الحمد لله رب العالمين وبعد نسأل من الله العظيم أن يكون كل ما أقوله ويقوله الأخوة في المنتدى خالصا لوجه الكريم لكي نسعد بحياة أبدية في دار لا نضل فيها ولا نشقى ، وبعد
إن الناضر بعين البصر والبصيرة إلى عالمنا العربي يجد عجباً ، يجد أنه ليس وحده الغلاف الجوي الذي يحيط بأمتنا ! بل هناك غلاف آخر من الظلم والقهر والصراخ والأنين ، غلاف تتلاشى معه الكلمات الحالمة ، والحروف المتفائلة وتبقى أمام أبناء أمتنا ( حسبي الله )
لذلك فإن حقيقة إمكانية مواجهة القوى الظالمة مهما كانت قوتها وجبروتها ، فإن العقيدة أقوى من التكنولوجيا وهي حقيقة يؤكدها الإيمان بمدد الله تعالى ، الذي يأتي للمؤمنين المجاهدين الصادقين ، الذين بذلوا غاية الجهد ، ومن ثم فإن القعود عن الجهاد والمقاومة بدعوى عدم تكافؤ القوى هي حجة مرفوضة شرعياً ومرفوضة على مستوى دراسة تاريخ وحوادث الصراع ، بل إن تلك الحجة ليست إلا وسيلة للهزيمة من قبل بدء المعركة وتوفير جهد الأعداء ، وهي لا تحقق قطعاً حقن دمائنا بل العكس هو الصحيح ، فالاستسلام عادة ما يؤدي إلى مذابح " مذبحة صابرا وشاتيلا مثلاً " وكل المذابح التي تمت من قبل ومن بعد .
من الناحية القرآنية يقول الله تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " . إنها نفس الحجج والخوف من مواجهة الأعداء وانتقامهم بدعوى عدم تكافؤ القوى .
في مراحل الصراع مع العدو الصهيوني والأمريكي – ومن قبل مراحل الصراع مع الاستعمار الغربي ، أي منذ أن بدأت عناصر القوة تكون في صالح أعدائنا ، فإن الخبرات المتراكمة تقول أن مواجهة العدو بجيوش نظامية أو بدول وحكومات فشلت إلى حد كبير ، وأن الطريقة الوحيدة التي تم بها النجاح في المواجهة كانت الحرب الشعبية ، والأمثلة كثيرة متواترة متكررة ، مع أولى الحملات الاستعمارية مثلاً " الحملة الفرنسية 1798 " نجحت المقاومة الشعبية التي نظمها الأهالي بقيادة علماء الأزهر في إخراج الحملة وهزيمتها حين فشل المماليك " الحكومة والدولة " في ذلك .
وفي الحملة العسكرية الأمريكية على العراق مثلاً 2003 فشلت حكومة العراق بجيشها الكبير وحزبها المنظم وقيادتها الصارمة في التصدي للعدوان، واحتل الأمريكيون العراق، ولكن المقاومة الشعبية اندلعت سريعاً، ونجحت في إنزال أكبر الخسائر بجيش الاحتلال، بل إنها صمدت رغم الظروف السيئة، وخيانة أحزاب وطوائف وزعماء وقادة ، صمدت للحملات العسكرية المتكررة طوال تلك السنوات منذ عام 2003 وهي على وشك تحقيق اندحار القوات الأمريكية .
الأمر نفسه تكرر مع حماس التي صمدت لكل أنواع ومحاولات التصفية ، ولا تزال تنفذ عملياتها وتطلق صواريخها ضد إسرائيل .
لا يرجع ذلك بالطبع إلى قلة أو ضعف الإمكانيات لدى الجيش الصهيوني أو الجيش الأمريكي، بل يرجع إلى أن الإيمان والإرادة أقوى من الطائرة والدبابة. وهذا من رحمة الله طبعاً بنا وبالبشر جميعاً، لأن من سننه تعالى أن الإيمان أقوى من التكنولوجيا، وأن المجتمعات أقوى من جيوش الظالمين.
فما معنى أنه في ظروف صعبة للغاية تنشأ حركات مقاومة مثل حماس والجهاد، لا تملك إلا إمكانيات بسيطة، وأنها تستطيع أن تقوم بعمليات استشهادية متكررة في الزمان والمكان، لمدة طويلة وفي كل مكان من أرض فلسطين التاريخية، في القدس وتل أبيب وحيفا على الساحل، في الشمال والجنوب في غزة والضفة ، وبديهي أن ذلك اقتضى اختراق تحصينات وتجهيزات واستخبارات صهيونية هي الأقوى من نوعها، ما معنى أن تفشل إسرائيل في منع تلك العمليات رغم جيوش العملاء، رغم الاستخبارات ورغم الميزانيات الباهظة، رغم الجيش القوي والتحصينات الضخمة، رغم الأقمار الصناعية، ورغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي، وأن تصل تلك العمليات في كل الظروف الصعبة والسهلة إلى داخل إسرائيل في القلب وعلى الساحل وفي الشمال والجنوب، معناه ببساطة أنَّ العقيدة قوة لا تُهزم – وهذا من رحمة الله والحمد لله رب العالمين .
Bookmarks