دعاة ...هذا الزمان ...وسنبدأ معهم من ذاااك الزمااان.*
كل حيـن وسأكون معكم مع داعيـة من ذاك الزمان
عندما طلب هارون الرشيد من أبي يوسف القاضي وضع كتاب الخراج لم يفت القاضي أن يقدم النصيحة للخليفة في مقدمة الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين: إن الله وله الحمد* قد قلّدك أمرا عظيما* ثوابه أعظم الثواب* وعقابه أشد العقاب* قلدك أمر هذه الأمة* فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير* قد إسترعاكهم الله وائتمنك عليهم وأبتلاك بهم وولاك أمرهم* وليس يلبث البنيان إذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من بناه وأعان عليه. فلا تضيّعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة الرعية* فإن القوة في العمل بإذن الله* لا تؤخر عمل اليوم الى الغد*
فانك إذا فعلت ذلك أضعت* إن الأجل دون الأمل* فبادر الأجل بالعمل فإنه لا عمل بعد الأجل* إن الرعاة مؤدون الى ربهم ما يؤدي الراعي الى ربه فأتم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهاره* فإنّ أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت رعيّته* ولا تزغ فتزيغ رعيّتك* وإيّاك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب وإذا نظرت الى أمرين* أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فأختر أمر الآخرة على الدنيا* فإن الآخرة تبقى والدنيا تفنى ولكن من خشية على حذر* وأجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد* ولا تخف في الله لومة لائم* وأحذر فإن الحذر في بالقلب وليس باللسان* إتق الله فإنما التقوى بالتوقي* ومن يتقي الله يتقه.
إني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما إستحفظك الله* ورعاية ما إسترعاك الله* وألاّ تنظر في ذلك إلا اليه وله* فإنك إن لا تفعل تتوعّر عليك سهولة الهدى وتعمى في عينيك وتتخفى رسومه* ويضيق عليك رحبه* وتنكر منه ما تعرف* وتعرف منه ما تنكر* فخاصِم نفسك خصومة من الفلج لها لا عليها* فإن الراعي المضيّع يضمن ما هلك على يديه ما لو شاء رده عن مواطن الهلكة باذن الله.
وأورده أماكن الحياة والنجاة فإن ترك ذلك أضاعه وإن تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسر ِع وبه آخذ. وإذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك* ووفاه الله أضعاف ما وفى له.
فأحذر أن تضيع رعيّتك فيستوفي ربها حقها منك ويضيّعك بما أضعت أجرك* وإنما يدعم البنيان قبل أن ينهدم* وإنما لك من عملك ما عملت فيمن ولا الله أمره* فلستَ تنسى ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم* فليس يغفل عنك ولا يضيع حقك من هذه الدنيا. وأوصيك في هذه الليالي والأيام بكثرة تحريك لسانك في نفسك بذكر الله تسبيحا وتهليلا وتمجيدا والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وإمام الهدى.
(مقدمة كتاب الخراج للإمام أبي يوسف القاضي).
Bookmarks