الفرقه الناجية من أتون الجنوب
أحمد الصوفي

إن احتفاظ اليمن ل 13 عاماً من الامتناع عن الانزلاق في صراعات دموية يمثل استثناء في تاريخ عاصف تمركزت أغلب واهم جولات التناحر الطبقي والتمايز السياسي في المحافظات الجنوبية وفي قلب الحزب الاشتراكي الذي التهمت نيرانه (أشرف وأنبل ) قادته .
لكن احتشاد الغضب في الحبيلين يوم 14 أكتوبر قدم مؤشراً على إن السلام الطويل بدأ يستنفذ الزمن المتاح، ففي الحبيلين دشن إعلان ميلاد قيادة وحركة سياسيه قوام رموزها البيض ، علي ناصر ، الأصنج ، العطاس ، محمد على احمد والحسني. وجميعهم قد قرأوا الفاتحة على الحزب الاشتراكي اليمني وآمنوا برسالة مسدوس المبشرة بالقضية الجنوبية .
هذه الفرقة التي يجمعها التاريخ واستضافتهم مذابح ومعارك وتعانقوا فوق صور ضحاياهم؛ هؤلاء الذين امتلكوا طيش الخروج على كل فكر وكل تنظيم ؛ وتمردوا على كل أيديولوجية ورسالة ؛ وختلوا فكرة الوطن بأنفسهم . هؤلاء الذين يستطيعون أن يبدلوا مواقفهم وولاءهم من فكر طبقي متطرف ليصبحوا هم طبقة سياسية متطرفة تجرؤ اليوم على طرح خيار الإنفصال وتنفيذ سيناريو خطير لابد أنة صيغ بمهارة وذكاء اخذ بعين الاعتبار خصائص الواقع وعبر التاريخ ليتحرك في الواقع بجرأة وصلا فه موحدا الصفوف المبعثرة وململما أطراف العقائد والأيديولوجيات لينسجوا راية الجنوب ؛ وليضعوا أنفسهم كتلة سياسية تقطرت من مسامات التاريخ ونخبة نجت من دوامات لمؤامرات والذابح والصراعات التي أحرقت في اتونها ضمير الجنوب ودولة الجنوب ليعودوا من جديد واقفين على أقدامهم لايلتفتون إلى الوراء ليحصوا الخسائر لأنهم لم يخسروا شيئا مادام امتلكوا أنفسهم ونجوا بارواحهم وقد حققوا هدف إفراغ الثورة الوطنية وفضلوا على الحس الراديكالي في عقل الحزب الاشتراكي وأعادوا الاعتبار لأنفسهم وخصومهم ؛ فكان عناقا أصنجيا أبيضيا ناصريا نازفا بالكبرياء والوقار لكنة مؤشر على عقل ذكي وسيناريو خطير تمكن من توحيدهم هذه المرة في مواجهة رجل لايقل حظا عنهم وعبر مغامرات لم تكن في يوم من الأيام بهذا القسوة ولم يواجه زمرة بهذه الخطورة ومهارة العودة إلى قلب الحدث إحدى أهم ملكاتها بالإضافة إلى خصائص تجعلهم بامتياز فرقة ناجية .
إذا كان الإعلان الصاخب عن هذه الفرقة الناجية من أتون الجنوب تمثل في إعطائها حق تمثيل تلك الجموع المحتشدة فإن قراءتي لهذه الإستراتيجية تقوم على تحقيق نفس الهدف والمهمة التي أنجزوها منذ عام1967وحتى 1994م ؛ أي تقديم جهد منسق منظم يستنزف الوحدة اليمنية ويقدم البرهان على موضوعية الانفصال الذي يجد تمويلا له من أكثر من جهة ترى في هؤلاء أداة تصفيه حسابات مع اليمن وقيادته .
