يقول ميكافيلي في كتاب الإطروحات :أرى أن لا أتحدث عن المدن التي كانت منذ مستهل عهدها خاضعة لسلطة مدن أخرى، وان احصر حديثي في المدن التي كانت منذ بداية نشوئها في منجاة من أية عبودية خارجية، وكانت تُحكم طبقاً لرغباتها وحدها، سواء أكانت من الجمهوريات أو من الإمارات. ولما كانت هذه المدن تختلف في منشئها، فقد اختلفت أيضاً في قوانينها ومؤسساتها. فلقد أتيح لبعضها منذ مستهل عهدها، أو بعد قيامها بأمد قصير، شخص يظهر في وقت من الأوقات يشرع لها قوانينها، كما حدث بالنسبة لإسبارطة، التي سن لها ليكرجوس شرائعها، بينما حصل البعض الآخر، عرضاً على هذه القوانين في أوقات متفاوتة، بتفاوت الظروف، وهذا ما حدث بالنسبة إلى روما مثلاً. إنتهى
وإذا ما رجعنا إلى المقاطعات اليمنية سابقاً وحاولنا أن نستنتج هل كانت تخضع لحكم العبودية والتدخل الأجنبي في حكمها أم أنها سنت قوانينها بذاتها ونظمت حريتها على حدود أقاليمها .
قد يوافقني الكثير من المفكرين والمثقفين على أن اليمن ومنذ القدم كانت تخضع لضغوط خارجية ولا زالت كذلك حتى يومنا وهذا منافي لمسمى السيادة الوطنية على الأرض والذي يتغنى به الكثيرين فجميعنا يعلم أن اليمن وحتى هذه اللحظة هي عبارة عن حلبة صراع لعدد من الدول المجاورة والتي تحاول أن تبسط سلطتها ونفوذها في داخل اليمن ومن يكون له التفوق سينتصر أخيراً .. وجميعنا يعلم أن السيادة الخارجية على اليمن (أي إدارة اليمن من الخارج) لا يمكن أن تتم إلا بورقة الضغط الخطيرة .. المادة بمعنى آخر .. تقديم المساعدات .. الشيكات المفتوحة .. وفي الحقيقة لا أعلم من المستفيد .. وهل اليمن مهمة لهذه الدرجة بحيث يتسابق عليها الجميع ؟!! قد يكون لموقعها الجغرافي أهمية كبيرة ولكن عدا ذلك فلا أجد في اليمن شيئاً يدعو إلى البهجة .
القضية الأخرى هي الجنوب العربي .. أو الجزء الجنوبي من وطننا الحبيب والذي يشهد هذه الأيام حمى المعترك السياسي والحمم البركانية المتهيجة بعد خروجها من إطار المعقول إلى إطار اللامعقول سواء كان ذلك بالمظاهرات التي تحولت إلى دماء حقيقية أم بالحوار السياسي الذي أصبح في الآونة الأخيرة مجرد نعيق من طرف واحد ولا يندرج تحت مسمى الحوار .
طالب بالإنفصال فهذه حرية شخصية كفلها لها القانون .. عبر عن آرائك الشخصية وإصدح بها بل وإطبع المئات من الشعارات الرنانة التي تستهوي أفئدة الشارع الجنوبي .. كل ذلك مسموح .. ولكن أن تخرجنا من يمنيتنا وتحاول أن تغير التاريخ وذلك بفرضك مسمى الجنوب العربي فهذا ما لا أقبله منك ..
وهل تطمح أن تتغير جنسياتنا مستقبلاً من يمني إلى جنوبي عربي .. في الحقيقة أجده إسم طويل نوعاً ما .. أم أنك تحاول أن تختصره في كلمة جن عربي .. لا أعتقد أنها فكرة صائبة أيضاً وقد توافقني الرأي أنت ..
بل إنني أتعجب فعلاً فقد أصبح مسمى الجنوب العربي دارج بل ولم يعد يذكر الإنفصاليين كلمة اليمن البتة ويا سبحان الله هل أصبح حب الأرض إستطاع أن ينسينا هُويتنا وأن يذهب بها أدراج الرياح .. فتباً لها من أرض إن لم تكن تحمل تاريخ منذ الأزل .. وهيهات هيهات أن نخرج من قوقعتنا المنتنة إن أصبحنا نفكر بمصالحنا الشخصية .
دائما ما نلقي بأخطائنا على أي شيء قريب من الحدث .. فهل نلقي خطئنا هذه المرة على كلمة " اليمن " ونحاول أن نخرج منها .. ولا أجدني إلا أقول حينها قد خرجنا من تاريخنا يا عزيزي ولن يكون الرجوع سهلاً .. والمرء بلا تاريخ كالكتاب بدون كاتب وكالمقال بلا عنوان .
ولكن أرجع إلى ما بدأت به مقالي هذا .. وأتسائل وأقول هل سيكون الجنوب العربي كما يسميه البعض ذات سيادة خاصة أم أنه سيكون مدعوم خارجياً سواء كان دعم أمريكي كما حصل في العراق أم دعم الدول المجاورة .. وهنا نعود إلى ما قاله ميكافيللي .
Bookmarks