التلاعب بالعقول
بقلم: رجاء علي مقبل
بعد قراءات عديدة لصحف المعارضة وصحف السلطة أتضح لي أنهما وعلى الرغم من تناقضاتهما وإختلافاتهما تمثلان وجهان لعملة واحدة ، وأنهما يشبهان بعضهما إلى حدٍ بعيد في الهدف والنتيجة الكارثية على وعي الناس من خلال لعب الدور الهدام عند تصويرهما لحال واقع البلاد وما يُعتمل داخل المجتمع . وقد وجدتُ إنهما لا تقدمان صورة حقيقة وكلية حول ما يجري ولا تعبران إلاّ عن إعلام سلبي لا يوجد فيه ما نعتز ونفخر به كونه تعبير حقيقي عن ثقافة النفي ، النفي الأخر ، ومنجز الأخر . فلنرى هذا التشابه في هاتين الصورتين المختلفتين :
الصورة الأولى : نجدها في صحف المعارضة وهي عبارة عن أكوام من الإحباط و الاكتئاب والإحساس بأن كل شيء في هذا البلد لا معنى له ، بلد على مشارف النهاية ، أ ُناس بلا طموح ولا أمل ، حقوق مهدورة صرخات استغاثة بالخارج قبل الداخل ، جوع ، فقر ، غلاء ، فساد يدمر كل حياتنا سوداوية في النظر إلى مستقبل البلاد والعباد وخوف من المجهول . كُتاب هذه الصحف تقطر من أقلامهم شلالات من الآلام والأوجاع . ورموز المعارضة يهددون ويحذرون وينذرون بالكارثة ويدعون للوقوف وللتصدي للظلم والاستعباد والقهر والاستبداد وتوصى هذه التهديدات بأن لا دولة لدينا ولا حريات ، لا غذاء ولا ماء لا كهرباء ولا تعليم ، حريات مقيدة وأحزاب مهمشة قتل وتنكيل بالأبرياء، تشريد للناس ، عاطلون عن العمل ، متقاعدون ومقعدون ، معتصمون لا عصاميون ، سجون وعيون ترقب وتراقب كل حركه . الشعور ينتابنا وكأننا ليس في اليمن بل قابعين تحت الاحتلال . شُكى وبكاء ، دموع حارة تذرف بحرقه، لا سيء مفرح . لا يوجد مخرج أو بصيص أمل . كل شيء أسود حتى صفحات الأفراح المعلنة تحاصر من كل جانب بإعلانات الوفيات لتزيد من كآبتنا وحزننا . إنها صورة درامية مرعبه وكابوس أسبوعي مخيف فتداوله هذه الصحف يُفقد لدينا الأمل بالخروج من أزماتنا وكآن لسان حال هذه الصحف يقول : أشكي وابكي وتذمر دائماً وفكر بما كان ، لا تنظر إلى المستقبل ، لا تتفاءل ، لا تدع الأمل يسيطر عليك ، لا تقم بأي شيء إيجابي ، أصرخ واغضب واقلق الأمن ولان الحكومة والنظام عاجزان فساعد على عجزهما بخلق كل الوسائل التي تبقيها على تلك الصورة الواهنة علينا أن نحصل على كل شيء دون أن نقدم شيئاً ، انتقد الأوضاع بشكل شخصاني ليس بغرض التجويد والتحسين ولكن بغرض التجريح والهجوم والتنغيص والانتقام ، ولاتكن موضوعياً في نقدك ، أبقى دائماً في دائرة الشكوى والنحيب ناضل من أجل ذلك حتى الموت .
