكن وصفها ولا تخيلها، الصديق رضي الله عنه تحرّك بالدعوة وكأنها أنزلت عليه هو، لم تكن الدعوة عنده مجرد تكاليف من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هو الحب للإسلام الذي ملأ قلب الصديق رضي الله عنه، وحبه لحمل الخير لكل الناس، وفي نفس الوقت حبه هو لكل الناس.

    نتج عن حبه للدين وحبه للناس حماسة دعوية على أعلى مستوى تصل إليه من التفكير، وظل الصديق على هذه الروح في حمل الرسالة إلى أن مات رضي الله عنه، وظل يحمل هم الدعوة، ويتحمل مسئولية الإسلام، وكأنه ليس على الأرض مسلم غيره، إيجابية قصوى.

    في أول تحرك للصديق رضي الله عنه أتى للإسلام بمجموعة رائعة من المسلمين الجدد، وقِفْ مع كل اسم لحظة، أو لحظات لتعرف بلاءه في الإسلام ونصرته لدين الله عز وجل، لقد أتى الصديق بعثمان بن عفان، وتفكر في سيرة عثمان رضي الله عنه وأرضاه، مجهز جيش العسرة، ومشتري بئر رومة، وموسع المسجد النبوي، تفكر في خلافته للمسلمين اثني عشر عامًا، تفكر في حياة فيها إنفاق، وفيها علم، وفيها جهاد، وفيها صيام، وفيها قيام، وفيها قراءة للقرآن، فعثمان بن عفان رغم كل هذه الأعمال حسنة من حسنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

    - الزبير بن العوام.

    - سعد بن أبي وقاص.

    - طلحة بن عبيد الله.

    - عبد الرحمن بن عوف. رضي الله عنهم أجمعين.

    من المؤكد أن أغلب المسلمين يعرفون قدرهم، وما قدموه للإسلام، وهؤلاء الخمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وكلهم في ميزان حسنات أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه.

    الحدث فعلاً عجيب، فهؤلاء لا يغيرون شيئًا بسيطًا في حياتهم، لا يغيرون طعامًا أو شرابًا، لا يغيرون وظيفة أو سكنًا، إنما يغيرون ديانتهم، يغيرون عقيدتهم، يغيرون أمرًا استمرت به مكة مئات السنين، يسبحون ضد التيار،

    أي قوة إقناع كانت عند الصديق حتى يقنع هؤلاء الخمسة بأمر الإسلام؟!

    أي صدق كان في قلب الصديق حتى يهدي الله عز وجل هؤلاء الخمسة العظام على يده رضي الله عنه؟!

    والغريب أن هؤلاء الخمسة لم يكونوا من قبيلته (بني تيم) باستثناء طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

    عثمان أموي، والزبير أسدي، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة، من المؤكد أن علاقات الصديق كانت قوية جدًّا، ووثيقة جدًّا بهؤلاء قبل الإسلام، من المؤكد أنهم كانوا يحبونه حبًّا عظيمًا، فالخطوة الأولى في الدعوة كما ذكرنا سابقًا هي الحب.

    ثم أيضًا نظرة على الأعمار:

    - الزبير بن العوام خمس عشرة سنة.

    - طلحة بن عبيد الله ست عشرة سنة.

    - سعد بن أبي وقاص سبع عشرة سنة.

    - عثمان بن عفان ثماني وعشرون سنة.

    - عبد الرحمن بن عوف ثلاثون سنة.

    كل هؤلاء أخذوا قرار تغيير الدين والارتباط بالإسلام وتحمل المشاق ومواجهة أهل مكة جميعًا، أخذوا هذا القرار وهم في هذه السن المبكرة،

    الزبير وطلحة وسعد لو كانوا في زماننا لكانوا في المرحلة الثانوية...

    هل أولادنا في هذه المرحلة عندهم من الوعي والإدراك، وتحمل المسئولية والقدرة على الفهم والتفكير واستنباط الصحيح من الخطأ، والحق من الباطل مثل الذي كان عند هؤلاء الشباب من الصحابة؟

    كثيرًا ما يحزن المرء عند رؤية بعض شبابنا في هذه المرحلة العمرية الثمينة، وقد فرغت عقولهم من كل ما هو ثمين أو قيم، لا تجد فيها إلا بعض الأغاني، وبعض المسلسلات، وبعض المباريات، وبعض قصات الشعر، وبعض ألعاب الكمبيوتر، مع أنهم نشئوا في بيوت مسلمة، وبين آباء وأمهات مسلمين، وربما عاشوا في بيئة إسلامية صالحة، ولم ينشئوا كما نشأ الزبير وطلحة وسعد في بيوت كافرين.

    ولست أدري أين الخلل؟ أين تكمن المشكلة؟

    لا ننكر أن هناك دورًا كبيرًا يقع على فساد الإعلام وفساد التعليم.

    لكن يقع على كاهلنا أيضًا جزء كبير من هذا الأمر، ولعلنا لا نعطي الشباب وقتًا كافيًا من حياتنا، لعلنا نستقل بإمكانيتهم، ونستصغر عقولَهم، ونستقل بأفكارهم.

    ودائمًا ما نردد: الولد ما زال صغيرًا...

    أكمل المرحلة الثانوية وما زال صغيرًا، وانتهت الجامعة وهو صغير، وقد يتزوج وما زال صغيرًا.

    أحيانًا بلوغ العقل عند بعضنا قد يجاوز الأربعين، ولا يعتمد على نفسه، ولا تعتمد عليه أمته إلا بعد أربعين عامًا.

    الأمر يحتاج لعدة وقفات، فالشباب هم قوة كامنة، فلو منحوا تربية وجهدا، بإمكانك أن تأخذ منهم كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الزبير وطلحة وسعد وغيرهم من الصحابة.

    نحن نحتاج إلى إعادة تنسيق لأفكارنا وترتيب لأوراقنا وتنظيم لأولوياتنا وأهدافنا بعد دراسة السيرة النبوية، نحتاج إلى إعادة نظر، وإلى وقفة مع أبنائنا.

    نعود إلى الصديق رضي الله عنه وحركته في سبيل الله، قد نتخيل أن الصديق رضي الله عنه يأخذ قسطًا من الراحة بعد الإنتاج العظيم في يوم واحد، لكن سبحان الله، يبدو أن النشاط يولد نشاطًا، وأن الحركة تولد حركة، وأن العمل يولد عملاً، فالترس الذي لا يعمل يصدأ، في الأيام التالية جاء الصديق بمجموعة جديدة من عمالقة الإسلام، من هم؟

    - أبو عبيدة بن الجراح من بني الحارث بن فهر، أمين هذه الأمة حسنة من حسنات الصديق.

    - عثمان بن مظعون من بني جمح، من كبار الصحابة ومن أوائل المهاجرين إلى الحبشة.

    - الأرقم بن أبي الأرقم من بني مخزوم، ست عشرة سنة.

    - أبو سلمة بن عبد الأسد، زوج أم سلمة من بني مخزوم.

    وعجيب جدًّا أن يأتي الصديق رضي الله عنه باثنين من بني مخزوم؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة بني هاشم قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه قد أتى باثنين من عقر دار الأعداء.

    كان لدى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قوة إقناع كبيرة جدًّا، وكان للصدق في الدعوة مكانٌ كبير في قلب أبي بكر الصديق.

    وبعض هؤلاء الصحابة له علاقة مباشرة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الممكن أن يتركهم الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم،

    - الزبير بن العوام هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها.

    - وأبو سلمة بن عبد الأسد هو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة برة بنت عبد المطلب.

    - سعد بن أبي وقاص خال النبي صلى الله عليه وسلم.

    لكن الصديق يشعر أن الدعوة دعوته، فهو لا يضيع وقتًا، ولا يضيع فرصة، ومن هنا سبق الصديق.

    ولو شعر كل واحد منا بأن هذا الدين هو دينه وأنه مسئول عنه، وشعر بالغيرة الحقيقية على دين الإسلام كما شعر بذلك أبو بكر الصديق لاستطاع أن يصل بهذا الدين إلى قلب كل إنسان حتى ولو لم يعرفه.

    هذا هو الصديق وهؤلاء هم المخلصون الذين نتشبه بهم، ونقتفي أثرهم.

    ولم يترك الصديق رضي الله عنه بيته، فالصديق لا يعاني من المرض الذي يعاني منه كثير من الدعاة، يعلمون الناس الإسلام، ويتركون دعوة أهلهم، وأحوج الناس لهم، والحق تبارك وتعالى يقول في ذلك:

    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا] {التَّحريم:6} .

    إنما ذهب الصديق إلى بيته وأدخل في الإسلام أهل بيته فدعا زوجته أم رومان وأولاده أسماء وعبد الله فآمنوا، أما السيدة عائشة فولدت في الإسلام، والابن الأكبر عبد الرحمن تأخر إسلامه إلى عام الحديبية.

    - أعتق الصديق غلامه عامر بن فهيرة بعد أن دعاه إلى الإسلام وأسلم.

    - دعا الصديق بلال بن رباح رضي الله عنه إلى الإسلام فأجاب، ثم اشتراه وأعتقه في سبيل الله.

    حركة دائبة، ونشاط لا يتخلله فتور، هذا هو الصديق رضي الله عنه

    منهج التّربية في دار الأرقم
    وهنا سؤال من الأهمية بمكان ألا وهو:
    ما المنهج الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربِّي عليه أصحابه في هذه الفترة في دار الأرقم؟

    أولاً: كان هذا المنهج صافيًا جدًّا، المصدر الوحيد للتلقي هو القرآن والحديث الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكون التأسيس متينًا سليمًا نظيفًا صالحًا، لا اضطراب فيه ولا غموض.

    ثانيًا: كان المنهج بسيطًا جدًّا، لم تكن هناك تفريعات كثيرة ولا شرائع متعددة.

    المنهج النظري
    فالمنهج النظري كان يشتمل في الأساس على ثلاثة أمور:
    1- بناء العقيدة الصحيحة والاهتمام بالجانب الروحي وتعميق البعد الإيماني، فلا بد أن يعرف المؤمنون في هذه المرحلة ربهم جيدًا، لا بد أن يعرفوا رسولهم، لا بد أن يعرفوا كتابهم، ولا بد أن يعرفوا اليوم الآخر بتفصيلاته.

    هذه قواعد أساسية لبناء قاعدة صلبة.

    نزلت السور التي تتحدث عن صفات الله عز وجل وقدرته وعظمته وجبروته ورحمته وتتحدث عن كونه وخلقه وإعجازه، الكثير من السور تناول هذا المجال مثل سورة الأنعام، ونزلت السور التي تتحدث عن يوم القيامة بتفصيلاته، مثل سور التكوير والانفطار والانشقاق والقارعة والحاقة والقيامة وق وغيرها، ونزلت السور التي تتحدث عن الجنة والنار مثل الواقعة والدخان والنبأ والرحمن.

    2- تعميق القيم الأخلاقية في المجتمع المسلم، وتزكية النفوس، وتطهير القلوب من المعاصي والآثام، وتعظيم مكارم الأخلاق وربطها دائمًا برضا الله عز وجل وبالجنة.

    فخرج المسلمون من هذه المرحلة وهم يعظمون الصدق والأمانة والكرم والعدل والمروءة والرحمة والعفة وطهارة اللسان والعين والأذن وكل الجوارح.

    وهذه أمور لا تصلح أمة بغيرها، حتى قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته عليها فقال: "إِنَّمَا بُعْثِتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ".

