" حتى الهيمنة.. حقيقة الإرتهان " الجمهورية اليمنية والدور الإقليمي

الأحد 16-12-2007 06:59 مساء
المنبر نت - تقارير - خاص

عند اندلاع حرب الإبادة ضد الزيدية في شمال الوطن عام 2004 م
فيما سمي بالحرب ضد الحوثية ، كان من أحد الأسباب التي إدعاها
الجيش إرتباط الحوثي وأنصاره بما اسمته "المشروع
الصفوي" عبر اتهامهم باعتناقهم للمذهب الإمامي وهو المذهب
الرسمي لجمهورية إيران الإسلامية إلى جانب لائحة التهم التي
بدأت بإدعاء السيد حسين بدر الدين الحوثي النبوة..

وانتهاء بالممانعة وعدم تلبية دعوة الرئيس للحوثي لزيارة صنعاء والإلتقاء به
وغيرها، دلت في وقتها على تخبط واضح في كشف الأسباب الحقيقية لشن مثل تلك
الحرب البشعة التي نعيش يومنا هذا بوادر نشوب المرحلة الخامسة من هذه الحرب
العبثية والتي بلا شك تكون قد توسعت مسبباتها أكثر من تلك التي كانت في
المرحلة الأولى.
وقد كتب كثير من السياسيين والمحللين أفكاراً وتحليلات عن الأسباب الخفية لتلك
الحروب منذ بدايتها وحتى هذه اللحظة ومنها ما كتبه السياسي الكبير الأستاذ
عبدالله سلام الحكيمي في حينها بصحيفة الوسط تقريبا حول الأسباب الحقيقية لحرب
صعدة ومن ضمن ما أشار إليه محاولة معسكر التحالف بالحرب ضد الإرهاب وعلى رأسه
أمريكا على وجه الخصوص الإيحاء بأن هناك شبكة واسعة وعدو يملك أرضية واسعة
فيما يسمى بالمثلث الشيعي وخطر المشروع الصفوي والذي تعد حرب صعدة إحدى الحروب
التي تشن في هذا الإتجاه عبر تصوير المهمة بأنها صعبة وتحتاج إلى جهود، وكان
ذلك عبارة عن إيجاد مبررات للإخفاق الفاضح والفشل والهزيمة التي منيت بها قوات
الاحتلال الأمريكي وحلفائها داخل العراق من ناحية، ومن ناحية أخرى تنفيس
للقوات المأزومة والمهزومة وإلهائها بحروب جانبية من هذا القبيل.
وإن كان هذا التحليل منطقي في جزء منه والمتعلق بالعلاقة غير المباشرة بين
حرب صعدة وتواصل جهود الحرب ضد الإرهاب والتي تقودها أمريكا ضد الإسلام، ونحن
هنا لسنا بصدد البحث والتحليل عن هذه العلاقة غير المباشرة لأن أغلب المتابعين
والمهتمين يعلمون بهذه العلاقة بل إن المطلع ولو من بعيد يدركها ولا يجهلها
إلا من يحاول إيهام نفسه ومن يسير في فلكه أن هناك قرار سياسي وإستراتيجي
تتخذه السلطات العربية عموما واليمن على وجه الخصوص لارتباطه بموضوعنا بعيداً
عن الهيمنة الأمريكية وبالأخص عندما يكون هذا القرار بحجم شن حرب بتلك الشراسة
التي شنتها في شمال ووسط اليمن ضد الزيدية.

خارج الحدود قليلاً :