الصورة الثانية: نجدها في صحف السلطة وهي عبارة عن كم هائل من مدح الذات ، وداء التفوق والتمييز والانجاز الذي لا مثيل له وكأننا قد بلغنا السماء طولاً والأرض عرضً ، مغلاه ومزايدة في قدراتنا وانجازاتنا العظيمة التاريخية الرائعة التي عمّت البلاد والعباد ولم يعد ينقصنا شيء ، لا فرق بين المواطنين ، الكل يعيش في آمان واستقرار وكأننا ليس في اليمن بل في إحدى الدول الاسكندنافية . مشاريع وخطط لمشاريع عملاقه ببلايين الريالات حتى أنها تزيد عن الحد المخطط له . حقوق مصونة لانتهاكات ،لا أمراض والتعليم قد وصل إلى كل قرية وبيت . وبالطبع لا يوجد فساد بالمعنى الخطير وان وجد اعتراف بالفساد فلكونه ظاهرة عالمية وعامه وإذا كان هناك غلاء معترف فيه فهو غلاء عالمي والضمير مرتاح والعلاج تشخيصي ليس إلاّ . خطاب تزمير وتطبيل وبرع يُجسم الصورة حتى أنها تكاد تنفجر به . يعرض صورة مكبرة في نقد نهج المعارضة باعتبارها مأزومة ، متوترة ، خارجة عن القانون . يسهب في سرد الانجازات ولكنه يمتنع عن إظهار الإخفاقات حتى أنه لم يجرب نقد الذات خطاب إعلامي مزهو بنفسه لا يعبر عن واقع يجب أن يصحح ولا يعترف إننا دولة لا زالت تصنف ضمن الدول الأكثر فقراً في العالم ، خطاب إعلامي لايربط بين الأقوال والأفعال وكآن لسان حاله يقول : أكذب إلى أن يصدقك الآخرين ، ابتعد من الاقتراب عن الحلول الجذرية للمشكلات لأنها تحتاج لشجاعة وجسارة كبيرتين وإدارة تغيير حقيقة ، لا يجب الاعتراف بالواقع تبدأن لتصحيح الأخطاء ومعالجة الأسباب المؤدية لتردي الأوضاع في كل مجالات الحياة .
صورتان الأولى محبطة ، ناقمة متشائمة ، قاتلة تسخر من حمقنا . والثانية صورة مستفزه مظلله ، عاجزة ، مُخدرة تسخر من عقولنا .
ولأن حل المشاكل من قبل صناعها أمر مستحيل فإن المعارضة والسلطة لا تستطيعان حلها بكهذا إعلام وأنه لخطأ فادح وخطير اللا يعترف هذا الإعلام بعجزه وبضرورة التغيير الجذري لكل سياساته كما عليه الاعتراف أن من يمثلونه لا يحسبون الأداء ويريدون حياتنا حسب أيدلوجياتهم وحسب شطحاتهم وأهوائهم .
ينبغي على السلطة بوصفها أحد صناع المشاكل أن تبتعد عن مداواة مشاكلنا وآلام وعلل نظامنا بالمخدرات الآنيه فإنها تطيل أمد هذه العلل ولا تتخلص منها بشكل نهائي فمعضلات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي معقدة بحيث لا يكون علاجها وقتياً على سبيل المثال – الفساد الذي يتغلغل ويؤثر في حياتنا علينا أن نركز كيفية التعامل مع مشكلاته وأسباب تفشيه ومعدلات ونسب نمؤه لا نكتفي بالعموميات بل ندرسه بعمق ونضع التصورات الجادة من تفاقمه واتخاذ العلاجات اللازمة والجذرية لاستئصاله . وعلى المعارضة بوصفها الصانع الأخر للمشكلات أن تبتعد عن ضخ الفيروسات الخبيثة في شريان المجتمع لأنها تساعد على تدمير قدرته على تخطي وتحدي الصعوبات حتى أنها تساعد على قتله قبل أن يصل إلى مبتغاة .
إن المعارضة محقه ولكنها لا تعرف أسلوب وطرق وآليات المعارضة فهي بالفعل لا تجد أي شيء ولن تمتلك أو تحصل على شيء فهي بهكذا أسلوب تحرم نفسها حق قدرتها على أن تكون بحق جناح حقيقي للنظام يساعده على التحرك والطيران إلى أعلى مرتبات الرُقيّ والتقدم وإلا ستبقى جناحاً مهيظاً هشاً فارغاً من أي محتوى أو أنجاز إذا ضلت على ماهي عليه .
والسلطة محقه فهي تملك كل شيء وتقدم كل شيء وليس لديها أي شيء على أرض الواقع فما تقدمه وما تملكه وما تحققه ليس في مكانه الصحيح وبذلك تحرم نظامها المعني الحقيقي لما ينجزه لان جناحها مثقل بالأخطاء ولذلك ستبقى متأرجحة ، غير قادرة على الثبات والصمود في وجه الرياح العاتية هذا إذا ضلت أيضاً على ما هي عليه .
الآ ترون معي إنها صورتان مختلفتان لكنهما شديدتا الشبه ببعضهما البعض ؟! عليكم إذاً أن تميزوا أوجه الاختلاف حتى تكوَّنوا صورة واضحة عن أنفسكم وعما يجب أن تقوموا به دون أن تأخذكم الحماسة الطائشة أو يأخذكم الكلام الكبير .