    3- التربية بالتاريخ: قصص السابقين من الصالحين والفاسدين، قصص الأنبياء وماذا فعل معهم أقوامهم، وماذا كان رد فعل المؤمنين، وكيف كانت النتيجة في النهاية.

    أمر في غاية الأهمية في هذه المرحلة؛ لأن لله عز وجل سننًا لا تتبدل ولا تتغير، نراها في القديم ونراها في الحديث وستكرر في المستقبل، فدراسة التاريخ تجعلك وكأنك ترى المستقبل، وهي نعمة كبيرة لأهل الدعوة، لذلك نجد أن هذه الفترة، أو الفترة المكيّة عمومًا قد حفلت بالسور المليئة بالقصص مثل الأعراف والشعراء وهود والقصص وسبأ والنمل وغافر وغيرها.

    وهو درس لا ينسى لمن أراد أن يبني الأمة بناءً راسخًا.

    كان هذا هو الجانب النظري من المنهج النبويّ في تربية الصحابة.

    المنهج العملي
    أما المنهج العملي فكان يشتمل أيضًا - في رأيي - على ثلاثة أمور رئيسية ومعها أمور أخرى:

    1- الصلاة: وهي عمود الدين ومن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، ومن أوائل أيام الدعوة، والصلاة مفروضة على المسلمين، ولكنها كانت ركعتين قبل الشروق وركعتين قبل الغروب، ولم يتم فرض الخمس صلوات إلا في حادث الإسراء والمعراج في أواخر الفترة المكية.

    2- قيام الليل: وهو أمر مهم جدًّا في بناء الداعية الصادق، والمسلم المخلص، لدرجة أن الله عز وجل فرضه على المؤمنين عامًا كاملاً متصلاً، حتى تفطرت أقدامهم، ثم جعله الله عز وجل بعد ذلك نافلة، وهؤلاء الذين أسلموا في العام الأول هم الذين حملوا الدعوة تمامًا على أكتافهم، فمدرسة الليل من أعظم المدارس الإيمانية، وأولئك الذين حملوا الدعوة بعد هذا العام ما كانوا يتركون القيام أبدًا مع أنه قد أصبح نافلة.

    3- الدعوة إلى الله: وكانت مهمة جدًّا للتعريف بهذا الدين ولضم أفراد جدد، وكانت مهمة الدعوة ملقاة على عاتق كل المؤمنين، كُلٌّ بحسب الدوائر التي يستطيع أن يصل إليها، وكانوا بالطبع يبدءون بأهلهم، فمعظم المتزوجين جاءوا بزوجاتهم، وبذلك تم بناء الكثير من الأسر المسلمة في أول أيام الدعوة، وكان لهذا الأمر أعظم الأثر في استمرار المسيرة بثبات.

    هل استطاعت قريش أن تكتشف أمر الدعوة في تلك الفترة؟

    الواقع أنه مع كل الحذر والاحتياط إلا أن قريشًا اكتشفت الأمر، فشاهدت بعض المسلمين يصلون صلاة لم يعتادوها، فعرفت أنهم على دين جديد، شاهد رجل كان يجلس مع العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم -وكان العباس مشركًا في ذلك الوقت- شاهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هو وزوجته السيدة خديجة، فسأله عن ذلك فقال العباس: إنه يزعم أنه يأتيه الوحي من السماء.

    وأيضًا شاهد أبو طالب ابنه عليّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصليان، ولا شك أن هناك بعض القبائل قد شاهدت أبناءها وهم يصلون أو يقرءون القرآن، ولكن سبحان الله، مع كل هذه المشاهدات، ومع كل هذا الإدراك لأمر الإسلام لم تعترض قريش بالمرة في هذه المرحلة، بل لم تعره أي اهتمام، والمرء قد يتعجب لذلك عندما يرى حال قريش بعد ذلك عند إعلان الدعوة، لكن هذا الشيء طبيعي تمامًا، فقريش لا مانع عندها من أن يعبد كل إنسان ربه الذي يريد في بيته، وكانت قريش ترى رجالاً قبل ذلك على هذا المنهج فلا تهتم بهم أمثال أمية بن أبي الصلت وزيد بن عمرو بن نفيل وكانوا من الحنيفيين، أو ورقة بن نوفل وكان نصرانيًّا.

    لكن أن يجاهر الدعاة بدعوتهم ويدعون إلى تسفيه الأصنام والقوانين الوضعية التي وضعها أهل مكة وبدلوا كلام الله بها، فهذا ما لا تريده قريش. إن مبدأ قريش الواضح كان "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، أما أن يأتي دين يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في منظومة الأرض وفي حياة الإنسان والمجتمع فهذا ما ترفضه قريش بالكلية.

    إذن في هذه المرحلة ترك القرشيون المسلمين دون تعليق، ولكن في المرحلة القادمة، وبعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية، سيجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته في وسط مكة، ويعلن توحيده لله رب العالمين ونبذه للأصنام والأوثان.

    تُرى، ما الذي سيفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما ردُّ فعل أهل مكة؟ وكيف سيحاربون الدعوة؟ وما ردُّ فعل المؤمنين؟

  5. #5
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    أوافيكم قريبا إن شاء اللّه و قدّر لنا البقاء


    -الدّعوة جهرا
    -تربية الثّبات
    -هجرة الحبشة الأولى
    -هجرة الحبشة الثانية
    -إسلام عمر
    -عام الحزن
    -بيعة العقبة الأولى
    -بيعة العقبة الثانية
    -الهجرة إلى المدينة-

  6. #6
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    -الدّعوة جهرا

    بعد ثلاث سنوات كاملة من الدعوة السرية كان قد بلغ عدد المسلمين نحو الستين من الرجال والنساء، وقد بات من المتعذر على أهل مكة أن يستأصلوا الإسلام بكامله، خاصة إذا كان هؤلاء المسلمون من قبائل مختلفة وأن معظمهم من الأشراف، وهنا أَذِن الله عز وجل لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة.
    الدعوة الجهرية ولماذا البدء بالأقربين
    كانت الدعوة الجهرية مرحلة جديدة من مراحل بدايات الدعوة الإسلامية، وفي بداية هذه المرحلة أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بينما ظل بقية المسلمين على سرّيتهم ما استطاعوا، وكان هذا تدرجًا واضحًا في طريق الدعوة.

    وكما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، فقد أُمر أن يبدأ بأقربائه بالتحديد ودون بقية الناس، وكان هذا أيضًا نوعًا من التدرج في إيصال الدعوة للعالمين، حيث كان قد نزل قوله تعالى: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] {الشعراء:214}

    ولماذا الأقربون بالذات؟!

    أولاً:

    لأن هناك حبًّا فطريًّا لشخص الداعية من الأقربين، وبهذا فإن الأقربين سيكونون أقرب للإجابة، فالقريب ليس بينه وبين الداعية حواجز قبلية أو حواجز عنصرية، أو غير ذلك من الحواجز.

    ثانيًا:

    لأنه بذلك سيكون في حمية قبلية تدافع عنه، وإن هذا ليعطي قوة كبيرة للداعية، خاصة إذا كان له عائلة كبيرة وضخمة، كما أنه لو آمنت هذه العائلة بما يقول الداعي لأصبحت عضدا له في دعوته.

    ثالثًا:

    أن دعوة الأقارب مسئولية أُولى على الداعية، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". ومن هنا جاءت أهمية صلة الرحم وأهمية دعوة الأقربين.

    ولنتخيل لو أن الداعية كان يُحارب في عقر داره، يُحارب من داخل بيته أو عشيرته أو قبيلته، نتخيل لو أن زوجته أو ابنه أو أباه أو غيرهم ممن هم من أهله وعشيرته كان يعوق مسيرته، فإنه - ولا شك - سيواجه الكثير من الصعاب في طريق الدعوة، ومن هنا نؤكد على نقطة بنائية مهمة، ألا وهي: دعوة الأقربين أهم بكثير من دعوة الناس عامة.

    وفي توضيح أكثر وتدليل على ما سبق ما كان من أمر لوط عليه السلام حينما جاءه قومه يراودونه عن ضيفه، فقد رد عليهم متأسفًا: [قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ] {هود:80} .

    إذ لم يكن لسيدنا لوط عليه السلام عائلة قوية تحميه وتقف من ورائه، فكان يودّ لو أن له عائلة قوية لوقف أمام القوم يدافع عن ضيفه، وهنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلقًا على موقفه هذا: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ؛ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (كان يأوي إلى الله عز وجل)، فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ.

    وعلى النقيض من هذا كان موقف شعيب عليه السلام، وذلك حين جاء إليه قومه يعترضون عليه فقالوا: [وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ] {هود:91} . ومن هنا فقد كانت دعوة الأقربين ذات أهمية بالغة في بناء الأمم.

    أبو لهب ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى للأقربين
    حين نزل قوله تعالى: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] {الشعراء:214} تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الأقربين إلى طعام وكان عددهم خمسة وأربعين من أهله وعشيرته، حيث إن الدعوة على الطعام مما ترقق القلوب، وتبعث على المودة والألفة.
    وفي هذا الاجتماع وقبل أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجهر ويصرح لهم بأمر دعوته حدث أمر غريب، فقد وقف أبو لهب وقال:

    هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك، فتكلم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة.

    وهذا يعني أن أبا لهب كان يعلم بأمر الدعوة وأمر الإسلام، ولكنه ما اعترض عليه من قبل، ولم يعترض أحد من قريش قبل ذلك مع اكتشافهم أمر بعض المسلمين، ولقد كان ذلك لأن المسلمين كانوا يكتفون بعبادات فردية، كانوا يعبدون الله عز وجل في بيوتهم، وقد ظن أهل قريش أن هذا لا يعدو أن يكون مثل أفعال بعض السابقين الذين تنصروا أو اتخذوا الحنيفية دينا.

    فالأمر الطبيعي أن أهل الباطل لا يمانعون أن تعبد ما تشاء في بيتك، طالما أن ذلك دونما تدخلٍ منك في أمر المجتمع، أما أن يجمع محمد صلى الله عليه وسلم الناس ويبدأ في دعوتهم إلى ما هو عليه، ثم يسفّه ما يعبدون من دون الله، ثم يُحكّم الله الذي يعبده في أمورهم، فهذا ما يرفضه أهل الباطل من قريش.

    ومن ثم كانت هذه مبادرة أبي لهب، وقد أتبعها بكلام شديد حيث قال:

    فما رأيت أحدًا جاء على بني أبيه بشرٍّ مما جئت به.

    وهنا وفي حنكة وحكمة بالغة سكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقم بما كانت من أجله هذه الدعوة وذاك الاجتماع، فلم يدعُ الناس، ولم يدخل في جدل مع أبي لهب، حيث الظرف غير موات، فالجو مشحون، والخلاف قريب، وليس من الحكمة تبليغ الدعوة في مثل هذه الأحوال، وخاصة أن أبا لهب هذا هو عمه وله أيضًا أتباع وأنصار.

    إذن فليجمع الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في موعد آخر، يبادر هو فيه الكلام ويسبق أبا لهب وغيره.

    أبو طالب ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية للأقربين
    في جولة ثانية، وفي اجتماع ثان، وفي أمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن طريق الدعوة شاق وطويل، وأن الدعوة مكلفة ولها ثمن وأثمان، وأن الداعية يعطي لا يأخذ، وأنه يساعد لا يطلب المساعدة، وأنه يخدم لا يطلب الخدمة، جمع الرسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وعشيرته مرة ثانية على الطعام، وفي هذا الموعد الثاني بادر الرسول صلى الله عليه وسلم بالحديث فقال:

    "الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ، وَأُؤْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". إنها كلمات خطيرة جدا في مكة في ذلك الوقت...

