في الذكرى الثامنة والعشرين لرحيل جمال عبد الناصر، تبرز الحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة لمرحلة من أهم مراحل التاريخ العربي، وهي تلك التي تبدأ مع انبثاق ثورة 23 يوليو/ تموز ،1952 وإلى حين وفاته، ثم المرحلة اللاحقة التي تبدأ بوفاته وصولاً إلى اللحظة الراهنة لمعرفة المآل الذي وصلت إليه الأمة العربية من انحطاط وانكسار وتذرر.
في سنوات حضوره على الساحة، كان التاريخ العربي محملاً بالآمال والطموحات، فالمدّ القومي بلغ ذروته، والصراع مع أعداء الأمة والطامعين بثرواتها وموقعها كان مفتوحاً ومكشوفاً وممتداً على مختلف الساحات من المحيط إلى الخليج. وكانت قيادته لحركة التحرر العربي قد أذنت بأفول الاستعمار، والمجابهة مع العدو الصهيوني اتخذت شكلها الطبيعي والحقيقي على أنها حرب وجود وليست حرب حدود، وانفتحت كل آفاق الصراع ضد الصهيونية والاستعمار على كل الميادين وفي مشارق الأرض ومغاربها، بحيث كانت الألوان واضحة المعالم والساحات واضحة التضاريس، ومثلها الأصدقاء والأعداء. فلا ألوان رمادية، ولا اختباء وراء الأصابع، فالعدو واضح، والصديق كذلك.
ورغم تعاظم المؤامرات والمجابهات، نجح عبد الناصر في الصمود وكسب المعارك العسكرية والاقتصادية والتنموية والقومية، فحقق الإصلاح الزراعي وأمم قناة السويس وأقام القاعدة الصناعية وبنى السد العالي وجابه العدوان الثلاثي، ودعم حركات التحرير العربية والعالمية، وأقام أول وحدة عربية في التاريخ الحديث.
وكانت هزيمة 1967 رغم مرارتها وقساوتها، منعطفاً حاسماً في إعادة تشكيل الجيش المصري وتدريبه وتزويده بأحدث الأسلحة، وخاض به معركة الاستنزاف البطولية التي مهدت لحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 التي كانت ملحمة أسطورية في تاريخ المعارك العسكرية، حيث أثبت الضابط والجندي في كل من مصر وسوريا القدرة على التفوق واجتياز كل العقبات وعبور كل الموانع الطبيعية والصناعية وتحرير أجزاء كبيرة من سيناء والجولان لولا أن دخلت السياسة والحسابات والمساومات في الحرب التي تحولت من حرب تحرير إلى حرب تحريك وانكفاء.
الإطلالة من شرفة الحاضر إلى تلك المرحلة، تظهر كيف صار حال الأمة، وكيف انقلبت حالها، فتحولت على يد النظام العربي القائم، إلى أمة منهكة القوى، تنفض يدها من واجباتها القومية وحتى الوطنية، وتتخلى عن أبسط عوامل قوتها، بعد أن أعطبت بوصلتها، وفقدت مناعتها القومية.
منقول
Bookmarks