بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل ((:(( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من
غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد.
السلام عليكم ورحمة الله
الموضوع : فتوى للعلامة ابن عثيمين حول تغير النية
السؤال :
هل يثاب الإنسان على عمل فيه رياء ثم تغيرت النية أثناء العمل لتكون لله ؟ مثلاً لقد أنهيت تلاوة القرآن وداخلني الرياء فإذا قاومت هذه الفكرة
بالتفكير في الله هل أنال ثواباً على هذه التلاوة أم أنها تضيع بسبب الرياء ؟ حتى لو جاء الرياء بعد انتهاء العمل ؟
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه :
:
الوجه الأول :
أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل ؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس ، مِن أجل أن يمدحه الناس على صلاته ، فهذا مبطل للعبادة
.
الوجه الثاني : أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها ، بمعنى : أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله ، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة ، فهذه العبادة لا تخلو من حالين :
الحال الأولى : أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها ، فأولُّها صحيح بكل حال ، وآخرها باطل .
مثال ذلك : رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها ، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً ، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة
صحيحة مقبولة ، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص .
الحال الثانية : أن يرتبط أول العبادة بآخرها : فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين :
الأمر الأول : أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه ، بل يعرض عنه ويكرهه : فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله
تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " .
الأمر الثاني : أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه : فحينئذٍ تبطل جميع العبادة ؛ لأن أولها مرتبط بآخرها .
مثال ذلك : أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى ، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية ، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .
الوجه الثالث : أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة : فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها ؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .
وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة .
وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن " . انتهت فتوى الشيخ .
ومن باب إتمام الفائدة ينبغي ذكر أقوال أهل العلم الأخرى :
قال الإمام الحافظ ابن حجر في (( الفتح /م1 /ص18)) :
(( وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما يغاير الإخلاص فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان ابتداؤه لله خالصا ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم )) أ هـ .
وقال الإمام ابن رجب ( جامع العلوم والحكم :م1/ص17))
(( وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعة بغير خلاف فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم ذلك ويجازى على أصل نيته في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولي وهو مروي عن الحسن البصري . ))
الراجح :
ما فصله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ،وينبغي الانتباه إلى الفرق بين كل عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة ، وبين العمل الذي لايرتبط أوله بآخرة كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم ، فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية ))
وخير الختام السلام من السلام ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
المفضلات