    ثم قال: "إِنَّ الرَّائِدَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ خَاصَّةً وَإِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَاللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَلَتُحَاسَبُنَّ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَإِنَّهَا الْجَنَّةُ أَبَدًا أَوِ النَّارُ أَبَدًا.

    ورغم أنه خطاب قصير جدًّا، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع فيه الكليات الأساسية للعقيدة، ووضح فيه مغزى الرسالة، كما أنه - تقريبًا - أعلن الحرب على آلهة قريش وعلى من يقفون وراءها.

    وإزاء هذا الخطاب القصير والبسيط في ظاهره، العميق الدلالة في جوهره، كان لأقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفان متباينان:

    الموقف الأول:

    هو موقف أبي طالب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أحبه حبًّا يفوق حب أولاده، وهو الذي كان قد تكفل به بعد وفاة جده عبد المطلب، والذي يعدّ موقفه هذا من أكبر علامات الاستفهام في التاريخ.

    فقد وقف إلى جواره يشجعه بكل طاقاته، لكنه ما دخل في دينه أبدا، لقد تحمّل أبو طالب الكثير من تبعات الدين الشاقة ولكنه لم يستمتع بأجمل ما فيه، تضحية وبذل وجهاد وعطاء، ولا إيمان [إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ] {القصص:56} ، قام أبو طالب فقال:

    "ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب (يقصد النصرة)، فامض لما أُمرت به (وهذا يعني أنه كان يعلم أن الله أمره بذلك ولم يأت به من عنده)، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.

    تناقض بشع في ذات المقالة، فقد وقفت التقاليد حاجزًا وحائلاً بين أبي طالب وبين الإيمان، ووقف تقديس رأي الآباء والأجداد حتى وإن كان مخالفًا للحق دون دعوة الحق.

    لكن ما يهمنا هو أن أبا طالب كان واضحا وصريحا في دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم جهر فيه بالدعوة لأقاربه.

    الموقف الآخر:

    هو موقف أبي لهب فما زال مصرًّا على عدائه فقد قال: هذه والله السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم.

    فقال أبو طالب: "والله لنمنعه ما بقينا".

    فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
    جاءت الأوامر من الله عز وجل أن يوسع الرسول صلى الله عليه وسلم دائرة الدعوة، ويقوم بصيحة أعلى لدعوة قبيلته الكبيرة قريش بكل بطونها، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن صعد جبل الصفا فجعل ينادي:

    "يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، يَا بَنِي هَاشِمٍ"ٍ. كل بطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما الأمر، فجاء - كما يقول ابن عباس في رواية البخاري - أبو لهب وقريش ( يذكر أبا لهب خاصة لموقفه في هذا الحدث).

    فقال صلى الله عليه وسلم:"أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغْيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟" ومع أن هذا أمر غاية في الخطورة ويحتاج إلى رويّةٍ وتثبُّت، إلا أنهم قالوا: نَعَمْ؛ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. فقال صلى الله عليه وسلم: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ".

    أي إذا كنتم تصدقون إنذاري لكم بخيل وأعداء فيجب أن تصدقوا إنذاري لكم بعذاب شديد إذا بقيتم على ما أنتم عليه من عبادة الأوثان وتحكيمها في حياتكم.

    وكان موقف أبي لهب هو أن قال: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟

    فنزل قوله تعالى: [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ] {المسد:1} .

    كانت التقاليد وأعراف المجتمع هي التي منعت أبا طالب من الإيمان، وكان الذي منع أبا لهب من الإيمان هو الجبن، والجبن الشديد، فهو الذي قال: "ليس لنا بالعرب من طاقة". ليس لنا قدرة على تغيير المألوف، ولا يمتنع أبو لهب أن يقف بجوار القوي وإن كان مخالفًا للحق، كما أنه لا يمتنع عن خذلان ابن أخيه والتكذيب بالحق الذي جاء به طالما هو في موقف الضعيف كما يتراءى له، وإن كان من أقاربه ومن عشيرته، وهذا هو الذي أرداه فجعله من الأخسرين.

    وهكذا نرى التدرج الواضح في أمر الدعوة والذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دعا الأقارب أولاً، ثم قريشًا، ثم عامة الناس.



    ومع الأمر الإلهي: [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94} يكون قد وضح أمران من المفترض أنهما سيظلان متلازمين في هذه المرحلة، التي تسمى مرحلة جهرية الدعوة، وهما:

    الأمر الأول: إعلان الدعوة للناس عامة، مع خطورة هذا الأمر.

    الأمر الثاني: الإعراض عن المشركين، بمعنى عدم قتالهم، وهذا يحمل في طياته أن المشركين سيحاولون قدر استطاعتهم أن يوقفوا مد هذه الدعوة، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة أن يتجنب الصدام مع الكفر، حتى ولو حدث كيد وحدث تعذيب، بل لو حدث قتل، فهذه ظروف مرحلة معينة دقيقة جدًّا تمر بها الدعوة.

    موقف أهل مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
    بعد أن صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر الإلهي حدث انفجار في مكة، فهذه مشاعر الغضب والاستنكار والرفض للدعوة، وهذه اجتماعات وتخطيطات ومكائد ومؤامرات، قامت الدنيا ولم تقعد، إنها - ولا شك - الحرب، ولا هوادة في الحرب.

    وها هم المسلمون في مكة لم يعلنوا إسلامهم باستثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحد من البشر يدافع عنه غير عمه أبي طالب، وهو دفاع غير مشروط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بدفاعه مع كونه كافرا، لكنه في ذات الوقت ما فرط في كلمة واحدة من الدين، ما تنازل، وما بدل، وما غير.

    كان هذا هو موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف عمه أبي طالب، وموقف مكة بصفة عامة، وقبل الحديث عن خطة مكة في القضاء على الدعوة الإسلامية نريد أن نبحث في موانع الإسلام عند أهل مكة، وبمعنى آخر:

    لماذا لم يؤمن أهل مكة؟!

    لماذا حاربوا الدعوة ولم ينصروها مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم منهم؟!

    أم أنهم لم يدركوا الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

    وأعتقد أن الجواب على هذا السؤال الأخير هو: لا على الإطلاق؛ فعلى أقل تقدير كانت الرسالة واضحة جدا، إنما الصواب هو أنهم كانوا كما قال عز وجل في كتابه الكريم: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظصلى الله عليه وسلمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ] {النمل:14} .

    فقد كان القرآن الكريم - ولا يزال - كلاما معجزا، وهؤلاء هم أهل اللغة والبلاغة والفصاحة، أي أنهم يعلمون جيدا أن هذا ليس من عند البشر، وقد كانوا على يقين أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، لكن أنفسهم لم تطب بهذا التصديق.

    ومما يؤكد هذا الأمر أن أُبيّ بن خلف كان يقابل الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: إني سأقتلك، فكان يرد عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". وبعد حين من الوقت خرج أُبيّ بن خلف لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقعة أحد، فكان أن أصابه صلى الله عليه وسلم بسهم سبَّب جرحًا طفيفًا في كتفه، فعاد أُبيّ إلى قومه يصرخ بأنه سيموت من هذا الجرح الطفيف، فكان الناس يقولون له: هون عليك؛ إن هذا لأمر يسير. فكان يرد عليهم أُبيّ بقوله: إنه قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق عليّ لقتلني.

    فأين كان عقلك يا أُبيّ؟! أين كان عقل الذين سمعوك ولا يزالون يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم؟!

    إذن فقد كان أهل مكة يوقنون أن هذا الذي جاء به صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا ريب فيه، لكن السؤال هو: لماذا - إذن - كذبوا ولم يؤمنوا؟!

    - التقاليد والجبن والقبلية

    في معرض الإجابة على هذا السؤال السابق فقد تعددت موانع الإسلام عند أهل مكة، فكان منهم من منعته التقاليد كأبي طالب، وكان منهم من منعه الجبن كأبي لهب كما ذكرنا، وكان منهم من منعته القبلية.

    وكان أكثر مَن جسد القبلية أبو جهل، وكان من بني مخزوم، فكان يقول:

    "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطْعَموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الرُّكب وكنا كفرسي رهان، قالوا: لنا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه".

    ذلك التعصب وتلك القبلية أو القومية هي من شيم وصفات الجاهلية، وأعداء الإسلام ما فتئوا يستغلون هذا المدخل، ويشعلون تلك النعرة منذ القديم وإلى الآن وإلى يوم القيامة.

    فالعامل الذي أسقط به اليهود والإنجليز الدولة العثمانية هو إشعال تلك النعرة، وتفريق المسلمين إلى عرب وأتراك، ومثله الذي دخل به الفرنسيون الجزائر أيضًا كان تفريق المسلمين إلى عرب وبربر، وهو العامل أيضًا الذي فرّق به شاس بن قيس اليهودي بين الأنصار حين أشعل العنصرية في قبيلتي الأوس والخزرج، وهذه كلها من شيم الجاهلية.

    - الكِبْر

    كان من الناس أيضًا من منعه الكبر من الدخول تحت راية الإسلام، وما أكثر الذين امتنعوا عن طريق الحق بسبب الكبر، تلك الصفة التي ظهرت مع بداية قصة الخلق، ومنذ آدم عليه السلام، يقول تعالى: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] {البقرة:34} . فاقتضى كبر إبليس هذا كفره وطرده من الجنة وإبعاده عن رحمة الله تعالى.

    والكبر كما عَرّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: "بَطَرُ الْحَقِّ - أي معرفة الحق ثم إنكاره -، وغَمْطُ النَّاسِ" - أي احتقارهم -.

    وقد جسد القرآن الكريم هذه الصفة في نفوس أهل مكة حين حكى عنهم سبحانه وتعالى قولهم: [وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] {الزُّخرف:31} . يقصدون الوليد بن المغيرة في قرية مكة، وعروة بن مسعود الثقفي في قرية الطائف.

    فكانوا يقولون: لو نزل هذا الأمر على رجل عظيم كمن في هاتين القريتين لكنا آمنا بهذا الدين، والرسول صلى الله عليه وسلم - لا شك - أعظم الخلق، لكنهم كانوا يقيسون العظمة بكثرة الأموال لا بقيم الأخلاق والدين وشرف العقيدة.

    وفي آثار وسلبيات هذه الصفة فقد وضح الله عز وجل أن من يتصف بها فإنه من الصعوبة بمكان أن يتبع الحق، قال الله عز وجل: [سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:146} .

    - الخوف على السيادة والحكم

    كان هذا الأمر أيضًا من الأسباب التي منعت بعضًا من قريش من الدخول في الإسلام فقد كانوا يظنون أن الإسلام يسلبهم السيادة والحكم في أقوامهم.

    فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليُحكّم شرع الله عز وجل في أمور العباد، وهو صلى الله عليه وسلم ناقل عن رب العزة، ومن ثم فسيسحب البساط من تحت أقدام الزعماء كأبي سفيان وغيره إن انتشر دين الإسلام بمكة، فكان الخوف على الحكم مُعوِّقًا ضخمًا للانخراط في الدعوات الصالحة.

    - الخوف على المصالح المالية

    كذلك أيضا كان هناك من يخاف على مصالحه المالية، فهو في الواقع مستفيد من الوضع الحالي لمكة بحالتها الكافرة الاشتراكية.

