ليس الغريب غريب الشام و اليمن

إن الغريب غريب اللحد و الكفن

إن الغريب له حق لغربته
على المقيمين في الأوطان و السكن
لا تنهرن غريبا حال غربته
الدهر ينهره بالذل والمحن
سفري بعيد و زادي لن يبلغني
و قوتي ضعفت و الموت يطلبني
و لي بقايا ذنوب لست أعلمها
الله يعلمها في السر والعلن
ما أحلم الله عني حيث أمهلني
و قد تماديت في ذنبي و يسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم
و لا بكاء و لاخوف و لا حزن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهدا
على المعاصي و عين الله تنظرني
يا ذلة كتبت في غفلة ذهبت
يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أنوح على نفسي و أندبها
و أقطع الدهر بالتنكير و الحزن

* * *



دع عنك عدلي يا من كان يعدلني
لو كنت تعلم مابي كنت تعذرني
دعني أسح دموعا لا انقطاع لها
فهل عسى عبرة منها تخلصني
على الفراش و أيديهم تقلبني
و قد تجمع حولي من ينوح
و من يبكي علي و ينعاني و ينذبني
و قد أتوا بطبيب كي يعالجني
و لم أرى الطب هذا اليوم ينفعني
و اشتد نزعي و صار الموت يجذبها
من كل عرق بلا رفق و لا هون
و استخرج الروح مني في تغرغرها
و صار ريقي مريرا حين غرغرني
و غمضوني و راح الكل و انصرفوا
بعد الإياس و جدوا في شرا الكفن
و قام من كان حب الناس في عجل
نحو المغسل يأتيني يغسلني

* * *



و قال يا قومي نبغي غاسلا حذقا
حرا أديبا أريبا عارف الفطن
فجائني رجل منهم فجردني
من الثياب و أعراني و أفردني
و أودعوني على الألواح منطرحا
و صار فوقي خرير الماء ينظفني
و أسكب الماء من فوقي و غسلني
غسلا ثلاثا و نادى القوم بالكفن
و ألبسوني ثيابا لا كمام لها
وصار زادي حنوطي حين حنطني
و أخرجوني من الدنيا فواااا أسفااااا
على رحيل بلا زاد يبلغني
و حملوني على الأكتاف أربعة
من الرجال و خلفي من يشيعني
و قدموني إلى المحراب و انصرفوا
خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا علي صلاة لا ركوع لها و لا سجود
لعل الله يرحمني

* * *



و أنزلوني إلى قبري على مهل
و قدموا واحدا منهم يلحدني
و كشف الثوب عن وجهي لينظرني
و أسبل الدمع من عينيه أغرقني
فقام محترما بالعزم مشتملا
و صفف اللبن من فوقي و فارقني
و قال هلوا عليه الترب واغتنموا
حسن الثواب من الرحمن ذي المنن
في ظلمة القبر لا أم هناك و لا أب شفيق و لا أخ يؤنسني
و هالني صورة في العين إذ نظرت
من هول مطلع ما قد كان أدهشني
من منكر و نكير ما أقول لهم
قد هالني أمرهم جدا فأفزعني
و أقعدوني و جدوا في سؤالهم
إلهي.. مالي سواك إلهي يخلصني
فامنن علي بعفو منك يا أملي
فإنني موثق بالذنب مرتهني

* * *



تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا
فصار وزري على ظهري فأتقلني
فلا تغرنك الدنيا و زينتها
و انظر إلى فعلها في الأهل و الوطن
و انظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير الحنط و الكفن
خد القناعة من دنياك و ارض بها
لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يا زارع الخير تحصد بعده ثمرا
يا زارع الشر موقوف على الوهن
يا نفس كفي عن العصيان و اكتسبي
فعلا جميلا لعل الله يرحمني
يا نفس ويحك ثوبي واعملي حسنا
عسى تجازين بعد الموت بالحسن
ثم الصلاة على المختار سيدنا {عليه الصلاة و السلام}
ما وضأ البرق في شام و لا يمن
و الحمد لله ممسينا و مصبحنا
بالخير و العفو و الإحسان و المنن