إنه الرجل الأمة والخطيب المصقاع والمتكلم المفوه والمحاضر البليغ والأديب الكاتب الذي كان يسحر الناس ويسلب قلوبهم ببلاغة بيانه وعذب لسانه وقوة منطقه وسلاسة معانيه حتى يجيشهم في الاتجاه الذي يريد.إنه القائد المحنك والرائد المقدام المستكشف الطريق لأمته نحو المعالي وهو الثائر أبدا على الطغيان والظلم والاستبداد والاستعمار وهو الوطني الغيور على أمته المباشر بالكفاح والجهد من أجل قضاياها وفي سبيل إصلاحها ونهضتها.وهو المفكر النابغ والعالم المتفنن المتجدد مع سعة إطلاع وعمق إدراك، وهو فارس السياسة وبطل حلبتها والدبلوماسي البارع والشجاع الباسل والقوي المراس الراسخ الوجدان الثابت الجنان.
والذي مثل قمة إنسانية في الحرية والشموخ والعزة والإباء فكان لا يعرف الخضوع والانحناء إلا لرب العزة سبحانه وتعالى وحده، وكيف لا يكون كذلك وهو صاحب الروح الإيمانية العالية والنفس المتدينة الشفافة.
وكان شعلة من النشاط والحركة وذا شخصية جذابة كالمغناطيس ذات المواهب والقدرات المتعددة حتى كان صدرا حيثما وجد ورأسا أينما حل ترنو إليه العيون عند الملمات ومن أعظم الأمثلة على ذلك أنه لما كان في القاهرة وغاب عنها الإمام البنا ذات مرة طلبوا منه أن يلقي حديث الثلاثاء نيابة عنه في الوسط المصري الزاخر بقمم العلماء والمفكرين.
إنه الرجل الذي كان لأحرار اليمن وزعمائها ونخبها -رجال ثورة الدستور 1948م/ 1367هـ- بمثابة الدينامو المحرك بعد أن ارتضوه قائدا لهم وأسلموه زمام أمورهم فكان رجل الثورة ورأس حربتها، وكان الشخصية المحورية على حد تعبير الدكتور عبدالعزيز المقالح فيها، وكان موقعه كذلك في ميثاقها الذي هو الدليل النظري لها والمسمى (الميثاق الوطني المقدس) والذي وضع خطوطه العريضة الإمام البنا والفضيل الورتلاني نفسه كما ذكر الأستاذ أحمد الشامي وغيره |
وظل الفضيل الورتلاني في سبيل بلورة الميثاق وإخراجه ومن أجل التحضير للثورة يطوف بين صنعاء وإب وتعز وعدن والحديدة وأسمرة والخرطوم والقاهرة وهو الذي اختاره قبل ذلك كله الإمام البنا ثم أرسله إلى اليمن من أجل تلك المهمة الصعبة علما بأن الإخوان المسلمين كانوا هم الرديف الخلفي لثورة الدستور 48م والقوة الوحيدة التي وقفت إلى جانبها وتبنت قضيتها وساندتها |
وقد تحدث التاريخ عن ذلك بتفصيل.
والفضيل الورتلاني واسمه إبراهيم بن مصطفى ولد في 6/2/1906م في ورتلان في الجزائر وحفظ القرآن الكريم وهو صغير ودرس علوم العربية والدين على العلماء في بلده ثم استكمل دراسته على يد الشيخ عبدالحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر والذي كان الأب الروحي الأول له ثم كان الإمام البنا الأب الروحي الثاني له ومن ثم كان الفضيل عضوا في جمعية العلماء تلك ثم صار عضوا في جماعة الإخوان المسلمين والأول أرسله لفرنسا كمندوب للجمعية والثاني أرسله لليمن من أجل ثورتها، وبذلك جسد الفضيل وحدة الأمة بحلقتيها العربية والإسلامية تجسيدا واقعا. |
ومن الأعمال التي قام بها الفضيل فضلا عن ذلك:
أنشأ في فرنسا العديد من النوادي الثقافية لتعليم العربية ومبادئ الإسلام ولاسيما في صفوف العمال والطلبة الجزائريين وقد أزعج نشاطه فرنسا والتي أوعزت لبعض المنظمات الإرهابية هناك ليغتالوه ولكن الله تعالى سلمه منهم.
كان الأمين العام لجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا، كما شارك في عدة جمعيات خيرية وسياسية كاللجنة العليا للدفاع عن الجزائر وجمعية الجالية الجزائرية.
كان من زعماء الجهاد والنضال في الجزائر وشارك في 17/2/1955م بتأسيس جبهة تحرير الجزائر -كما ذكر المستشار عبدالله العقيل- مع أمثال محمد البشير الإبراهيمي وممثلي جبهة التحرير الوطني أحمد بن بلاّ وحسين آية أحمد ومحمد خضير وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية.
وصل إلى مصر مطاردا من الاستعمار الفرنسي وهناك استقبل بحفاوة بالغة وكان من ضمن من احتفى به الشاعر والأديب الكبير علي أحمد باكثير وقال فيه شعرا فكان مما قال فيه (بحسب العقيل):
أفضيل هذي مصر تحتفل 00000000 بلقاك فانعم أيها البطل
أمسيت لا أهل ولا وطن 000000000 وغدوت لا سفر ولا نزل
لم تقترف جرما تدان به 000000000 كلا ولكن هكذا البطل
إن الفساد إذا اعترى بلدا 00000000000 فالمجرمون به هم الرسل |
كان الفضيل الورتلاني يتحرك في اليمن تحت غطاء أنه وكيل تجاري لشركة مصرية وكرجل أعمال وكان فعلا يزاول أنشطته في التجارة وما يتعلق بها فضلا عن مهمته الرئيسية.
وقد أثنى على الفضيل ثناء عطرا عظيما كثير من النخب والرؤوس اليمنية من أمثال د. عبدالعزيز المقالح والقاضي عبدالله الشماحي والأديب أحمد الشامي والأستاذ العزي السنيدار والقاضي أحمد بن محمد بن عبدالله الوزير وأبو الأحرار الزبيري والذي كان الفضيل الورتلاني له دالة كبيرة عليه، والأديب علي أحمد باكثير وغيرهم |
.
مات هذا البطل في مشفى في أنقرة -عاصمة تركيا- في 12/3/1959م.
منقول000
Bookmarks