كتبت هذه القصيدة إلى كل مواطن يمني
ترك خلفه أرض طيبة اوصاه بها اجداده الكادحون
ليجد نفسة في غربة غير منتهية
شعر/عمر محمد إسماعيل 29/10/2008م
في ليلة شتوية صاقعة
استفزتني وسوستي اللعينة الطامعة
قائلة:من أنت أيها الراعي المتقدم في السن؟
لست سوى فلاح عجوز
تساقطت أسنانه
وانطفأت أضواء أهدابه الساطعة
تندب في الحقل حظك العاثر
وتلعن سنوات عمرك الضائعة
تداعب في عز الظهيرة سنابلك اليابسات
قبل أن تطعمها بقراتك الجائعة
لست سوى رجل متعب كادح
تعجن تراب الأرض
بعرق جبينك المالح
تصافح أشجارها بيدٍ
يابسة،متصدعة
تقلب بين يديك أغصانها
وتنبش أوراقها باحثاً
عن ثمرة ليمون يانعة
فيخذلك حظك كعادته
وتخذلك بقية أشجار المزرعة
فتخاطب نفسك سراً..
ماذا قدمت لك هذه الأرض القاحلة
فلطالما غرست بذورك في رحمها العاقر
ولطالما اعتنيت بترابها
مذ كنت غلاما في سنتك السابعة
وتكرر نفس السؤال على مسمعك
ماذا قدمت لك هذه الأرض القاحلة
ولا تجد ...نصف إجابة مقنعة
فتعقد العزم على تركها
وتنوي الرحيل إلى أرض الإله الواسعة
على ظهر حمار بعمرك أنت
ترمي عليه جسدك المتعب
وترهقه بثقل الحقائب والأمتعة
تودع قريتك ..
تلك الغزالة النائمة
وراء جبالٍ أربعة
تعانق دارك الحجري ...لتودعه
تودع بناتك الخمس
وتسافر شطر المدينة...
ثمان ليال متتابعة
تاركا ورائك..أرض
طلعت كزنبقة من طينها
لتجد نفسك ضائعا..
في أزقة مدينة ضائعة
لتجد نفسك مبعثرا
على أرصفة طرقاتها
تتقاذفك عجلات عرباتٍ مسرعة
لتجد نفسك مرميا
في زحمة شوارع ٍ
عشوائية، متقاطعة
لتجد نفسك مفقودا
ما بين وجوه عاجية
ودمىً خشبية مُصنعة
فتصرخ بأعلى صوتك باكيا
وتُطلق في قلب المدينة صرخة موجعة
ماذا فعلتِ بي أيتها المدينة الضائعة
ماذا فعلت بي أيتها الوساوس الطامعة
فقد كان عندي حبيبة قلب..
كرائحة صدر أمي رائعة
قد كان عندي ارض طيبة
تطعمني..
وتطعم بقراتي الجائعة
كنت استيقظ حين يؤذن الديك
في باحة الدار فجرا
عند تمام الساعة الرابعة
لأحرثها..
ولأنتشي برائحة تربتها الممتعة
اقبلها ....اقبل أحجارها
احتضنها... واحتضن أشجارها الراكعة
كنت اخرج من مخدعي باكرا
لاكون أول الواصلين
إلى بئر قريتنا النابعة
القي بدلوي في قاعها
لأروي ضما الأرض..
واسقي أعشابها الطالعة
والآن أصبحت مبعثرا
اصرخ في وجهي بلهجة لاذعة
من أنت أيها المجهول بلا وطن
من أنت أيها المدفون بلا كفن
من أنت أيها المبحر في إقليم الحضارة
بلا زورق...بلا أشرعة
من أنت في دفاتر الأرقام المبهمة؟
من أنت في عصر البورصة والعولمة؟
ومن أنت في قائمة الأسماء اللامعة
من أنت في زمن الزيف والأقنعة
من أنت أيها الغريب..
القادم من صومعة
من أنت؟!
من أنت؟!
أريد إجابة مقنعة
من أنت؟!
طفل متشرد يبحث عن كرتون..
يتقمص في جوفه
ليحميه من وحشة الليل المفزعة؟
غجري يفتش برميل قمامة
ليقيه من سياط جوعه الموجعة؟
منبوذ يبحث بين الخرائط عن موقعه؟
جاهل يحمل في يده علامة استفهام كبيرة
يضعها فوق صلعته كالقبعة؟
لست إلا نقطة حبر
أسقطتها بين سطور الجريدة
أعين الطابعة
لست سوى كادح يمارس مهنة الفقر
ويتقنها بطريقة ٍ بارعة..بارعة
لست سوى رجل ضائع
في أزقة مدينة ضائعة
لست سوى قصاصة ورق
تترامى من حضن زوبعة ..إلى زوبعة
لم يبقى في الأرض رجل احمر
أو اسود أو اسمر
أو ابيض أو اصفر
إلا..وجمع نجوم السماء في كفه
وحرك ماء البحار بإصبعه ْ
وأنت يا جسدي النحيل
بقيت كالسلحفاة حبيسا في قوقعة ْ
يموت غيرك من تخمة ٍ
ويشكو سواك من ثـُقل كروشهم المترعة ْ
وأنت الضعيف الوحيد الذي
بسيف الجوع..لاقى مصرعه ْ
تتضجر الجلود من ارتداء الحرير
وليس لديك سوى ثوب بالي قصير
كل زاوية فيه.. مرقعة ْ
حتى عمامتك بالية
حتى نعالك مرقعة ْ
كل أزرار قميصك مخلوعة
وجميع جيوبك... مقطعة ْ
فعد إلى رائحة الحقل..
عد إلى سنابل المزرعة
فلقد تركت خلفك ارض
أوصى بها أجدادك الكادحون
تركتها وراء الجبال حبيبتك الرائعة
تركتها...كطفلة في الطرقات
ملقاة على القارعة
أوصيك بالأرض خيرا يا جسدي
فعد إلى زوجتك الطيبة الطائعة
وعند باب الدار ستستقبلك بناتك الخمس
وبقوة ستحتضنك طفلتك الرابعة
Bookmarks