رشاد الشرعبي - نيوز يمن
بمجرد ان تردد اسم حسن باعوم على مسامع سائق الباص الذي اقلنا الى سوق القات بمنطقة الغليلة في مدينة المكلا* بادر إلى التأكيد لنا بأنه يعرف منزله* وسيوصلنا إليه* بعد ان تعرف الى رغبتنا بزيارته ولايعلم الهدف من الزيارة لسياسي معارض لايزال حديث عهد بالحرية في "السجن الكبير" بعد 3 اشهر في "السجن الصغير".
ومثلما قذفت بباعوم "مكرمة رئاسية" متأخرة الى بر الحرية المنتقصة - برأيه -* قذف بنا السائق ذلك الشاب المنتمي لوادي حضرموت في الشارع الترابي المار من امام منزل باعوم* عقب طلبه منا التخمين عن أي منزل يملكه باعوم من بين عدد من المنازل الرابضة في ذلك الحي السكني الحديث والهاديء ولعجزنا عن (التخمين) فقد توقف مباشرة امام بوابة عمارة بيضاء الطلاء تتكون من اربعة طوابق وبابها الخارجي مفتوح بصورة تدل على ان صاحبها لايهتم بذلك مادام تحت اعين الرقباء السريين.
تقافزت وزميلي لنلج البوابة الرئيسية للعمارة بحثاً عن جرس نقرعه للإستئذان والتأكد من صاحب المنزل ان كانوا موجوداً وعما اذا كان سيسمح لنا بالالتقاء به* إلا أن حالة من العطل والخراب قد أصابت المواقع المخصصة لها بجوار البوابتين الداخلية والخارجية* حاولنا إيصال صوتنا لمن في المنزل لكن دون جدوى فلجأنا لصاحب البقالة المجاورة الذي تشير ملامحه ولهجته الى انه من ابناء المحافظات الشمالية* وأكد أن باعوم في منزله فقد عرف بالإفراج عنه ظهر اليوم السابق (الجمعة) حينما قابله في الجامع القريب* ولم ينس التأكيد على ان باعوم نادراً مايخرج الى مكان آخر غير الجامع بسبب مرضه.
كدنا ان نفقد الأمل ونغادر* إلا أن احد ابنائه ظهر من بلكونة الدور الرابع ليسأل عن الطارق لباب المنزل* ودعانا للدخول بترحاب* حيث عليك ان تدور صاعداً مع سلم المنزل حتى تصل ديوان المنزل وتلمح لوحات فنية تتضمن رسوم تشكيلية او آيات قرآنية وعبارات دينية وضعت ببساطة وإهتمام لافت* لتنتهي إلى ديوان صمم على الطريقة العربية واليمنية تحديداً.
كان بإنتظارنا النجل الأكبر لباعوم فادي الذي لمع اسمه منذ إعتقاله مع والده وشقيقيه مطلع سبتمبر الماضي وليظهر عقب الإفراج عنه كرئيس لجمعية الشباب العاطلين في حضرموت* ولم تمضي دقائق على دعوة الإبن للأب حتى بدا أمامنا باعوم الذي آثار لغط منذ مابعد حرب 1994م أكثر من غيره من القيادات الجنوبية والإشتراكية وعرفته السجون* ولج الديوان بجسم مرتعش تكالبت عليه عوامل الزمن والأمراض المختلفة وسنوات من النضال والتمرد حتى على رفاقه في ذات الحزب* لكن إبتسامة ممزوجة بالترحيب والإستغراب أصطحبها معه* فيما كان الصمت الذي أعقب السلام والعناق ولازالت الأيادي متماسكة كان أصدق تعبيراً عن التساؤل عن هوية المقتحمين قلعته المتحررة من الحراسات دون ترتيب مسبق* وبعد يومين فقط على الإفراج عنه.
لطرد الوساوس عنه وبحثاً عن ثقة اريدها ان تخيم على لقائنا به* بادرته بإسمي وهويتي ككاتب لصحيفة الثوري الاشتراكية قبل ان ابلغه بعملي كمدير لتحرير نيوزيمن ومحرر ايضاً لصحيفة المصدر التي اطلت على الساحة وهو لايزال سجيناً واستبعد ان يكون قد تعرف اليها* فكان للثوري وقع لمسته من خلال ترديد لسانه بإستغراب وتساؤل لإسمها* وأعقبه للتطمين أيضاً الإشارة إلى مهمتنا التدريبية في المكلا لصالح حزب الإصلاح وماتعرضنا له من إعتداء وإحتجاز في مطار صنعاء* كمحاولات متتالية لإكتساب ثقته بشخصين ينتميان للمحافظات الشمالية أقتحما سكونه تحت لافتة مهنة الصحافة الباحث منتسبيها عن المعلومات والمواقف والآراء.
