التميز خلال 24 ساعة

 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميز لهذا اليوم 
قريبا تأجير نيسان في دبي
بقلم : غير مسجل
قريبا


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حروف من ذهب

  1. #1

    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    المشاركات
    1
    معدل تقييم المستوى
    0

    حروف من ذهب

    اليمن ومجلس التعاون الخليجي..
    إرث الماضي وتطلعات المستقبل


    بقلم الاستاذ /علي احمد العمراني عضو مجلس النواب

    وقد نقلته لكم للاطلاع عليه لما له من اهمية كونه يناقش قضية من اهم القضايا وهي علاقة اليمن بمحيطه الاقليمي وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي ونشكر الكاتب على هذا الطرح الموضوعي وجعله الله في ميزان حسناته (اللهم آمين)



    ظلت قضية دمج اليمن بدول مجلس التعاون خارج إطار المفكر فيه لدى دول مجلس التعاون لزمن طويل بل إن سياسة الاستبعاد كانت هي القاعدة. غير أن هناك متغيرات دولية وإقليمية ومحلية حتمت على كثيرين إعادة الحسابات والتفكير والنظر بما يخلق آفاقا وفرصا لتعزيز التعاون والتقارب في طريق دمج اليمن في إقليمه العربي الأقرب مجلس التعاون الخليجي.. ومع ذلك فإن إرث الماضي لا يزال ماثلا ومؤثرا وفي حالات معيقا.. فما هو ذلك الإرث؟


    الحدود اليمنية السعودية.. تربص متبادل لأكثر من ستين عاماً
    إذا كانت معاهدة جدة عام 2000م قد أنهت الخلاف والهواجس والتربص طويل الأمد بين اليمن والسعودية إلا أن كثيرا من جوانب العلاقة بين البلدين الشقيقين الهامين في جزيرة العرب لا تزال متأثرة بحكم إرث التعود والعادات السابقة التي استمرت عقوداً. وهذا يعني ضرورة مضاعفة الجهد للتخلص من إرث الماضي الذي لم يكن إيجابياً وبناء في الغالب.
    وقد ظلت مشكلة الحدود اليمنية السعودية قضية معقدة تؤرق علاقات البلدين لزمن طويل. وكان التعقيد يكمن في أن المشكلة هي أكبر من قضية حدود حيث كانت الدعاوى والخلاف والتربص يدور في حقيقة الأمر حول مناطق شاسعة. وقد ألقت تلك المشكلة بظلالها على الدور السعودي في الحرب الأهلية التي دارت في ستينات القرن الماضي في شمال اليمن كما أن مشكلة الحدود قد أسفرت أيضا عن حرب محدودة بين السعودية وجنوب اليمن في أواخر الستينات وحرب أخرى شاملة بين شمال اليمن والسعودية عام 1934. وانتهت تلك الحرب باتفاقية الطائف.
    لكنه تبين مع مرور الزمن أن تلك الاتفاقية كانت وبالا على علاقات البلدين ويبدو أن أخطر ما تضمنته تلك الاتفاقية هي فكرة لزوم التجديد كل عشرين عام. وقد أدى ذلك إلى خسارة البلدين لحسن النوايا وحسن الجوار كون اتفاقية 1934 تركت الباب على مصراعيه لتنامي التربص المتبادل وعدم الثقة بين البلدين.
    وفيما كانت اليمن هي الأكثر خسارة مما شاب تلك العلاقة التي لم تكن أخوية بما فيه الكفاية فإنه وبالنظر إلى تنامي قوة المملكة العربية السعودية الاقتصادية بسبب الاكتشافات النفطية الهائلة التي كانت أولى بوادرها متزامنة مع حرب 1934م فقد استطاعت أن تمتص آثار الخصام والتوتر الذي شاب علاقة البلدين لمعظم الوقت ولذلك لم تكن خسارة المملكة ظاهرة بالمقارنة مع ما تكبدته اليمن. لكنه يصعب التغاضي عن خسارة المملكة الإستراتيجية إذا ما تم النظر إلى حالة ضعف أهل جزيرة العرب جميعهم في المحصلة النهائية بما في ذلك السعودية نفسها في مقابل الآخر الخارجي الإقليمي أو الدولي.
    وإذا كان مجلس التعاون الخليجي قد أنشئ في الأساس بهدف تحقيق توازن إقليمي لدول الخليج العربية تجاه إيران ذات التطلعات الإمبراطورية وبسبب مخاوف تصدير الثورة الخمينية فقد اتضح أن التوازن المتوخى من المجلس لم يكن كافيا في عام 1990 حتى لصد غزو العراق للكويت كما أنه لم يكن كافيا لتحريرها أيضا بعد الغزو حيث استلزم تحرير الكويت بناء تحالف دولي وإقليمي.فهل يمكن القول إنه لو قدر لوحدة اليمن أن تتم في وقت مبكر وتوفرت أسباب وقناعات اندماج اليمن في مجلس التعاون الخليجي في وقت مبكر أيضا قبل عام 1990 لأمكن تجنيب المنطقة الكثير من الكوارث التي حصلت ابتداء بغزو الكويت من قبل العراق؟ مهما تباينت الآراء يمكن التأكيد بأن نظاما إقليميا لدول الجزيرة والخليج يضم يمنا مستقرا ومزدهرا كان ولا يزال سيحدث تحولا إستراتيجيا إيجابيا معتبرا في حسابات الإستراتيجيات الإقليمية والدولية خصوصا في مجال الدفاع والأمن وسيجنب المنطقة الكثير من المخاطر والتهديد بما سيوفره من أمن ذاتي أمتن وأقوى نسبيا مما عليه الحال..


