في مقالة نشرتها مجلة العربي أواخر العام 1978 بقلم رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ أحمد بهاء الدين، وكان عنوانها (المائة الأوائل) تحدث فيها رحمه الله عن كتاب قال إنه صدر حديثاً في الولايات المتحدة، وعَمَدَ مؤلفه (الدكتور مايكل هارت) الى تحديد وترتيب أكثر مائة شخصية أثرت في تاريخ البشرية وفقاً لدراساته وآرائه.
مؤلف الكتاب (الدكتور مايكل هارت) واحد من علماء الفضاء، وقد اشتغل في عدة وظائف وتقلد مراكز تتعلق بهذا الحقل في الولايات المتحدة . علماً بأنه يحمل شهادات في الرياضيات والقانون والفيزياء والفلك من جامعات عريقة، إضافة الى اهتمامه بقراءة التاريخ والفلسفة والأدب . ويبدو أن هذا التكوين العلمي لعقلية الرجل قد صبغتْ دراسته للشخصيات المؤثرة في التاريخ واختياره للمائة الأكثر تأثيراً من بينهم، بحيث ظهرت في كتابه سعة الأفق، والقدرة على تفهّم وجود حضارات أخرى في العالم غير حضارته، ولذلك فقد اشتمل الكتاب على ذكر تأثير شخصيات هندية وصينية وعربية ومنغولية وإفريقية وأوروبية وأمريكية شمالية وجنوبية في حياة البشرية جمعاء، ولعل هذا المنهج من التفكير المنفتح والموضوعي هو ما تحتاج إليه بشدة المجتمعات التي تظن نفسها دائماً مركز الكون، ولا تتحدث عن إبداع أو اكتشاف أو اختراع أو خُلُق حسن أو فكر رائع إلا وتدّعي أنها كانت الأسبق إليه تاريخياً، بينما لا يدل واقعها على شيء من ذلك أبداً، وبحيث يطغى هذا المنهج السطحي الضيق الذي ينكر الآخر على تفكير خاصّتهم وعامّتهم على حد سواء .
على أية حال، اختار الكاتب شخصياته المائة وفقاً لعمق تأثيرها واتساعه وامتداده، أي وفقاً لفاعليتها، سواء أكان هذا التأثير ايجابياً أم سلبياً، وقد اشتملت الشخصيات المائة سبعاً وثلاثين شخصية أبدعت في مجال العلوم والاختراعات، وثلاثين شخصية من القادة السياسيين والعسكريين، وأربع عشرة شخصية من الفلاسفة والمفكرين، وإحدى عشرة شخصية من الزعماء الدينيين، وست شخصيات فنية وأدبية، واثنين من المكتشفين .
في المجال الديني اختار الكاتب شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووضعه في المرتبة الأولى بين المائة شخصية من حيث التأثير، واعتبره الأكثر نجاحاً على الصعيد الديني والدنيوي ومن حيث امتداد واتساع الأثر، وفي المجال الديني ذاته اختار كذلك السيد المسيح عليه السلام، وأشار لسعة وعمق تأثيره في الحياة الأخلاقية والروحية، كما اختار بوذا، وكنفوشيوس، والقديس بولس، وسيدنا موسى عليه السلام، ومارتن لوثر، ولاوتزو (مؤسس الطاويه) وماني (مؤسس المذهب المانوي) وزرادشت، وماهافيرا (مؤسس المذهب الياني في الهند) .
ومن الذين اختارهم المؤلف ووضعهم بين المائة، واعتبرهم الأكثر تأثيراً، ممن عملوا في مجال العلوم والاختراعات: نيوتن، وجوتنبرغ، وانشتاين، وباستور، وجاليليو، وداروين، وجيمس واط، وفاراداي، وماكسويل، والاخوين رايت، ولافوزييه، وفرويد، وأديسون، ومندل، وفان ليفون هوك، وماركوني، وجراهام بل، وغيرهم .
أما على صعيد القادة والسياسيين فقد ذكر الكاتب فيمن ذكر : ماوتسي تونج، وجنكيز خان، وجورج واشنطن، والاسكندر، ونابليون، وهتلر، وسيمون بوليفار، وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ويوليوس قيصر، وستالين، والملكة اليزابيث الأولى، وجون كندي، وشارلمان، وكورش، ومينا، وجوستنيان، وسواهم .
وعلى صعيد الفلسفة والفكر والأدب والفن ذكر : أرسطو، وإقليدس، وشكسبير، وآدم سميث، وأفلاطون، وجون لوك، ومايكل أنجلو، وديكارت، وجان جاك روسو، وباخ، وتوماس مالتوس، وفرانسيس بيكون، وفولتير، وميكافيللي، وبيكاسو، وسواهم .
ولعل ما يلفتُك في الكتاب ويستوقفك تلك الأسماء التي لم يسمع بها معظم الناس، رغم أنه كان لأصحابها تأثير كبير في تاريخ البشرية لم يُغفِله الكاتب، ومن هؤلاء مثلاً العالم الصيني (تسايلون) الذي اخترع الورق قبل نحو ألف وتسعمائة عام، فاعتبره المؤلف سابع أكثر شخصية أثرت في التاريخ البشري، وأحسبه مُحقّاً في ذلك إذا تَفكّرنا في أثر الورق في نشر العلم والثقافة والأدب والحضارة عبر التاريخ . ومن هؤلاء أيضاً (وليم مورتون) المتوفى سنة 1868 وهو أول من اخترع التخدير (البنج) فوضعه المؤلف في المرتبة السادسة والخمسين من المائة، ولنا أن نتصور ألم العمليات الجراحية أو حتى ألم مجرد خلع الأضراس لولا اختراعه هذا، وكذلك الجراح (جوزيف ليستر) مخترع التطهير في العمليات الجراحية، و(لويس داجوري) مخترع التصوير الشمسي (ولونراد روتنجن) مكتشف الأشعة السينية، وسواهم ممن لم نكد نسمع بهم من بين المشاهير، لكننا قد لا نتصور التقدم في حياتنا لولاهم .
لفتني كذلك الحال أن كثيراً من هؤلاء المائة المؤثرين فعلاً في تاريخ البشرية بفاعليتهم وجهدهم وعبقريتهم، لم يلقوا النجاح في حياتهم أو في ختامها، فتسايلون مخترع الورق مثلاً مات منتحراً في شبابه، و(جوتنبيرغ) مخترع آلة الطباعة تمت مصادرة آلة طباعته لصالح دائنيه، و(لافوازييه) أهم عالم في مجال تطوير الكيمياء ومكتشف تركيب الماء والهواء أُعدم بالمقصلة في فرنسا سنة 1794 (في عهد نابليون)، والمصلح الديني (مارتن لوثر) تم إحراقه، ومخترع البنج (مورتون) مات فقيراً في التاسعة والأربعين من عمره، بعد أن سُرِق اختراعه، وجاليليو اضطروه وهو في سن متقدمة أن يتنكر أمام الناس لآرائه المتعلقة بدوران الأرض حول الشمس لكي يتلافى الإعدام
Reply With Quote
.gif)
(( أحبكم في الله )) 
Originally Posted by ســـامح
Bookmarks