بعد الترحيب جلس ليرد على سؤالي الأول بثقته المرسومة في مخيلتي عنه من خلال ماقرأت وسمعت* فقال أن "ملف قضيته لايزال مفتوح"* مؤكداً ان "مطالبنا* هي* هي* نحن نعيش في وضع إحتلال واضح من قبل إدارة الجمهورية العربية اليمنية"* مشيراً إلى انهم – دون ان يسمي – ألغوا كل الإتفاقيات الموقعة بين الجمهورية تلك وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وآخرها وثيقة العهد والإتفاق التي سبقت حرب 1994م* ليواصل "نعيش تحت الإحتلال منذ 1994م* ألاترى ابناء ردفنا أحتفلوا بثورة 14اكتوبر فتصدى لهم النظام بالسلاح* نحن نعتبر الجنوب محتل وهناك محاولة لطمس ثورة اكتوبر وهي ثورة وليست انقلاب* ولازالت حاضرة في الجنوب".
لم أنتبه حينها لمناسبة تأكيد انها ثورة أو انقلاب لكني أعتقدت أثناء تحرير المادة أنه يقصد ثورة سبتمبر في الشمال بأنها إنقلاب* وأستمر في حديثه القوي رغم تدهور حالته الصحية والركة التي بدا عليها جسده منهكاً ومرتعشاً* "نعتبر الوحدة غير قائمة وماهو حاصل ليس سوى إحتلال"* وأضاف بإصرار "سنمارس عملنا سنمضي فيه ولن نلتفت لخطاب علي عبدالله صالح ولن نستأذن منه في نضالنا هذا"* إلا أنه عاد "متمسكين بالوحدة ولكن بشرط تصحيح مسارها وفق إتفاقية الوحدة وإعادة العمل بدستورها المستفتى عليه عقب إعلانها ووثيقة العهد والإتفاق".
في محاولة للخروج من مأزق القضية الجنوبية ذكرت له ماحدث ذات يوم اللقاء في تعز قتيل وجريحين* فكانت إجابته جاهزة ان "مايحدث في بقية المحافظات هو إستجابة لتحرك ابناء الجنوب"* وعاد ليرد بحزم على سؤال آخر قذفت به إليه "لم أستلم أي دعم من خارج اليمن من أي جهة وسأظل في موقفي هذا في تصحيح مسار الوحدة"* إلا أن نجله فادي حاول ان ينقلنا من التنظير الى الواقع* مؤكداً ان المياه والكهرباء مقطوعة عن المنزل بسبب عدم تمكنهم من تسديد الفواتير* ليقاطعه الأب "لم نتلق أي دعم من أي جهة خارجية حتى الآن وسنظل نناضل وليس هناك أي قوى خارجية تدعمنا"* ملفتاً إلى عقلية النظام المتخلفة التي تتبع سياسة "جوع كلبك يتبعك"* مستدركاً "يا أخي عندما قامت الوحدة* الشعب كله كان مهللاً بها".
حاولت إستدراجه الى فخ اللقاء المشترك لعله يصدر عنه موقف تأييد مقابل تحرك الأحزاب في الشارع وكان من أهم قضاياها المعتقلين وفي مقدمتهم باعوم وناصر النوبة* لكنه أكتفى بالقول "نرحب بأي نشاط ينطلق من نفس المنطلقات التي نطالب بها وفق الأسس التي نسير عليها* ويختزل مطالبه بإتفاقية الوحدة ودستورها ووثيقة العهد والإتفاق* ويضيف "لسنا ضد الوحدة ولكنا نطالب بتصحيح مسارها"* تحدث عن أمراضه المتعددة القلب المفتوح وقصور وظائف الكلى وكوكتيل أمراض لم اتمكن من إلتقاط مفرداته* لكنه يؤكد أن "أسلوب إعتقالي لا يعبر عن ان النظام واثق من نفسه"* منوهاً إلى أنه عقب إعتقاله وأبنائه وآخرين في 1 سبتمبر "حشرونا وبطريقة مسرحية في زنزانة واحدة ودون إتخاذ الإجراءات القانونية للإعتقال".
ويضيف لتثبيت إنتهاكات تعرض لها "زجوا بنا في السجن ومارسوا معنا نفس الجرائم التي يمارسوها مع السجناء الجنائيين"* ويتابع "نظام يخاف على نفسه* وغير واثق من نفسه"* ويشير إلى أنه أضرب عن الطعام عدة أيام وزاره عضو مجلس القضاء النائب العام السابق ويتحدث عن الواقعة بإستنكار "وقف على فراشي وجزمته على قدمه ولم يحترم تمددي على الفراش مريضاً ومضرباً عن الطعام منذ أيام"* لكنه يجرك إلى معاناة أخرى "أمس كنت ألقي كلمة في المسيرة التي نفذت أمام الأمم المتحدة في أميركا وفجأة قطعت كل تلفوناتي وأعادوها مساء".
مثلما يبدو متصلباً بمواقفه تجده حاداً في توصيفه للأوضاع والأشخاص* فمن النادر ان يسبق إسم علي عبدالله صالح لقب الرئيس لكنه ينطقها كأسم لشخص يكافؤه في الصراع مهما أختلت موازين القوى المادية بين الطرفين مع عدم السخرية او الانتقاص الشخصي* ورداً على آخر دعوة للرئيس صالح حول الحوار يقول باعوم "لن نلتق الرئيس إلا بتحقيق مطالبنا" ويكرر تعدادها ويزيد على السابق "تطبيق قرارات الأمم المتحدة"* وبالطبع كله "عبر الحوار"* ملفتاً إلى ان الضحايا الذين سقطوا منذ 1 سبتمبر في المحافظات الجنوبية "كلهم شهداء"* ومع تأكيده أن "عملية إعتقالي وإطلاق سراحي مسرحية واحدة وكذلك المحاكمات"* يعود للتأكيد "نحن في الجنوب معتقلين منذ حرب 94م* وكل المعاناة التي يعانيها شعبنا هي بسبب الإحتلال".
يتشبث حسن أحمد باعوم العضو في المكتب السياسي للحزب الإشتراكي وسكرتيره السابق في محافظة حضرموت بمواقفه المعروفة* "موقفي مبدأي ضد الأخطاء منذ البداية"* هذا مايرد به بشأن اللقاء المشترك الذي تشكل من الإشتراكي والإصلاح والناصري والحق وإتحاد القوى الشعبية والبعث القومي قبل إنسحابه* مشيراً إلى ورقة طرحت أمام قيادة الحزب حول اللقاء المشترك إلا أنه "لم أناقش الورقة ولم أشارك في مناقشتها فأنا رافض منذ البداية"* ويؤكد أن سبب موقفه ذاك من المشترك ناتج عن "حرف القضايا الأساسية التي يناضل من أجلها الحزب* في المؤتمر العام الخامس أصبحت قضية إصلاح مسار الوحدة قضية برامجية ووجهت رسالة للأمين العام حول الأولويات ولم يعيروها أي إهتمام"* ويصر على موقفه من المشترك الذي فيه "خلط أوراق* ولهذا لم اشارك في مناقشة الورقة* وهناك برنامج سياسي عدلناه لتصبح قضية اصلاح مسار الوحدة من الأولويات".
استفسرته إن كان لموقفه هذا من المشترك علاقة بكون احد مكوناته الأساسية حزب الإصلاح الإسلامي والعدو السابق للإشتراكي والشريك للمؤتمر في حرب 94م* لكنه رد بغضب "ليس قضيتي او مشكلتي الإصلاح كحزب في المشترك وعلاقتي جيدة بالكثير من قياداته* فقط أشعر انه لابد ان يشاركونا بقية الأحزاب بنفس مطالبنا"* مشيراً إلى أنه "لدينا قيادات إصلاحية في لجنة التصالح والتسامح* ولست ضد حزب الإصلاح أو أي حزب سياسي"* ليعود للتكرار "سنناضل من أجل مطالبنا حتى تحقيقها والعودة الى اتفاقيات الوحدة والدستور ووثيقة العهد والإتفاق وقرارات الأمم المتحدة".
للإجابة على سؤال عما إذا كان هناك تواصل بينه وقيادات الخارج وبالأخص البيض والعطاس* عاد باعوم إلى حرب 94م "نزحت بعدها الى سلطنة عمان التي وفرت لنا المأكل والمشرب ولم تقصر الحكومة العمانية* كنا حوالي 8 آلاف عسكريين ومدنيين في منطقة شحن وظليت في هذا المعسكر وكانت وفود السلطة هنا تصل وانا رفضت اللقاء بهم"* ويلفت إلى "الإخوة في عمان شعروا بالعبء عليهم* وكان موجودين معنا – في معسكر اللجوء - قيادات عسكرية من الحجم الكبير* وكنت خائف عليهم وظليت معهم ودونت أسماءهم إلى أن جاءت طائرة هيلوكبتر (عمانية) لأخذي من المعسكر وكسروا الخيام – النازحين – وأخذتنا الطائرة إلى مسقط وهناك ألتقيت البيض"* مشوار طويل عرج به باعوم للإجابة عن السؤال رغم ان تفاصيله مهمة ويلفت الى ان البيض "قال افكر في الإنتقال إلى الإمارات* فقلت له: هذه أسماء العسكريين الذين عليهم خطورة* بعدها عدت الى المعسكر ومن ثم إلى حضرموت* بعد ان قلت لهم: صرتم بمسئولية البيض"* ويضيف "وانتخبتني سكرتارية الحزب سكرتيراً للمنظمة في حضرموت وحضرت إجتماع آخر وعينت عضواً في المكتب السياسي* وانتهى تواصلي مع البيض" من حينها.
تلقى باعوم اتصال هاتفي على رقم نجله فادي من حبيل جبر بعد اكد انه لم يقتني ابداً حتى الآن تلفون جوال منذ بدأ عمل الجوال في اليمن* ورد على المتصل الذي كان يهنأه بالإفراج "خرجنا من السجن الصغير إلى السجن الكبير* ونحن مستمرون ولايمكن ان نتوقف"* وبعد إنهاء الإتصال عاد بي والزميل الذي كان برفقتي (عبدالحكيم هلال) إلى ماقبل ثورة 14 أكتوبر 1963م "أنضميت لثورة أكتوبر وكانت خليتنا في مدينة كريتر بعدن* وتجربتي النضالية كانت فيها في مواجهة الإستعمار الإنجليزي"* ويضيف "وخليتنا كانت من أنشط الخلايا وكان فيها وزراء فيما بعد ولها دور أساسي في سقوط كريتر فييونيو وتوالي سقوط بقية السلطنات"* ألحينا عليه في سيرته الذاتية فأكتفى بالقول "درست في المدرسة الوسطى* والدي كان مغترب في الحبشة وأخذ عائلته* وفكرت أن أسافر معه إلى هناك أكون له عوناً في أعماله وأكمل دراستي"* ويستدرك "ولكن الرياح تأتي بمالاتشتهي السفن* وشاركت في جميع النشاطات من عام 1961م منذ كان الزحف المقدس الذي قاده عبدالله عبدالمجيد الاصنج ورفاقه الى المجلس التشريعي".
مع تأكيد باعوم عدم إنتمائه للعسكرية لايتحدث عن دور كبير له في تاريخ الحزب الإشتراكي وقيام الوحدة فهو كان حينها "نازح في الشمال ضمن (الزمرة) كما كان يقال لنا في الشمال"* ويضيف "في ابريل 1990م والمحادثات قائمة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكاد يتم التواصل الى اتفاق* دعانا علي عبدالله صالح إلى القصر الجمهوري وكان معه عبدالعزيز عبدالغني والإرياني وعلي محسن الأحمر ومحمد إسماعيل وحضر اللقاء من الزمرة علي ناصر محمد وعلي صالح عباد (مقبل) وعلي عبدالرزاق باذيب ومحمد علي أحمد وأحمد مساعد حسين وأنا رغم انه لم يكن لي وضع قيادي"* ويتابع "وكان الموضوع حول المحادثات الجارية بين الطرفين وقالوا انه سيتم الإعلان عن الوحدةو علي عبدالله صالح قال: ايش رأيك ياباعوم؟* فقلت له والحاضرين: من أجل الوحدة يجب ان نضحي جميعاً وسنقدم الغالي والنفيس بشرط أن تكون على أنقاض الدولتين الشطريتين وإلا سنتحول إلى صومال جديدة".
يتوقف هنا باعوم ليؤكد " قلت ذلك بكل صراحة وانتهى الإجتماع* وأعلن عن الوحدة وهذا الكلام ذكرت به الرئيسفي 1997م حيث كنت مضرب عن الطعام في المعتقل والرئيس راح الخليج وطلبوا منه إطلاق سراح المعتقلين* ووصل من الخليج مباشرة إلى حضرموت وأرسل مدير الأمن الأخشع ورفضت الخروج وطالبت بالإفراج عن الجميع وليس وحدي وعدت إلى الزنزانة* وفوجئت بالأخشع يمد لي بالتلفون ويقول كلم الرئيس* وعلى الفور قال لي – الرئيس – انت عميل للسعودية* قلت له: لست عميل مع أحد* ويبدو انه كان جالس في غرفة مليانه ومنتظر أطلب منه العفو"* ويستدرك "لكن رديت عليه بصراحة وقلت له تذكر يوم حصل كذه كذه قبل الوحدة وانا قلت لك"* وعندها توقف باعوم عن الحديث وكأنه يريد أن يقول لنا بطريقة مهذبة كما كان الترحيب مع السلامة فصحتي لم تعد تحتمل أكثر.
Reply With Quote
Bookmarks