    فمكة بلد آمن، وهي محط أنظار أهل الجزيرة العربية، والتجارة فيها على أشد ما تكون، ولو حارب العرب محمدا صلى الله عليه وسلم لتحول البلد الآمن إلى مثلث فتن وحروب، وهو مما لا يساعد على الربح أو التجارة، كما أن المشركين الذين يمثلون غالبية أو كل سكان الجزيرة العربية قد يرفضون القدوم إلى مكة بعد إسلامها، بل وقد يحاصرون مكة اقتصاديا إذا آمنوا هم.

    ثم ماذا لو آمن واحد من كبار التجار خارج مكة؟ ألن يمنع عن مكة الطعام والتجارة؟ وإن مثل هذا ليس ببعيد؛ فقد حدث ذلك بالفعل بعد سنوات حينما أسلم ثمامة بن أثال ملك اليمامة، وكان أن منع الطعام عن مكة، فتأذت بسبب ذلك أذى كثيرا.

    إذن كان الخوف على المصالح المالية والشخصية، والمصالح التجارية كان سببا رئيسيًّا لعدم قبول بعض المشركين بفكرة الإسلام.

    - الخوف على الشهوات والملذات

    ومثل سابقه فقد كان هناك أيضًا من أهل مكة من يخاف على شهواته وملذاته من أن تُجرّم أفعالها، أو يقضى عليها.

    فالإسلام دعوة إصلاحية تدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق والبعد عن المعاصي والذنوب، وأهل الباطل لا يريدون قيودًا أو حواجز بينهم وما تهفو نفوسهم إليه، ومن ثم فإن الدعوات التي تمنع الزنا والإباحية والظلم والفساد لا بد أن تحارب، وعلى قدر انغماس الرجل في شهواته وملذاته على قدر ما يكون حربه للإسلام.

    - الغباء وانغلاق الفكر

    وقف الغباء أيضًا وعدم إعمال الفكر والعقل حاجزًا وسدًّا منيعًا لدى البعض من أهل مكة من أن يدخلوا في الإسلام.

    فقد اعتاد مثل هؤلاء الاعتقاد بأن الآلهة متعددة، فحين يأتي رجل بعد ذلك ليخبرهم أن الله عز وجل واحد لا شريك له، تحجرت قلوبهم وعقولهم لقبول هذا الأمر الجديد، بل وقالوا: [أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] {ص:5} .

    لكن العجيب حقًّا هو أن يعتقد إنسان - أي إنسان - أن في الكون أكثر من إله، يقول سبحانه وتعالى: [مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ] {المؤمنون:91} .

    وقال أيضًا: [لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ] {الأنبياء:22} .

    فكان من الغريب حقًّا أمر هؤلاء الكفار، فقد كانوا يسمعون الحق وكأنهم لا يسمعون، وكما حكى عنهم القرآن الكريم: [لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ] {الأعراف:179} .

    وقد وصل بهم الأمر إلى أن يناقضوا أنفسهم وعقولهم في قضية وحدانية الخالق عز وجل، يحكي حالهم سبحانه وتعالى فيقول:




    {المؤمنون:84- 90} .

    فإذا كان الله عز وجل هو المتصرف في كل شيء كما تعترفون، فلماذا تُحكّمون غيره؟! وهذه هي النقطة التي انغلقت عقولهم عن الإجابة عنها.

    ومن هذه الفئة كان هناك في مكة من منعه غباؤه عن استيعاب فكرة أن الله عز وجل يرسل رسولاً إلى البشر من البشر، ولم يدرك عقله الحكمة من وراء ذلك، يصور ذلك القرآن الكريم فيقول: [وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولاً] {الإسراء:94} ، وبمنطقهم رد عليهم عز وجل فقال: [قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً] {الإسراء:95} . وقال أيضًا: [وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ(8)وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ] {الأنعام:8، 9} .

    أيضًا كان هناك من الناس من منعه غباؤه أيضًا عن استيعاب فكرة البعث واليوم الآخر، ذلك الأمر الجديد الذي لم يخطر ببالهم، فقد كانوا يقيسون الأمور بأبعادها المحدودة المادية والملموسة، ولو أدركوا قدرة الله عز وجل لعلموا أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يقول تعالى يحكي شأنهم: [وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {النحل:38} .

    فقد جاء العاص بن وائل (وفي رواية: أبي بن خلف) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذروه في الهواء ثم يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ يَبْعَثُكَ ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ".

    ثم نزلت الآيات تخاطب العقول: [أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ(80)أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخَلَّاقُ العَلِيمُ] {يس:77- 81} .

    وهذه حقيقة؛ يقول تعالى: [لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {غافر:57} . فالذي خلق السموات والأرض قادر على خلق الإنسان، ثم يكمل ذلك سبحانه وتعالى مؤكدا فيقول: [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {يس:82،83} .



    بل إن من الناس من أهل مكة من كان شديد الغباء حتى اعترض على القرآن الكريم نفسه، والقرآن الكريم كلام الله عز وجل لا يشبهه كلام البشر ولا يستطيعونه [لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ] {فصِّلت:42} .

    وقد كان العرب في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الأرض باللغة، وأكثرهم إتقانا لها، وقد كانوا يعلمون تمام العلم أن هذا النَّظْم وذاك التعبير ليس من مقدورهم، وليس في مقدور عموم البشر جميعا، ولكن كان حالهم كما أخبر سبحانه وتعالى: [فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] {الحج:46} .

    فقد وصفوا القرآن بأنه شعر، وبأنه سحر وبأنه كهانة وغير ذلك من الصفات كذبًا وافتراءً.

    ومن هنا فقد كانت هذه وغيرها موانع وقفت حائلاً أمام أهل مكة من أن يدخلوا في الدين الإسلامي العظيم، وهم لم يكتفوا بذلك، بل بدءوا يخططون ويدبرون للكيد لهذا الدين، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، الحرب بين الحق والباطل [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً] {النساء:89} .

    فالدعوات الإصلاحية الصحيحة لا بد أن تحارب، ولا بد أن يجتمع عليها أهل الباطل، قد تؤجل المعركة ولكن لا بد لها من حدوث، قد تأخذ صورا مختلفة ولكن لا بد في النهاية من أن تقع.

    ومن هنا فقد بدأ الكفار في الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المسلمين، وقد سلكوا في ذلك السبيل نفسه الذي سلكه من قبلهم الكفار في صدر التاريخ، والذي يسلكه أمثالهم إلى يومنا هذا، والذي سيظل كذلك إلى يوم القيامة، [وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً] {الفتح:23} .




    [قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(85)قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ(86)سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ(87)قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(88)سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ(89)بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
    ]

  7. #7

    الصورة الرمزية الهاشمية
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الدولة
    ارض الله واسعة
    العمر
    36
    المشاركات
    7,052
    معدل تقييم المستوى
    379

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    موضوع قيم جدا

    وفيه الكثير والكثير من المواقف المؤثرة

    لي عودة بقراءة الموضوع باكمله

    جزيت خيرا اخي سفير

    تحيتي

  8. #8
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    حيـــاك ربي اختي وتسلمين ع هالمرو العذب

    كفار مكة ومحاولات وقف المد الإسلامي
    المحاولات السلمية

    في محاولات جادة لإيقاف المد الإسلامي فقد بدأ كفار مكة يأخذون خطوات عملية ومتدرجة في سبيل ضمان وتحقيق نتائج حاسمة وسريعة، وهي - وسبحان الله - نفس الخطوات التي تتكرر في كل زمان لنفس الأغراض، يقول سبحانه وتعالى: [أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ] {الذاريات:53} .

    وكانت المرحلة الأولى من مراحلهم في صد الدعوة الإسلامية ووقف المد الإسلامي هي مرحلة المحاولات السلمية، فعملوا على الآتي:
    أولاً: تحييد موقف المساندين
    تحييد جانب المساندين، وبمعنى آخر سلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل قوة قد تسانده أو تعضد موقفه، كان هذا هو أول فعل لكفار قريش في محاولاتهم لإيقاف المد الإسلامي الزاحف، وكان الوحيد الذي أعلن نصرته لرسول صلى الله عليه وسلم هو أبو طالب، فذهبوا إليه وقالوا له: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا، فانهه عنا.

    ورغم موقف أبي طالب الثابت من دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان قد تأثر بعض الشيء بكلام كفار قريش له، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانتهِ عن أذاهم.

    وهنا رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء وقال: "تَرَوْنَ هَذِهِ الشَّمْسَ؟" قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "فَمَا أَنَا بَأَقْدِرَ أَنْ أَدَعَ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى أَنْ تُشْعِلُوا مِنْهَا بِشُعْلَةٍ". فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط، فارجعوا راشدين.

    وإن هذا ليبرهن على أن صلابة الداعية وثقته في الله عز وجل وفي دينه، وتعظيمه لأمر الأمانة التي يحملها ليلقي بآثاره وظلاله على من حوله، تلك الصلابة التي ما تبرح تنتقل انتقالاً طبيعيًّا من الداعية إلى أتباعه وإلى أحبابه ومقربيه بعد ذلك، حتى لكأنها قد انتقلت إلى أبي طالب وهو لم يؤمن.

    فقد كان أبو طالب منذ البداية مذبذبًا، لكنه حين رأى إصرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباته على موقفه هذا جعله يرد أهل الكفر ويأبى إجابة طلبهم، رغم أنه لا يرجو جنة ولا يخاف نارًا، فكيف الحال إذن بالمؤمنين.

    ثم إن هذه الصلابة من الداعية - ولا شك - تؤثر سلبًا على أعدائه، فالعدو المدجج بالسلاح صاحب القوة والسلطان والتمكين حينما يرى داعية صلبًا، مستمسكًا بمبادئه وإسلامه فإنه ما يلبث يتزلزل كيانه ويتضاءل حجمه وينكمش أمام الداعية مهما كان في هيئته الخارجية ممكّنًا، وكلما رأيت العدو الذي أمامك يكثر من الحراسة والتحصينات والجيوش فاعلم علم اليقين أنه يخافك أكثر مما تخافه؛ فلا تهتز.

    ومن هنا فقد باءت المحاولة السلمية الأولى لكفار قريش في تحييد أو تخويف أبي طالب بالفشل، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته.
    ثانيًا: استغلال الإعلام
    محاولة سلمية أخرى وهي متكررة على مر الزمان استغلها كفار قريش، وهي تعني استخدام إعلام ذلك العصر بكل أنواعه، وتطويعه لوقف المد الإسلامي في مكة، وبطريقة شبه منهجية، وقد استخدم كفار قريش تلك الوسيلة من خلال محاور عدة:

    المحور الأول: تشويه صورة الداعية أمام الناس:

    وكان ذلك بمنزلة حرب إعلامية، كان قد قام عليها الوليد بن المغيرة وأبو لهب وغيرهم ممن هم على شاكلتهم، فقد كوّنوا تحالفًا مشتركًا من قبائل عدة يحدوهم هدف واحد، وهو حرب الإسلام، فهذا أبو لهب من بني هاشم، وذاك الوليد بن المغيرة من بني مخزوم، على ما كان بينهما من عداء ظاهر.


    وفي مؤتمر كان قد ضمّ معظم الفصائل المكية، كان واضحًا أن الوليد بن المغيرة هو الذي يتزعمه؛ حيث قال:

    يا معشر قريش، إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا.

    فقالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيًا نقول به.

    فقال الوليد: بل أنتم قولوا، أسمع.

    فقالوا: نقول كاهن.