    التباين في النهج السياسي..كان مشكلة أيضاً
    انتهجت اليمن منذ بداية الستينات نهجا ثوريا يساريا مع تفاوت في الحدة والشدة بين الشمال والجنوب فحيث كانت الدولة في الجنوب تمثل أقصى درجات التشدد اليساري في المنطقة العربية كلها فقد نهجت الشمال نهجا ثوريا نحا في اتجاه الاعتدال بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967 فيما ظلت أقطار الخليج تتبنى نهجا محافظا على تفاوت في مستوى ذلك النهج بين دولة وأخرى، فحيث كانت الكويت تمثل نهجا محافظا ذا سمات ليبرالية أو لنقل أيضا «تقدمية» بلغة الستينات والسبعينات فقد ظلت المملكة العربية السعودية تمثل الحد الأقصى للمحافظة مع ما ترتب على ذلك من الريبة والشكوك والمخاوف التي دفعتها للتصدي للأنظمة الثورية إجمالا وخصوصا لدى جارتها القريبة اليمن وقد أتى في سياق ذلك الدعم الكبير الذي قدمته السعودية للملكيين في الحرب الأهلية في شمال اليمن والدعم الذي قدمته للقوى المناهضة لنظام الحكم في الجنوب..
    وقد أدرك المرحوم الملك فيصل الأضرار الفادحة التي تكبدتها اليمن جراء الحرب الأهلية التي كانت السعودية طرفا فيها ونسب إليه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يرحمه الله في مذكراته مقولته الشهيرة «نحن قد ساهمنا في تخلف اليمن وخرابه أما الآن فنحن على استعداد أن نساهم في عمران اليمن حتى لو تقاسمنا رغيف الخبز نصفين..»، ويعلق الشيخ عبد الله على ذلك بقوله: «لكننا لم نستغل هذا الاتجاه لأن «الرئيس» القاضي عبد الرحمن الإرياني رحمه الله ما استطاع أن يهضم السعوديين أو يبتلعهم وبسبب هذا العناد الذي كان عنده حرمنا أشياء كثيرة لمصلحة البلاد..» وفيما ظل التوجس السعودي على أشده تجاه الحكم في الجنوب فقد انفتحت السعودية على الشمال نسبيا خصوصا في عهد الرئيسين الحمدي والغشمي وحقبة من عهد الرئيس صالح وتمتع الشمال بازدهار نسبي لكنه كان مؤقتا. وقد أتى دعم الشمال في أغلبه في إطار السياسة السعودية الرامية إلى مواجهة حكومة الجنوب المتسمة بالتطرف الماركسي.


    غزو الكويت.. موقف اليمن لم يضر أحدا، واليمن تتعرض لأضرار بالغة
    خلافا لما شاب علاقة اليمن بالسعودية طيلة العقود الماضية للأسباب المشار إليها أعلاه فقد فضلت بعض دول الخليج كالكويت منذ ثورة 1962 والإمارات منذ ما بعد الاستقلال 1972م أن تكون لها علاقة طبيعية ومتميزة باليمن خصوصا حكومة الشمال المعتدلة إلا أن غزو الكويت من قبل العراق 1990 قلب الموازين رأسا على عقب.. وخلافا لقطر التي أصبحت سياستها أكثر ديناميكية و»ثورية» بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة الحكم فقد أصبحت سياسة الدولتين الكويت والإمارات أكثر تشددا تجاه اليمن وبالتالي أقل ترحيبا بضم واستيعاب اليمن إلى مجلس التعاون في المدى المنظور.
    وفي واقع الأمر هناك عوامل جعلت موقف اليمن ليس إيجابيا فيما يخص غزو الكويت ومن تلك العوامل أن فتنة الغزو حصلت واليمن متموضع سياسيا في موقع أقرب إلى العراق منه إلى الكويت ودول الخليج لأسباب منها عضوية اليمن في مجلس التعاون العربي -كان يضم إلى جانب اليمن، العراق ومصر والأردن- والدعم المعنوي والسياسي الذي نالته الوحدة اليمنية الوليدة للتو من قبل العراق الذي كان يشكل قوة إقليمية كبرى مقابل التحفظ من قبل السعودية في ذلك الوقت بناء على حسابات هواجس الماضي وخلفية قضايا الحدود الشائكة أما الكويت فقد كان موقفها باردا إزاء تحقيق وحدة اليمن..
    وإذ كانت الكويت الشقيقة تستحق بالفعل أن يكون موقف اليمن إلى جانبها تماما غير أن موقف اليمن الذي لم يكن كذلك لم يكن يشكل ضررا حقيقيا على الكويت فيما أن النتائج والتبعات التي نجمت جراء ذلك قد أضرت بمصالح اليمن بشكل مفرط ومبالغ فيه وربما على نحو غير متوقع وغير محتمل على مدى حوالي عقدين من الزمن.. وحتى لو تم النظر إلى الأمور على أساس من تصفية الحسابات والانتقام والثار وفقا للتفكير والعقلية العشائرية التقليدية فيمكن لمن يهمه ذلك أن يطمئن إلى أن اليمن قد نالها من الأذى والضيم والضرر أضعاف مضاعفة مقابل أي خطأ قد تم ارتكابه من قبل اليمن خلافا لما كان مؤملا ومفترضا من قبل الإخوة في الكويت.
    ولمن يهمه الأمر أكثر يمكن الإشارة إلى مواقف وأدوار بعض دول الخليج ومنها الكويت في حرب صيف 1994م التي لا تزال اليمن تعاني من آثارها إلى الآن.. وبقدر ما يستحق أهلنا في الكويت شيئاً من تفهم لمشاعرهم نتيجة للظلم الذي طالهم نتيجة الغزو العراقي لكن استمرار التحفظ تجاه اليمن مثلما يرد من وقت لآخر على لسان أمين مجلس التعاون السابق عبد الله بشارة أو التهجمات من بعض النواب والكتاب فيه إجحاف وظلم غير مبرر.. ولعل المبلغ المتواضع -مائتي مليون دولار كقرض لم يخصص بعد- الذي تعهدت به الكويت في مؤتمر المانحين بلندن يلخص الموقف الرسمي الكويتي. وقد سبب ذلك المبلغ صدمة قاسية لليمن.
    ويبدو أنه لم يعد هناك من يأبه كثيرا لمشاعر اليمنيين حيث سمعنا مؤخرا تصريحات مفادها أن الكويت لن تمنح تأشيرات دخول لليمنيين إلى أراضيها بسبب التسول. ويقال أيضا إن الأخوة في الكويت هم الذين يتحفظون إزاء عملية تسريع انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الذي تتبناه السعودية في الوقت الحالي.
    أما الإمارات فعلاوة على التصوير الخاطئ المغرض الذي تكفلت به جهات مخابراتية إقليمية فيما يخص دور اليمن المزعوم في غزو الكويت ونواياها تجاه الإمارات ودول الخليج مما أوغر صدر الشيخ زايد يرحمه الله فقد زاد الطين بلة، ما اعتبره الشيخ زايد رفضا لمساعيه الحميدة من قبل حكومة الرئيس صالح تجاه الخلاف الذي نشأ بين شريكي الوحدة اليمنية وانتهى إلى الحرب في عام 1994م.
    ومنذ ذلك التاريخ تبدلت المشاعر والمواقف ولا يزال اليمنيون في الإمارات يعانون من تمييز سلبي مقارنة بغيرهم من الجنسيات الأخرى. وما يرد في الصحف الإماراتية من تشهير تجاه اليمنيين، آخره تناول موضوع عصابة تسول، يؤكد ذلك* حيث ذكرت الجنسية اليمنية صراحة فيما تم الاكتفاء بالإشارة إلى كون آخرين من جنسية أسوية. ولعل ما يواجه اليمنيين في مطار دبي خير شاهد على ذلك، حيث لم يستثن من التمييز السلبي رجال المال والأعمال ولا رجال الدولة والسياسة.
    وبالمقارنة فإن مما يثير الاستغراب ذلك القدر من التسامح والتغاضي والحلم الذي تُعَامَل به أطراف دولية وإقليمية أخرى كإيران التي تتصرف إزاء الجميع بنوع من الاستعلاء والوعيد مثلما ورد على لسان منوشهر محمدي مساعد وزير خارجية إيران مؤخرا الذي شكك في شرعية دول الخليج وبقائها حتى أن عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للدراسات أبدى استغرابه في حديث للعربية عن سكوت الخليجيين -الطويل- إزاء تصرفات وسياسات إيران كتهديدها بإغلاق مضيق هرمز واحتلال جزر الإمارات أو وقوفها من قبل وراء محاولة اغتيال أمير الكويت السابق.


