هذيان الهوية الضائعة
بقلم : رجاء علي مقبل
كان مقدم برنامج أضواء على الأحداث في قناة الحوار الفضائية أكثر يمنية من ضيفه اليمني علي نعمان المصفري فقد كان يحاججه ويقنعه بأن ما يقوله ليس بصحيح أكثر مما كان يطرح عليه الأسئلة لان ما يتفوه به " السياسي " اليمني - غير المعروف - من كلام لم يرح ولم يقنع ولم يفيد مقدم البرنامج غير اليمني فكيف هو الحال بنا نحن المشاهدين – لقد ذكر له أن ما يجري وما يسمع به وما تحقق وما عرضه الرئيس علي عبد الله صالح من دعوة مفتوحة بعودة كل القادة الجنوبيين جميعاً إلى بلادهم ليمارسوا حياتهم السياسية كمعارضة وكمواطنين أمر لم يقم به أي رئيس عربي من قبل وذكر له أن حيدر العطاس إستجاب ورحب بهذا النداء ووعد أنه سيعود . إلا أن صاحبنا السياسي اليمني أكد على ضرورة عودة الهوية الجنوبية إليهم أولاً والاستقلال عن المحتل ثانياً وعودة الأرض والثروة ، وعودة محافظة الجنوب " المضمومة" للشمال إلى أهلها لأن الجنوب كما قال وقرأ وحسب رأيه ليست يمنية ولم تكن يوماً يمنية وان اسم اليمن لم يُعرف إلاَّ بعد 1967م وان الجنوب كان عبارة عن صومال وهنود كما أخبروه _ كما ان اليمن حسب قراءاته أيضاً لم تتوحد أبداً في التاريخ إلاَّ في 22 مايو 1990 م وانفرطت هذه الوحدة حسب رأيه بعد حرب 1994م .
عجيب أمر هذا السياسي " اليمني " الباحث عن هويته الضائعة والباحث عن أرضه وثرواته المنهوبة وحريته المقيدة . هو أولاً لا يعترف بهويته اليمنية ويريد الهوية الجنوبية . فهل هي هوية المستعمر ما قبل 1967م التي كان يحددها المحتل بالسكونيه للتفرقة بين سكان عدن اليمنيون والقادمين من شمال الوطن آنذاك الذين كان يعاملهم الانجليز كأجانب ويعطي الاولويه لمواطنيه والهنود والبينيان والصومال والايطاليين واليهود . هذه التفرقة التي ساد بها وعزز بها تجزئة الشطرين اليمنيين ؟
هل المصفري يبحث عن الهوية البريطانية التي حُفيَّ بها بعض أهالي عدن من أولئك المتعاونون ، المتعاطفون ذوي المصالح مع المستعمر ليفسر لنا المقصود بالهوية الجنوبية .؟ الواضح أن الاستقلال الذي يريده المصفري هو الاستقلال عن الهوية اليمنية والعودة إلى أحضان الاستعمار حيث هناك حسب إشارته تكمن الهوية الجنوبية التي تعني الكرامة ، العزة والثروة .!!
لقد كان المصفري محقاً جزئياً في أن عدن – وليس الجنوب – كانت عبارة عن صومال وهنود هذا صحيح لأن أهالي عدن بالفعل " كانوا عبارة عن خليط من العرب والصومال والهنود واليهود الذين يوجدون بكثرة وكذلك اليمنيون " هذا حسب مذكرات مرافق سعد زغلول عندما نفيَّ هو ورئيسه من مصر إلى عدن حينما كان عدد سكان عدن حوالي 50.000 نسمة فيا ترى مَنْ هم هؤلاء اليمنيون الذين ذكرهم صاحب المذكرات ؟ اليس هم من حافظ على أن تبقى عدن يمنية وتحتفظ بهويتها اليمنية ؟
كان هؤلاء يمنيون أصلاً وفيهم من أتى من شمال الوطن للبحث عن لقمة العيش والعمل وكانوا يسمون " الجباليا " .ثم من هم سكان لحج ويافع والضالع وحضرموت والمهرة ؟ تلك السلطنات والدويلات التي كان لها صاع وباع في التاريخ اليمني أيام الاستعمار يا ترى ما هي جنسياتهم ؟ وهويتهم ؟ أم أنهم ليسوا يمنيون ولا جنوبيون . طبعاً هذه السلطنات والدويلات والمناطق موجودة في الجنوب ليس عدن فقط من قبل وأثناء الاحتلال البريطاني وموجودة أثناء الدويلات الإسلامية التي كانت تعترف باليمن ومخاليفها أي قبل الاستعمار بمئات السنين ، كما أن اليمن عبر التاريخ الطويل جرَّب وحدات كثيرة متفرقة وبمسميات مختلفة كُتب لبعضها نجاح زمني محدد وانهارت لأسباب عديدة إلاَّ إنها كانت تحدث في إطار الأرض اليمنية أو الدويلات اليمنية أي أن اليمن كإسم موجود وبحدود متعارف عليها تاريخياً شاء المصفري أم لم يشاء . والواضح أن المصفري مصفِر في التاريخ لذا عليه أن يعود لقراءة التاريخ فهناك مئات الكتب التي تتحدث عن اليمن بالتفصيل تاريخاً وحضارة ، حدود ومواقع ، مدن وقرى وعزل وبلدات وليطَّلع فقط لو أراد على " صفة جزيرة العرب " للهمداني و" معجم البلدان " لياقوت الحموي " وثغر عدن " لمخرمه و" مجموع بلدان وقبائل اليمن " للحجري لعله يعيد النظر في مفهومه الخاطئ ويستعيد هويته الضائعة مع أنني متأكدة أنه لا يحتاج لهوية ولا لغيرها فالاحتمال الكبير إنه يستمتع بالهوية البريطانية أكثر فمن يتحدث بمثل هذا المنطق وهذا المنـزع لا يمكن إلاَّ أن يكون كذلك .
ولست أدري كيف يُسمح لمثل هؤلاء " السياسيين " الظهور على شاشات الفضائيات والتحدث بمثل هذا الهذيان حتى أنهم لا يفرقون بين نزعتهم البريطانية وبين هويتهم المحسوبة على الجنوب التي لا ندري إلى الأن ما هي ؟ !