Page 15 of 17 FirstFirst ... 5121314151617 LastLast
Results 169 to 180 of 201

Thread: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

  1. #169

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    أنواع الكفار من حيث التوبة


    {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(86)أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(87)خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ(88)إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(89)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ(90)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(91)}


    {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} استفهام للتعجيب والتعظيم لكفرهم أي كيف يستحق الهداية قوم كفروا بعد إِيمانهم {وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ} أي بعد أن جاءتهم الشواهد ووضح لهم الحق أن محمداً رسول الله {وَجَآءهُمْ الْبَيِّنَاتُ} أي جاءتهم المعجزات والحجج البينات على صدق النبي {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي لا يوفقهم لطريق السعادة، قال الحسن: هم اليهود والنصارى رأوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وشهدوا أنه حق فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب فكفروا بعد إِيمانهم .

    {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي جزاؤهم على كفرهم اللعنة من الله والملائكة والخلق أجمعين {خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أي ماكثين في النار أبد الآبدين، لا يُفتّر عنهم العذاب ولا هم يمهلون {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} أي إِلا من تاب وأناب وأصلح ما أفسد من عمله {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي متفضل على من تاب بالرحمة والغفران {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} نزلت في اليهود كفروا بعيسى بعد إِيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفراً حيث كفروا بمحمد والقرآن {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أي لا تقبل منهم توبة ما أقاموا على الكفر {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ} أي الخارجون عن منهج الحق إِلى طريق الغي.

    ثم أخبر تعالى عمّن كفر ومات على الكفر فقال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} أي كفروا ثم ماتوا على الكفر ولم يتوبوا وهو عام في جميع الكفار {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ} أي لن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم موجع {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} أي ما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابه.





    النفقة المبرورة وجزاء الإنفاق


    {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(92)}


    {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} أي لن تكونوا من الأبرار ولن تدركوا الجنة حتى تنفقوا من أفضل أموالكم {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} أي وما تبذلوا من شيء في سبيل الله فهو محفوظ لكم تجزون عنه خير الجزاء.

  2. #170

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    الردّ على اليهود في تحريم بعض الأطعمة


    {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَآئِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(93)فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(94)قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(95)}


    {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَآئِيلَ} أي كل الأطعمة كانت حلالاً لبني إسرائيل {إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَآئِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} أي إلا ما حرّمه يعقوب على نفسه وهو لحم الإِبل ولبنها ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة كالشحوم وغيرها عقوبةً لهم على معاصيهم {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} أي كانت حلالاً لهم قبل نزول التوراة {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي قل لهم يا محمد ائتوني بالتوراة واقرؤوها عليَّ إن كنتم صادقين في دعواكم أنها لم تحرم عليكم بسبب بغيكم وظلمكم، وقال الزمخشري: وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصدّ عن سبيل الله فلما حاجّهم بكتابهم وبكتّهم بهتوا وانقلبوا صاغرين ولم يجسر أحد منهم على إخراج التوراة، وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي اختلق الكذب من بعد قيام الحجة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} أي المعتدون المكابرون بالباطل.

    {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} أي صدق الله في كل ما أوحى إلى محمد وفي كل ما أخبر {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي اتركوا اليهودية واتبعوا ملة الإِسلام التي هي ملة إبراهيم {حَنِيفًا} أي مائلاً عن الأديان الزائفة كلها {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} برأه مما نسبه اليهود والنصارى إليه من اليهودية والنصرانية، وفيه تعريض بإشراكهم
    .






    منزلة الكعبة المشرَّفة وفريضة الحجّ


    {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97)}


    {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} أي أول مسجد بني في الأرض لعبادة الله المسجد الحرام الذي هو بمكة {مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} أي وضع مباركاً كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره، ومصدر الهداية والنور لأهل الأرض لأنه قبلتهم، ثم عدد تعالى من مزاياه ما يستحق تفضيله على جميع المساجد فقال {فِيهِ ءايَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي فيه علامات واضحات كثيرة تدل على شرفه وفضله على سائر المساجد منها {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، وفيه زمزم والحطيم، وفيه الصفا والمروة والحجر الأسود، أفلا يكفي برهاناً على شرف هذا البيت وأحقيته أن يكون قبلة للمسلمين؟ {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا} وهذه آية أخرى وهي أمن من دخل الحرَم بدعوة الخليل إبراهيم {رب اجعل هذا البلد ءامناً}.