    فقال الوليد: ما هو بكاهن؛ لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه.

    فقالوا: نقول مجنون.

    فقال: ما هو بمجنون؛ لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخلقه ولا تخالجه ولا وسوسته.

    فقالوا: نقول شاعر.

    فقال: ما هو بشاعر؛ قد عرفنا الشعر برجزه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بشاعر.

    قالوا: نقول ساحر.

    فقال: ما هو بساحر؛ لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده.

    وسبحان الله! لم يستطيعوا أن يتبنوا قرارًا من الممكن أن يلقى قبولاً من الناس، على علمهم التام بافترائهم ما يقولون؛ إذ إن نظْمه أعجزهم أن يصفوه بما هو ليس أهل له، وكان الأولى لهم أن يعترفوا بإعجازه، وبنبوة الذي أنزل عليه ويتبعوه، ومن ثم تكون النجاة لهم في الدنيا والآخرة، ولكن انغلقت عقولهم وأفهامهم، وصاروا كمن ينفخ في رماد.

    فظلوا على كبرهم وعنادهم وقالوا:

    فما نقول يا أبا عبد شمس؟!

    فقال الوليد بن المغيرة:

    والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق (النخلة)، وإن فرعه لجناة (ما يُجنى من الثمر)، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول أن تقولوا: ساحر جاء بقول هو سحر، يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته.

    فنزل فيه قول الله عز وجل: [ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ] {المدَّثر: 11- 26}.

    فمن سنن الله عز وجل أن يقف الكافرون وهم يعلمون أن هذا حق - يقفون ويحاربون الدعوة بكل طاقتهم، وإنه ورغم هذا فإنهم لن يفلحوا في ذلك؛ لأن الله عز وجل يحاربهم بنفسه.

    فقد كانت الإمكانات الإعلامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقل بكثير من إمكانات الكافرين، ومع ذلك كان أمر الدعوة يصل إلى الناس، وذلك لأنه كان يصدع بالحق، وشتان بين الحق والباطل، وهي رسالة إلى كل الدعاة: لا يحبطنك سطوة إعلام المحاربين لدعوة الله عز وجل [وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ] {الأنفال: 59}.

    المحور الثاني: تشويه الدعوة ذاتها:

    عن طريق الإعلام أيضًا استهدف كفار قريش تشويه دعوة الإسلام، وذلك عن طريق الطعن في أصل الرسالة، وإشاعة القول بأنه يدعو إلى خرافة ليست حقيقة، فإذا لم يكن هناك اعتراض على شخص الداعية فهناك اعتراض على ما يأتي به الداعية، فكان الإعلام في مكة يضرب تارة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم أو في شخص الداعية، وتارة أخرى يضرب في صلب الرسالة أو في الإسلام.

    فوصفوا ما أتى به صلى الله عليه وسلم بقولهم:

    [إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظصلى الله عليه وسلمًا وَزُورً] {الفرقان: 4}. وقالوا: [أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً] {الفرقان: 5}.


    مع كونهم يعلمون أنه أُمِّيٌّ لا يقرأ، ومع أنهم يعلمون سيرة حياته كلها، وأنه ما غادر مكة إلا قليلاً، وأنه في هذه المرات القلائل لم يكن يغادرها بمفرده، فكيف تعلم كل هذا العلم، وكيف أتى بهذا القرآن؟!

    فقد وصف القرآن الكريم حالهم هذا بقوله سبحانه وتعالى عنهم: [وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ] {النحل: 103}.

    وإضافة إلى ذلك أيضًا فقد عملوا على تشويه فكرة التوحيد، التي قد تلقي بأثرها على بعض العوام فقالوا: [أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ] {ص: 5}.

    ومثل ذلك أيضًا عملوا على تشويه فكرة البعث [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي العَذَابِ وَالضَّلاَلِ البَعِيدِ] {سبأ: 7، 8}.

    المحور الثالث: تشويه الدعوة نفسها:


    كما قاموا أيضًا بتشويه أخلاقيات وطبائع هذا الدين، فأخذوا يشيعون عنه - على سبيل المثال - بأنه دين يفرق بين المرء وزوجه وبين المرء وأهله وهكذا، ولم يعلموا أنه ما جاء دين يجمع الناس ويوحد صفوفهم مثل دين الإسلام، دين يبغي توحيد الناس على أساس واحد متين، يستوي فيه أهل الأرض جميعًا وهو أساس العقيدة، وهذا ما كانت تأباه قريش.

    وهكذا يفعل أهل الباطل دائمًا، يتهمون الإسلام في ذاته، وكما يشوهون صورة الداعية يشوهون صورة الدين، فنرى - مثلاً - من يلصقون به وبأتباعه تهمة الإرهاب وهو عنها بريء، وما جاء دين يدعو إلى الرحمة ونشر السلام كدين الإسلام.

    كذلك يتهمونه بالجمود الفكري، وما جاء دين يدعو إلى التفكر وإعمال العقل كدين الإسلام، وأيضًا يتهمونه بالتخلف العقلي، وما جاء دين يدعو إلى التعلم والتفقه وعمارة الأرض كهذا الدين الخاتم.

    المحور الرابع: إلهاء الناس بالباطل:

    وهو محور غير مباشر إلا أن تأثيره كبير جدًّا، وهو يعني شَغلَ الناس بالباطل وإلهاءهم عن الحق بكل أشكاله.

    فهم يعلمون أنه من الصعوبة على القلب المنشغل بالباطل أن يلتفت إلى دعوة إصلاحية أو إلى دعوة الحق، وأن غاية الصعوبة على الذي غرق في حياة اللهو والتفاهة والانحلال أن يهتم بدعوة جادة.

    وهي خطة قديمة لأهل الباطل، فحواها أن يقدموا للناس فنونًا مختلفة من المُلهيات، فيعيشون فيها حتى لا يبقى لديهم وقت ولا عقل ولا قلب يدرسون فيه مثل هذا الدين.

    ومن كفار قريش من التفت إلى هذه الحيلة الشيطانية، وتولى ما يسمى بالإعلام المضاد لدين الإسلام وهو النضر بن الحارث لعنه الله، فقد قام بإعلام مضاد وبصورة غير مباشرة، حيث إنه لم يطعن مباشرة في دين الإسلام، لكن فقط عمل على تقديم مشهيات وملهيات للناس تشغلهم في يومهم وليلهم ونومهم وسباتهم.

    وقف النضر بن الحارث يحدث قريش عن خطته فقال:

    يا معشر قريش، والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثًا وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر. وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن. وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر. وقلتم: مجنون، لا والله ما هو بمجنون. يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم؛ فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.

    وهي مشكلة كبيرة عادة ما يقع فيها الذين يصدون الناس عن الدعوات الإصلاحية وبالأخص عن الإسلام، فإن الدعاة إلى الله عز وجل عادة ما يكونون على صورة طيبة تفوق بكثير صورة أهل الباطل، من صفات الصدق والأمانة وأدب المعاملة والمروءة وحسن المنطق، مما يجعل من الصعوبة بمكان أن يقبل الناس طعنًا في شخص الداعية، وقد يكون من الصعوبة أيضًا أن يقبلوا طعنًا في الرسالة، التي تتوافق مع فطرة الناس جميعًا، إذن فليكن الإلهاء عن الحق هو السبيل الذي لا فكاك منه ولا بديل عنه.

    وما كان من أمر فقد قطع النضر بن الحارث لأكثر من أربعمائة وألف كيلو متر حيث الحيرة في العراق، وحيث البلاد الأجنبية التي يتعلم فيها فنًّا جديدًا على الناس، يستطيع به أن يلهي شعب مكة عما هم بصدده.

    ذهب النضر بن الحارث إلى هناك، وبذل المال والوقت والجهد والفكر، للصد عن سبيل الله، ولنشر الإباحية والمجون [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] {الأنفال: 36}.

    وفي الحيرة أخذ النضر بن الحارث يتعلم أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، أخذ يتعلم أساطير فارسية، حكايات وروايات وقصص، تحمل كلها عوامل التشويق والإثارة وجذب الانتباه، وفيها تنشيط للشهوات وإباحية أحيانًا وغموض وتنطع أحيانًا أخرى، وصراع في أحيان ثالثة، ورومانسية في أحيان رابعة، وهزل وضحك أحيانًا خامسة، وهكذا فيها ما يوافق كل ذوق.

    وإلى مكة عاد النضر بن الحارث بهذا التنوير وبهذا التطور وبهذه الحضارة الجديدة؛ بغرض أن يرفع الناس في مكة إلى مستوى حضارات الفرس كما يزعم، ثم بدأ في حربه ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا جادًّا فيه الوقار وفيه ذكر الله وترغيب في جنته وترهيب من ناره، جلس على مقربة منه النضر بن الحارث يحدث بحديثه الهزلي، يمتّع الناس بروايته ويقول: والله ما محمد بأحسن حديثًا مني.

    وفي جهد يحسد عليه لم يكتفِ النضر بذلك، بل اشترى مطربات وراقصات، وكلما سمع أن رجلاً قد مال قلبه إلى الإسلام سلط عليه المطربات والراقصات يلهينه عن سماع دعوة الحق وداعي الإيمان، وكلما نشط رسول الله صلى الله عليه وسلم نشط النضر بن الحارث.

    وقد نزل فيه وفي من على شاكلته قول الله عز وجل: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {لقمان: 6، 7}.

    وهكذا ظل أهل الباطل يتواصون بهذا المنهج، وهو شَغل الناس باللهو والباطل، وبالأخص في مواسم الطاعة وفترات زيادة الإيمان، ولعلنا بذلك نفهم أحداثًا كانت قد خفيت على بعضنا.

    - نفهم مثلاً النشاط الإعلامي الرهيب الذي يتضخم في شهر رمضان المبارك، ذلك التكدس الضخم للأعمال الفنية الملهية عن أي شيء جاد في الحياة اليومية، والملهية عن الدين وغير الدين، حيث برامج حافلة على مدار الأربع والعشرين ساعة، وقنوات أرضية وفضائية لا حصر لها.

    ثم يأتي التنوع غير المسبوق في المعروض، وتأتي العروض الأُوَل من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأغاني (فيديو كليب)، والرياضة والفوازير والبرامج الضاحكة، كل هذا في شهر رمضان، شهر الصيام والقيام والقرآن والزكاة والصدقة، والذي من المفترض أن يكون هو أكثر شهور السنة جدية وطاعة وقربًا من الله عز وجل.

    فالطبيعي في هذا الشهر ألاّ يجد المؤمن وقتًا للأنواع المختلفة من العبادة والطاعة التي يريد أن يقوم بها، كما أنه من المفترض أن يكون قلب المؤمن فيه أكثر رقة واطمئنانًا وإيمانًا وقربة من الله تعالى، فالشياطين مصفدة، والمساجد ملأى، وأبواب البر والخير مفتوحة ومضاعف ثوابها، وأعوان الخير كثر.

    وما كان من أمر فإن مثل هذه الثروة الإيمانية في قلب المؤمن لفتت أنظار أهل الباطل، فتحركوا بنشاط أكبر وجهد مضاعف في هذا الشهر الكريم، وهو أمر لم يعد يخفى على عاقل، وعلى أهل الإيمان أن يحذروا، فخطة وحيلة النضر بن الحارث القديمة ما زالت تتجدد وترى النور بين المسلمين.