نريد هنا أن نعيش قليلا مع الأحداث المتسارعة التي تقع في منطقة الشرق الأوسط
المنطقة الأكثر سخونة في العالم والتي تعيش اضطرابات وحروب وتقلبات متنوعة
ومتعددة الأوجه كالقضية الفلسطينية والحالة اللبنانية والإنفلات في العراق
والصراع التركي الكردي إضافة إلى الملف النووي الإيراني الذي يهمنا هنا التطرق
إليه لارتباطه
بالمقدمة المذكورة سابقاً في موضوعنا هذا والذي نبدأ فيه من آخر نقطة إنتهى
فيه هذا الملف وهو تقرير الإستخبارات الأمريكية الذي قلل من شأن القدرات
النووية العسكرية الإيرانية وقلب الطاولة رأساً على عقب ففي حين ضغطت الإدارة
الأمريكية كثيراً في إتجاه التهويل في موضوع هذا الملف وسعت جاهدة إلى محاولة
إستصدار قرارات أممية للضغط على إيران وفرض عقوبات ضدها وهددت لأكثر من مرة
بفرضية اللجوء إلى شن حرب إستباقية ضد إيران للقضاء على القدرات النووية
الإيرانية لاحظنا أن هناك دول داخل ما يعرف بدول الخمسة+واحد وقفت وبحزم ضد
مثل تلك التوجهات كروسيا والصين هذه المواقف وإن كانت في ظاهرها تصب في مصلحة
الجمهورية الإسلامية وأعادت للوكالة الدولية للطاقة الذرية إعتبارها ومرجعيتها
التي حاولت أمريكا التملص من قراراتها وتوجيهاتها خصوصا بعدما تعاملت إيران
بإيجابية تجاه هذه الوكالة ، غير أن المؤكد أن هذه الوقفات الممانعة كانت تصب
دائما في خانة المصالح الإستراتيجية العليا لهذه البلدان.
- إيران من جانبها إستطاعت وعبر مناوراتها الذكية والخاطفة قطع
الطريق أمام دول الهيمنة حتى لمجرد تفكيرها بشن إعتداء عليها أولاً بالوجود
المؤثر داخل المنطقة كدولة تمتلك إمتداد ونفوذ واقعي وملموس الأثر في العراق
ولبنان وفلسطين كقوة حاضنة للمشروع الممانع للشرق أوسط الجديد ، وثانيا عبر
إمتلاكها قوة ردع موازية لقوة المتربصين بوجودها كمشروع مناهض لهيمنة القطب
الواحد وثالثاً إستفادتها من الإنهزام والفشل الذي منيت به القوات الأمريكية
في العراق وأفغانستان وما منيت به حليفتها الأم إسرائيل من هزيمة شنيعة من حزب
الله اللبناني . كل تلك النقاط إضافة إلى اللعب بالورقة الإقتصادية مع روسيا
والصين اللتين بلا شك سيكون لصفقاتهما مع إيران أثر اقتصادي إيجابي المردود
على تحسين اقتصاد بلديهما إلى جانب سعيهما لإثبات وجود وقوة أمام أمريكا
والاتحاد الأوروبي في منطوق المتغيرات العالمية الجديدة.
- إذا كل ما ذكرنا يدلل على أن جميع الدول المتفاعلة مع أحداث الشرق
الأوسط المرتبطة بالملف النووي الإيراني تنطلق مواقفها ورؤاها من منطلقات
إستراتيجية واضحة المعالم لا ليس فيها تؤكد أن مصلحة بلادهما أولا وأخيراً هي
المحرك الأساسي لتلك المواقف . هذا بالنسبة لإيران ومن وقف معها أو ضدها من
الغرب في ملفها النووي . فماذا عن دول المنطقة العربية ؟
إن اجابة هذا السؤال وببساطة ينحصر في جانبين إيجابي وسلبي فالمتابع للأحداث