    {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} أي فرضٌ لازم على المستطيع حج بيت الله العتيق {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} أي من ترك الحج فإن الله مستغنٍ عن عبادته وعن الخلق أجمعين، وعبّر عنه بالكفر تغليظاً عليه، قال ابن عباس: من جحد فريضة الحج فقد كفر والله غني عنه.

  3. #171

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    إصرار أهل الكتاب على الكفر وصدهم عن سبيل الله


    {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ(98)قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(99)}


    ثم أخذ يبكّت أهل الكتاب على كفرهم فقال {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} أي لم تجحدون بالقرآن المنزل على محمد مع قيام الدلائل والبراهين على صدقه {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} أي مطلع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي لم تصرفون الناس عن دين الله الحق، وتمنعون من أراد الإِيمان به؟ {تَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي تطلبون أن تكون الطريق المستقيمة معوجّة، وذلك بتغيير صفة الرسول، والتلبيس على الناس بإيهامهم أن في الإِسلام خلالاً وعوجاً {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} أي عالمون بأن الإِسلام هو الحق والدين المستقيم {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} تهديد ووعيد، وقد جمع اليهود والنصارى الوصفين: الضلال والإِضلال كما أشارت الآيتان الكريمتان فقد كفروا بالإِسلام ثم صدّوا الناس عن الدخول فيه بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من الناس.




    الحفاظ على الشخصية الإسلامية باتِّباع هدي الإسلام


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(100)وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)}


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} أي إن تطيعوا طائفة من أهل الكتاب {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} أي يصيرّوكم كافرين بعد أن هداكم الله للإِيمان، والخطاب للأوس والخزرج إذ كان اليهود يريدون فتنتهم كما في سبب النزول، واللفظ في الآية عام.

    {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إنكار واستبعاد أي كيف يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله لا تزال تتنزّل عليكم والوحي لم ينقطع ورسول الله حيٌ بين أظهركم؟ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي من يتمسك بدينه الحق الذي بيَّنه بآياته على لسان رسوله فقد اهتدى إلى أقوم طريق، وهي الطريق الموصلة إلى جنات النعيم .

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أي اتقوا الله تقوى حقة أو حق تقواه، قال ابن مسعود: "هو أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر" والمراد بالآية أي كما يحق أن يتقى وذلك باجتناب جميع معاصيه {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي تمسكوا بالإِسلام وعضوا عليه بالنواجذ حتى يدرككم الموت وأنتم على تلك الحالة فتموتوا على الإِسلام والمقصود الأمر بالإِقامة على الإِسلام .

    {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} أي تمسكوا بدين الله وكتابه جميعاً ولا تتفرقوا عنه ولا تختلفوا في الدين كما اختلف من قبلكم من اليهود والنصارى {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي اذكروا إنعامه عليكم يا معشر العرب {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} أي حين كنتم قبل الإِسلام أعداء ألداء فألف بين قلوبكم بالإِسلام وجمعكم على الإِيمان {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} أي وكنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم فأنقذكم الله منها بالإِسلام {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ} أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر الآيات {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي لكي تهتدوا بها إلى سعادة الدارين.

  4. #172
    مس جيجي's Avatar
    Join Date
    Feb 2008
    Location
    In the MidLand
    Posts
    12,663
    Rep Power
    672

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم


    وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104)
    ولتكن منكم -أيها المؤمنون- جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف* وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهى عن المنكر* وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم.

    وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
    ولا تكونوا -أيها المؤمنون- كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرَّقوا شيعًا وأحزابًا* واختلفوا في أصول دينهم من بعد أن اتضح لهم الحق* وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع.

    يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)


    يوم القيامة تَبْيَضُّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله* وامتثلوا أمره* وتَسْوَدُّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله* وعصوا أمره. فأما الذين اسودَّت وجوههم* فيقال لهم توبيخًا: أكفرتم بعد إيمانكم* فاخترتم الكفر على الإيمان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم.

    وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)
    وأما الذين ابيضَّتْ وجوهم بنضرة النعيم* وما بُشِّروا به من الخير* فهم في جنة الله ونعيمها* وهم باقون فيها* لا يخرجون منها أبدًا.

    تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108)
    هذه آيات الله وبراهينه الساطعة* نتلوها ونقصُّها عليك -أيها الرسول- بالصدق واليقين. وما الله بظالم أحدًا من خلقه* ولا بمنقص شيئًا من أعمالهم; لأنه الحاكم العدل الذي لا يجور.

    وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109)
    ولله ما في السموات وما في الأرض* ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا* ومصير جميع الخلائق إليه وحده* فيجازي كلا على قدر استحقاقه

    كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ (110)
    أنتم - يا أمة محمد - خير الأمم وأنفع الناس للناس* تأمرون بالمعروف* وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقلا وتنهون عن المنكر* وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقلا وتصدقون بالله تصديقًا جازمًا يؤيده العمل. ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم* لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة* منهم المؤمنون المصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها* وهم قليل* وأكثرهم الخارجون عن دين الله وطاعته.
    Last edited by مس جيجي العطار; 06-12-2008 at 02:47 PM.

  5. #173
    مس جيجي's Avatar
    Join Date
    Feb 2008
    Location
    In the MidLand
    Posts
    12,663
    Rep Power
    672

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم


    لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)
    لن يضركم هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب إلا ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك* فإن يقاتلوكم يُهْزَموا* ويهربوا مولِّين الأدبار* ثم لا ينصرون عليكم بأي حال.

    ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)

    جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود* فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا* إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم* وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام* ورجعوا بغضب من الله مستحقين له* وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة* فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان; ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله* وتجاوزهم حدوده* وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء* وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي* وتجاوزهم حدود الله.

    لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)
    ليس أهل الكتاب متساوين: فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم* يقومون الليل مرتلين آيات القرآن الكريم* مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم.

    يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)
    يؤمنون بالله واليوم الآخر* ويأمرون بالخير كله* وينهون عن الشر كلِّه* ويبادرون إلى فعل الخيرات* وأولئك مِن عباد الله الصالحين.
    Last edited by مس جيجي العطار; 06-12-2008 at 02:52 PM.

  6. #174
    مس جيجي's Avatar
    Join Date
    Feb 2008
    Location
    In the MidLand
    Posts
    12,663
    Rep Power
    672

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)
    وأيُّ عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله* بل يُشكر لهم* ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء رضوان الله* وطلبًا لثوابه.

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

    إن الذين كفروا بآيات الله* وكذبوا رسله* لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئًا من عذاب الله في الدنيا ولا في الآخرة* وأولئك أصحاب النار الملازمون لها* لا يخرجون منها.

    مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)

    مَثَلُ ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب* كمثل ريح فيها برد شديد هَبَّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيره* وبسبب ذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا. وهؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرة ثوابًا* وما ظلمهم الله بذلك* ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)

    يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين* تُطْلعونهم على أسراركم* فهؤلاء لا يَفْتُرون عن إفساد حالكم* وهم يفرحون بما يصيبكم من ضرر ومكروه* وقد ظهرت شدة البغض في كلامهم* وما تخفي صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم. قد بيَّنَّا لكم البراهين والحجج* لتتعظوا وتحذروا* إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه.

  7. #175
    مس جيجي's Avatar
    Join Date
    Feb 2008
    Location
    In the MidLand
    Posts
    12,663
    Rep Power
    672

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم


    هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)ها هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم* فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم* وهم لا يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء* وأنتم تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم* وهم لا يؤمنون بكتابكم* فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا -نفاقًا- : آمنَّا وصدَّقْنا* وإذا خلا بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن* فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب* لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم* وإعزاز الإسلام* وإذلالهم به. قل لهم -أيها الرسول- : موتوا بشدة غضبكم. إن الله مطَّلِع على ما تخفي الصدور* وسيجازي كلا على ما قدَّم مِن خير أو شر.

    إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
    ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن* وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك* وإن تصبروا على ما أصابكم* وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه* لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط* وسيجازيهم على ذلك.

    وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
    واذكر -أيها الرسول- حين خَرَجْتَ من بيتك لابسًا عُدَّة الحرب* تنظم صفوف أصحابك* وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد". والله سميع لأقوالكم* عليم بأفعالكم.

    إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122)
    اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر بني سَلِمة وبني حارثة حين حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أُبيٍّ; خوفًا من لقاء العدو* ولكن الله عصمهم وحفظهم* فساروا معك متوكلين على الله. وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون.

  8. #176
    مس جيجي's Avatar
    Join Date
    Feb 2008
    Location
    In the MidLand
    Posts
    12,663
    Rep Power
    672

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم


    وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
    ولقد نصركم الله -أيها المؤمنون- بـ "بدر" على أعدائكم المشركين مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم* فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه; لعلكم تشكرون له نعمه.

    إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
    اذكر -أيها الرسول- ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين شقَّ عليهم أن يأتي مَدَد للمشركين* فأوحينا إليك أن تقول لهم: ألن تكفيكم معونة ربكم بأن يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين من السماء إلى أرض المعركة* يثبتونكم* ويقاتلون معكم.

    بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)
    بلى يكفيكم هذا المَدَد. وبشارة أخرى لكم: إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا الله بفِعْل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه* ويأت كفار "مكة" على الفور مسرعين لقتالكم* يظنون أنهم يستأصلونكم* فإن الله يمدكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين أي: قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلامات واضحات.

    وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
    وما جعل الله هذا الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم يبشركم بها ولتطمئن قلوبكم* وتطيب بوعد الله لكم. وما النصر إلا من عند الله العزيز الذي لا يغالَب* الحكيم في تدبيره وفعله.

  9. #177

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ(127)لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ(128)وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(129)}


    {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي ذلك التدبير الإِلهي ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر، ويهدم ركناً من أركان الشرك {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي يغيظهم ويخزيهم بالهزيمة {فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} أي يرجعوا غير ظافرين بمبتغاهم، وقد فعل تعالى ذلك بهم في بدر حيث قتل المسلمون من صناديدهم سبعين وأسروا سبعين وأعز الله المؤمنين وأذل الشرك والمشركين {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} هذه الآية وردت اعتراضاً وهي في قصة أحد، وذلك لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشُج وجهه الشريف قال: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم؟! فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} أي ليس لك يا محمد من أمر تدبير العباد شيء وإنما أمرهم إلى الله {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} أي فالله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم، أو يهزمهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم إن أصرّوا على الكفر فإنهم ظالمون يستحقون العذاب {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي له جل وعلا ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وهو الغفور الرحيم.




    إرشاد المؤمنين إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(130)وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(131)وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)}


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} هذا نهيٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين عن تعاطي الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه في الجاهلية من تضعيفه، قال ابن كثير: كانوا في الجاهلية إذا حلّ أجل الدين يقول الدائن: إمّا أن تَقْضي وإمّا أن تُرْبي! فإن قضاه وإلاَّ زاده في القدر وهكذا كلّ عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي اتقوا عذابه بترك ما نهى عنه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي لتكونوا من الفائزين {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أي احذروا نار جهنم التي هيئت للكافرين {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي أطيعوا الله ورسوله لتكونوا من الأبرار الذين تنالهم رحمة الله.




    الأمر بالمسارعة إلى مغفرة الله ، وصفات المتقين وجزاؤهم


    {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135)أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(136)}


    {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} أي بادروا إِلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ} أي وإِلى جنة واسعة عرضها كعرض السماء والأرض كما قال في سورة "الحديد" {عرضُها كعرض السماء والأرض} والغرض بيان سعتها فإِذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} أي هيئت للمتقين لله .

    {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي يمسكون غيظهم مع قدرتهم على الانتقام {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي يعفون عمن أساء إِليهم أو ظلمهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} أي ارتكبوا ذنباً قبيحاً كالكبائر {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بإِتيان أي ذنب {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} أي تذكروا عظمة الله ووعيده لمن عصاه فأقلعوا عن الذنب وتابوا وأنابوا {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} استفهام بمعنى النفي أي لا يغفر الذنوب إِلا الله وهي جملة اعتراضية لتطييب نفوس العباد وتنشيطهم للتوبة ولبيان أن الذنوب - وإِن جلَّت - فإِن عفوه تعالى أجل ورحمته أوسع {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وهم عالمون بقبحه بل يقلعون ويتوبون .

    {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة جزاؤهم وثوابهم العفو عما سلف من الذنوب {وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي ولهم جنات تجري خلال أشجارها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} أي ماكثين فيها أبداً {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} أي نعمت الجنة جزاءً لمن أطاع الله.

  10. #178

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    تعليم وتوسية للمؤمنين بعد غزوة أُحُد


    {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(137)هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138)وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139)إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(140)وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ(141)}


    ثم ذكر تعالى تتمة تفصيل غزوة أُحد بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح فقال {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} أي قد مضت سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال بسبب مخالفتهم الأنبياء {فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي تعرفوا أخبار المكذبين وما نزل بهم لتتعظوا بما ترون من آثار هلاكهم .

    {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} أي هذا القرآن فيه بيانٌ شاف للناس عامة {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} أي وهداية لطريق الرشاد وموعظة وذكرى للمتقين خاصة، وإِنما خصّ المتقين بالذكر لأنهم هم المنتفعون به دون سائر الناس، ثم أخذ يسليهم عمّا أصابهم من الهزيمة في وقعة أُحد فقال {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} أي لا تضعفوا عن الجهاد ولا تحزنوا على ما أصابكم من قتلٍ أو هزيمة {وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ} أي وأنتم الغالبون لهم المتفوقون عليهم فإِن كانوا قد أصابوكم يوم أُحد فقد أبليتم فيهم يوم بدر {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي إِن كنتم حقاً مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا .

    {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} أي إِن أصابكم قتلٌ أو جراح فقد أصاب المشركين مثل ما أصابكم {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي الأيام دول، يوم لك ويوم عليك، ويوم تُساء ويوم تُسر {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا} أي فعل ذلك ليمتحنكم فيرى من يصبر عند الشدائد ويميز بين المؤمنين والمنافقين {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} أي وليكرم بعضكم بنعمة الشهادة في سبيل الله {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أي لا يحب المعتدين ومنهم المنافقون الذين انخذلوا عن نبيه يوم أُحد {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا} أي ينقيهم ويطهرهم من الذنوب ويميزهم عن المنافقين {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} أي يهلكهم شيئاً فشيئاً.




    عتاب لبعض أهل أُحُد وتوجيههم نحو الأفضل


    {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142)وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(143)وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144)وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ(145)وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(146)وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(147)فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(148)}


    {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} استفهام على سبيل الإِنكار أي هل تظنون يا معشر المؤمنين أن تنالوا الجنة بدون ابتلاء وتمحيص؟ {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} أي ولما تجاهدوا في سبيله فيعلم الله جهادكم وصبركم على الشدائد؟ قال الطبري المعنى: أظننتم يا معشر أصحاب محمد أن تنالوا كرامة ربكم ولمّا يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدون منكم في سبيل الله والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألم ومكروه!! .

    {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} أي كنتم تتمنون لقاء الأعداء لتحظوا بالشهادة {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} أي من قبل أن تذوقوا شدته، والآية عتاب في حق من انهزم {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أي رأيتموه بأعينكم حين قُتل من إِخوانكم وشارفتم أن تقتلوا، ونزل لما أشاع الكافرون أن محمداً قد قتل وقال المنافقون: إِن كان قد قتل تعالوا نرجع إِلى ديننا الأول .

    {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أي ليس محمد إِلا رسول مضت قبله الرسل، والرسل منهم من مات ومنهم من قُتل {أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أفإِن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إِيمانكم؟ {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} أي ومن يرتد عن دينه فلا يضر الله، وإِنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} أي يثيب الله المطيعين وهم الذين ثبتوا ولم ينقلبوا.

    ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر فقال {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بإِرادته ومشيئته {كِتَابًا مُؤَجَّلاً} أي كتب لكل نفسٍ أجلها كتاباً مؤقتاً بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر، والغرض تحريضهم على الجهاد وترغيبهم في لقاء العدو، فالجبنُ لا يزيد في الحياة، والشجاعة لا تنقص منها، والحذر لا يدفع القدر والإِنسان لا يموت قبل بلوغ أجله وإِن خاض المهالك واقتحم المعارك {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي ومن أراد بعملهِ أجر الدنيا أعطيناه منها وليس له في الآخرة من نصيب، وهو تعريض بالذين رغبوا في الغنائم، فبيّن تعالى أن حصول الدنيا للإِنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر والفاجر {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي ومن أراد بعمله أجر الآخرة أعطيناه الأجر كاملاً مع ما قسمنا له من الدنيا كقوله {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا بحسب شكرهم وعملهم.

    {وَكَأيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} أي كم من الأنبياء قاتل لإِعلاء كلمة الله وقاتل معه علماء ربانيون وعُبَّاد صالحون قاتلوا فقُتل منهم من قتل {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي ما جنبوا ولا ضعفت هممهم لما أصابهم من القتل والجراح {وَمَا ضَعُفُوا} عن الجهاد {وَمَا اسْتَكَانُوا} أي ما ذلّوا ولا خضعوا لعدوهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} أي يحب الصابرين على مقاساة الشدائد والأهوال في سبيل الله .

    {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} أي ما كان قولهم في الدين مع ثباتهم وقوتهم إِلا طلب المغفرة من الله {وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} أي وتفريطنا وتقصيرنا في واجب طاعتك وعبادتك {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} أي ثبتنا في مواطن الحرب {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} أي انصرنا على الكفار {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} أي جمع الله لهم بين جزاء الدنيا بالغنيمة والعز والظفر والتمكين لهم بالبلاد وبين جزاء الآخرة بالجنة ونعيمها {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يحب من أحسن عمله وأخلص نيته، وخص ثواب الآخرة بالحسن إِشعاراً بفضله وأنه المعتد عند الله.

  11. #179

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    التحذير من طاعة الكافرين


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149)بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ(150)سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ(151)}


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا} أي إِن أطعتم الكفار والمنافقين فيما يأمرونكم به {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أي يردوكم إِلى الكفر {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} أي ترجعوا إلى الخسران، ولا خسران أعظم من أن تتبدلوا الكفر بالإِيمان، قال ابن عباس: هم المنافقون قالوا للمؤمنين لما رجعوا من أُحد لو كان نبياً ما أصابه الذي أصابه فارجعوا إِلى إِخوانكم .

    {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} بل للإِضراب أي ليسوا أنصاراً لكم حتى تطيعوهم بل الله ناصركم فأطيعوا أمره {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} أي هو سبحانه خير ناصر وخير معين فلا تستنصروا بغيره.

    ثم بشر تعالى المؤمنين بإِلقاء الرعب في قلوب أعدائهم فقال {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} أي سنقذف في قلوبهم الخوف والفزع {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} أي بسبب إِشراكهم بالله وعبادتهم معه آلهة أخرى من غير حجة ولا برهان {وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} أي مستقرهم النار {وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} أي بئس مقام الظالمين نار جهنم، فهم في الدنيا مرعوبون وفي الآخرة معذبون وفي الحديث (نصرت بالرعب مسيرة شهر).





    أسباب هزيمة أُحُد


    {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(152)إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(153)ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(154)إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ(155)}


    {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} أي وفى الله لكم ما وعدكم به من النصر على عدوكم {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي تقتلونهم قتلاً ذريعاً وتحصدونهم بسيوفكم بإِرادة الله وحكمه {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ} أي حتى إِذا جبنتم وضعفتم واختلفتم في أمر المقام في الجبل {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} أي عصيتم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كان النصر حليفكم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وضع خمسين من الرماة فوق الجبل وأمرهم أن يدفعوا عن المسلمين وقال لهم: لا تبرحوا أماكنكم حتى ولو رأيتمونا تخطفتنا الطير، فلما التقى الجيشان لم تقو خيل المشركين على الثبات بسبب السهام التي أخذتهم في وجوههم من الرماة فانهزم المشركون، فلما رأى الرماة ذلك قالوا: الغنيمة الغنيمةَ ونزلوا لجمع الأسلاب، وثبت رئيسهم ومعه عشرة فجاءهم المشركون من خلف الجبل فقتلوا البقية من الرماة ونزلوا على المسلمين بسيوفهم من خلف ظهورهم فانقلب النصر إِلى هزيمة للمسلمين فذلك قوله تعالى {من بعد ما أراكم ما تحبون} أي من بعد النصر {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} أي الغنيمة وهم الذين تركوا الجبل {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} أي ثواب الله وهم العشرة الذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم "عبد الله بن جبير" ثم استشهدوا .

    {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} أي ردكم بالهزيمة عن الكفار ليمتحن إِيمانكم {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} أي صفح عنكم مع العصيان، وفيه إِعلام بأن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بهم لولا عفو الله عنهم ولهذا قال {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أي ذو مَنٍّ ونعمةٍ على المؤمنين في جميع الأوقات والأحوال .

    {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} أي اذكروا يا معشر المؤمنين حين وليتم الأدبار تبعدون في الفرار ولا تلتفتون إِلى ما وراءكم ولا يقف واحد منكم لآخر {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} أي ومحمد صلى الله عليه وسلم يناديكم من وراءكم يقول (إِليَّ عبادَ الله، إِليَّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكرُّ فله الجنة) وأنتم تمعنون في الفرار {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} أي جازاكم على صنيعكم غماً بسبب غمكم للرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفتكم أمره {لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} أي لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة {وَلا مَا أَصَابَكُمْ} أي من الهزيمة، والغرض بيان الحكمة من الغم، وهو أن ينسيهم الحزن على ما فاتهم وما أصابهم وذلك من رحمته تعالى بهم {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي يعلم المخلص من غيره .

    {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} وهذا امتنانٌ منه تعالى عليهم أي ثم أرسل عليكم بعد ذلك الغم الشديد النعاس للسكينة والطمأنينة ولتأمنوا على أنفسكم من عدوكم فالخائف لا ينام، روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال: "غشينا النعاسُ ونحن في مصافنا يوم أحد، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه" ثم ذكر سبحانه أن تلك الأمنة لم تكن عامة بل كانت لأهل الإِخلاص، وبقى أهل النفاق في خوف وفزع فقال {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} أي يغشى النوم فريقاً منكم وهم المؤمنون المخلصون {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} أي وجماعة أخرى حملتهم أنفسهم على الهزيمة فلا رغبة لهم إِلاّ نجاتها وهم المنافقون، وكان السبب في ذلك توعد المشركين بالرجوع إِلى القتال، فقعد المؤمنون متهيئين للحرب فأنزل الله عليهم الأمنة فناموا، وأما المنافقون الذين أزعجهم الخوف بأن يرجع الكفار عليهم فقد طار النوم من أعينهم من الفزع والجزع {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} أي يظنون بالله الظنون السيئة مثل ظنِّ أهل الجاهلية، قال ابن كثير: وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإِسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك، إِذا حصل أمر من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة.

    {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ} أي ليس لنا من الأمر شيء، ولو كان لنا اختيار ما خرجنا لقتال {قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} أي قل يا محمد لأولئك المنافقين الأمر كله بيد الله يصرّفه كيف شاء {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ} أي يبطنون في أنفسهم ما لا يظهرون لك {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} أي لو كان الاختيار لنا لم نخرج فلم نُقتل ولكن أكرهنا على الخروج، وهذا تفسير لما يبطنونه، قال الزبير: أُرسل علينا النوم ذلك اليوم وإِنّي لأسمع قول "معتّب بن قشير" والنعاس يغشاني يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا .

    {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} أي قل لهم يا محمد لو لم تخرجوا من بيوتكم وفيكم من قدّر الله عليه القتل لخرج أولئك إِلى مصارعهم، فَقَدرُ الله لا مناص منه ولا مفر {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} أي ليختبر ما في قلوبكم من الإِخلاص والنفاق {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي ولينقّي ما في قلوبكم ويطهّره فعل بكم ذلك {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي عالم بالسرائر مطّلع على الضمائر وما فيها من خير أو شر، ثم ذكر سبحانه الذين انهزموا يوم أُحد فقال {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ} أي انهزموا منكم من المعركة {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} أي جمع المسلمين وجمع المشركين {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} أي إِنما أزلهم الشيطان بوسوسته وأوقعهم في الخطيئة ببعض ما عملوا من الذنوب وهو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} أي تجاوز عن عقوبتهم وصفح عنهم {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي واسع المغفرة حليم لا يعجل العقوبة لمن عصاه.

  12. #180

    حنــــان's Avatar
    Join Date
    Jul 2008
    Location
    بين (س) وَ ( ي )
    العمر
    36
    Posts
    5,846
    Rep Power
    352

    رد: مشروع مكتبـــــــة تفسير القرآن الكريم

    تحذير المؤمنين من تثبيط الكافرين وبيان فضل الجهاد


    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ أوَ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(156)وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157)وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158)}


    ثم نهى سبحانه عن الاقتداء بالمنافقين في أقوالهم وأفعالهم فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي لا تكونوا كالمنافقين {وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ} أي وقالوا لإِخوانهم من أهل النفاق إذا خرجوا في الأسفار والحروب {أَوْ كَانُوا غُزًّى} أو خرجوا غازين في سبيل الله {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} أي لو أقاموا عندنا ولم يخرجوا لما ماتوا ولا قتلوا، قال تعالى ردّاً عليهم {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} أي قالوا ذلك ليصير ذلك الاعتقاد الفاسد حسرة في نفوسهم {وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ} ردٌّ على قولهم واعتقادهم أي هو سبحانه المحيي المميت فلا يمنع الموت قعود {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي مطلع على أعمال العباد فيجازيهم عليها.

    {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي استشهدتم في الحرب والجهاد {أَوْ مُتُّمْ} أي جاءكم الموت وأنتم قاصدون قتالهم {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي ذلك خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} أي وسواء متم على فراشكم أو قتلتم في ساحة الحرب فإِن مرجعكم إِلى الله فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقربكم إِلى الله ويوجب لكم رضاه من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، ولله در القائل حيث يقول:

    فإِن تكن الأبـدان للمـوت أُنشئت فقتل امرئٍ بالسيف في الله أفضل





    رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ووعدُ الله بالنصر


    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(160)}


    {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} أي فبسبب رحمةٍ من الله أودعها الله في قلبك يا محمد كنت هيناً ليّن الجانب مع أصحابك مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي لو كنت جافي الطبع قاسي القلب، تعاملهم بالغلظة والجفا، لتفرقوا عنك ونفروا منك، ولمّا كانت الفظاظة في الكلام نفى الجفاء عن لسانه والقسوة عن قلبه {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} أي فتجاوز عما نالك من أذاهم يا محمد، واطلب لهم من الله المغفرة، وشاورهم في جميع أمورك ليقتدي بك الناس قال الحسن "ما شاور قومٌ قط إِلاّ هُدوا لأرشد أمورهم" وكان عليه السلام كثير المشاورة لأصحابه .

    {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي إِذا عقدت قلبك على أمر بعد الاستشارة فاعتمد على الله وفوّض أمرك إِليه {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} أي يحب المعتمدين عليه، المفوضين أمورهم إِليه {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} أي إِن أراد الله نصركم فلا يمكن لأحدٍ أن يغلبكم {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} أي وإِن أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم، فمهما وقع لكم من النصر كيوم بدر أو من الخذلان كيوم أُحد بمشيئته سبحانه فالأمر كله لله، بيده العزة والنصرة والإِذلال والخذلان {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أي وعلى الله وحده فليلجأ وليعتمد المؤمنون.

Page 15 of 17 FirstFirst ... 5121314151617 LastLast

Thread Information

Users Browsing this Thread

There are currently 1 users browsing this thread. (0 members and 1 guests)

Similar Threads

  1. تفسير كل آية في القرآن الكريم بس ضع الماوس( لايفوتكم)
    By اللــــورد in forum ملتقى حياتنا الدينية
    Replies: 14
    Last Post: 16-11-2009, 09:19 AM
  2. Replies: 1
    Last Post: 24-08-2009, 04:15 PM
  3. موقع رائع في تفسير القرآن الكريم ....
    By مجاهد الجنوب in forum ملتقى حياتنا الدينية
    Replies: 2
    Last Post: 09-03-2009, 03:32 PM
  4. التحذير من تفسير القرآن الكريم بالرأي المذموم
    By فتى الإسلام in forum ملتقى حياتنا الدينية
    Replies: 3
    Last Post: 22-01-2009, 02:51 PM
  5. قواعد في تفسير القرآن الكريم
    By عبدالله السلطان in forum ملتقى حياتنا الدينية
    Replies: 19
    Last Post: 31-12-2007, 11:59 AM

Bookmarks

Posting Permissions

  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •