غزة في مزادات الزمن الرديء
بقلم : عبدالسلام محمد المسماري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشاهد بكل ما يمكن أن يحمل الإنسان من لا مبالاة وبرود ما يجري في غزة من جرائم يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني .. كأحد تداعيات زيارة بوش المشئومة للمنطقة التي يبدو أنها أعطت ضوءً أخضراً لحكومة الكيان الغاصب كي توغل في إجرامها بعدما مهد لها الحليف الأمريكي ظهور الزعماء "العرب".. وضمن لها استمرار الموقف الدولي اللامبالي.
قبل سنوات قليلة كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج يضج غضباً لجرائم أقل شناعة ويعلن تضامنه في مسيرات ومظاهرات حاشدة ويقيم السرادقات لجمع التبرعات والدعم للأخوة الفلسطينيين، أما الآن فالأمور تسير سيرا طبيعيا في مدن وعواصم العرب، كأن يدا من السبات والغفلة مسحت على رؤوس الجماهير العربية فأصبحت تسير في الشوارع بكل بلاهة ولا تعي ما يحصل للأخوة في الوطن والمصير في غزة. ألسنا في زمن رديء؟!
أما المواقف الرسمية فكأنما الحكومات العربية صمَّتْ وعميت، لا تسمع منها صوتاً ولا ترى لها سمت رفض أو حتى امتعاض، وقد مضى الوقت الذي كانت تدبج فيه الخطب الجوفاء والتنديد والاستنكار بما تمثله من موقف رسمي عربي إجماعي متدنٍ لا يرقى إلى مستوى التحديات، فحتى هذه المواقف المتدنية غابت غير مأسوف عليها من قاموس أصحاب الجلالة والفخامة والسمو من الملوك والزعماء والأمراء والشيوخ إلى غير ذلك من مسميات الزعماء "الأماجد". وإذا تجرأ البعض منهم - مضطراً- على الحديث عن الأمر فإنه وبكل حذر ينتقي كلمات الإعراب عن خيبة أمله "للحوادث المؤسفة " داعيا "الحكومة الإسرائيلية" إلى ضبط النفس. وهذا كلام خائب، السكوت أشرف منه رغم أن السكوت على الضيم لا شرف فيه، إذ لا يجرؤن على تسمية جرائم العدو بمسمياتها الصحيحة بل يسمونها حوادثا مؤسفة كأي حادث عرضي! ويدعو الحكومة الصهيونية إلى ضبط النفس مظهراً إياه بمظهر من يقوم برد الفعل رغم أنها هي المعتدية في كل مرة! وفي نفس الوقت تراهم لاسيما من يسمون "بالمعتدلين" منهم يتسابقون على الظهور أمام وسائل الإعلام حين ينجح أحد فصائل المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عملية فدائية ضد جيش الاحتلال، ولا يتورعون عن وصمها بالإرهاب وبالعمل الدنيء.. وهذه اللغة في التنديد بأعمال المقاومة لم يتردد في استعمالها حتى "الرئيس الفلسطيني" أبو مازن حيث رأيناه عقب أكثر من عملية فدائية يصرح منددا واصما إياها ومنفذيها بوصمة الإرهاب!
إننا حقا في زمن رديء، ففي الوقت الذي تتناقل فيه وسائل الإعلام أن رؤوس أموال خليجية تنقذ الاقتصاد الأمريكي.. نجد الحكومات العربية تتواطأ في مساعدة العدو على تشديد الحصار على أهل غزة بحجة إلزام حماس على الرضوخ "للشرعية الدولية"، وهذا الحصار يمثل حالة صارخة من حالات العقاب الجماعي، التي لا مبرر لها على الإطلاق، وقد وصلت نتائجه الوخيمة على حياة المواطن الغزاوي البائسة أصلاً ، وكل يوم نسمع بتفاقم حالة البؤس في القطاع حيث أدى انقطاع التيار الكهربائي والمحروقات عن القطاع إلى حالة من الشلل لمظاهر الحياة التي لم تكن طبيعية أصلاً، وبلغ الضرر إلى تعطيل المستشفيات والمصحات التي تعاني نقصا تاما في الأدوية والمعدات الطبية بسبب الحصار كما أخذت تنفد موجودات القطاع من الدقيق في الوقت الذي - حسب قول ممثل الأونروا في غزة- يعاني فيه القطاع منذ فترة طويلة من نقص في المواد الغذائية بنسبة تزيد على 60% الأمر الذي مما ينذر بكارثة غذائية للسكان.
وهاهي الألة الهمجية الصهيونية مدعومة بصمت وتواطؤ عربيا ودولياً مفضوحين تتوغل للتنكيل بالشعب الفلسطيني في غزة التي تعاني حالة من التجويع لكسر أحد أعتى معاقل المقاومة الفلسطينية الصامدة. غزة التي ضيقت الدنيا في عيون رئيس وزراء العدو الأسبق "إسحاق رابين " لدرجة العجز حيالها وتمني أن يستيقظ ويجد غزة قد ابتلعها البحر! غزة التي أعيت أعتى مجرمي الحرب "أرئيل شارون" - المتهالك الآن على فراش غيبوبته- وأجبرته على اتخاذ قرار سحب فلول جيشه الذي لا يقهر.
الحقيقة هي بكل أسف أن غزة بيعت في مزادات الزمن الردي.. من قبل السماسرة الذين يسمون بأصحاب الجلالة والفخامة والسمو من الزعماء العرب. مع مقاولي الاستلام من قيادات فتح الذين أساءوا إلى التاريخ النضالي لحركة فتح.
فيا أهل غزة لكم الله فقد انفض الناس عنكم ونفضوا أيديهم منكم.. وحتى القلة ممن تبقى من أصحاب الضمائر الحية من العرب لا يملكون لكم عزاءً سوى ضرب الكف بالكف والدعاء لكم بأن يغيثكم الله وهذا أقصى نفيرهم. ولكم في صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين حوصر مع القلة المؤمنة في شعاب مكة من قبل مشركي قريش.
فاصبروا وصابروا ورابطوا، فالكرامة لا تمنح بل تؤخذ غلاباً. فستثبت غزة كعادتها أنها عصية على كل مخططات سماسرة السياسة. وليس عسيرا على غزة كسر جبروت الخائب أولمرت "مْغَيلْبِةْ" السيد حسن نصر الله، فالعدو الصهيوني يمر بأضعف حالاته سياسيا وعسكرياً رغم ما يحظى به من دعم أمريكي مطلق وتواطؤ عربي ودولي، فليس أولمرت بأعتى من شامير ولا شارون ولا رابين! ولم تعد أسطورة الجيش الذي لا يقهر تنطلي على أحد وقد تمرغ في وحل غزة أكثر من مرة كما شهد العالم اندحاره وهزيمته النكراء في حرب تموز أمام أبطال حزب الله.
Reply With Quote
Bookmarks