    تطلعات المستقبل، عالم يتغير..إلى الأفضل ربما!
    غالبا ما ظلت اليمن توصف أو «توصم» من قبل أشقائها وجيرانها الأقربين بأنها ثورية أكثر من اللازم أو «ثورجية» على حد تعبير الدكتور سعيد باديب وأنها كثيرا ما تذهب بعيدا عن واقعها ومحيطها الإقليمي، فمرة تُولِّي وجهها شطر مصر ومرة شطر العراق* وأخرى باتجاه روسيا* وفقا لورقة عمل تقدم بها الدكتور باديب في ندوة في مقر مركز الخليج للدراسات في دبي في 9 نوفمبر 2006.
    وعادة ما نبرر نحن اليمنيين ذلك بالقول -وهو صحيح- أن حالة العزلة والصد وإغلاق الأبواب في وجه اليمن من قبل جيرانها هو السبب الرئيسي في تشريقها وتغريبها وقد كان هذا هو ما رددت به على الدكتور با ديب في تلك الندوة.. وكانت أيضا تثار مخاوف من أن تشكل اليمن قاعدة لانطلاق قوى دولية أو إقليمية تهدد أمن ووجود دول في المنطقة كالسعودية أو أن تكون اليمن جسر عبور للأفكار «الهدامة» وفقا لساندرا مايكي "THE SAUDIS; Inside the Desert Kingdom".
    وبالنظر إلى نفوذ مصر في ستينات القرن الماضي بزعامة جمال عبد الناصر يرحمه الله ودعمها للثورة في اليمن من خلال تواجد قواتها العسكرية على أرض اليمن فلعل السعوديين قد استحضروا تداعيات انهيار الدولة السعودية الأولى في بدايات القرن التاسع عشر وتدمير عاصمتها الدرعية على أيدي المصريين بقيادة محمد علي وابنه إبراهيم باشا. علاوة على ذلك فإن اعتناق دولة جنوب اليمن السابقة للفكر الماركسي وتبعيتها للاتحاد السوفيتي الذي ظل يتطلع إلى المياه الدافئة كان يُنظَر إليه على أنه يشكل خطرا مهددا لأمن الخليج والسعودية على وجه الخصوص..
    غير أن العالم قد تغير وصار مختلفا كثيرا في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين عما كان عليه الحال في القرن الماضي. ففيما أفل نجم الإتحاد السوفيتي وتلاشى الفكر الماركسي فقد صارت مصر منكفئة على نفسها حتى أن موقفها في حرب صيف 1994 التي دارت في اليمن كان بعيدا عما يمكن اعتباره موقفا إستراتيجيا منسجما مع ماضي علاقة مصر باليمن وما قدمته مصر لثورة اليمن من دعم أو ما يعتبره مصريون كثيرون استثماراً مصريا في اليمن ومنهم الأستاذ هيكل..
    وسوى الخطر المحتمل من تزايد نفوذ إيران في المنطقة فإن تصاعد الأخطار من الداخل هي أكثر ما يشغل البال في الوقت الحاضر.. وبقدر ما كانت تخشى دول الجزيرة والخليج من الأفكار «المستوردة» «والدخيلة» عابرة الحدود فها هو التطرف والغلو اليوم يهدد جزيرة العرب من داخلها.. بل إن أصابع الاتهام توجه اليوم بالحق وبالباطل بأن أفكارا متطرفة تخرج من قلب جزيرة العرب نفسها وأن رجالا ينتسبون إليها يعملون على تقويض الأمن والسلام على مستوى كثير من دول العالم!
    وإذا كان الخطر الماثل الآن في منطقتنا هو خطر التطرف اليميني المستند إلى فهم خاطئ ومغلوط لأهم مقومات هذه الأمة وهو دين الإسلام العظيم، فلا بد أن ندرك أن ما يغذي التطرف هو حال «الأمة» المتسم بالفرقة والتباعد والأنانية الذي نتج عنه حالة هوان وضعف حتى أصبحت أرضها وثرواتها وحقوقها وكرامتها مستباحة. والملاحظ أن الوفرة المالية لم تعد قادرة على لجم التشدد والتطرف فكثير من المتطرفين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب كزعيم القاعدة أسامة بن لادن.. ويبدو أن مسألة هوان الأمة وضعفها الناتج عن تفرقها سيظل مصدرا متجددا لحيرة أجيال متلاحقة ولتطرف متعاظم ومتجدد من كل نوع، ومرة سيكون التطرف يسارياً ومرة أخرى يمينياً، ومرة قد يأتي من صنعاء وعدن، وأخرى قد يأتي من الرياض وجدة والكويت والشارقة والقاهرة، ومرة قد يعتنق التطرف الإيمان وأخرى يستند إلى الإلحاد وفي أحيان قد يكون محركه الفقر والحرمان وأحيان أخرى قد يكون نتاجا للوفرة والثراء، وهكذا دواليك حتى يستقيم الأمر أو يتلاشى العرب كمفهوم أمة أو حتى «مشروع» أمة.. والحق أن مصطلح أمة لم يعد سوى مفهوم مجازي في شأن العرب.. ولعله يلاحظ أن ما نحن بصدده هنا هو محاولة إقناع أهل جزيرة العرب أن يكفوا عن التظالم وأن يتعاونوا ويقتربوا من بعضهم ليس أكثر.. أي أن أحدا لم يعد يجرؤ حتى على مجرد طرح وحدة جزيرة العرب فما بالنا بوحدة العرب أجمعين!؟
    ولا يعدو وضع مجلس التعاون الخليجي حاليا كونه منطقة حرة «زايد قليلا» (Free zone plus) وفقا للدكتور مارك دبروفسكي مدير مركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية بوارسو في ورقته المقدمة في ندوة خارطة الطريق لاندماج اليمن في مجلس التعاون التي عقدت في عدن يوم 19 ديسمبر 2007م.
    وبقدر ما طرأت من تطورات ومتغيرات دولية وإقليمية فإن كثيرا من أحوالنا وقناعاتنا قد تغيرت وتطورت. ولعل إنهاء مشكلة الحدود مع عُمَان وتوقيع اليمن على اتفاقية جدة عام 2000م يؤكد أن السياسة اليمنية في علاقتها الخارجية مع جيرانها الأقربين قد وصلت إلى مستوى عال من الاتزان والنضج والواقعية وحسن النوايا.. ويبدو أنه لم يتبق شيء يؤكد حسن النوايا لم تفعله اليمن.. ولا بد أن توقيع معاهدة جدة قد أنهى عوامل الريبة والشك مع الجارة الكبيرة الشقيقة المملكة العربية السعودية وهي الدولة المحورية في الجزيرة والخليج.. وبقي أن تلمس اليمن المزيد من التغيرات الإستراتيجية الإيجابية تجاهها من قبل الأشقاء.