لكن السيناريو الذي فشل في 1994م؛ اليوم يعاد تنفيذه بعد مراجعة دقيقة استغرقت 13 عاما بطولها وعرضها مستفيدة من حالة الاسترخاء التي تعيشها القيادة اليمنية وهذا السيناريو يعتمد في 70% من فرص نجاحه على أسلوب إدارة الرئيس لهذه الأزمة وانتهازية تعاطي الإصلاح معها ؛فالذي وضع السيناريو يدرك ان تعطش الإصلاح للسلطة يجعله أهم أداة لتحقيق الغاية النهائية وهي الانفصال . كيف سيتم ذلك ؟

يمكن تلخيص هذه الإستراتيجية بجملة بسيطة تقول : إن الفكرة الخاطئة ان كانت معدة بشكل واضح ودقيق كان لها قوة أكثر من مبدأ صحيح ولكنه غامض
وإذا فتشنا في تاريخ هذه الوحدة نجدنا أمام حقيقة أنها وحدة بلا برنامج استراتيجي ولم تتبلور أداة وطنية ذات قاعدة اجتماعية عريضة وتمتلك المعرفة والعلم بحاجات التاريخ الوحدوي والحاجات الوحدوية ، إذا استثنينا علي عبدالله صالح الذي تطوقه عشرات التحديات وتستنزفه مئات الاعتبارات مما يجعله الضامن الوحيد لكنه ليس الضامن الأكيد في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة وهيئات دولة مترهلة وفاسدة ويمكن لأي مخطط أن يبدأ بجعله هدفاً مركزياً تمكنوا من خلاله تأزيم المشروع الاستراتيجي الوحدوي خلال الأعوام 90 ـ 94 ، ثم فرضت عليه الحرب ودفعوا البيض نحو الانزلاق إلى التأمر مع الخارج على مشروع كان هو أهم عوامل تحقيقه ، ورغم ان علي عبد الله صالح انتصر في الصراع العسكري لكن من يدير الفرقة الناجية استطاع أن يجعل من على ناصر يقوم بدور الحلول مكان الشركاء التاريخيين؛ بل قبلها عمل بوسائل الدس ليخرجهم من شراكة اندماجية وبعد انتخابات لا تمكن أحد النظر فيها فالمثل يقول :من يقطع قبل أن يقيس لا يفيد القياس بعد القطع والبيض والحزب الاشتراكي كانوا قد قطعوا. وهكذا استطاع الرئيس علي عبدا لله صالح الحفاظ على الجغرافيا والقرار السياسي والتمثيل الدولي ليمن واحد، لكن الحكومة والدولة كان يجري تمزيقها بصمت وغياب حد أن كل بنية إدارية أصبحت تلتقط حساسية في التعبير الجنوبي ،ورغم أنهم الأكثر فوزا في الحقائب والفرص ، ورغم أن التنمية توجهت نحو هذه المحافظات لكن الاستراتيجيه ظلت واحدة وتمثل بأكثر من وسيلة ، واغلبها تستغل موارد الدولة وتوجه الامتيازات في السلك الدبلوماسي والحكومي لتعميق أزمة وبناء نخبة نجدها بين حين وآخر تقفز كما قفز الحسني من قارب الرئيس لأن أوان الاستقواء بالخارج قد حان وأن المظاهرات والاحتجاجات وبناء الأخطاء الفادحة التي وقعت الحكومة فيها على شكل منظمات للمتقاعدين والعاطلين والدبلوماسيين...الخ، ليصيغوا ما يسمى بالخطاب الإعلامي والوعي المتفرد والمعبر عن الحس الجنوبي حتى تنظر دول العالم إليهم ليست كقضية مواطنين ، بل قضية جنوب بهدف إجبار الرئيس على إعادة النقاش حول الوحدة أو في أسوأ الحالات الضغط عليه لإعادة الاعتراف بهذه النخبة عن طريق وساطة إقليمية أو دولية، وبمجرد أن يبرم على عبدالله صالح معهم أي اتفاق يمنحهم حق استرجاع تمثيل القضية فإنهم سيعملون على تحقيق الانفصال بوسيلتين: الأولى : الانتظار إلى 2009 ، بعد أجراء انتخابات مأزومة ومشكوك بنتائجها حتى ولو كانت منظمات العالم الرقابية تشهد بسلامتها ليجعلوا الإصلاح يدخل في صدام الشرعية مع المؤتمر وربما في صدام ذي طابع مسلح . وهنا يتم إخراج مشروع 94 ، الذي جُمد في اللحظات الأخيرة ، والذي يقضى بإعلان جمهورية حضرموت والمهرة وجزء من شبوة وعاصمتها المكلا . وهذا حتما سيخلق صراعاً وتمزقا إضافياً داخل المحافظات الجنوبية وسوف تتشتت أولويات القيادة بين الحفاظ على السلطة والحفاظ علي الوحدة الوطنية . الثانية : أن تعود هذه النخبة إلى مراكز مفصلية في السلطة مما يدفع الموجودين ألان إلي النزوح غضبا تكتيكياً إلى محافظاتهم فيما يقود هؤلاء في صنعاء عملية استحداث أزمة تجعلهم ينتقلون من جديد إلى المحافظات الجنوبية بعد تهيئة الوسطاء الإقليميين لعملية استصدار قرار يمنع استخدام القوة لإعادتهم داخل مكونات النظام السياسي. هذا السيناريو يجرى تنفيذه بحنكة ومهارة معتمدين على رسوخ الحس السبئي في ثقافة الرئيس علي عبدالله صالح والقيادة السياسية التي تعمل من حيث لا تدري على إكساب هذا السيناريو فرص التوفر على نسب مشجعة للاستمرار به . فإذا كانت هذه الفرقة الناجية خطراً فإن هنالك أخطاراً أخرى لا تقل فداحة ، وأهمها نقص إدراك خطورة الأخطاء السبئية في التوحيد على تاريخ هذه المنطقة وعلى كل أشكال التوحد عبر التاريخ منذ سباء وحمير حتى انسياح الدولة الإمامية عن الجغرافيا . هذا ما يجب أن نتناوله. من يتذكر ما قلته في أغسطس 1994 ، أن من يعتقد أن الحرب انتهت فهو مخطئ، إن أسوأ جوانبها لم تبدأ بعد ، وإن من يعتقد أن الوحدة فوق القانون الاجتماعي يخطئ بل هي تقوم على قانون اجتماعي ، أما الانفصال فلا يحتاج إلا إلى إضعاف الطرفين السياسيين . وإذا كان علي عبدالله صالح قوياً فإن وضع الشعب أمام اختيار الوحدة أو المؤتمر سيكون الخيار الانتخابي للوحدة . وهنا سيتم إخراج عامل محوري يحافظ على الوحدة خارج مهمته كما أخرج الفساد الدولة والقيادة خارج مهمات التنمية.
نقلا عن صحيفة الشارع