    - وأيضًا بموقف النضر بن الحارث نستطيع أن نتفهم ما فعله اليهود الآن في أرض فلسطين، فحينما شاهد اليهود تعاطفًا كبيرًا من الشعب مع الانتفاضة، وشاهدوا قربًا من الله تعالى، وشاهدوا عمليات استشهادية وإصرارًا على الجهاد، وشاهدوا دعاءً وتضرعًا وابتهالاً، عندما شاهدوا كل ذلك فكروا بعقل النضر بن الحارث، واستخدموا حيلته وطبقوا خطته، ولكن بطريقة عصرية.

    فقد أذاعوا على كل المحطات في فلسطين أفلامًا إباحية جنسية مخلة، وذلك في كل فترات اليوم تقريبًا، ودونما اشتراك أو كلفة، فقد علموا أنه لو شُغل الشباب في هذا اللهو الباطل والحرام فلا شك أنهم سيبتعدون عن الله، وهم يعلمون أنهم لو ابتعدوا عن الله وعن نهج الإسلام فلا شك أنهم سيهزمون.

    إذن فقد حارب النضر بن الحارث الإسلام بطريقة ما زالت تطبق إلى يومنا هذا، وستظل تطبق إلى يوم القيامة، وصدق الله العظيم إذ يقول: [أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ] {الذاريات: 53}.
    ثالثًا: الحرب النفسية
    كغيرها من الوسائل التي اتبعوها في حرب الإسلام فقد شن كفار قريش حربًا نفسية على المسلمين حتى لا يشعروهم براحة أو يقر لهم قرار، وقد تمثلت هذه الحرب في أشكال ضغوط نفسية من قبل الأهل والأقارب على أبنائهم وذويهم حتى يتركوا الإسلام، فاجتمع أهل الكفر وأعلنوا في مكة أنه على كل أب وعلى كل أم وعلى كل شيخ قبيلة أن يتصدى لأبنائه وذويه ممن اتبعوا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -.

    وذلك - كما يرون - من أجل مصلحة الابن الذي خرج عن دين الآباء، وأيضًا من أجل مصلحة الأب حتى يظل محتفظًا بمكانه في مكة، وقد كانت لهجة أهل السلطان في مكة تحمل تهديدًا خفيًّا وأحيانًا صريحًا.

    وكان ممن حورب بذاك السلاح النفسي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقد حاولت أمه أن تثنيه عن الإيمان بكل طرق الترغيب والترهيب، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.

    فلجأت إلى وسيلة جديدة معتقدة أنه لن يجدي مع ذاك الابن الذي فارق دين الآباء غيرها، فأعلنت الإضراب عن الطعام والشراب حتى يرجع سعد - رضي الله عنه - عن دينه، حرب وضغط نفسي كبير على ذلك الشاب الذي لم يجاوز العشرين ربيعًا، ورغم ذلك فقد ثبت رضي الله عنه، ووقف أمامها وقد أشرفت على الهلاك يقول لها في يقين وإصرار: تعلمين والله يا أمّه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي إن شئت أو لا تأكلي!

    وأمام هذا الإصرار النابع من إرادة داخلية جادة، وليس فقط مجرد إعلان التحدي، أو مجرد رد فعل طبيعي أكلت الأم وبقي سعد رضي الله عنه مسلمًا.

    ومثل موقف سعد رضي الله عنه كان موقف مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقد استخدمت معه أمه هذا الضغط النفسي أيضًا في محاولة يائسة منها لتثنيه عن موقفه من الإيمان بالله ورسوله.

    وكان مصعب رضي الله عنه من أنعم فتيان قريش، فقد كانت أمه ذات ثروة وغنى، وقد وفرت له من أسباب الرفاهية والتنعم في مكة ما لم يتوفر لغيره من الفتيان، فكانت تأتي له بالعطر من الشام، والملابس من اليمن.

    وحين آمن منعت عنه كل ذلك، واضطرته إلى حياة الكد والتعب والخشونة، بل وطردته من بيتها معتقدة أن مثل هذا سيجدي معه.

    وعلى هذا الحال الذي لم يكن معتادًا عليه ظل مصعب بن عمير ثابتًا على موقفه من الإيمان، حتى لقد تخشف جلده مثل تخشف الحية، وكان الصحابة يبكون لحاله التي صار عليها.

    وقريب من ذلك أيضًا ما حدث مع عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد كان عمه يلف حوله الحصير ثم يشعل النار من تحته حتى يكاد يختنق، لكن ذلك أيضًا لم يثنه عن إيمانه.

    وبعيدًا عن محاولات الأهل والآباء والأمهات هذه فقد كان لرءوس القوم في مكة الدور البارز في هذا المجال، فكان أبو جهل - لعنه الله - يمر بنفسه على أهل مكة مهددًا وموعدًا من كان في بيته مسلم بالخسارة الفادحة في المال والجاه.

    وكان يطرد من العمال من شك في أنه أسلم، وأيضًا كان يضغط على كبراء مكة كي يضيقوا اقتصاديًّا على المسلمين، في محاولة لئلاّ يجد الرجل وقتًا للإسلام، ويظل كل همه تحصيل لقمة العيش، فمن لم تقنعه الكلمات أقنعه البحث عن اللقيمات.

    الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم من الحرب النفسية.لم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا من هذه الضغوط النفسية وتلك الحرب، فقد كان أبو لهب - لعنه الله - قد زوَّج ولديه عتبة وعتيبة من ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم، وحين أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الإسلام أراد أبو لهب أن يكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمّله همَّ ابنتيه، فأمر ولديه أن يطلقاهما - وهما بعدُ لم يدخلا بهن - ففعلا.

    ولا شك أن فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يُشغل بهذه القضية، كما أن صورته قد تهتز في مكة كلها، فهذا لا يرضى لأبنائه أن يتزوجوا من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان لمثل هذا آنذاك وقع - أي وقع - على من كان في موقفه صلى الله عليه وسلم.

    وقد وصل الأمر غايته حتى كان للنساء أيضًا دور كبير في هذه الحرب وتلك المضايقات التي لم يسلم منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت زوجة أبي لهب أم جميل أروى بنت حرب - وكانت امرأة سيئة - تحمل الشوك وتضعه أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقع فيه.

    ولم تكتف بذلك فقد خرجت ذات مرة تريد أن تضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جالسًا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الكعبة، فجاءت هذه المرأة تحمل في يدها فهر من الحجارة (ملء كفها) تريد أن تضربه بها، وحين ذهبت إليه أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر إلا أبا بكر، فقالت له:

    أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني.

    وكان قد نزل قوله تعالى: [تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ] {المسد: 1- 5}.

    ثم قالت: والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه.

    وقد تعدى الأمر مداه حتى كان أهل مكة يتطاولون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في داخل بيته، فكان إذا صلى في فناء منزله قاموا بإلقاء رحم الشاة عليه من أعلى السور حتى يصيبه الأذى، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وراء حجر يستتر به من قاذورات قريش.

    وفي محاولات منه لوقف تصرفاتهم تلك كان صلى الله عليه وسلم يحمل هذه الأوساخ ويخرج بها من بيته يخاطب عقول وقلوب قريش يقول:

    "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا؟!"

    يحاول صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بحقوق الجيرة والجوار، التي طالما تشدقت بها قريش، وطالما تحدثت عن حفظها لحقوق الإنسان، ثم ها هي تحارب أعظم رجالاتها وخيرة أبنائها حين أعلن كلمة الإيمان.
    رابعًا: طلب الأمور المعجزة
    من باب الجدل والمراء استخدم أهل الباطل وسيلة أخرى في محاولة منهم لحرب الإسلام وصد الدعوة الإسلامية، وهي طلب الأمور المعجزة لا من باب الإيمان أو الاقتناع، وإنما من باب الجدل والمراء.

    فقد أتى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعجزة عظيمة خالدة، يدرك قيمتها كل عربي تمكن من عربيته وهي القرآن الكريم، وكان التحدي به صارخًا حين قال عز وجل: [وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ] {البقرة: 23، 24}.

    فلم تستطع قريش - ولو لمرة واحدة - أن تعارض القرآن الكريم، ورغم ذلك ومع علمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم، ومع علمهم بعجزهم وضعفهم أخذوا يطلبون المعجزات الأخرى من باب الجدل.

    فطلبوا - على سبيل المثال - شق القمر، وفي معجزة باهرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده إلى القمر فشُقَّ إلى نصفين، نصف على جبل ونصف على جبل آخر، ورغم ذلك قالوا كاذبين: سحركم محمد!

    وقد حاول أحدهم أن يكون واقعيًّا بعض الشيء فطلب منهم أن يسألوا القادمين من السفر، متعللاً بأنه لو كان قد سحرنا فلن يكون قد سحر هؤلاء، وحين قدم المسافرون سألهم أهل قريش على ما رأوا، فكان الجواب أنهم رأوا القمر وقد شق في ذات الليلة وذات التوقيت الذي كانوا قد رأوه فيه، ورغم ذلك ولأنهم ما طلبوا الآيات رغبة في التصديق وإنما طلبوها لمجرد الجدل والمراء قالوا مكررين: هذا سحر مستمر.


    وقد وصل الأمر إلى أن قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكاه عنهم القرآن الكريم: [وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً] {الإسراء: 91- 93}.

    وإن كل ما أرادوه هذا منه صلى الله عليه وسلم هو أقل من معجزة القرآن الكريم إلا أنهم لم يريدوا أن يؤمنوا؛ إذ نية التصديق والاقتناع غير متوفرة، يصف حالهم هذا سبحانه وتعالى فيقول: [وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ] {الحجر:14، 15}.
    خامسًا: السخرية والاستهزاء بالمؤمنين
    في تنحية لجانب المنطق والعقل وإقامة الحجة والبرهان استخدم أهل الباطل واحدة من أقبح وسائلهم في حربهم ضد المسلمين، وهي تعمد السخرية منهم والاستهزاء بهم.

    يصف حالهم سبحانه وتعالى فيقول: [إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ] {المطَّففين: 29- 33}.

    وكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأ بهم المشركون وقالوا: [أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا] {الأنعام: 53}.

    وإذا دخل عليهم فقراء المسلمين قالوا سخرية واستهزاءً: هؤلاء ملوك الأرض؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: قولوا كلمة واحدة (لا إله إلا الله)، تملكون بها العرب والعجم.

    وفي ذات مرة كان قد علم أُبيّ بن خلف أن صاحبه عقبة بن أبي معيط قد جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، فاعتقد أُبيّ أنه قد آمن، فغضب وعاتب عقبة الذي لم يؤمن بعدُ. ولكي يصدقه في أنه لم يؤمن طلب منه أن يتفل (يبصق) في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل عقبة - لعنة الله عليه - ذلك، هكذا فعلوا مع أحب الخلق إلى الله عز وجل
    كانت هذه هي المرحلة الأولى من المواجهة وهي المواجهة السِلْميّة نسبيًّا، ورأينا كيف تعددت فيها أساليب الصد عن سبيل الله، وهذا مجملها:

    1- تحييد المساندين.

    2- استخدام الإعلام لوقف المد الإسلامي على ثلاثة محاور هي:

    - تشويه صورة الدعاة أمام الناس.

    - تشويه الدعوة أمام الناس.

    - شغل الناس بالباطل وإلهاؤهم بالإباحية.

    3- الحرب النفسية على المسلمين.

    4- طلب المعجزات من باب الجدل.

    5- السخرية والاستهزاء.
    !!

  9. #9
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    5-تربية الثّبات

    في محاولات جادة لإيقاف المد الإسلامي بدأ كفار مكة يأخذون خطوات عملية ومتدرجة في سبيل ضمان تحقيق نتائج حاسمة وسريعة، كانت المرحلة الأولى من مراحلهم في صد الدعوة الإسلامية ووقف المد الإسلامي هي مرحلة المحاولات السلمية التي تحدثنا عنها في الفصل السابق، وأعقب المحاولات السابقة محاولات أخرى من نوع آخر تتناسب وطبيعة المرحلة الجديدة التي يعيشها المسلمون، خاصةً أنه ورغم ما تقدم كانت قد زادت حركة الدعوة في مكة، وقويت شوكة المسلمين وكثر عددهم نسبيًّا، وهنا شعر أهل الباطل أن الأمر من الممكن أن يتفلت من أيديهم، فأقدموا على تنازلات كبيرة للمسلمين.

    مفاوضات ومساومات


    أمام قوة ناشئة تكبر أمام أعينهم يوما بعد يوم، أقدم أهل الباطل في مكة على عقد مفاوضات ومساومات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاولة للالتقاء - كما يقولون - في منتصف الطريق، وكما يقول تعالى: [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ] {القلم: 9} . فكان أن قدموا اقتراحين:


    - الاقتراح الأول

    وهو اقتراح سفيه جدًّا من حكماء قريش، طالبوا فيه بعمل عبادة مشتركة، فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر، فإن كان الذي تعبد خيرًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرًا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه!!


    ويُعدّ هذا مفهومًا مغلوطًا تمامًا عن الألوهية والعبودية، وتفكير طفولي وسطحي ساذج من حكماء قريش؛ إذ يعني أن نعبد عشرة أو عشرين إلهًا، لعل الصحيح أن يكون من بينهم!


    - الاقتراح الثاني

    وكان على ذات المستوى من السطحية، وقد تقدم به بعض المشركين يريد أن يكون هناك ما يسمى بعبادة التناوب.


    وهذا يعني أن يعبدوا إله محمد - صلى الله عليه وسلم - عامًا، ثم يعبد هو إلههم عامًا آخر وهكذا. وهنا نزل قول الله عز وجل يقطع الطريق تمامًا على مثل هذه المفاوضات الطفولية: [قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] {الكافرون: 1- 6}.


    وهي المرة الوحيدة التي خاطب فيها الله عز وجل الكافرين بقوله: (يا أيها الكافرون)؛ وذلك ليقطع السبيل تمامًا على كل كافر من شأنه أن يساوم المؤمنين على أمر العقيدة، ومن ثَمَّ فقد أغلق الباب تمامًا على هذه المفاوضات الهزلية.




    انظر: تهذيب سيرة ابن هشام 1/105.

    سلاح الضعيف والتنكيل بالمؤمنين


    بعد ما سبق لم تجد قريش إلا أن تلجأ إلى السلاح المعتاد في أيدي أهل الباطل، وهو ملجأهم ومفزعهم حين يجدوا صلابة في الصف المؤمن، إنه سلاح الإيذاء والتعذيب والتنكيل.


    ولا شك أن هذا السلاح هو سلاح الضعفاء، وليس كما يظن البعض أن القوة كما هي ظاهرة في أيديهم وأنهم أقوى من المسلمين؛ إذ إنهم يخفون وراء سيوفهم ووراء سِياطهم يخفون ضعفًا شديدًا في نفوسهم، يخفون ضعفًا في العقيدة، وضعفًا في الإيمان، وضعفًا في الحجة والبرهان، وضعفًا في الحكمة والرأي، وضعفًا في الضمير، وضعفًا في الأخلاق.


    وإن سلوك التعذيب والبطش والظلم والإجرام هو منطق من لا منطق له، ولا نتخيل - مجرد التخيل - كيف لإنسان - أي إنسان - أن تقبل نفسه أو تقبل فطرته أن يرى إنسانًا يعذب أمامه، أو يشارك هو في تعذيبه، أو يأمر هو بتعذيبه! كيف انحطت البشرية إلى هذا المستوى المتدني من فساد الفطرة؟!


    إن الإنسان السويّ يكاد ينخلع قلبه حين يرى حيوانًا يتألم، فكيف بالإنسان؟!


    كيف لإنسان أن يصلب إنسانًا ثم يلهب ظهره بالسياط؟!


    كيف لإنسان أن يحبس إنسانًا بلا جريرة ولا ذنب؟!


    وإذا كان الإسلام قد حرّم على الإنسان أن يحبس هرة، فكيف بحبس الإنسان مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة في المال والأهل والولد نتيجة هذا الحبس الجزافي الجائر!!

    وقد حرم الإسلام على الإنسان أن يقذف طائرًا بحصاة قد لا تؤثر فيه لدرجة القتل؛ وذلك لما في هذا من تعذيب للطائر، وحرم الإسلام على الإنسان أن يشق على الحيوان في ذبحه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".


    هذا مع الحيوان الذي يذبح، فكيف بمن يصلب إنسانًا ثم يُلهب ظهره بالسياط؟!


    كيف بمن يُطفئ في جسد إنسان أعواد وأسياخ النار؟!


    كيف بمن يقلع أظافر إنسان وهو ينظر إليه، عينُه في عينِه؟!


    كيف بمن يحبس إنسانًا أيامًا وشهورًا بل وسنوات، مع كل ما يترتب على ذلك من أحداث وآلام لأسرته (زوجته وأولاده وأمه وأبيه) بلا جريرة ولا ذنب إلا كما قال الله عز وجل: [وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ] {البروج: 8}.


    ومهما كان من أمر فقد قست قلوب الكافرين وانطلقوا يفترسون المؤمنين والمؤمنات في نقطة سوداء في تاريخ البشرية كلها، حدثت في مكة وتتكرر اليوم وإلى يوم القيامة، يصدق فيهم قوله تعالى: [ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً] {البقرة: 74}.


    بلال وأَحدٌ أحدٌ، كان ممن تلظى بسلسلة مضنية من التعذيب وعلى يد أمية بن خلف. بلالُ بن رباح رضي الله عنه، حيث ذاق تعذيبًا بدنيًّا ومعنويًّا لا يكاد ينقطع.


    - كان أمية بن خلف يضع في عنقه حبلاً، ثم يأمر أطفال مكة أن يسحبوه في شوارعها وجبالها، حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه.


    - كان أيضًا يمنع عنه الطعام حتى يكاد يهلك جوعًا.


    - وكان يأخذه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على الصخور والرمال الملتهبة في صحراء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة لا يقوى على حملها إلا مجموعة من الرجال، فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى.


    ألم، وجراح، ودماء، وفي ذات الوقت كان من بلال صبر، وعزم، ويقين، بل وأمل في أن هذه - ولا شك - دورة سريعة من دورات الباطل، لا محالة تسلم الراية بعدها وفي النهاية للمؤمنين.


    كانت توجعات وآهات بلال في كل ذلك ليست إلا: أحدٌ أحدٌ.


    وحين سُئل: لماذا هذه الكلمة بالذات؟! أجاب: لأنها كانت أشد كلمة على الكفار، فكان رضي الله عنه يريد أن يغيظهم بها.


    وفي صبر عجيب ظل بلال رضي الله عنه في هذا التعذيب حتى اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أعتقه بعد ذلك.


    ومرت الأيام ونُسي الألم، ولكن بقي الأجر، فكانت قاعدة: يذهب الألم ويبقى الأجر إن شاء الله.


    صبرًا آل ياسر

    كان ياسر وزوجه سمية - رضي الله عنهما - والدا عمار بن ياسر رضي الله عنه، قد دفعهما القدر لأن يقعا تحت يدي رأس الكفر نفسه، أبي جهل لعنه الله، فعذبهما أبو جهل تعذيبًا شديدًا، وقد زاد العذاب وتجاوز الأمر الحدود حتى وصل إلى إزهاق أرواحهما، فقُتل ياسر، وقُتلت سمية رضي الله عنهما، قُتِلا في بيت الله الحرام جرَّاء التعذيب والتنكيل.


    ما ذنبهما أن يعذبا حتى تزهق أرواحهما؟! بأي ذنب قتلا؟!


    أريد أن يجيبني كل من سَلّح يده بكرباج أو سياط، ما ذنبهما؟! ما جريرتهما؟!


    اللهم ليس إلا [أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل: 56}.


    ومن أرض مكة إلى روضة من رياض الجنة كان قد طمأنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ".


    ستمر الأيام سريعًا، وستمر أيام القبر، قُتل ياسر وقُتلت سمية، ومن بعدهما قُتل أبو جهل، وترى من الفائز في النهاية؟ القاتل أم المقتول؟


    سيأتي يوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين، في هذا اليوم سيأتي كل الذين عذبوا المسلمين على مر العصور، يغمسون غمسة واحدة في نار جهنم، من بعدها بل وفي أثنائها سيكتشف هؤلاء الهمجيون - أمثال أبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة، وغيرهم ممن سار على نهجهم - أن العذاب الذي جربوه في الدنيا على غيرهم على عظمه ليس إلا أمرًا يسيرًا هيّنًا، بل لا يكاد يعدل شوكة.


    غمسة واحدة في نار جهنم ستنسيهم سعادة الدنيا جميعًا، فما البال بالخلود! وما الخطب بالعذاب المقيم في جهنم!


    وفي نفس الوقت سيأتي بلال وياسر وسمية ومن سار على نهجهم، والذين عُذبوا في سبيل الله، سيأتي هؤلاء ويغمسون غمسة واحدة في الجنة وسوف ينسون شقاء الدنيا كلها.


    أي جهل وغباء وحماقة يعاني منه أولئك المعذِّبون لغيرهم؟!


    [أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ] {المطففين: 4، 5}.


    [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ] {المؤمنون: 115}.


    في أي شرع، وفي أي ملة، وفي أي قانون يُعذب الإنسان للاعتراف بشيء ما، سواءٌ أكان فعله أم لم يفعله؟


    لكن هذا ما كان يحدث في مكة، وهذه هي سنة الحياة.


    خباب بن الأرت، وظهر مليء بالحُفَر

    صورة مشرقة أخرى من صور الصبر على التعذيب، كان قد رسمها خباب بن الأرَتّ رضي الله عنه. فقد كان المشركون يجرونه من شعره رضي الله عنه، وكانوا يضعونه على الفحم الأحمر الملتهب، ثم يضعون الصخرة العظيمة على صدره حتى لا يستطيع أن يقوم.


    وظل رضي الله عنه على هذا الحال حتى صار ظهره مليئًا بالحفر من الفحم الملتهب الذي كانوا يطرحونه عليه.


    صبر خباب وتحمل وما بدَّل وما غيَّر؛ فالطريق طويل وشاق، ولكن يذهب الألم ويبقى الأجر إن شاء الله.

    سنن الله عز وجل


    مثل ما سبق وكما حدث مع سمية حدث أيضًا مع زِنِّيرة والنهدية وابنتها وأم عبيس، رضي الله عنهن أجمعين. وقد تحولت مكة إلى سجن كبير تهان فيه الإنسانية، ويرتع فيه وحوش الكفر.


    وهنا يبرز سؤال يكاد يكون ملحًّا: ألم يكن ممكنًا أن يؤمن أهل مكة جميعًا ولا تحدث مثل تلك المجازر الضارية كتلك التي حدثت، ولا يعذب المؤمنون هذا التعذيب الشرس؟


    إن الله قادر على نصر المؤمنين دونما ألم، وقادر على هداية الناس أجمعين، فلماذا إذن هذا الإيذاء الوحشي؟


    وحقيقة الأمر أن هناك سنتين من سنن الله عز وجل تبرزان أمام أعيننا عند الإجابة على هذا السؤال.


    السُّنَّة الأولى:

    هي أن حرب الحق والباطل حرب حتمية، بمعنى أنه لا يوجد زمان يختفي فيه الباطل كُلِّيَّةً، ويصبح الحق مُمكّنًا دون منازع.


    وهي سنة من سنن الله عز وجل، يقول تعالى: [هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {التغابن: 2} .


    ويقول أيضًا: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ] {هود: 118}.


    فمهما فعل الدعاة، ومهما بذلوا من جهد، ومهما أتقنوا الإبلاغ، سيظل هناك كافرون ومحاربون للدعوة.


    مهما تغيرت الظروف، ومهما تغيرت الأزمنة، ومهما تغيرت الأمكنة سيظل هناك صدّ عن سبيل الله، وإذا فقه الدعاة هذه السُّنة فإنهم سيستريحون؛ لأنه لن تكون هناك مفاجأة، وإذا كان الأمر متوقعًا فإن الإنسان لا يصيبه الإحباط، بعكس من ينظر إلى الأمور بنظرة مثالية وردية غير واقعية؛ فإنه عندما يرى الناس يخالفون وينحرفون فإن ذلك سرعان ما يحبطه، فيدخله اليأس والفتور، وهذا داء خطير يصاب به كثير من المسلمين.


    السُّنة الثانية:

    وهي أن المؤمنين جميعًا سيبتلون، ولن ينجو أحد من هذا الأمر، ستبتلى الأمة المؤمنة بصفة عامة، وسيبتلى كل فرد من أفراد الأمة المؤمنة بصفة خاصة، ولن يكون هناك استثناءات،


    يقول تعالى: [أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت: 2، 3} .


    ويقول أيضًا: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ] {البقرة: 214} .


    ويقول عز وجل: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] {آل عمران: 142} .


    بل إنه كلما زاد إيمان المرء زاد بلاؤه واختباره؛ وقد روى الترمذي في ذلك عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ، فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

    الحكمة من الابتلاء


    إذا كان لا بد من الابتلاء، وإذا كان لا بد من الفتنة فما هي الحكمة من وراء كل ذلك؟ لماذا اقتضت سنة الله أن يُبتلى المؤمنون؟


    وفي معرض الإجابة على هذا السؤال، فإن هناك ثلاثة أسباب:


    السبب الأول: التنقية:

    ويقصد بها تنقية الصف المسلم، وانتقاء أصلح العناصر لحمل الأمانة؛ فما أسهل أن يقول المرء بلسانه آمنت وصدقت وأيقنت، لكن ما أصعب العمل!


    فلا بد من اختبار لصدق الكلام، ولا بد من الابتلاء لتنقية الصف المسلم من المنافقين، مصداقًا لقوله تعالى: [وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ] {العنكبوت: 3}.

    السبب الثاني: التربية:

    فالله سبحانه وتعالى يريد لهذه الأمة أن تقود العالمين، وحمل الأمانة بحاجة إلى رجال من نوع خاص، تمرسوا على شتى أنواع المصاعب. وقيادة العالمين تحتاج إلى طراز فريد لا يهتز أمام العواصف ولا يرضخ أمام الأهوال.


    والابتلاء يربي الصف المؤمن فيجعله يُعلي قدر الله ويستهين بأعدائه، حيث الابتلاء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنين، يرتفع بمستواهم يومًا بعد يوم، وكلما عظمت مهام المؤمن ازداد بلاؤه فيزداد إعداده، تمامًا مثل الذهب حين توقد النار من تحته، فإنه سرعان ما يخرج أنقى مما كان.


    وإن هذا ليرفع كثيرًا من قيمة الدعوة في عين المسلم، فعلى قدر تضحيته يُقدّر الشيء الذي يُضحي من أجله.


    السبب الثالث: التزكية:

    وهي التطهير من الذنوب والخطايا، فالابتلاء يُكفر الذنوب ويرفع الدرجات، وأحيانًا يحب الله عبدًا ويريد أن يرفعه إلى درجة عالية، وهذه الدرجة لا يبلغها بعمله، فيكون أن يبتليه الله عز وجل فيصبر فيبلغ الدرجة العالية.


    وقد روى البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ (تعب) وَلاَ وَصَبٍ (مرض) وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".

    وسائل زرع الصبر في قلوب المؤمنين

    الوسيلة الأولى: تعظيم قدر الله عز وجل


    فإن من عظُم قدر الله عز وجل في قلبه فمن غير الممكن أن يهمه أي ألم قد يمر به، ومن هنا تحدث القرآن المكي كثيرًا على تعظيم قدر الله عز وجل، فتحدث عن صفاته سبحانه وتعالى، وجبروته وعظمته وقدرته.


    تحدث القرآن عن أن الله عز وجل بيده كل شيء، وأنه لو كان سيصيبك بضرٍّ فلا بد أن يصيبك، ولو اجتمع أهل الأرض آنذاك لحمايتك فلن ينفعوك، وعلى العكس من ذلك فلو أراد الله عز وجل لك رحمة فلا بد أن تحصل لك، حتى ولو اجتمع أهل الأرض على أن يمنعوها عنك.


    يقول عز وجل في سورة الأنعام، وهي مما نزل في مكة: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {الأنعام: 17}.


    فمن يصدق بهذه الكلمات سيعلم أن نصيبه من الألم لن يفوته، وأنه سيأخذه حتمًا ولا محالة؛ لأن الله عز وجل هو الذي أراد أن يقع ذلك الألم، يقول تعالى: [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ] {الأنعام: 18}.


    وقد كتب الله على كل منا نصيبه من الألم، سواءٌ أكان ظالمًا أم مظلومًا، وسواء أكان كافرًا أم مؤمنًا، وإن لم يأخذ نصيبه هذا تعذيبًا في سبيل الله، فحتمًا سيأخذه شيئًا آخر، كمرض أو هَمٍّ أو غيره، يقول تعالى: [لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ] {البلد: 4}.


    ومن الممكن أن يكون نصيبه من الألم معنويًّا، وأحيانًا يكون هذا الألم المعنوي أشد بكثير من الألم المادي، كمن أصيب - مثلاً - بولد فاشل، أو مدمن للمخدرات، أو لص، أو عاق لوالديه، أو معدوم التربية والأخلاق. أو من أصيب بزوجة وقد جعلت حياته ضنكًا وجحيمًا لا يطاق، حتى وإن كان يُظهر أمام الناس أنه سعيد أو ممكّن في الأرض، فكل الناس يشعرون بالألم، يقول تعالى: [إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] {النساء: 104}.


    فالمسلم يُبتلى ويعذب كل هذا التعذيب، ثم هو يصبر عليه لأنه ينتظر في النهاية جنة ونعيمًا، أما الظالم فإنه يعذب في الدنيا وبالطريقة التي أرادها له سبحانه وتعالى، وفوق ذلك فهو ينتظر في آخرته أيضًا جهنم وعذابًا أليمًا!


    ومن هنا فحين يعظم المؤمن قدر الله سبحانه وتعالى، فإنه - لا شك - ستهون عليه التضحية في سبيله، وأول شيء يجب معرفته لتعظيمه سبحانه وتعالى هو أن نعلم أن كل شيء بيده، وأن كل ما قدره عز وجل لا بد أن يحدث، سواءٌ أكان ميسرة ونعمة أم مشقة ونقمة.


    ولنتأمل جيدًا هذه الآيات المكية، يقول تعالى: [قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لاَ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ] {الأنعام: 19}.


    ويقول أيضًا: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ] {الأنعام: 59- 62}.


    ويقول أيضًا: [وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ] {الأنعام: 73}.


    ولننظر إلى ذلك الصحابي الذي يستمع إلى هذه الآيات وأمثالها، فيعلم أن هذا الإله الذي له هذه الصفات يقف بجواره، ويبارك خطواته، ويرعاه ويحفظه، ويعلم تمام العلم ما يحدث للمؤمنين من تعذيب، ثم هو يؤجل هلكة الكافرين لحكمة، ويؤجل نصرة المؤمنين لحكمة أيضًا يعلمها.


    لننظر إلى ذلك الصحابي وهو يقرأ ويعي قوله تعالى: [وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزُّمر: 67}.


    كم من المرات قرأنا هذه الآية أو استمعنا إليها، لكن تُرى كم من المرات عشنا فيها ووعيناها؟!


    نتخيل أن الأرض بكاملها في قبضة الله عز وجل، الأرض بكاملها، بما عليها من بشر ومخلوقات أخرى، وما عليها من طائرات ودبابات وبوارج، وما عليها من أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية، وما عليها من أناس يخططون ويدبرون ويكيدون.


    ولنلاحظ لفظة (قبضته) وما تلقيه في القلب من رهبة وسيطرة، وقدرة وهيمنة وجبروت، هذا الإله الذي هو بهذه الصفة العظيمة هو إلهنا الذي نعبده، وأولئك الأقزام الذين يحاربون الدعوة يحاولون أن يخرجوا عن سلطانه وعن حكمه فكيف ذلك؟!


    يقول تعالى: [يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ] {الرَّحمن: 33} .


    ومن هنا فكلما عظُم قدر الله عز وجل في أعين وقلوب المؤمنين هانتْ عليهم صعاب الدنيا، وكلما استصغروا أعداء الله، وكلما تحملوا الأذى والتعذيب والتشويه، بل والموت، طالما هو في سبيل الله.

    الوسيلة الثانية: رفع قيمة الآخرة


    ويُعدّ هذا الأسلوب من أروع الأساليب في تربية الصف المؤمن على التحمُّل والجلد والصبر
    .

  10. #10

    الصورة الرمزية نورالعين
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    أحلامـــــــــــــــــــي
    المشاركات
    4,565
    معدل تقييم المستوى
    327

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    اسمحوا لي أن أقدم لكم هذا الرابط
    عن اللحظات الأخيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
    وأرجو لكم الافادة





  11. #11

    الصورة الرمزية ألاسير
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    In heart my mother
    العمر
    34
    المشاركات
    7,091
    معدل تقييم المستوى
    351

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    مشكووووووره اختي نور العين علا هاذا الموضوع الجميل

    وانشا الله اكون من المشاركين في هاذا الموضوع

    تحياتي اخوك الاسير

  12. #12
    عضو في الفريق الإسلامي
    الصورة الرمزية سفير
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    1,972
    معدل تقييم المستوى
    234

    رد: أكثر مواقف النبي تأثيراً في نفسك !* شاركوا معانا لإحياء السيرة النبوية؟

    العفووا اخي الاسير منور الصفحه بطلتك
    حياك الله
    بارك الله فيك
    دمت بحفظ الله ورعايته

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. برنامج السيرة النبوية بشكل شامل ومشوق
    بواسطة د فيروزة فلسطين في المنتدى ملتقى الرقميات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-08-2013, 08:50 PM
  2. وأخيرا.. السيرة النبوية باللغة الروسية
    بواسطة أخبار موقع روسيا اليوم في المنتدى ملتقى الأخبار والمنقول
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-02-2010, 05:40 PM
  3. السيرة النبوية الشريفة باللغة الروسية لأول مرة
    بواسطة أخبار موقع روسيا اليوم في المنتدى ملتقى الأخبار والمنقول
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-01-2010, 08:40 PM
  4. علِّم نفسك السيرة النبوية
    بواسطة Aqobaty في المنتدى ملتقى حياتنا الدينية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-02-2006, 07:09 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •