كي نحقق التوازن بين العبادة هناك جوانب مساعدة لإيجاد هذا التوازن ومنها: الأولوية في إقامة الفرائض وكما هو معلوم أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة وهنا لابد من الموازنة بين إقامة الفرائض وإقامة الحقوق الأخرى ومنها حقوق الزوجة وحقوق الأولاد فقد قال أبو الدرداء "كنت تاجراً قبل المبعث فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة" وهنا رأي أبو الدرداء-رضي الله عنه-أن الموازنة من وجهة نظره هي ما فعله.
قال الذهبي-رحمه الله-معلقاً على هذا قال: الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد وهذا الذي قاله هو طريق جماعة من السلف ولا شك أن أمزجة الناس تختلف في ذلك فبعضهم يقوى على الجمع كالصديق وعبدالرحمن بن عوف، وكما قال ابن المبارك وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة وبعضهم يقوى في بدايته ثم يعجز وكلٌ سائغ ولكن لابد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال وهذا هو التوازن المنشود.
وفي ذلك أخرج البخاري بسنده عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن رسول الله r آخى بين سلمان وأبي الدراء فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُبتذلة، فقال لها: ما شأنك قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل قال: فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم. قال: نم فنام ثم ذهب يقوم. قال: نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصلَّيا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً. فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي r فذكر ذلك له فقال النبي r: صدق سلمان كما أنه لابد من الجمع بين التطوعات المختلفة فلا يصلح الاقتصار على العبادات البدنية فقط بل هناك عبادات أخرى يحسن الإتيان بها فالدعوة، والتعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم كلها من الأمور المهمة بل قد تكون أهم من العبادات التطوعية البدنية لأن تلك نفعها متعدِّ والعبادة البدنية نفعها ذاتي قاصر على العابد وسنتحدث عن هذه العبادات في حينها إن شاء الله والمتأمل في حديث رسول الله r يجد حرص النبي r على إيجاد التوازن وبيان ذلك حديث "الرهط الثلاثة الذين جاؤوا كي يسألوا عن عبادة النبي r فقال أحدهم أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الثاني: أما أنا فأصلي الليل ولا أرقد. وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء ثم يصحح النبي r فعل الثلاثة مبيناً لهم أن أفعالهم خالفت التوازن فقال أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" من تصحيح النبي r للثلاثة يستفاد ما يلي:-
1-أنه لو كان التفرغ للعبادة أمراً محموداً لنبه إليه رسول الله r فقد كان رسول الله r يصلي ويرقد ويقضي حاجات الناس ويكون في مهنة أهله.
2-أن مواصلة الصيام من خصوصيات النبي r وليست لأحد غيره ولو كان ذلك سائغاً لغيره لبين ذلك للأمة.
3-أن ترك الزواج وهو من سنن المرسلين ليس من هدي رسول الله r ولو ترك الزواج لفقد المجتمع الإسلامي توازن وقضي على النوع الإنساني وانتهت البشرية.
ويتبين كذلك مما مضى أن المجتمع الإسلامي الإنساني لن تتحقق فيه صفة الترابط والتعبدية إلا بإيجاد توازن دقيق سليم قائم على فهم داع للكتاب والسنة.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
Bookmarks