    ما الذي يمكن توقعه من الأشقاء في مجلس التعاون؟
    يبدو أن هناك إدراكا متناميا لدى كثير من نخب السياسة والفكر في الخليج بأن اليمن المزدهر والمتكامل مع محيطه الإقليمي الأقرب (دول مجلس التعاون) يصب في مصلحة الجميع أمنا واستقرارا وتنمية.. واستنادا إلى ذلك يجري الحديث الآن عن دمج اليمن في مجلس التعاون وكانت اليمن قد تقدمت بطلب الانضمام للمجلس في عام 1996م.. وتقود السعودية جهد الدمج في الوقت الحاضر غير أن كل ما تم إلى الآن هو دون مستوى الحاجات والتوقعات سواء في جانب الدعم التنموي أو قضية تحسين وضع العمالة اليمنية..

    مشروع «مارشال» خليجي لصالح اليمن.. مسؤولية قومية وأخلاقية
    يقول الدكتور أحمد الربعي يرحمه الله في سلسلة مقالات له عن اليمن في الشرق الأوسط في ديسمبر 2005م: «أمام مجلس التعاون مسؤولية كبرى تجاه اليمن، إنها ليست مسؤولية أخلاقية فحسب بل هي مسؤولية أمن قومي وأمن إقليمي».. ويقول أيضا: «مطلوب مشروع خليجي أشبه بمشروع مارشال الأوروبي لصالح اليمن وهو مطلب أخلاقي ومطلب أمن قومي إقليمي.. وهو مدخل مهم للاستقرار الإقليمي ويصب في مصلحة الجميع»، ويضيف رحمه الله: «المشروع يشكل أحد صمامات الأمن الإقليمي وسيوفر على المنطقة قلاقل ومشكلات قد تتعرض لها اليمن في ظل الصعوبات الاقتصادية الكبيرة ومشاكل الفقر والأمية والتطرف».
    مقابل ما يطرحه الدكتور الربعي -يرحمه الله- وغيره من المفكرين الخليجيين نستطيع أن نؤكد أن الغالب على سياسة الخليجيين تجاه اليمن ظل قائما على أساس عدم الاكتراث والاهتمام وأحيانا لا يعدو أن يكون الاهتمام استغلالا لظروف اليمن السيئة وأحيانا أخرى تكريساً للظروف السيئة نفسها.. وقد يقول قائل يا لكم من جاحدين أيها اليمنيون! الخليجيون يساعدونكم منذ زمن فلمَ كل هذا الجحود؟ وصحيح هناك مساعدات تلقتها اليمن منذ عقود وهناك مشاريع ساهم في إقامتها الإخوة السعوديون والكويتيون والإماراتيون منذ عقود والقطريون منذ وقت. غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن كل ما قدم لليمن هو دون مستوى حاجات اليمن التنموية بكثير ودون مستوى الإمكانات المتاحة لدول الخليج ودون مستوى الواجب والمسؤولية الأخلاقية والقومية ومتطلبات المصلحة المشتركة بكثير.. ويكفي أن مستوى تلك المساعدات أبقى على اليمن دولة من أفقر دول الدنيا وهي بجوار أشقاء هم من أكثر دول العالم ثراء..
    ولو أن تلك المساعدات التي قدمت لليمن كانت بمستوى معقول لما كان هناك حاجة حتى إلى فكرة تأهيل اليمن للاندماج في مجلس التعاون التي تطرح الآن والتي ربما يطول أمدها أكثر بكثير مما يمكن تصوره.. كان يمكن أن تكون اليمن «مؤهلة» وجاهزة ولكانت الفجوة التنموية بين اليمن والخليج ليست كبيرة بالحجم الذي هي عليه الآن. ولكان التفاوت في مستويات الدخل بين اليمن والخليج ليس بنسب وأرقام فلكية كما عليه الحال. لقد كان مستوى وحجم المساعدات التي قدمت لليمن ليس أكثر من «قوت لا يموت» -على حد المثل الشعبي - أي بقدر ما يبقي اليمن بين الحياة والموت..
    غير أنه يبدو أن هناك متغيرات إيجابية تجاه اليمن تقودها المملكة العربية السعودية وتتحمس لها قطر ولا تمانع عنها عمان والبحرين فيما تتلكأ إزاءها الإمارات ولا تزال تتحفظ عليها الكويت.. وكون خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز نفسه يقود عملية الدفع إلى الأمام باتجاه تسريع دمج اليمن في مجلس التعاون منذ قمة مسقط عام 2001م فإن ذلك مما يعزز التفاؤل بمستقبل المنطقة كلها.
    ولا شك أن دور خادم الحرمين الشريفين الملك الجليل عبد الله بن عبد العزيز جدير بالتقدير، كما أن تصريحات جلالته الودية العديدة تجاه اليمن وأهلها جديرة بالعرفان والاحترام.. ولعل الزمن القريب يكون كفيلا بإزالة تلكؤ الإمارات وتحفظ الكويت اللتين كانتا أكثر حماسا تجاه اليمن قبل كارثة غزو الكويت عام 1990م.
    وفي كل الأحوال لا بد من التأكيد على أن كل ما تم إلى الآن لا يرقى إلى مستوى الحاجة والطاقة الاستيعابية لليمن والوفرة المتاحة للأشقاء التي قد لا تتكرر مستقبلا.. ويبدو أن أقل من مشروع «مارشال» خليجي تنموي لليمن وفقا للمرحوم الدكتور الربعي لن يلبي الحاجات ولن يساعد على تأهيل اليمن للاندماج في مجلس التعاون في المدى المنظور.. ولعل اليمن كانت تتطلب مثل ذلك المشروع بشكل ملح بعد حرب صيف عام 1994م وربما كان مثل ذلك المشروع مطلوبا بعد الحرب الأهلية التي دارت في ستينات القرن الماضي.
    ولعل كلام الملك فيصل يرحمه الله «نحن قد ساهمنا في تخلف اليمن وخرابه أما الآن فنحن على استعداد أن نساهم في عمران اليمن حتى لو تقاسمنا رغيف الخبز نصفين..» ليس بعيدا عن ذلك السياق.. وينصب في صلب الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والقومية تجاه اليمن.. لكن ربما أنها كانت قد جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.. فهل يمكن القول إنه قد حان الآن زمن الإبحار الآمن وإن رياح التغيير تهب في الاتجاه المناسب؟