يرى كيف تم تقسيم دول المنطقة إلى معسكرين الأول معتدل والثاني ممانع وارتباط
هذا التقسيم مرتبط بالعلاقة مع إسرائيل ومشروع الشرق الأوسط الجديد وما يراد
له من إتجاهات فالجانب الإيجابي فيه الاستفادة الإستراتيجية التي ..........
معسكر الممانعة من حالة الانهزام التي مني بها صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد
والذي يجب إعلامه وإعلام معسكر المعتدلين توصيفهم في خطاباتهم المشروع
الإيراني في المنطقة والفائدة الإيجابية التي جناها هذا المعسكر يمكن التدليل
عليها بمثالين وإن كانا مرتبطين بموضوع جزئي واحد هو الإنتخابات الرئاسية في
لبنان التي أوجدت قوة حضور لحزب الله المنتصر داخل لبنان صعب من مهمة الموالاة
في إختيار وتمرير إنتخاب رئيس للبنان يكون من ضمن أجندته تنفيذ إشتراطات
أمريكا وإسرائيل حول سلام حزب الله ووقف مد المقاومة التي تقلق إسرائيل (
الممانعة ) وثانيها الوصول إلى قناعة لدى جميع الفرقاء بالدور الهام لسوريا في
ما يتعلق بملف الانتخابات الرئاسية في لبنان والذي دلل عليه لجو المفوض
الفرنسي بكل أركان دولته من الرئيس وحتى أصغر موظف فرنسي له علاقة بالملف
اللبناني إلى جانب الترويكا الأوروبية ودول الإعتدال العربية كل تلك
الإيجابيات دللت على مدى النجاح المسموس للإستراتيجيات المبنية على دراسات
للواقع ومعطياته التي تلبي النجاحات المرجوة لتلك المواقف . أما ما يتعلق بدول
الخليج وإن لم تصنف بعد من أي معسكر يمكن إنتسابها إليه لعدم الوضوح في تبني
مواقف إستراتيجية في هذا الموضوع وان كان أغلب المراقبين يرون تصنيفهم إلى
جانب المعسكر المعتدل الذي يتماشى ولو بإستحياء مع تطبيق مشروع الشرق الأوسط
الجديد وإن كان هناك ثمة مواقف لهذه الدول تعبر عن رؤية واتجاه إيجابي لتبني
مواقف شبه إستراتيجية تبحث فيه على مصالح النخب الحاكمة داخل هذه الدول كون
أغلبها تحكم ملكياً أو عبر أسر ، وبالإضافة إلى مصالح شعوبها ولو بشكل جزئي
ويدلل ذلك الرفض المعلن من قبلها لحل الملف النووي الإيراني بالطرق العسكرية
بشكل قاطع لما قد يمثله هذا الحال لنكبه وكارثة ستصيب منطقة الخليج مباشرة بعد
التهديدات التي كررتها إيران بضرب دول الخليج ابتداء إلى ما تعرضت لهجوم
أمريكي وإسرائيلي وهو ما يعني أنها لا زالت تبني مواقفها بتأني ودراسة حاذقة
وأكبر ما يفيد على ذلك الحضور الأول لرئيس إيراني في اجتماعات القمة لدول مجلس
الدول التعاون الخليجي الأخير في الدوحة ما يعلن عن نوايا لدى دول الخليج في
التقرب من إيران كدولة مؤثرة وحاضرة وبقوة في المنطقة بدلا من استعدائها لحساب
دول الهيمنة أمريكا وإسرائيل .
- إذا الكل في وسط هذا الحراك وتلك والتفاعلات يبحث عن مصلحة وفق
إستراتيجيات وقناعات خاصة به وبغض النظر توافقنا مع هذه المواقف أم اختلفنا
حولها المهم أنها تنبع من قناعات أصحابها .

ماذا عن اليمن ؟

وللعودة إلى داخل حدود اليمن ولما بدأنا الحديث عن استعداد السلطات اليمنية
لإيران دولة ومذهب عند إلصاق تهمة الإمامية وتنفيذ المشروع الصفوي وتوسيع
المثلث الشيعي لجماعة زيدية المذهب والنهج هل كان هذا عن رؤى إستراتيجية واضحة
وهل كان نابع من قناعات لدى صناع القرار في السلطة اليمنية أم كان عكس ذلك كله
؟

- الحقيقة أن اليمن تعد من الدول الأكثر وضعا لإستراتيجيات متنوعة
الاتجاهات والمسميات فهناك ما يزيد عن عشرين عنوان لإستراتيجيات مختلفة نذكر
منها إستراتيجية التخفيف من الفقر والمرتبات والأجور وووو الخ . إلا أن هذه
الإستراتيجيات وان حملت أسماء فضفاضه إلا أنها فاشلة بكل المقاييس وهذا يحتاج
إلى عرض مستقل آخر للتدليل على ذلك إلا أن ما يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن
أغلب تلك الإستراتيجيات الفاشلة جاءت عبر توصيات صندوق النقد أو البنك الدولي
أو الدول المانحة وهي إستراتيجيات ممولة خارجياًُ بمعنى أنها تخضع للهيمنة
والتوجه من تلك الدول أو الهيئات المانحة مما يدلل على أن اليمن دولة لا تملك
قراراتها الداخلية البسيطة ولا تحدد مساراتها الروتينية في الغالب إلا عبر
هيمنة خارجية.
- يقودنا هذا الإستنتاج المقارب للحقيقة القول أن ماحدث في حرب صعدة
منذ مراحلها الأولى لم يكن بقرار يمني مائة بالمائة ولم يستند إلى مؤشرات تؤكد
حرص السلطات على مصالح اليمن العليا والخروج بمكاسب ترفع من مكانة اليمن وتعزز
دورها الإقليمي والدولي بل على العكس من ذلك ففي حربها ضد جزء واسع من أبناء
الشعب اليمني ومحاولة إستعداء إيران لكسب ود حليفتها الإستراتيجية أمريكا التي
دائماً ما تتغنى بإسطوانة اليمن شريك أساسي مع أمريكا في حربها ضد الإرهاب أو
لكسب ود الجارة الكبرى السعودية التي تتبنى فكراً سنيا مخالف لمذاهب الدولة
الإيرانية الشيعي الإثنى عشري قد أوقعها في شر أعمالها وخسرت هذه الحرب
داخلياً وخارجياً أكثر ما يمكن أن تكون قد أوهمت نفسها أنها كسبته.
- أما داخلياً فقد فقدت مصداقيتها عندما تخبطت في التهم الموجهة ضد
الحوثيون وبالأخص إثارة الخلافات المذهبية وجرها إلى ساحات الخلاف والاقتتال
وإن وجدت عناصر وهابية متشددة سطحية التفكير قد تماشت مع أثاراتها المذهبية
إلا أن الواقع الأعم قد أكد كذب المد الشيعي الإيراني في وجهه الفكري حين
اتضحت الرؤية الفكرية للفئات المستهدفة من هذا العدوان والتي كانت رموزا زيدية
المذهب وبذلك فالهدف القضاء على الزيدية وماتحمله من فكر منفتح ومتجدد . إضافة
إلى أنها فقدت مصداقيتها في دعواها يتبين الحرية والديمقراطية بضيقها من شعار
يردده مجموعة من الشباب كحق قانوني لحرية التعبير إضافة إلى أن فشلها من حسم
المعارك في الشمال فتح شهية أبناء الجنوب للمطالبة بحقوقهم المسلوبة بعد حرب
صيف 94م حتى وصلت إلى حد التهديد بالانفصال وبصورة علنية إضافة إلى خسائر أخرى
كثيرة لا يتسع المجال لسردها بالتفصيل أو الإشارة إليها .
- وأما خارجيا فقد فتح المجال واسعاً لدول مانحة ومؤثرة للإطلاع على
تناقض أقوال السلطة مع أفعالها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والذي جعل اليمن من
الدول المصنفة في الخانة الدنيا والتي تنتهك فيها الحقوق والحريات الإنسانية
والصدمة تتضح من أن هذه التقارير قد صدرت من الوزارة الخارجية الأمريكة التي
سعت اليمن دون استيعاب لمحاولة كسب ودها حين شرعت في حرب الإبادة ضد الزيدية
في صعدة . وأما ما ذهبت إليه في استعدائها لإيران ، فإن إيران اليوم تمثل
رقماً مهماً في المعادلة الدولية وإنني أتوقع أن استعداءها من قبل اليمن الذي
أجزم أنها لا تمثل لإيران رقما يمكن الالتفات إليه كونها منشغلة بقضايا أكثر
واقعية وأهمية من هذه الدولة اليمنية التي تعد من الدول الفاشلة والمهددة
بالانهيار. غير أنني أضن أن استعدائها قد لفت نظر بعض مصدري المذهب الشيعي
الإمامي لاستثمار أخطاء اليمن والتوغل داخل صفوف الشعب اليمني إضافة إلى
اهتمامات رسمية غير ذات أهمية كجزء من الحفاظ على الأمن القومي لدولة بحجم
إيران في جنوب الجزيرة العربية كما أن هذا الاستعداء قد قلل من أن تحظى اليمن
الفقيرة بمساعدات إيران وتبادلها التجاري مع اليمن .

الخلاصة:

بغض النظر عن جزئية الحرب في صعدة التي تعد واحدة من مئات الأزمات والقلاقل
التي يعيشها اليمن السعيد إلا أن النتيجة الواقعية لمثل هكذا قرارات ومثل هكذا
إدارة للدولة أن النظام الحاكم في اليمن يعيش حالة إفلاس أخلاقي وسياسي لا
نظير له في المنطقة بل في العالم بدليل فشله في فرض دور حيوي داخل الصومال
ووصول الحال به إلى تلقي مساعدات من دول كانت تلامس للأمس القريب من أشد الدول
فقراً كأثيوبيا وعدم حيوية قيادته داخل منظومة الجامعة العربية وإن كانت في
السابق حيوية تكتيكية لكسب استحقاقات داخلية أكثر منها خارجية وانحصارهما في
ترقيع هفواتهما الداخلية التي لو وجدت قيادات حكيمة لما وقعت مثل تلك الهفوات
وهو دليل على عدم ترابط منظومة الحكم داخل البلاد وأن المصالح الشخصية هي
المسيطرة على تحركات تلك المنظومة التي يجمع في الداخل والخارج على أنها
منظومة فاسدة مرتهنة بمقررات الخارج وتوجيهاته وإن حاولت الظهور بمظهر حتمية
الهيمنة على الداخل كون هذه المنظومة تمتاز وبلا منازع بأنها تغرد خارج السرب
يفوتها قطار اللحاق بركب الدول النظامية لا يوجد لها أي إستراتيجية واضحة
لمكافحة الفساد تعود دائماً بعقارب الساعة إلى الوراء بينما العالم يتطور في
حراك أكثر ما يميزه البحث عن المصالح العليا للبلدان ... وبذلك نكون قد وصلنا
إلى معرفة حقيقية وماهية الجمهورية اليمنية ... إذا هذه هي اليمن في بداية
القران الواحد والعشرين.