سأقترب منك بهدوء لأداعب مشاعراً ظلت مكبوتة اعواماً وأعوام. مد لي يديك نلامس تلك النجوم البعيدة. مد لي يديك نلامس طيوفاً. دعنا نرقب سوية تلك الطيور البعيدة و التي تلوح في الأفق. دعنا ننسج ظلال أسطورة في الغمام تألف المحال. دعنا نستبيح قداسة تراتيل ناسكين على أطلال السنين. شرود يقطع الأميال بدفء الرؤى، لتحضن أجنحته قطرات الندى في سكون الليل وخفقات الترحال. دوت كلماتي من وقع احتراق الغربة في أضلع القوافي لتسكنها العبرات. تناجيك ولا صدى لرجع الذكريات.

طفت بسمائك طيراً مهيض الجناح يترنح من شدة سكرات الذات، ويروي للسهول خفايا وأسرار، تكاد من صبرها تشق الصدور تلوعاً من صدع النازلات. وتنزف يا حلمي وتشقى بصمت، والأنام يغطون في سبات. أوقدت ذاكرتي، فاشتعلت حمماً على شفاه الجرح. أوقدت ذاكرتي فتطايرت ألسنة لهب الماضي.

أيها الحاضر الغائب في أنشودة شقائق النعمان. أضحت همساتك ألحاناً تنسج بيوت العناكب و تطلقها صوب الريح، لتجعل من شتاتنا لوحة يرسمها القدر ويلقي برفات ماضينا على ثوبك الأخضر في ليلة هادئة تُزف فيها عروس إلى وحوش برية ، نهشوا عذريتها واستباحوا ضفائرها. هانت عليهم تأوهاتها المطعونة، وما استفاقت النخوة على أسوار حصونهم ليلة، ولا استنار القمر وخز الضمير على حطام النجمات. صلبوها وكللوا الحب أشواكا على جباه طفولتها، فبكت وفاضت من عينيها الدموع أنهاراً.


عافتني المنافي وحملني الأثيرعاشقاً، يرتل الصلاة متعثراً بحمى الصمت، تجره ذيول الخيبة من تخاريف صبي تلاعبت به رياح العشرين عاماً. تخنقني السنين الصارخة وما حملت من نحيب الثكالى وآلام الطفولة، لغدر الصبية في مرابعكَ يعبثون بخيوط الفجر، فأضحى الحلم ركاماً. قصائدنا ما عادت ترتوي بعدما جف هواك، وأقلامنا باتت أصناماً للملذات.

ارتحلي يا أهزوجة العيد وابتعدي إلى ما بعد الوجود. فعشقك ما عاد اليوم ملاذك ، ومدنه أضحت مراتعاً للأشباح التي سكنت وجعي، فدمرت كينونتي..انسانيتي! ما عاد الحلم يداعب المِداد، وقراءة خارطة التيه تطل بخنجر مسموم يسخر من كل العطاءات.فنخب مأساتنا وطني، نشربه بجماجم الضحايا الأبرياء، وننثر على القبور نزف الحيارى وما تبقى من ذاكرة الأوطان.

أصرخ إليك مستغيثاً فهلا عدت إلي ؟ عد إلي و خذني إلى عالم لا تباع فيه الفضيلة في محافل الشيطان ، ولا ضحكات الطفولة ُتغتال في وضح النهار، وأكاليل العوسج تتكسر تحت نعش البسطاء. خذني معك ودعنا نرحل لأبقى شامخاً كالطود شرارة تطلقها من رحم التراب ثورة. خذني معك ودعنا نرحل بعيداً لنستعيد أمجاد محبتنا على دوي أهازيج الصبايا في عرس الشهداء.واحملني إليك فراشة تتعطش للنور ودعها تحترق لتسقط رفات يتخضب بها التراب، ودعدني أبحر بعينيك أغنية تحييني بعد الغرق.

بقلم/ الإمبراطور