    تحسين وضع العمالة.. التخلص من رق الكفالة
    طالما سمعنا ثناء حسنا على العمالة اليمنية في دول الخليج فيما مضى وقد ظلوا محل ثقة أهلهم في الخليج على مر السنين.. وعلى الرغم من أنه كان للكويتيين رأي متشدد تجاه موقف الحكومة اليمنية إزاء غزو الكويت غير أننا كنا نسمع كلاما إيجابيا متواترا من مواطنين كويتيين كثيرين تجاه اليمنيين الذين كانوا يعيشون في الكويت أثناء الغزو المشؤوم خلافا لما كان يروج عنهم في السعودية والإمارات أثناء الغزو حيث مورس إزاءهم نوع من التخويف والإِشاعات والقيود خصوصا أولئك الذين كانوا يعملون في خدمات تقديم الأطعمة في السعودية بحجة مخافة «تسميم» الأطعمة كما أشيع حينها!
    وبالمقارنة مع ما حصل جراء الغزو العراقي للكويت فإن اليمنيين المقيمين في السعودية لم يكونوا يتعرضون لأذى يذكر أثناء الحرب الأهلية في اليمن في ستينات القرن الماضي والتي كانت السعودية طرفا فيها، مع أن المشاعر كانت مؤججة في البلدين اليمن والسعودية تجاه بعضهما أثناء الحرب الأهلية اليمنية في ستينات القرن الماضي بما لا يقارن بما كان عليه الحال في التسعينات.
    لقد كرس الملك فيصل سياسة إيجابية تجاه اليمنيين المقيمين في السعودية وكان الحال كذلك أيضا حتى قبل عهده واستمر بعده لبعض الوقت.. وبعد الطفرة النفطية عقب حرب 1973 فتحت الأبواب لليمنيين على مصراعيها للعمل والتجارة والدراسة بدون تمييز يذكر بينهم وبين السعوديين. غير أن الوضع الخاص الذي كان يحظى به اليمنيون هناك بدأ يتقلص شيئا فشيئا في مجال الدراسة والتجارة منذ أواخر السبعينات وكانت إجراءات عام 1990 هي قاصمة الظهر حيث طبق على العمالة اليمنية نظام الكفالة المجحف الأشبه بالرق لأول مرة. وفي حقيقة الأمر فقد كان ذلك بمثابة قرار طرد غير مباشر لعشرات الألوف من العمال وكانت خسارة اليمنيين بالغة.
    ولا تزال إلى الآن تطال العمالة اليمنية إجراءات تمييز سلبية مقارنة بغيرهم. والغريب أن أشد وأقسى معاملة يلقونها في جدة ومكة وما حولهما! وعلى الرغم من أنه يفترض أنه قد زالت آثار حرب 1990م وتم توقيع معاهدة جدة عام 2000م التي أكدت على شرعية وديمومة اتفاقية الطائف إلا أن أيا من تلك الامتيازات التي كانت تحظى بها العمالة اليمنية لم يسترجع منها شيء. إننا في حين نطالب بإزالة نظام الكفالة من على كاهل العمال اليمنيين فإننا نؤكد أن نظام الكفالة بالكيفية التي يمارس ويطبق بها على العمالة في الخليج هو نظام ظالم ومجحف وغير إنساني.
    ومثلما تخجل البشرية المتحضرة من نظام الرق الذي كان سائدا قديما في بلدان كثيرة وإلى عهد قريب في منطقتنا أظن أنه سيكون لدى إخواننا في الخليج أبناء هذا الجيل ما يخجلون منه في المستقبل القريب جراء المظالم والاستغلال الذي يقع على فئة من البشر اضطرتها الظروف أن تخضع لنظام الكفالة.. وصحيح أن الكافلين ليسوا سواء.. لكن الذل والظلم والاستغلال الإنساني هو ما يميز نظام الكفالة بصفة عامة. والحق أنك أين ما ذهبت في أصقاع الأرض ستجد ذكريات العمال الخاضعين لنظام الكفالة في الخليج ذكريات مريرة.. . وإذا كان تبرمنا نحن اليمنيين من نظام الكفالة أكثر من غيرنا فلعل ذلك أمر طبيعي. ويصدق عليه قول الشاعر:
    وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
    على النفس من وقع الحسام المهند
    إن إحدى المزايا التي توقعها اليمنيون على الصعيد الشعبي والرسمي لمعاهدة جدة هو ما ستناله العمالة اليمنية من رعاية خاصة ومزايا وحقوق تعتبر مكتسبة بحكم الجوار والأخوة قبل أي شي آخر. ونتوقع أن ما كان ساريا قبل عام 1990م يعبر عن القاعدة أما ما حصل بعد 1990م فيعتبر استثناء.
    وعندما يجري الحديث عن حث الخطى لتأهيل اليمن للاندماج الكامل في 2015م فيما يبقى وضع العمالة على حاله فإنه لا بد أن تساورنا الشكوك في وضوح الرؤى فيما يخص الاندماج المفترض. حيث يفترض أن تحسين وضع العمالة تسبق مرحلة الاندماج والتي تعتبر مرحلة متقدمة.


    واجب اليمنيين تجاه اليمن
    ليس بوسع أحد أن يكون يمنيا أكثر من اليمنيين مثلما قال الدكتور أحمد الربعي -يرحمه الله- في مقالته المشار إليها آنفا.. إن اليمن التي تظهر حسن نوايا وحكمة معتبرة في علاقاتها مع جيرانها وأشقائها تتطلب قدرا أكبر من حسن النوايا والحكمة وبعد النظر في التعامل مع الذات وهناك قضايا يجب أن يتعامل اليمنيون معها بجدية بالغة ومسؤولية كاملة وربما بطريقة مغايرة للمألوف وهي:

    خياران للاستقرار السياسي والنهوض التنموي
    يبدو أن مجمل ظروف اليمن السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بداية تسعينات القرن الماضي لم تكن مهيأة للتعاطي مع عدد من المتغيرات والتحولات الكبرى دفعة واحدة كتحقيق الوحدة اليمنية والتعددية الحزبية ومواجهة تبعات حرب الخليج الثانية. لكنه لم يكن أمام اليمن سوى أن تفعل ذلك. ولذلك فإنه ومنذ بداية التسعينات يسود الحياة العامة في اليمن قدر هائل من الخلاف والاضطراب والشقاق تمخض عنه حالة من الارتباك والإحباط لدى الناس عامة. ونتيجة للخلافات السياسية المستمرة والمناكفات فقدت البلاد ما يمكن تسميته سمعة حسنة «GOODWILL».
    وعند حضور رئيس الهيئة العامة للاستثمار صلاح العطار إلى مجلس النواب أكد أن سمعة اليمن في الخارج ليست إيجابية.. ونتج عن ذلك تيئيس للمستثمرين المحليين والأجانب. وترتب على ذلك أيضا أن هناك فئات وجدت ضالتها في حالة عدم اليقين التي تسود البلاد منذ عام 1990م. ولا شك أن تلك الفئات ترغب في استمرار حالة عدم اليقين لأطول فترة ممكنة ومن أولئك الفاسدون الذين يحققون أعلى مكاسبهم في ظل الشقاق والاضطرابات والحروب. ولا شك أن الفساد الذي عرفته البلاد في الفترة المشار إليها كان مهولا.
    وكذلك فإن المتطرفين كالحوثيين أو القاعدة ظنوا أن ساعة تحقيق أحلامهم الغريبة وأهدافهم المرفوضة قد أزفت. ولذلك دخلوا على الخط، وحملوا السلاح وقاتلوا كل بطريقته وتضررت سمعة البلاد ومكانتها أكثر.
    المؤتمر الشعبي العام يحكم منذ 18 عاما إما من خلال ائتلاف أو منفردا، وقد تخلل تلك الفترة حرب صيف 1994م الدامية وسلسلة حروب الحوثي الخمس وهجمات عديدة للقاعدة.. وتخلل ذلك أيضا اضطرابات عنيفة على خلفية إصلاحات سعرية وكان للمعارضة دور في تأجيج تلك الاضطرابات والتحريض عليها، وكان دافع المعارضة إلى التحريض ليس بالضرورة ما قدرت أنها سياسات خاطئة للحكومة لكنها حسبت أن تأجيج الرأي العام سيجعلها تكسب انتخابيا بغض النظر عن أي شي آخر.
    فالسياسة قصيرة نظر عادة والمعارضة تشعر أن المؤتمر يمارس عليها إقصاء يكتسب صفة الدوام. لكن انتخابات 2006م أثبتت العكس حيث فاز المؤتمر بالأغلبية في المجالس المحلية وبالرئاسة. ويبدو أن المعارضة قد شعرت بالإحباط الأمر الذي دفع بها إلى النزول إلى الشوارع على نحو لا يزال محدودا نسبيا لكنه ضار ومربك بما فيه الكفاية حتى أن حكومة المؤتمر شكَت كثيرا من العرقلة التي تواجهها من المشترك في تنفيذ برنامجها.
    وقد سكتت المعارضة كثيرا عن الحوثيين نكاية بالمؤتمر، واستغلت الحراك الجنوبي ورعته وشجعته لبعض الوقت إلا أن نبرة التشجيع خفتت أو كادت أن تختفي بعد حادثة مهرجان الضالع التي واجهت فيه مجاميع الحراك الجنوبي المشترك وهتفت «لا مشترك بعد اليوم».. هل سيكون مجديا أن تكون المعادلة السياسية في المستقبل على أساس حزب يحكم وآخر يعتصم وينزل إلى الشوارع؟ بالطبع لا، لأن الضحية لذلك سيكون الإنجاز والنجاح والتنمية والاستقرار، إن لم يحدث ما هو أخطر وأعظم -لا سمح الله.. أما حكاية حزب يحكم وآخر أو آخرون يعارضون فلا تزال مسألة فيها نظر في وطننا العربي كله، ذلك لأنه لم يصل أي حزب معارض إلى الحكم إلا في حالة المغرب مرة واحدة حيث وصل اتحاد القوى الاشتراكية بقيادة عبد الرحمن اليوسفي وتم ذلك برغبة ملكية بعد أن بقي ذلك الحزب في المعارضة حوالي أربعين عاما..
    هناك خياران للاستقرار والتنمية في اليمن في تقديري: إما ائتلاف لأحزاب رئيسة تتحمل مسؤولية النهوض بالبلاد وتنميتها. وتكون لذلك الائتلاف ديمومة زمنية طويلة نسبيا لا تقل عن عقد من الزمن -وسيكون مناسبا الاهتداء بتجربة ماليزيا- أو التحول إلى نظام رئاسي كامل. ولعل النظام الرئاسي الكامل أنسب لليمن لما يتحقق في ظله من استقرار وفصل واضح وكامل بين السلطات.. وهو -أي النظام الرئاسي الكامل- يحقق مبادئ الديمقراطية في نفس الوقت.. والحق أن العالم يتجه إلى النظام الرئاسي من حيث الممارسة خلافا لما يتوهم أو يدعي البعض وقد أشرنا إلى ذلك في تناولات سابقة -أفكار حول إصلاح نظام الحكم- ولا أظن أن هناك من يرغب أن نكرر في اليمن نموذج باكستان أو بنغلاديش أو حتى موريتانيا..
    إن معادلة حزب يحكم وآخر يعتصم في الشوارع والميادين لن توفر مناخا ملائما للتنمية على الإطلاق. ولن يكون يسيرا أن تتحقق التنمية المنشودة في ظل أوضاع هي أقرب إلى الاضطراب والإرباك والمناكفة منها إلى الاستقرار ووضوح الرؤى ودرجة عالية من الإجماع.. وهناك بالطبع حاجة ماسة إلى إجراء الكثير من الإصلاحات التي تتطلب إجماعا سياسيا وشعبيا.. ولا يكفي لتحقيق ذلك أن يكون لدى حزب بعينه أغلبية مريحة في البرلمان في حين أن آخرين يملكون تأثيرا بالغا على الرأي العام.


    انتشار السلاح.. تقويض التنمية والحياة ذاتها
    كان بإمكان الحكومة اليمنية التعامل مع قضية السلاح بشكل أكثر جدية عما ظل عليه الحال لسنين طويلة.. وليس بإمكاننا سوى التأكيد على أن موقف الحكومة كان ضعيفا ومترددا بل وغريبا فيما يخص انتشار السلاح في اليمن. والأغرب أيضا أننا لم نكن نعدم طرح تبريرات رسمية عديدة تنافح عن مزايا حمل السلاح من قبل المواطنين اليمنيين.
    ويبدو أن الحكومة لم تدرك الخطر الماحق لحمل السلاح إلا بعد أن رفع الحوثيون السلاح في وجه الدولة مبررين أن تسلحهم حق لهم مثلما هو حق لبقية المواطنين اليمنيين.. والحق أن انتشار السلاح كان ولا يزال مهددا للأمن والاستقرار والاستثمار والتنمية بل والحياة ذاتها في اليمن.. ولا بد من احتكاره بيد الدولة فقط.. وبالمقابل فإن الدولة يجب أن تكفل الأمن والعدل والاستقرار لكافة المواطنين والزائرين والمقيمين في أرض اليمن.. وهذا هو واجب ووظيفة كل دول العالم دون استثناء.
    وإذا انتفى الأمن والعدل فلا يبقى أي معنى لوجود الدولة أو وظيفتها.. ولعل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ فترة تجاه منع حمل السلاح في المدن الرئيسية كانت إجراءات مهمة ومناسبة مع أنها قد تأخرت عن وقتها الصحيح لزمن طويل.. لكن يبدو أن هناك الآن نوعا من التراخي إزاء الاستمرار في تطبيق إجراءات منع حمل السلاح في المدن وهناك نوع من التمييز في تطبيق تلك الإجراءات.. وقد تقدم الكاتب بسؤال في البرلمان لوزير الداخلية السابق الدكتور العليمي الذي نفى وجود التمييز.. وكان هناك مقترح تقدم به الكاتب أثناء التعليق على إجابات الوزير في مجلس النواب مقتضاه فرض صلح بين القبائل والعشائر المتقاتلة بقوة القانون لمدة خمس سنوات ويتجدد ويتضمن عقوبات رادعة لمنتهكيه. وقَدّرتُ أن كثيرا من القضايا ستعالج أثناء الصلح وما لم يعالج يتولاه القضاء. واستحسن الوزير الفكرة غير أن تسارع الأحداث والانشغال بتطورات حرب صعدة ربما لم تساعد على بلورة المقترح إلى الآن.. والحق إن صلحا بقوة القانون يتضمن عقوبات رادعة سيكون ناجحا بما فيه الكفاية خلافا لصلح فخامة الرئيس الذي كان يعتمد على حسن النوايا فقط وأمكن انتهاكه في حالات كثيرة.. بالطبع هناك ارتباط بين انتشار السلاح وظاهرة الاحتراب القبلي والثارات وضعف دور الدولة في توطيد الأمن وبسط العدل، وهناك ارتباط أيضا بين كون اليمن غابة للأسلحة ومحطة ترانزيت وتهريب إلى دول الجوار..


    القات.. ملك الفوضى وشيطان التخلف
    يعد القات أخطر مشكلة تواجه اليمن ويعتبر ملك الفوضى بلا منازع، وهو شيطان التخلف الأكبر ومصدر البؤس وأساس الشقاء.. وإذا سَلَّمْنَا أن إزالته لم تكن يسيرة فيما مضى فإن سياسة الحكومة إزاء مشكلة القات ظلت أقرب إلى التقاعس منها إلى إي شي آخر.. ولو وجدت مشكلة القات في دولة أخرى لما ظلت تتعامل معها على النحو الذي نتعامل معه نحن.. كان بإمكاننا أن نحد من استهلاكه ومن زراعته ومن انتشاره في الأماكن التي لم تعرف استهلاكه وزراعته من قبل لكننا لم نفعل.. ومثل أي ظاهرة سيئة تعمم في بلادنا فقد تعممت فوضى القات حتى في حضرموت والمهرة حيث لم يكن منتشرا من قبل.. لطالما تعاملنا بنوع من الاستهتار مع قضية القات والسلاح.
    إن علينا أن نكف عن الاستهتار حيث يبدو أننا لا نحمل أهم قضايانا وأمورنا محمل الجد، ولا يسع المرء إلا أن ينوه بسياسة حكومة الجنوب سابقا تجاه تعاطي القات حيث نظمت استهلاكه بيومين في الأسبوع فقط..
    ومنعت وصوله إلى المناطق التي لم يصلها من قبل كحضرموت والمهرة. أما الآن فقد ترك له الباب على مصراعيه، ولا بد أن ندرك أن من المستحيل لليمن أن تعرف تنمية حقيقية والقات لا يزال سيد الموقف.
    قبل أشهر أجرى البنك الدولي دراسة خلصت إلى توصيات بأهمية تخفيض استهلاك القات ويبدو أن خفض استهلاكه حتى إلى النصف سيكون غير كاف.. وتبدو الحاجة ماسة إلى مبادرات تمهد لاستراتيجية القضاء على آفة القات من اليمن.. ولأن رجال الدولة هم من تغاضى عن القات وتعاطاه عبر العهود والعصور مما شجع على انتشار تعاطيه باعتبارهم نماذج تحتذى فسيكون لزاما أن يبدأ رجال الدولة أنفسهم في الامتناع عن تعاطي القات وتقديمه في المناسبات كزواج أبنائهم مثلا.. ولحسن الحظ فإن عددا كبيرا من رجال الدولة لم يعد يتعاط القات ابتداء بفخامة الرئيس نفسه.. وكثيرا ما يندد فخامة الرئيس بالقات ويحذر من تعاطيه، ولذلك سيكون مناسبا اشتراط عدم تعاطي القات لمن يشغلون مناصب قيادية في الحكومة والجيش، ولمن يعرف القات فإن الأمر ليس مستحيلا أبدا، فكل الذين يتعاطونه ينسونه بمجرد مغادرتهم حدود اليمن، وكثيرون تخلصوا من عادة مضغ القات بعد أن كانوا يتعاطونه لزمن.



    الفساد.. حرب بلا هوادة
    لا بد من الاعتراف أن كل ما قمنا به إلى حد الآن غير كاف لمواجهة الفساد.. صحيح هناك قوانين ومؤسسات أنيط بها مكافحة الفساد لكن كل ما حصل إلى الآن يعبر عن حسن نوايا مفترضة في أحسن الأحوال ليس أكثر، وإلى الآن فإننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، ولا بد أن نشير إلى أنها قد أتيحت فرص للإصلاح لكننا لم نستغلها لمكافحة الفساد.
    إن ما يستولي عليه مسؤلو الدولة من ثروات أثناء توليهم مهام أعمالهم هو فساد خالص وظلم مبين وخيانة لأمانة المسؤولية. ولذلك سيكون مهماً أن يُشاطَرَ المسؤلون الذين أثروا على حساب الوظيفة العامة جزءا من أموالهم على الأقل مع أن العدل يقضي بأن يُسْتَعَادَ كلما آل إليهم من ثروات على نحو غير مشروع. وسيظل من غير المعقول بل ومن الظلم والجور أن يفلت الفاسدون بما استولوا عليه من الأموال والثروات في حين نطالب آخرين بأن يقدموا لنا يد العون.
    وأشكر الأستاذ أحمد الزهيري الذي بعث لدي قدرا من الأمل عندما أكد لي أن هيئة مكافحة الفساد قد بدأت تنشط وضبطت عددا من الحالات. لكننا نريد أن نرى فاسدين من الكبار يحاكمون ويجازون ويستعاد ما استولوا عليه من أموال وثروات بشكل غير مشروع.
    ومن غير شك فإن دول الخليج التي نتطلع إلى الاندماج معها تعاني هي الأخرى من فساد خاص بها وفقا للمعايير الدولية لكن أثره السلبي غير ملحوظ على حياة عامة الناس بالنظر إلى الوفرة الاقتصادية والمالية والسياسات الحكومية التي تسهم في إعادة توزيع الدخل وبالتالي فإن الطبقة الوسطى في أقطار الخليج تعد من أوسع الطبقات على مستوى العالم.



    تصاريف القدر أم تدابير البشر
    في الوقت الذي نتطلع فيه إلى مساندة أشقائنا وأصدقائنا فلا بد من التأكيد أن مسؤولية مستقبل اليمن ونهضتها يتحملها أبناؤها وحدهم. وليس بإمكان بلد في الدنيا كلها أن يتكل في مهمة نهوضه على آخرين.. ولا أن يكل مهمة تدبير شئونه إلى الحظ والصدف.. إن مصير الأمم والشعوب يجب أن تحدده تدابير البشر وليس تصاريف القدر.. وأكرر ما سبق وطرحت في تناولات سابقة وأقول: إننا لم نبدأ البداية الصحيحة الواثقة في طريق المستقبل الواعد بعد!
    واختتم بعبارات لرئيس وزراء سنغافورة السابق الشهير «لي كوان يو» وردت في كتابه « قصة سنغافورة 1965م- 2000م: من العالم الثالث إلى الأول؛ حيث يقول: «لا نستطيع تجاهل حقيقة أن النظام العام والأمن الشخصي والتقدم الاقتصادي -الاجتماعي والرخاء والازدهار ليست من النظام الطبيعي للأشياء، وأنها تعتمد على جهد دؤوب لا يكل وانتباه متواصل لا يمل من قبل حكومة صادقة ومخلصة وفاعلة يجب أن يختارها الشعب». ويقول أيضا: «إن سنغافورة بلد من صنع أيدينا».. هنري كيسنجر الذي قدم لذلك الكتاب الرائع يقول في المقدمة: «إن التاريخ يظهر أن الحسابات العادية يمكن قلبها بحكمة ودأب الشخصيات الاستثنائية».. «وإن كل إنجاز عظيم يكون حلما خياليا قبل أن يصبح واقعا حقيقيا..».في بداية الستينات كانت سنغافورة بلداً فقيراً وصغيراً في مهب الريح وصارت الآن ملء السمع والبصر وتضاعف متوسط الدخل فيها من 400 دولار في بداية الستينات إلى ما يقارب 30*000 دولار الآن..
    لنتخلص إذن من الأنانية والجشع والفساد والارتجال وستكون اليمن بخير! وسيكون حال منطقتنا وأمتنا أفضل بلا ريب..

  2. #2

    الصورة الرمزية عاشقة الإنشاد
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    بين أحبتي في الله
    المشاركات
    16,324
    معدل تقييم المستوى
    635

    رد: حروف من ذهب

    لنتخلص إذن من الأنانية والجشع والفساد والارتجال وستكون اليمن بخير! وسيكون حال منطقتنا وأمتنا أفضل بلا ريب..
    اخي علي الملجمي موضوعك حمل الكثيييييييييير من التفاسير التي كنت اتساءل عنها
    اخي اليمن غاليه على قلوبنا ولكن لو ان السلاح والقات مش موجودين لكنا على سعاده كبيره وعلى الدوله اتخاذ قرارات صارمه ولكن اين ذلك ؟؟؟
    اخي الايام جااااااااااايه والله يحفظ الشعب اليمني ويديم الامن والسلامه به
    بس يجوب في بالي لييييييييييييش السلاح مرخص لاهل اليمن .


    سلمت يداك على موضوعك وبوركت دوماً
    لك مني كل الاحترام والتقدير
    التعديل الأخير تم بواسطة عاشقة الإنشاد ; 27-08-2008 الساعة 10:45 PM
    سأظل اتذكر بأن لدي اخوان واخوات في عائلتي شباب اليمن ووصآل دعآئي لكم لا ينقطع
    تذكروني بدعوة بظهر الغيب ولكم مثلها

    واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي(( أحبكم في الله )) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    **********************


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3

    الصورة الرمزية العطيفي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    العمر
    41
    المشاركات
    17
    معدل تقييم المستوى
    0

    رد: حروف من ذهب

    السلام[size="4"] عليكم ورحمة الله
    الشكر للاخ علي الملجمي حول ماطرحه في موضوع المهم للمواطن اليمني وتعديل نظرة الاخوه الخليجيين لليمن وتضمن موضوعك :
    بداية معاهدة الطائف والاتفاقيات
    والغزو العراقي لدولة الكويت واثاره السلبية على العلاقة الخليجية اليمنية
    حرب 1994م بين الشمال والجنوب واثارة على اقتصاد اليمن
    اما حال المقيم اليمني في دول الخليج وما يتعرض له من قوانين الكفاله والاقامة نحن لانرفض الاقوانين والانظمة ولكن ان تصنف اليمنيين ضمن القائمة السوداء للاقامات عند التقديم على تأشيرة النظرة الاول للموظف المحتص على الجنسية اذا راء " اليمن" وضع عليها دائرة بقلمه وعند السؤل عن المشكله لا تلاقي جواباً شافياً مقنع ،كذلك المغترب اليمني يفرح بعودته الى اليمن ليلقي نفسه مغترب بواطنه الى اين المفر؟1.
    حول السلاح والتي اثارته الاخت انا لست ضد حمل السلاح ولكن يكون بطريقه قانوينه وليست عشوائيه اذا الامن والقانون وجد بقوه في اليمن فسنكون بخير ولو حملاً مدافع.
    من ناحية القات اذا تم محاربة الاسمادة والسم الخاص بشجرة القات الظاهر في اليمن والممنوع دولياُ والذي يدخل بطريق التهريب بمساعدة اصحاب النفوس الضعيفه عبدت الدولار والدرهم وقيام دولتنا المبجله بايجاد البديل المفيد للشعب وللدولة والعمل بأمانه واخلاص في حب الوطن وليس حب البطون والاهتمام بالمتعلمين والاستفادة من علمهم وخبراتهم وان لا تقتصر على ابناء المسؤولين.

    اما الفساد في اليمن صرت كلمة بسيطه بالنسبة لوضع اليمن المزري اعتقد ان الفساد من الجميع حتى من الشعب نفسه "لا يغير الله ما بقوماً حتى يغيروا ما بانفسهم" نريد ازدهار اليمن وتطورها واظهار ذلك بتطبيق القانون والانظمه على الجميع، بسبب الفساد توجد طبقتين في اليمن الطبقه الفقيرة والطبقة الغنية لا توجد طبقة اخرى


    "اللهم لا اسألك رد القضاء ولكن اسألك الطف فيه"
    [/size
    ]

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تقاسيم .. حروف
    بواسطة انور الماس في المنتدى ملتقى المواضيع العـامـة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-02-2012, 01:56 PM
  2. أبي خروف
    بواسطة الصـامد في المنتدى ملتقى الاستراحة والترحيب بالأعضاء
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 31-01-2011, 06:09 AM
  3. حروف من أول القلب
    بواسطة عبدالله عبيد في المنتدى ملتقى الشـعــر
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 26-01-2010, 10:50 PM
  4. حروف عربية
    بواسطة رسام في المنتدى ملتقى المونتاج والجرافيكس
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-03-2009, 10:03 AM
  5. حروف....
    بواسطة sumy. في المنتدى ملتقى الشـعــر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-12-2005, 09:57 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •