كنت أشاهد قبل أيام نشرة الأخبار في قناتنا الفضائية وبجواري شيخ عجوز، وكانت القناة حينها تبث خبرا للأستاذ عبد القادر باجمال رئيس الوزراء، في افتتاح الورشة الإقليمية للحكومة الإلكترونية بصنعاء.
عند سماعه كلمة (الحكومة الإلكترونية) على لسان باجمال، انفجر الشيخ ضاحكا وقال "لم نفلح بالحكومة البشرية، فكيف سنفلح بحكومة إلكترونية من صنع البشر". اندهشت لتأويله للموضوع وسألته ماذا فهمت من مضمون الحكومة الإلكترونية؟ فقال "سيعطونا رجّال آلي (روبوت) ويعّينوه بدلا عن الأستاذ باجمال، كما سيتم تعيين وزراء له من نفس الفصيل الإلكتروني".
ولماذا سيتم ذلك؟ "ربما للقناعة التي وصلت إليها الدولة بأن الحكومة البشرية أصبحت عاجزة عن تسيير الأمور، بسبب استشراء الفساد، وبسبب كثرة احتياجاتها ومطالبها من سيارات ومرتبات عالية وبدل سفر وبدل علاج وبدل خدامات أجنبيات وبدل تحسين وضع وبدل... و... و... إلخ".
لكن هذا مش ممكن، فلم يتم تطبيق هذا النوع من الحكومات في أي بلد في العالم بما فيها البلدان المتقدمة التي صنعت هذا الرجل الآلي المسمى (الروبوت). "يا راجل لماذا أنت متشائم إلى هذا الحد، من عدم إمكانية إحداث نقلة نوعية في حكومتنا؟ ألسنا مؤهلين للتمتع بحكومة إلكترونية تنقلنا إلى عالم آخر غير ما نحن فيه الآن"؟
كلامك غير منطقي ولا يمكن أن يخطر على بال أحد ولست أدري من أين أتيت بهذه الفكرة التي لو سمعها الأستاذ باجمال لألغى مشروع الحكومة الإلكترونية ولحرمنا من خيراته الوفيرة. "لعلمك ليست هذه الفكرة هي التي حيرّتني ولكن ما بعدها". كيف؟ "أخشى لو طلع الروبوت أو الرجّال الآلي كثير هدره -كلام- فإنه سيخسرنا كثيرا قيمة البطاريات التي ستشغله وستحرك سكناته، وقد تتجاوز هذه التكاليف ما تنفقه الحكومة الآن على وزرائها البشر".
ختمت حديثي معه بالقول: شكلك يا صاحبي خزّنت اليوم بقات هرري، فجّر لديك عناصر الإبداع؟.
كانت هذه مجرد خاطرة عابرة حول الحكومة الإلكترونية، من عجوز فهم الواقع بلغته التي يفهمها، ولست أدري كيف فهمها الآخرون، فقد يكون لديهم من الإبداعات والتبدّاع ما يفوق خياله العلمي الواسع.
قد يكون معهم بعض الحق، لأنهم جزء من مجتمع لا زالت أولوياته تتركز في كيفية الحصول على لقمة العيش وفي إمكانية الحصول على مسكن يمكنهم من الانتساب لهذا الوطن.. مجتمع لا زال يصعب عليه تخطي هذا الواقع إلى ما هو أبعد من ذلك.
كما أنه مجتمع لا زال جُلّه لا يفقه أبجدية الحروف العربية، ناهيك عن أبجدية اللغة الإلكترونية وأخواتها.. مجتمع لم يستوعب حتى الآن الآليات التقليدية العتيقة لمجريات العمل الإداري، فكيف سيستوعب التعامل التقني مع الكومبيوتر في مختلف مناحي الحياة.
ليست هذه دعوة للتخلف وللإبقاء على حالنا على ما هو عليه ولكنها اعتراف بأننا لازلنا دون هذا الطموح، وبأن المشوار لا زال طويلاً أمام الحكومة للوصول إلى هذا المستوى المتقدم بدليل عدم نجاح العديد من المشاريع التقنية الحكومية.
Bookmarks